أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - قضية الهاشمي والقضاء العراقي المستقل















المزيد.....

قضية الهاشمي والقضاء العراقي المستقل


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 3584 - 2011 / 12 / 22 - 19:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


البعض بات يتحدث عن حيادية أو عدالة القضاء العراقي وكأن العراق فجأة صار يتقدم على سويسرا أو السويد, بالله عليكم كيف تكون المغالطة إذن, وليسأل أيا منكم نفسه, هل كان القضاء العراقي في أي يوم, ومنذ تأسيس الدولة العراقية وحتى هذه اللحظة محايدا بالفعل أو نزيها أو حتى حرفيا.
ذلك لا يعني مطلقا بأنني اطعن في شرف هذا القضاء أو أخلاقية القائمين به, ولكنني أتحدث هنا عن مهنة كباقي المهن وعن ناس كباقي الناس, وفي هذا لن أتجنى إذا قلت أن القضاء مثل غيره من المهن الشريفة قد خضع إلى تقلبات الأوضاع ومؤثرات الظروف التي لم تكن الملائكة حينها قادرة على أن تنجو من ضغوطاتها.. لا يا سادة لا تخدعونا بمعسول الكلام, قضاء البلد هو كالبلد ذاته, ولا يأتي رجالاته من الفضاء بل هم بشر مثلنا يخضعون لما نخضع إليه, بل أنهم قبلنا أكثر عرضة للتهديد والرشوة والابتزاز, ولقد عاصرنا أكثر العهود العراقية منذ تأسيس الدولة الحديثة وحتى هذه اللحظة ورأينا كيف كان القضاء يتبع الحاكم ويأتمر بأمره, فمنذ الحكم الملكي الذي كان الأخف وطأة على قضاته, إلى حكم الزعيم عبدالكريم قاسم وقاضي قضاته العقيد المهداوي, إلى حكم شباط ومكتب تحقيقاته الخاص, إلى حكم الأخوين عارف, والأول منهما على وجه التخصيص, إلى جمهورية البعث الثانية حيث المحاكم الخاصة, يمكن للمرء أن يقول أن القضاء العراقي كان أكثر قضاء تسييسا على وجه الأرض, وكان على الدوام ذراع الحاكم اليمنى لضرب خصومه.

أما في العهد الحالي, فلقد حاول العراق أن ينأى بقضائه عن فعل السلطة التنفيذية على الأقل, ولكن ذلك كان في التلفزيون فقط, وعلى وجه التخصيص في المحكمة القضائية التي شكلت لمحاكمة صدام ورموز عهده, ونحن ندري أن ذلك لم يكن لوجه الله أبدا, أو أنه جاء انعكاسا لبنية ديمقراطية متماسكة أفلحت إلى حد كبير في تحقيق استقلال قضائي ناجز, وإنما جاء بالأساس لأن الأمريكان أرادوا من خلال محاكمة صدام أن يشغلوا العالم بالقصة التي تؤكد على نجاحهم في بناء تجربة ديمقراطية متماسكة لكي يغطوا على فشلهم في تقديم المستمسكات القانونية التي تجيز لهم تلك الحرب وتشرعها. وحتى مع محاولة إبراز الوجه القضائي المستقل لتلك المحاكمة فقد جرى اغتيال اثنين من المحاميين اللذين تكفلا بالدفاع عن المتهمين بينما اضطر بقية المحاميين للبقاء خارج العراق حرصا على أرواحهم.

بعيدا عن تلك المحكمة كانت الشوارع والمؤسسات العراقية الأمنية جميعها تمارس القضاء بما يتناغم مع الظروف آنذاك, وهي ظروف دموية قاهرة لم يكن مقدرا للقضاء العراقي أن ينجو منها,ويمكن العودة السريعة إلى ما قبل سنوات قليلة لكي نتذكر كيف كانت السجون تمارس عمليات القتل والتعذيب لصالح الأحزاب والأشخاص والميليشيات, ولنتذكر محكمة وزارة الداخلية وأدوات التحقيق التي كان منها الدريل, ومحاكم بعض رجال الدين التي أسموها بالشرعية, أما على الجهة الأخرى فقد كانت القاعدة والتكفيريين تقطع الرؤوس ولا تحتاج سوى إلى تكبيرة بإسم الجلالة. وعلينا أن نتذكر أن العراق الجديد كان يجري تصنيعه وهو في حالة حرب ولذلك لم يكن قضائه حتى في أفضل حالاته بعيدا عن تأثير تداعيات تلك الساحة وإنحيازاتها وانتماءاتها وبيئتها القاتلة.

أما في اليوم الحالي فإننا حينما نقول أن القضاء العراقي هو في مواجهة ضغوط قد تضعه في موضع غير مريح فلأننا نؤمن أن هذا القضاء هو جزء من مجتمع ما زال يعيش إرهاصات التقسيم والتشرذم والتقاتل, وإن الاتفاق على أنه ألان هو في وضع أفضل من السابق لا يمنع المطالبة بتوفير الأجواء اللازمة لضمان حياديته وابتعاده عن التأثيرات السياسية, بل أننا نظن أن الحاجة إلى ذلك باتت ماسة جدا, فحيث يواجه العراق أوضاعا بالغة الخطورة بعد الاتهامات الموجهة لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي فإن اللجوء إلى توفير أقصى الضمانات لحماية حيادية القضاء العراقي هي من واجب رئيس الوزراء قبل غيره وأجد أنها ستصب في صالحه أكثر من غيره.

وأرى أن عدم الاهتمام بهذا الجانب والاعتقاد بان نقل المحاكمة إلى أربيل سوف ينال من هيبة ونفوذ رئيس الوزراء أو من هيبة الدولة ليس صحيحا على الإطلاق لأسباب متعددة منها أن أربيل هي أرض عراقية, إلا إذا أعتقد أحد بأنها لم تعد كذلك, ولقد سبق لرئيس الوزراء أن أرتضى التوقيع على اتفاق أربيل التي تشكلت بعدها الوزارة, والتي كان قد رعاها رئيس الإقليم الكردي فلماذا يرى البعض في انعقاد المحاكمة على أرضها سابقة خطيرة, خاصة وأن لا أحد بمقدوره أن ينكر مطلقا الدور الذي لعبه الأكراد للتوفيق بين الأطراف العراقية المتنازعة.
فإن قيل, أن هذه لا تشبه تلك, فسأقول.. لقد كانت هناك سابقة على هذا الطريق يوم أن تمت محاكمة السيد فلاح السوداني المتهم بسرقة مليارين من أموال وزارة التجارة المخصصة لتمويل الحصة التموينية في مدينة هي غير العاصمة بغداد, وهي مدينة الديوانية أو السماوة على ما أتذكر, وليس من السهولة نسيان موقف السيد رئيس الوزراء المساند بقوة لوزيره الذي كان جزءا من تآلفه وحزبه والذي ارتضى بعد جهد كبير بالموافقة على قرار مجلس النواب الذي قضى بسحب الثقة من الوزير.
وبقية فصول قصة السيد فلاح السوداني معروفة لجميع العراقيين حيث أقدمت تلك المحكمة على تبرئته وفتحت بالتالي طريق مغادرة إلى العراق بحقائبه المتخمة بالدولار الحرام, وربما سأسمع من يقول أن قضية السيد الهاشمي هي أخطر من قضية السيد السوداني, فهذه قضية إرهاب وتلك قضية سرقة لكني ساجد بالمقابل من يقول إن سرقة على تلك المستوى فيها من التخريب ما يعادل أضعاف ما في التهمة الموجهة للهاشمي, وبذلك فأنا لا أبرء الهاشمي هنا من تهمته, إذ ليس من حقي ولا من صلاحياتي ولا في قدرتي أن أفعل ذلك وإنما أنا أحاول أن أزن الأمور بموازينها الصحيحة, لا بل أن الاعتراف بخطورة هذه القضية هو الذي يجب أن يدفع بضرورة أن تجري المحكمة ضمن ظرف ومكان يضمن قبول الأكثرية بحياديتها وسلامة قرارها.

وأجد أن من المهم جدا عدم اللجوء إلى تبسيط موضوع خلافي على هذه الدرجة من الخطورة, فالتبسيط قد يكون أشد خطورة من التعقيد بكثير لأنه وخاصة في الحالة التي نتحدث عنها قد يكون طريقة لإعلاء كلام الحق الذي يراد به باطل , وإذ يطمح الجميع ويتطلع إلى وجود دولة ديمقراطية بقضاء مستقل فإن التأكيد على وجوده حاليا, اي بمعزل عن تأثيرات السياسة هو نوع من الحلم المؤجل أو هو محاولة حكومية يسهل إثارة الشكوك حولها فالوضع العراقي السياسي هو على درجة كبيرة من الاختلاف, لا بل أن اتهام نائب رئيس الجمهورية بهذا الاتهام هو دليل على مدى انهياره وقابليات انفجاره الشديدة.
وأود أن أذكر بأن السيد مقتدى الصدر نفسه كان قد عاصر قضية قانونية سياسية بعد صدور مذكرة اتهامه بمقتل السيد عبدالمجيد الخوئي, وهو على دراية كاملة بقصص وضع القضاء في خدمة السياسة, وخضوع ملفات الاتهام إلى مناورات سياسية لهدف الحصول على تنازلات كبيرة, وهو إذ يطرح اليوم مبادرة ميثاق الشرف بين العراقيين فلا بد وأن يحسب أن قضية الهاشمي جاءت متناقضة مع هذا الميثاق قبل توقيعه, وربما سيكون عليه أن يتساءل حول ما إذا كان إثارة هذه القضية قد جرى استباقا لأشياء عديدة وفي المقدمة منها مبادرته بالذات, ثم أن عليه أن يتحرك على ضوء تجربته تلك لإحاطة قضية الهاشمي بكل ما يمنع الاصطياد بماءها من أجل مصالح مغرقة في الذاتية على حساب دم أهلنا العراقيين.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يتآمر على سوريا.... نظامها, أم قطر والسعودية.. ؟!
- الانتخابات المصرية.. بين المطلبي والسياسي
- اغتيال المالكي.. قصة الكيس وفئرانه الخمسين
- العلمانية.. إنقاذ الدين من ساسته ومن كهنته
- إلى اخوتنا في صلاح الدين.. (3)
- إلى إخوتنا في صلاح الدين... 2
- لا يا إخوتنا في صلاح الدين.. حوار لا بد منه.. (1)
- رسالة إلى المحترمين خبراء النفط العراقي*
- التحفظ العراقي.. كم كان صعبا عليك يا هوشيار تفسيره
- علاقة البعثيين بفدرالية صلاح الدين*
- ليس بالفدرالية وحدها يتجزأ العراق
- ماذا قالت كونديليزا رايس عن الحرب مع العراق
- حينما صار أعداء الفدرالية أنصارا لها
- من سايكس بيكو إلى محمد حسنين هيكل.. قراءة جديدة للتاريخ
- ثقافات سياسية تائهة
- سوريا, العراق, البحرين.. رايح جاي
- سوريا.. استأثر حاكمها فأساء الأثرة وجزع شعبها فهل سيسيء الجز ...
- التسامح وصِلاته الدينية
- ستلد الطائفية نهضة حينما تلد القرود أسودا
- المشي مع السلاحف أم الركض كما الغزلان


المزيد.....




- بحضور إيتمار بن غفير.. تظاهرة في سديروت تدعو لبناء مستوطنات ...
- -وضع العبوة مباشرة تحت الدبابة-..-القسام- تستهدف جنود وآليات ...
- بوتين يوقع المراسيم بشأن تعيين الوزراء الجدد
- السعودية.. الملك سلمان بن عبد العزيز يرحب بـ-ضيوف الرحمن- ال ...
- وسائل إعلام إسرائيلية تكشف حصيلة قتلى الجيش الإسرائيلي والمس ...
- أندريه بيلاوسوفوزيرًا للدفاع في روسيا: ألغاز ومفاجآت ودلالات ...
- مراسلتنا في لبنان: غارة جوية إسرائيلية تستهدف سيارة بمدينة ص ...
- بلينكن: تكامل أوكرانيا مع الناتو سيدعم بسلسلة من الاتفاقيات ...
- الجيش الإسرائيلي يطلب من سكان عدة مناطق في شمال غزة إخلاءها ...
- مهرجان كان: هل يعكس الفن السابع الواقع؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - قضية الهاشمي والقضاء العراقي المستقل