مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 01:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الحقيقة أنني أحترم ثوار سوريا , و هذا يعني بالنسبة لأي تحرري ألا يقبل أولا أن يكون خاضعا لأي سيد و ثانيا ألا يقدم نفسه على أنه السيد الأفضل لأي إنسان على الأرض , لا لمجموعة من الناس و لا لشعب أو طائفة أو للبشرية جميعا , أي أنه ينظر للجميع على أنهم أنداد متساوون , له أولا و لأي صاحب سلطان في الأساس , هذا ما يعنيه احترام الآخر عموما بالنسبة للتحرري و احترم الشباب الثائر في سوريا بالنسبة للتحرريين السوريين , لكن هذا شيء لا علاقة له بالمرة بالقبول بالإيديولوجيات و الخرافات أو الحقائق العلمية أو ما يساوي نفسه بها من فرضيات فلسفية أو ميتافيزيقية أو دينية الخ , التي تروج بين الناس و التي تكون أساس إخضاعهم أو استعبادهم لأقلية ما ... لا توجد مشكلة للبشر حقا مع الله إلا عندما ينسب بعض البشر , أقلية من البشر , لهذا الله ضرورة أن يكونوا هم , سادة على بقية البشر دون حتى أن يكون لهؤلاء الحق في القبول أو الرفض , أو عندما يتخذ الله ذريعة للنهب و السرقة و الاستغلال و القمع , و أيضا عندما يحول الله إلى عنصر إحباط لنضال الجماهير المستغلة و المقموعة و المهمشة ضد من يستغلها و ينهبها و يقمعها ... لنقل بصراحة , أن التغيير الحاسم الذي طرأ على سوريا منذ 15 آذار الماضي هو أن شبابها , فقراءها , قرروا أن يضعوا حدا لقمع و استغلال و نهب النظام لهم , لم يأمر أحد هؤلاء المنتفضين بأن يفعلوا , لقد حاول ذلك كثيرون في الماضي من أعداء النظام , الداخليين و الخارجيين , الذين يحبون الشعب السوري أو يكرهونه بقدر ما يكرهه نظام الأسد , لكن الظروف الموضوعية و الذاتية التي كانت قد نضجت في 15 أو 18 آذار بمساهمة من النظام نفسه و التي على رأسها إرادة السوريين العاديين و تصميمهم على انتزاع حياتهم و حريتهم هي التي حولت سوريا إلى بركان في وجه الطاغية .. يفترض أن السماء كانت ترى ما يتعرض له السوريون العاديون , بالتالي يمكن القول أنها كانت ترى و تسكت , في الحقيقة يتقرر كل شيء هنا على الأرض , فيم إذا كان السوريون سيبقون عبيدا و مستغلين أم سيصبحون أحرارا يملكون ما ينتجون , حتى الأنبياء كان عليهم أن يخوضوا صراعا طاحنا ضد القوى الأرضية المعادية لهم قبل أن يصبحوا سادة لقسم من هذه الأرض , و كان على الدول أو السلطات التي نسبت نفسها إليهم أن تقوم و تستمر بالبقاء فقط بالسيف و السوط و المقصلة أو الخازوق دوما , لم تعتمد أبدا فقط على دعم السماء لها كما تدعي , و في حروب إخضاع و نهب الشعوب المجاورة كانت تستخدم أيضا السيف و من ثم المنجنيق و المدفع و أخيرا القنبلة النووية , رغم أنها كانت تطلب من عساكرها أن يصرخوا لإلههم في كل الأحوال , لكن لا العرب الذي غزوا جيرانهم و وصلوا حتى إسبانيا اكتفوا بدعاء إلههم و لا الإسبان الذين غزوا الهنود الحمر في أمريكا اكتفوا بذلك , و عندما كانوا ينتصرون في الحروب كانوا يعتبرون نسبة للسماء ذاتها التي عبدها الجميع , المنتصر و الخاسر في نفس الوقت , أن ما كان يملكه الخاسر قد أصبح حقا مشروعا لهم , الأنبياء أنفسهم بعد أن قضوا على أية مقاومة بين الشعوب التي سيطروا عليها لم يكتفوا بعبادة إله السماء التي يفترض أنها قضيتهم الفعلية , سيتمتعون بكل اللذات الأرضية , و أخلافهم و خدمهم و السلاطين الذين سيتولون حكم الممالك و الإمبراطوريات التي قامت باسم إلههم سيستبيحون كل شيء , سيكون على الفقراء في تلك الشعوب أن يعملوا بكد و اجتهاد مقابل الفقر الذي اعتبر قدرا من السماء بينما يتمتع أولئك الذين لا يعملون بما أنتجه أولئك الخدم المساكين باسم السماء أيضا , عندما اعترض أبو ذر على تطاول هؤلاء الأغنياء في العمران مع بقاء غالبية المسلمين في الفقر , أي مع مخالفة الطبقة الحاكمة في صدر الإسلام و تدميرها لقانون التضامن الإنساني الذي كان يفرض على أفراد القبيلة الواحدة أن يتوازعوا و يتقاسموا فيم بينهم ما يملكونه الأمر الذي كان يعني أن تمتلك تلك الطبقة و تحتفظ بكل شيء , عندما أنكر أبو ذر ذلك على معاوية تصدى له السلطان , كان وقتها يسمى خليفة و اسمه عثمان , و اعتبر أن قانون التضامن الإنساني ليس جزءا من المقدس الذي على الناس الرضوخ له , بل أن حق تلك القلة في تملك كل هذا المال و التمتع به كيفما شاؤوا هو المقدس الذي على الآخرين , على الفقراء الرضوخ له بقوة السيف , و عوقب أبا ذر بالنفي , اليوم أيضا لا يمتنع رجال الدين عن ركوب السيارات التي اخترعها و صنعها الكفار و لا عن التمتع بالفيلات الرائعة أو الطعام اللذيذ , مع أن هذا متاح فقط لأقلية من البشر , من البشر الذين لا يعملون , بينما تعاني الأغلبية التي تكدح من الفقر و تعيش في منازل أقل و أصغر و من دون أدوات الرفاهية الموجودة في قصور السلاطين و رجال دينهم و تستخدم رجليها أو المواصلات العادية للتنقل , إنني احترم الثوار السوريين بما في ذلك المتدينين منهم لكن هذا لا يعني أن أحترم رجال الدين عندما يفسرون مقدسهم بضرورة أن يكون الناس العاديين عبيدا و أن يبرروا لأقلية ما أن تملك و تحكم دون أن تعمل , إنني أحذر الثوار السوريين , المتدينين منهم خاصة , و سأبقى أحذرهم من رجال الدين و من محترفي السياسة الذين يريدون أن يصبحوا أسيادا عليهم , الذين قد يريدون إسقاط هذا النظام بالذات لكن فقط لإقامة نظام تستمر فيه أقلية ما لا تعمل بامتلاك كل شيء و بإخضاع الملايين لقانونها هذا بينما تعمل فيه الغالبية التي لا تملك , إنكم تستطيعون أن تكونوا سادة أنفسكم , إنكم لا تحتاجون إلى أي نوع من السادة , و ستكونون بحالة أفضل , بل بأفضل حال , فقط إذا أصبحتم سادة أنفسكم , عندها سيأكل الجميع بقدر ما يعملون , عندها سيعيش الجميع حياة لائقة و يسود مرة أخرى قانون التضامن الإنساني بين البشر , و عندها لن تكون هناك سجون , لأنه ببساطة لن يوجد قمع , لن توجد أقلية تريد الدفاع عن امتيازاتها باسم القانون , لن يسرق الناس ما هو ملك لهم جميعا , و لن يختصموا على من سيكون السيد بين عدة متنافسين يستخدم كل منهم حججا و مزاعم مختلفة لأنه لن يكون هناك سادة و لا عبيد , سيكون الجميع سادة أنفسهم .. صحيح أننا اعتدنا على فكرة من يحمينا و الخضوع لهذا الذي يدعي أنه وجد ليحمينا فقط , تعود هذه الفكرة لفترة الطفولة عندما نتعلق بآبائنا كقوة نعتقد أنها تحمينا مما نعتقد أنه خطر , من الآخرين في أكثر الأحيان الذين لا يريدون بنا شرا , لكن الحقيقة أن آباءنا كانوا هم أنفسهم يبحثون عمن يحميهم من ظلم و قهر النظام الاجتماعي و السياسي الذي عاشوا في ظله و أنهم في حالات كثيرة , على الأقل بالنسبة للملايين من الفقراء , لم يستطيعوا أن يحموا أطفالهم بالفعل من سوء التغذية و التعليم و حتى الموت لأسباب و أمراض قابلة للشفاء في معظم الحالات , الحقيقة أن الملايين جاعت و تجوع , تألمت و تتألم و تموت دون ذنب , أن الملايين لا تجد حتى من يخفف عنها ألمها و هي تموت بلا جدوى و بشكل عبثي تماما , تماما كما يموت اليوم الآلاف في سوريا لأنهم يهتفون للحرية , الحقيقة أنكم أنتم من تحررون أنفسكم اليوم و هذا هام جدا لأنه يعني أنه لا فضل لأحد في حريتكم , أن أحدا لا يستطيع أن يزعم فيما بعد أنه قد حرركم بمعنى أنه يجب أن يكون سيدكم الجديد , بمعنى أن تستمر صيغة , علاقة السيد – العبد و أن تكونوا أنتم أيضا العبيد , أنتم تحررون أنفسكم بأنفسكم اليوم من ظلم و استغلال هذا النظام , من دون دمائكم و تصميمكم لن ينتهي ظلام القمع و الموت و الخوف من سوريا , السفير الأمريكي جاء و ذهب , و رجال الدين يدعون السماء ليل نهار , لكن لولا ثورتكم لما كان فجر الحرية يقترب اليوم , السماء كانت دائما و دائما كان هناك من يصرخ من الألم و الفقر و القهر , لم ينته الألم إلا عندما سعى من يتألم بالذات و الآخرون الذين تعاطفوا معه لإنهاء سبب ذلك الألم , و لم يهتز الطغيان و القهر و لم تتزلزل الأرض تحت المستبدين إلا لأن ضحاياهم صمموا على مقاومتهم و الثورة في وجوههم , أنتم وحدكم من يقاتل و وحدكم من سينتصر
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟