مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3522 - 2011 / 10 / 21 - 03:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عن قصتي مع الإلحاد
- لا أعتقد أنه يمكن لسارتر أو غيره أن يكتب قصة أو مسرحية كابوسية بما يكفي لتعبر عن واقع البشر , فقط لفهم ما يعنيه رجال اللاهوت و رجال الدين بالقضاء و القدر , بالظلم الاجتماعي , بالفقر , بالمرض و الألم و الموت كقدر محتوم إلهي , و لفهم حقيقة الإله الذي يتحدثون عنه أقدم لكم هذا المثال : لنفترض أن ملكا , سلطانا , إمبراطورا , قديسا , إماما , أمينا عاما , أو ابنا لأي من هؤلاء , يحكم بشكل مطلق ألف شخص , قد قرر أن يعطي 3 أو 4 منهم مليون دينار أو درهم أو دولار , و أعطى عشرين أو ثلاثين آخرين ألفا أو ألفين , و حكم على البقية بأن يأكلوا الحشائش و بقايا موائد العشرين أو الثلاثين الشبعانين , ثم قال لجلاديه : اقتلوا مائة من هؤلاء الألف , لا تفرقوا بين رجل و امرأة , بين طفل أو شيخ , اقتلوه بعد أن تعذبوه بكل صنوف العذاب و الآلام التي تعرفون , ثم فكر قليلا و قال أخيرا لجلاديه : بعد أن ينجبوا أطفالا , عبيدا جدد , اقتلوا الجميع ! ( هذا هو المعنى الحقيقي للمرض و الموت ! ) يمكن أن يكون هذا فعل قوة غير واعية , فعل أمنا الطبيعة , التي أنجبتنا عفوا , لكن أن يكون هذا من فعل قوة واعية , إله أو غيره , فلا يمكن الحكم على مثل هذا الوعي إلا انه مريض في أحسن الأحوال , و حتى مجرد ترديد مثل الكلام يتطلب الكثير من انعدام الأخلاق و البلادة تجاه معاناة الآخرين و حتى نزعة مازوخية قوية لاعتبار الألم الشخصي الذاتي شيئا مستحقا على جرائم لم نرتكبها , الأمر الذي ندرب عليه بكل مهارة و إصرار طوال حياتنا الواعية , في أضعف الأحوال يشترط الدفاع عن مثل هذا الإله اعتبار الألم , الفقر , الظلم الاجتماعي و الاستغلال و العبودية شيئا طبيعيا , إن لم يكن شيئا جيدا , و أخلاقيا , أي حق , أي وجدان , أي قلب , أي إنسان , يستطيع تحمل مثل هذه الهمجية ؟
- عندما حطم إبراهيم الأصنام لأنها لا تضر و لا تنفع وضع معايير واضحة للآلهة الفعلية بحسب الكتب السماوية نفسها , على تلك الآلهة في أضعف الأحوال أن تدافع عن نفسها , دفاع بعض البشر عن آلهتهم شيء يتعلق بحريتهم أي بحريتهم كبشر و ليس بأي شيء آخر , لكن بعيدا عن حرية المؤمنين التي يستحقونها لأنهم بشر فإن دفاع مخلوقات ضعيفة فانية كالبشر عن أي إله يصمت على إهانته هو كما قال إبراهيم دليل على عجز ذلك الإله و ليس على طيبته
- الله الواحد الأحد , الفرد الصمد , هل كان أيا منا سيكون سعيدا بمثل هذه الحالة ؟ هل الوحدة الأبدية المرعبة و البلادة الكاملة هي التعبير الأمثل عن السعادة أو عن الكمال أو التفوق أو التميز ؟ هل القدرة على تعذيب الآخرين و على قتلهم و إفنائهم بكل صنوف العذاب و القتل الفردي و الجماعي ( فالموت هو في النهاية كما يعتقد رجال الدين و المتدينين هو تحديهم الأساسي إن لم يكن الوحيد في وجهنا كبشر و في مواجهة وعيهم الإنساني نفسه ) هي التعبير عن التفوق و التميز و هل يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال مصدرا للسعادة الذاتية عند أي كائن واعي , إلا إذا كان من جنس هتلر و مبارك و الأسد ؟
- الضعف البشري و حتى العجز البشري هو مصدر إلهام رجال الدين و الأنبياء و القديسين ( و لكن أيضا كل أزلام الطغاة و جلاديهم الفكريين العلمانيين منهم أيضا ) , خاصة لحظة الموت , "و ما بعدها" , حيث يمكن إضافة أهوال لا تنتهي إلى مرارة و هول الموت نفسه .. في النهاية يتفق كل أزلام الطغاة على أن الإنسان يحتاج لأن يكون عبدا على الدوام , علمانيين و متدينين , مسلمين و مسيحيين و يهودا , ستالينيين أو ليبراليين , أن الإنسان ولد ليعيش عبدا و ليموت عبدا , و أن مغامرته , حلمه بالحرية ليست إلا وهما
- قد لا نستطيع أن نقهر الموت , نحن أبناء هذه الطبيعة في النهاية و خاضعون لحكمها , لكن يمكننا أن نقهر الطغيان , أن نقهر الاستبداد , أن نقهر الاستغلال , ينهض العبيد دائما في وجه سادتهم , صحيح أنهم يموتون أخيرا , على يد سادتهم السابقين في كثير من الأحيان و دون أن يبارك موتهم أي رجل دين , لكنهم يعيشون أحرارا و يموتون أحرارا , فهذا في النهاية هو حقيقة إنسانيتنا كما أزعم
- لا شك أن الكثير من الحروب قامت بسبب أفكار إلحادية كما بسبب الأديان , و لو أن الأديان و الأفكار ليست هي التي تتصارع حقا في الحروب , من يتقاتل و ينتصر في الحروب ليست الأديان و لا الأفكار , بل الجيوش , الجنرالات , الدبابات و وسائل القتل الجماعي الأخرى , الأفكار تتصارع فقط في العقل , في حوار العقول الحر , و في الحياة خاصة عندما تحسن حياة البشر , علاقة الفكر أو الدين بالقوة , بالسلطة , بالعنف هي نفسها : العنف , السلطة , الإكراه يستخدم لفرض الدين و "الفكرة" و خلق آليات تأبيده من تكفير و تخوين و حكم بقتل المرتد أو الخائن و خلق كراهية الآخر و قتل أي روح أو نزعة للتمرد و للتفكير المستقل خارج السائد , الأديان و الأفكار السائدة حتى اليوم قامت على العنف و الإكراه , ضد الأتباع كما ضد "الأعداء" , على ممارسة الإكراه و العنف ضد أتباع تلك الديانات أو تلك الأفكار و فرضها على أتباعها بحيث تلغي وجودهم و تعطل تفكيرهم الفعلي و تحولهم إلى مجرد أدوات لصالح الطغمة التي تعتبر أنها تمثل و تختزل الفكرة أو الدين , بحيث تكون التضحية في سبيل تلك الفكرة أو ذلك الدين هي المعنى الوحيد لسعادتهم أو حتى لوجودهم , لا يستحق البشر شيئا , مصيرا أفضل , هكذا يعتقد الطغاة و كل أزلامهم
- هذا لا يعني إلغاء الأديان أو سائر الأفكار الشمولية بقرار من أعلى كما جرى في روسيا الستالينية أو تركيا الأتاتوركية , الحرية هي الشيء الوحيد الذي لا يمكنك أن تجر الناس إليه جرا كالأغنام , أي كلام كهذا يعني فقط حرية مزيفة , بل عبودية حقيقية في أحسن الأحوال , يجب هنا أن نرى الفارق الهائل جدا بين أن يحكم المؤمنون أنفسهم بأنفسهم كأشخاص , كبشر متساوين فيم بينهم و أحرار , يملكون مصيرهم بأيديهم , و أن تحكمهم طغمة ما تزعم العصمة و تدعي تمثيل فكرة – دين – أو مقدس ما غير قابل للنقد و بالتالي تعلن نفسها فوق كل البشر الآخرين الذين ليس أمامهم إلا الخضوع لها , و لا يملكون حتى حق انتقادها دون أن يصبحوا بذلك مرتدين أو خونة أو كفارا أو .........
- القوانين الدينية و الوضعية توضع لحماية الأوضاع السائدة و للدفاع عنها في وجه من تضطهدهم أولا و في وجه أي محاولة لتغييرها , تطور البشر من خلال التمرد على واقعهم و على أوضاعهم , و على تلك القوانين التي تعبر عن تلك الأوضاع , القوانين لم تسهم في تطور البشر و هي غالبا ما كانت عقبة أمام الأفكار و الاكتشافات الجديدة , لا توجد قوانين أو اكتشافات منسوبة لقديسين أو أنبياء أو صحابة أو أئمة , أنا و كثيرون غيري ممن ولد لأبوين مسلمين نؤمن بنسبية آينشتاين اليهودي و جاذبية نيوتن المسيحي , ليس بسبب يهوديتهما أو مسيحيتهما بل بسبب معقولية ما قالاه , لأنه يفسر العالم من حولي و لأنه ساعدنا كبشر في أن نعيش بشكل أفضل , تقول الكتب السماوية أنه عندما كانت كل القوى الطبيعية بتصرف النبي سليمان ما فعله عندها هو أنه بنى معبدا , و أرسل الجن ليأتوه بعرش بلقيس , لا تحدثنا الكتب المقدسة أن سليمان قد استخدم خاتمه ليطعم و لو شعبه على نحو أفضل أو ليعالج الأمراض مثلا , يستخدم القديسون و الأنبياء المرض لكي يشفوا الناس فقط كدليل على نبوتهم أو قداستهم , لكن حياة دون مرض ليست هي هدف أي دين من الأديان , و الموائد أو الطعام أيضا يستخدم كمعجزة فقط , لكن ليست أحد معجزات الأديان أو الآلهة أن يشبعوا البشر طوال الوقت , مهمتهم الحقيقية هي أن يبرروا جوعهم أغلب الوقت , الطغاة المعاصرون الملحدون أيضا فعلوا نفس الشيء , بنوا أصناما تدل على سيطرتهم و فرضوا تأليههم على مجتمعاتهم و استخدموا أفكار دنيوية أخرى و مختلفة لتبرير الجوع و الفقر و التهميش و استغلال الإنسان , لا يفكر الطغاة و الأنبياء أو القديسين في البشر العاديين إلا على أنهم شهداء , ضحايا , أشياء للاستعمال , أحيانا للاستعمال مرة واحدة فقط ثم يجري التخلص منها
- في عالم البشر لا يوجد أي مقدس حقيقي إلا تلك القيم التي يعني أن يعيش هؤلاء البشر حياتهم كبشر , الحرية , العدالة , المساواة , في عالم البشر الطغيان و الاستغلال و الاستعباد ليس مقدسا , إنه وصمة عار , قيد , نير , يجب تحطيمه مرة واحدة و إلى الأبد هذه المرة
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟