مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3470 - 2011 / 8 / 28 - 10:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ بداية الثورة السورية و ديكتاتورية الأسد تفعل كل ما بوسعها لنفي القضية المركزية في الثورة : أن السوريين أنفسهم , السوريين العاديين , الذين كانوا ضحية قهر و اضطهاد و تعسف ديكتاتورية الأسد هم من يثور ضد النظام , اتهم أزلام النظام أولا الفلسطينيين في مخيم درعا ثم بدأت قصة بندر و أخير المجموعات الإرهابية المسلحة , و تمايل أزلام النظام , إن صحت تسميتهم بالأزلام , مع إعلامه يسارا و يمينا , و مع شبيحته شمالا و جنوبا و شرقا و غربا في كل أرض حطت فيها أقدامهم و دباباتهم و رصاصهم , القذافي أيضا كان يعيش نفس الحالة لكن بعمق و توهم أكبر , بعد أكثر من 40 عاما كان يتصرف خلالها كإله صغير اعتاد على تصفيق رعيته المنافق و على مديح بطانته التافه كان من الصعب عليه أن يفهم هو شخصيا أن هؤلاء قد يقفون ذات يوم في وجهه ليطالبوا "بحريتهم" , بشار أيضا يعتقد أنه طالما كان بخير "فسوريا بخير" , لم يشعر بشار يوما أن ما فعله بالسوريين قد جعلهم في عسر شديد , و اليوم أكثر من السابق , لم يفهم بشار بعد أن السوريين يفضلون الموت بيد شبيحته على الحياة تحت نظامه في سوريا الخاصة به رغم أنها بالنسبة له ما تزال بخير , أذكر أني سمعت شيئا كهذا من شخص كان يعيش في جنوب أفريقيا قبل القضاء على نظام الأبارتيد , كان هذا الشخص يسمع البيض المحليين و القادمين من أوروبا و هم يتغنون بسحر و جمال جنوب أفريقيا , كانوا عاجزين تماما عن رؤية ملايين السود من حولهم الذين كانوا يعيشون حياة بائسة جدا في معازلهم , الديكتاتور , سواء بشار أم القذافي أم مبارك الخ , لم يشعر يوما بالناس الذين جعلهم نظامهم بائسين , حتى عندما ينتفض هؤلاء في يأس , ما أغضب القذافي و الأسد أنه لم يعد بإمكانهما قتل شعبيهما وسط تصفيق أو صمت بقية القتلة السلطويين في العالم , أي الحكومات الأخرى في العالم ... الناتو يحاول القول في ليبيا , و الشرق عموما بعد فشله في إيقاف المد الثوري , يحاول القول بأنه دون قصف طائراته لما كان ممكنا لآلاف الليبيين أن يعيشوا ناهيك عن أن يتمتعوا بحريتهم , يقول منطقه أنهم مضطهدون لا شك لكنهم أضعف من أن يحرروا أنفسهم بأنفسهم , و بالتالي أضعف من أن يحموا أنفسهم في المستقبل , ليس فقط من أي خطر خارجي , بل من خطر الديكتاتورية الداخلي , من هنا يتابع "الرجل الأبيض" مهمته في تحضير الهمج , بل و حتى الإبقاء على حياتهم , طبعا ليس من دون ثمن , من دون الذهب , إنه نفس منطق الديكتاتوريات المتعفنة البعثية – الجماهيرية و نفس منطق المقاومة السلطوية المرتبطة بها , في سبيل "المقاومة" يجب أن يتنازل الناس عن حريتهم و عن لقمة خبزهم و أن يقبلوا بالعيش عبيدا , بالنسبة للطرفين خلق الناس عبيدا , القضية هي في من هو السيد الأفضل , أو الأقل شرا , لكن في هذا الصراع هناك لعبة أخرى , أعمق من هذا التنافس على استعباد الناس في شرقنا , فنحن هنا أمام تكامل حقيقي , يعيد إنتاج علاقة أقرب للهدنة المفتوحة , تكامل و هدنة تخدم مصالح الطرفين , تماما كما كان الحال في الحرب الباردة , على الأقل ما قبل ريغان , لقد تعايش المتناقضان لدرجة أن كل منهما كان يدعم عمليا استمرار الآخر , لم تكن المكارثية ممكنة في أمريكا لولا تركيز آلة البروباغندا الأمريكية الجبارة على أهوال الستالينية , و كان الحرس الأبيض ثم الإمبريالية هي حجة ستالين و قبله لينين و تروتسكي و بعده خروتشوف و بريجنيف لقمع الناس و لقتل و انتهاك إنسانية الملايين بفرض العمل العبودي عليهم , أحمدي نجاد اليوم يتحدث عن القضاء على إسرائيل و عن أمريكا كشيطان أكبر , لكن نفوذ نظامه في بغداد و أفغانستان تعايش بكل هدوء مع سيطرة الشيطان الأكبر , الخميني نفسه لجأ إلى هذا الشيطان ليشتري منه سلاحا يقتل به العراقيين , ابن لادن نفسه عاش طويلا في كنف المخابرات المركزية و معها مخابرات كل الدول التي تحاول اليوم قمع أي وجود للقاعدة بكل شراسة ممكنة و التي كانت تدعو يومها للجهاد في أفغانستان , لا تنتهي التناقضات هنا , لنصدق لدقيقة , كمهابيل , أن أزلام النظام السوري و الجماهيري المقبور , يتحدثون فعلا عن المقاومة , فالحقيقة أن العصابات الإرهابية المزعومة المعادية التي يواجهها نظام بشار أو التي يخوف الآخرين بها و التي تتعامل في نفس الوقت مع الإمبريالية ليست إلا نسخة في أفضل الأحوال عن حماس و حزب الله , قوة ميليشيوية دينية تكفر خصومها و لو كانت براغماتيتها تدفعها للتعايش مع وجود هامشي و مقموع لهؤلاء الخصوم مؤقتا , ليس هذا فقط , إذا كانت القضية تتعلق فعلا بمقاومة و معاداة الإمبريالية فعلى السيد بكداش أن يكون من مؤيدي بن لادن اليوم و ليس بشار الأسد , بن لادن عدو حقيقي لهذه الإمبريالية و هو الذي هاجمها في عقر دارها بينما انتقد النظام السوري غزوة مانهاتن تلك , لنتوقف عن الهراء الآن , على الليبيين اليوم أن يدافعوا عن حريتهم , من أي طرف يحلم بالقضاء عليها , سواء السيد ساركوزي أم مصطفى عبد الجليل , أم بالتأكيد سيف الإسلام , تعني حرية الليبيين أن يرحل هؤلاء أو أن يبقوا كليبيين عاديين بعد أن يدفعوا ثمن جرائمهم , و أن يعملوا مثل الآخرين ليستحقوا حياة كريمة , لا نحتاج في سوريا أيضا إلى طائرات الناتو , قتلنا طويلا , و بالمناسبة لم تبدأ المجزرة في 15 آذار مارس الماضي , لقد بدأت منذ وقت بعيد , بعد كل هذه الضحايا نستطيع أن نهزم قيودنا دون طائرات الناتو , سنكون أيضا يومها في وضع أقوى لندفع حريتنا إلى أقصى ما يمكن , إلى أقصى ما نستطيع , أخيرا خلافا لأزلام و أبواق الأنظمة الديكتاتورية التي تريد تشويه ثوراتنا , فإن الثورات لا يمكن الحكم عليها سلفا , صحيح أنها قد تنحط , أو قد تهزم , لكنها مثل أي حادثة في التاريخ , لا يمكن التنبؤ بها سلفا , يمكن الجزم هنا أن الثوار الباريسيين لم يكن بمقدورهم أن يتخيلوا و هم يحطمون جدران الباستيل أنهم سيطلقون أشهر ثورة في العالم و أبعدها أثرا , و لا كان من الممكن في فبراير شباط 1917 تخيل أن عمال بتروغراد كانوا على وشك أن يطلقوا أكبر ثورة اشتراكية ظافرة في العالم , و لا كان أحد يتخيل في فبراير شباط 1979 أن الثورة الإيرانية ستنحط إلى نظام ثيوقراطي قمعي بينما كانت الثورة الإيرانية تبدو في عنفوانها .. في الثورات يخوض الناس , تخوض كل الطبقات و الفئات المشاركة في الثورة , غمار الصراع بكل قوتها , و تتحدد النتيجة النهائية كمحصلة لهذه الجهود المتناقضة , هذه النتيجة لا يستطيع أحد أن يعرفها سلفا , و من يزعم هذا فهو ببساطة يعبر عن رغبة ذاتية , يريد أزلام الأنظمة و القوى الرجعية أو قوى الثورة المضادة في الدولتين التي انتصرت فيهما الثورة أن يقنعونا أن كل شيء سينتهي بمجرد إجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية و عندها يجب أن يعود الناس إلى ممارسة السمع و الطاعة بعد أن يكونوا قد "اختاروا سادتهم هذه المرة" , هذا غير صحيح أبدا , الثورات لا تبدأ بأمر من أحد و لا تنتهي بأمر من أحد , و نحن اليوم نشهد عنفوانها الهادر , في الثورات يتوقف الناس عن ممارسة السلبية فيما يتعلق بحياتهم و يأخذوا الأمور في أيديهم , صحيح أن الجميع سيحاولون فيما بعد استعادة "الهدوء" و "النظام" , لكن الثورة تعني أن هذا يجب فرضه فرضا , أن وقت الانصياع و الاستسلام الأعمى قد ولى و على الطغاة المحليين و الأجانب أن يبذلوا كل ما بوسعهم لقهر إرادة الناس , إلى حين ......
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟