مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3455 - 2011 / 8 / 13 - 11:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
- بدأ كل شيء بعفوية تامة في 15 آذار في سوريا , هذه العفوية أنتجت إطارها الأولي : التنسيقيات , كما في السوفييتات الروسية و كومونة باريس و مجالس المدن القروسطية , إن التنسيقيات كشكل للتعبير عن إرادة الشارع و إدارة حياة الناس أكثر ديمقراطية من أي برلمان برجوازي عدا عن أية ديكتاتورية , إنها بالنسبة للديكتاتورية عدو خفي و قوي في نفس الوقت لم يمكن القضاء عليه مع كل همجية النظام , أما بالنسبة للحكام المحتملين لسوريا ما بعد الديكتاتورية فهي شكل مؤقت فرضته ظروف المعركة مع ديكتاتورية الأسد و حقيقة أن الناس خرجت بشكل عفوي لتقاتل في سبيل حريتها دون أوامر من سادتها المحتملين , أما بالنسبة لمستقبل سوريا هذا الشكل هو الأكثر ضمانا لما يسميه البعض السلم الأهلي , الطغاة و رجال الدين و محترفو السياسة هم الأكثر خطرا على الناس العاديين , فمصالحهم و عقائدهم و وصفاتهم أهم عندهم من ملايين السوريين و غيرهم من البشر , هناك قاعدة وحيدة ضرورية لحياة السوريين أو البشر في أي مكان في العالم : الحرية , الحرية بمعناها الأقصى أي حرية الناس العاديين ,
- مرعب ما وصل إليه البعض في تصفيقهم للشبيحة , لقد فرخت ديكتاتورية الأسد فاشيتها الخاصة و فاشييها , الفاشية بالتعريف هي أن تحتقر الآخر لهذه الدرجة و تقدس قاتله و عملية قتله و انتهاك إنسانيته بكل بشاعة , هذه الفاشية هي الخطر الحقيقي على السوريين العاديين اليوم و ليست حريتهم كما يزعم أزلام الديكتاتورية , لقد وضع بشار الأسد و من يصفق له حدا لأي إمكانية للتعايش بين الديكتاتورية و ضحاياها , اليوم القضية قضية حياة أو موت , إما الديكتاتور أو السوريين العاديين , يجب خوض المعركة حتى نهايتها , حتى انتزاع الحرية , و بجهود و تضحيات السوريين العاديين تحديدا , أي شيء آخر هو وهم قد يدفع الثوار ثمنه غاليا , يجب عدم انتظار الدعم , لا من أصنام الأرض أو السماء ,
- الثورة فعل تحريري لنا جميعا , لأنها في الأساس ثورة المهمشين , و بقدر ما يتحرر أكثر السوريين تهميشا من خوفهم و بقدر ما تزداد جرأتهم في مواجهة شبيحة النظام , بقدر ما تصبح تضحياتهم فعل تحريري لنا جميعا , يجب أولا أن نعترف أن الجزء الأقل تهميشا من الشعب يخشى حرية المهمشين و الفقراء أكثر مما يخشى ربما من الطاغية و من قتلته , هذا عكس تجربة مصر حيث كانت الطبقات الوسطى هي التي ساعدت في إطلاق عملية تثوير بطيئة لكن مستمرة للقاعدة المهمشة العريضة انتهت بثورة 25 يناير , إن ثورة المهمشين و بعدها حريتهم ذات طابع تحرري عام , إنها تقفل , و لا تفتح كما يزعم أزلام الديكتاتورية , صفحة التطييف الذي مارسه النظام ( و الأنظمة التي سبقته كل على طريقته ) و الذي بدأ منذ لحظة ولادته و تكرس منذ ثمانينيات القرن الماضي , إنها الطريقة الوحيدة على ما يبدو ليتخلص أبناء طوائف الأقليات من وصاية كبار الشبيحة و رجال دينهم و مثقفيهم و قياداتهم التقليدية و من سيطرة هؤلاء على قرارهم و أفعالهم التي حولتهم إلى ألعوبة بيد الديكتاتورية , صحيح أنه بالمقابل تلعب القوى التقليدية دورا هاما في موقف الشارع السني لكن على الأرض القيادة ليست بيد هؤلاء أبدا , و كما في كل ثورة يجب على هؤلاء أو غيرهم من الراغبين بتكريس سيطرتهم فيما بعد إضعاف إيمان الجماهير بحريتها و إصرارها على انتزاعها و ممارستها في النهاية و القضاء على أشكال التنظيم الثوري الجديدة – التنسيقيات , و هذا سيكون بحد ذاته معركة غير مضمونة و شاقة أمام هذه القوى التقليدية , هذه هي الثورة بالتعريف , إنها ذروة النضال في سبيل الحرية , و يخطأ من يغالط نفسه بأن الصراع في سوريا ليس بين المهمشين و من يقمعهم و يهمشهم , على الرغم من أية تقاطعات طائفية أو مناطقية مع حدود التهميش الاجتماعي تلك , فإن المعركة أساسا بين المهمشين و الديكتاتورية , و هذا بالتحديد سر قوة الثورة السورية حتى اليوم و هذا بالتحديد سر فشل النظام في هزيمتها ,
- للانتصار في المعركة ضد النظام وصفة بسيطة , يجب هزيمة قوى القمع , يجب أولا نزع أية شرعية جماهيرية و شعبية عن قوى القمع هذه , و يجب هزيمتها أساسا من خلال أعمال تضامن الجنود العاديين أبناء الطبقات المهمشة مع إخوانهم الثوار , و من خلال توسيع أعمال الانتفاضة , من المؤسف جدا أن الجزء الأقل تهميشا من المجتمع ينتظر أن يتمكن المهمشون من إضعاف النظام للدرجة التي يصبح فيها الانضمام للثورة غير خطر بل و ضروري , هذا يعني شيئا واحدا فقط , أنهم أشبه بالقديسين هؤلاء المهمشون و الفقراء ,
- لكن المهمشون و الثوار في سوريا ليسوا قديسين , و لا ملائكة , هذا باختصار لأنهم بشر , و لأنهم بشر يدافعون اليوم و يحاربون في سبيل حريتهم , هذا الصعود الهائل اليوم في إيمانهم بإنسانيتهم و بالتالي بحريتهم قد يتراجع ذات يوم , هذا صحيح , لقد حدث مرارا من قبل , لكن ذكرى هذه الأيام المجيدة ستبقى علما في تاريخ السوريين و تاريخ الشرق المستعبد , ما أعرفه عن السجون أن الناس هناك تفقد إنسانيتها و تتحول إلى كائنات آلية تبحث عن البقاء وسط عذابات يومية جهنمية , هذا يصح أيضا على سوريا الأسد من درعا إلى إدلب و من اللاذقية إلى القامشلي و البوكمال , الثورة هي الفعل الإنساني الوحيد الذي يمكن للمسجون أن يقوم به ليثبت إنسانيته و لينتزعها إذا استطاع , و هذا بالضبط ما يفعله السوريون اليوم ,
- أرجو ألا يتحول الحوار المتمدن إلى مكان لالتقاء ضباط المخابرات السورية الأشاوس و منظريهم الأشداء , لا اليوم و لا في الغد عندما ينتصر السوريون على تاريخ و حاضر من الموت و القتل و القمع الهمجيين , طبعا هذه ليست دعوى قضائية ترفع للمسؤولين عن الموقع فأنا لا أؤمن بالقوانين التي يضعها البعض بما فيه مصلحته , و لا دعوى لممارسة رقابة ما مرفوضة و مدانة و معادية للإنسان أينما مورست في أي مكان من العالم ضد أي رأي , إنه تعبير عن استياء شعر به الكثيرون و دعوة لقراء الحوار لتقديم بادرة تضامن بسيطة مع ضحايا الديكتاتورية في سوريا للتعبير عن هذا الاستياء و إدانة كل من يدافع عن القتلة , فبينما يجد بعض ممن يكتب دفاعا عن النظام ما يكفي من الوقاحة للدفاع عنه هنا على أنها جزء من حرية الرأي , رأيه , و التي تعني بالنسبة له حرية الدعوة إلى و الدفاع عن الفاشية و الديكتاتورية , يصفق هذا البعض لانتهاك أبسط حقوق البشر الأولية و الأكثر بدائية من قبل سيدهم المجرم في قصر الشعب المحتل على سفح قاسيون , لقتل الآلاف و سحلهم بكل همجية , بسبب جريمة واحدة ارتكبوها هي أنهم استخدموا حبالهم الصوتية بطريقة لا تعجب جزار دمشق الفاجر , هذه هي حريتهم و هذه هي حضارتهم , على هؤلاء الذين لا يرون في معظم السوريين إلا قطيعا من الهمج الذي يجب ذبحه لصالح الطاغية , إذا رفض أن يعمل مجانا لملء جيوب سادتهم القتلة , عليهم أن يفكروا جيدا في المستقبل القريب عندما ينتزع هؤلاء الهمج حريتهم بالفعل من ذلك الديكتاتور ....
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟