جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 18:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ذات اللحظة التي يشن فيها نظام الحكم في العراق هجوما حاداعلى حزب البعث مؤكدا على أنه يمثل الخطر الأساسي ضد العملية السياسية, ويواصل الإلتزام بقانون الاجتثاث الذي ساوى بين البعث والحزب النازي الألماني, ثم يواصل الإعلان عن اكتشاف مؤامرة بعثية تلو أخرى, في هذا الوقت بالذات يزج النظام نفسه في مأزق ازدواجية الخطاب السياسي الذي تتناقض الجمل فيه إلى حد الاقتتال فنراه عكس جميع الأنظمة العربية الأخرى يقف مؤيدا للنظام السوري البعثي الذي كان اعتبره مصدر الإرهاب ضد العراقيين والمسؤول الأول عن الدماء التي سالت في مدن العراق وقصباته.
لقد بدا هوشيار زيباري في موقف يدعو إلى الشفقة حقا, متلعثما في تفسير موقف العراق المتحفظ على قرار الجامعة العربية بشأن تجميد عضوية سوريا, وبينما كان بإمكان بقية الأنظمة العربية أن تعبر بطلاقة عن موقفها الذي يدين النظام السوري بشأن تواصل حملته القمعية ضد شعبه لأنها كانت واضحة مع ذاتها, بالرغم مما قد يكون لدينا من تحفظات وتقاطعات مع نهج وسلوكيات هذه الأنظمة, فإن موقف الحكومة العراقية جاء مرتبكا إلى حد كبير وعاجزا عن التعبير عن إرادة واضحة وعن موقف مقنع ومفهوم إلا بما يؤكد على أنه بات في حالة شلل أفقدته قدرة التعامل مع ذاته أولا ومع شعبه ثانيا ومع محيطه الأقليمي والدولي ثالثا. إن نظاما بهذا الارتباك وبهذه اللامعقولية السياسية هو بحاجة إلى عملية تحليل نفسية بعد أن بات التحليل السياسي غير قادر لوحده على حل طلاسم معضلته.
لم يتسبب النظام السوري بأذى ولو طفيف للسعوديين أو بقية دول الخليج ولا لمصر أو تونس أو قطر, لكنه كان وراء أغلب الهجمات الإرهابية التي شنت ضد العراقيين والتي راح نتيجتها الآلاف, ذلك ما كانت تعلنه الحكومة العراقية حيث دعا رئيسها قبل عامين مجلس الأمن الدولي إلى محاكمة سوريا. لقد كانت حكومة العراق ضد حكومة سوريا يوم أن كانت جميع الحكومات العربية مع هذه الحكومة وكان شعبها السوري معها أيضا. غير أن الموقف سرعان ما تغير بصورة لا تستطيع السياسة لوحدها أن تقدم له تفسيرا مقنعا, إذ بعد أن أصبحت كل الحكومات العربية الأخرى ضد النظام في سوريا, وكذلك المجتمع الدولي وبعد أن أعلن شعبها الثورة وبدأ يعطي عشرات الشهداء يوميا فإذا بالنظام في العراق يتحول من النقيض إلى النقيض دون أية استراحة بين النقيضين.
من ناحية ثانية تقف الحكومة العراقية ممثلة برئيسها ضد التحالف العقائدي والسياسي الذي يتشارك فيه كل من بعث يونس الأحمد ونظام بشار ويعتبر عراقيو الحكومة هذا التحالف أحد أهم الأخطار التي يواجهها استقرار العراق ونجاح نظامه السياسي. ويعتبر النظام العراقي من أكبر المستفيدين من سقوط النظام السوري لما سيعنيه ذلك على صعيد إضعاف أكثر أعدائه خطورة في المنطقة وفي داخل العراق. وقد كان النظام العراقي نفسه وليد سقوط نظام البعث في العراق, وستظل قوة خطابه السياسي مقرونة بما يؤكد عليه من اتهامات للبعث كون فكره الأيديولوجي هو الذي كان بالمقام الأول وراء المآسي التي شهدها العراق. لذلك فإن وقوفه مع النظام السوري ينال بكل تأكيد من أساسيات خطابه السياسي والفكري ويدعوه إلى التوقف عن التشهير بالخطاب البعثي لا بل يحرمه من شرعية القيام بذلك.
أما حديث النظام العراقي عن الربيع العربي فلطالما دار وتركز حول إدعاء طالما أكد فيه على أنه كان الملهم لذلك الربيع, وأن ما من دولة عربية ثارت على حكامها في الفترة الأخيرة إلا وكان التغيير العراقي قد ألهمها ثورتها, ولطالما تغنى حكام العراق الجدد بان تجربة الديمقراطية في العراق باتت تخيف الحكام الدكتاتوريين وتحفزهم للتآمر عليها لغرض إنهاء أخطارها ضد أنظمتهم الدكتاتورية, والآن فقد بات على هذا النظام أن يتخلى عن خطابه ذاك ليستبدله بخطاب آخر يكون في وسعه تفسير هذه الردة السياسية المفجعة مع مقدمة أساسية تشرح للمواطن العربي كيف يكون مع الربيع العربي وكيف يكون ضده في نفس الوقت, وهي مقدمة ستأخذ دون أدنى شك مكان الصدارة بين نظريات علم السياسة.
وقد يكون من الحق علينا أن نضع كل هذه الأشياء العجيبة جانبا لكي نسمع من فم النظام تفسيرا لموقفه, ولا تقولوا لي أن السياسة ميكافيلية في طبعها, لأن ميكافيلي نفسه لو فاق لطالب بتوفير حماية معقولة لإسمه ونظريته التي مسخت على يد عراقي الحكومة الحالية. فالسيد زيباري يقول أن وراء موقف الحكومة العراقية المتحفظ بشان تجميد عضوية سوريا بالجامعة العربية تقديرات تتعلق بما اسماه الظروف الإقليمية, ولأنه تعجل بنفي أن يكون وراء ذلك القرار أي تأثير لإيران وذلك على طريقة ( اللي تحت إبطه عنز..) فسيكون من حقنا أن نفهم أن ما يعنيه كان تعلق بالموقف من إسرائيل لنكتشف فجأة أن النظام في العراق قد أصبح عضوا في (جبهة الصمود والممانعة) التي تقودها سوريا في المنطقة والتي تمنحها شرعية ذبح شعبها في الشوارع والمعتقلات فيكون من حقنا بعد ذلك أن نسأل.. لماذا انقلبتم إذن ضد صدام حسين الذي كان يدعي نفس الإدعاء رافضين أن يكون إدعاءه ذاك غطاء للقمع الداخلي, ثم ألا يحتم ذلك عليكم تقديم اعتذار علني لصدام حسين تؤكدون فيه على خطأ موقفكم ضده مؤكدين فيه على أنه كان محقا في الكثير من العناوين التي كان قد أرهب وقتل وجوع وشرد شعبه تحت عناوينها, وإذا ما صرتم من أعضاء جبهة الصمود والممانعة فكيف ستفسرون لشعبكم قصة نظامكم الذي كان ثمرة من ثمار الجيوش الأجنبية التي جاءت للقضاء على رجل (الصمود والممانعة) في بغداد !, إن بإمكان ذلك أن يكون فصلا آخرا من فصول علم السياسة الذي ستدرجونه تحت عنوان كيف تكون مع رجل الممانعة في دمشق وتكون ضد رجلها في بغداد.
يبقى أن هناك تفسيرا أخيرا لم يشأ زيباري إدراجه في تصريحه ربما لتقديره أن عقولنا قادرة لوحدها على الوصول إليه, فلقد كان علينا أن نسترجع فقط ما كان النظام السوري قد تسبب به من أضرار للعراقيين أو لنظامهم السياسي العتيد لنفهم بعد ذلك أن العراق بموقفه كان يحتاط من أمّا أو أمّا.
فأما (أمّا) الأولى.. فهي الخوف من إمكانية بقاء النظام السوري بعد قضائه على ربيع دمشق مما يجعله ربما اشد خطرا مما كان وبهذا فقد أراد النظام أن يوفر حماية مستقبلية للشعب العراقي وهو المعروف بنباهته وذكائه الفطري في معرفة وتحديد من أين تهب الريح. وإن كل من يقول إن النظام السوري سوف يكون عاجزا عن تهديد جيرانه, فيما لو كتب له البقاء, هو واهم ولا يفهم في السياسة كما يفهمها السيد هوشيار.
وأمّا (أمّا ) الثانية فهي التي قد يعبر عنها خوف النظام من إمكانية أن يكون (الإخوان المسلمون) بديلا لبشار مما يضع العراق أمام أخطارهم, لما عرف عنهم من مواقف متشنجة ضد الشيعة, وإن من حقنا هنا أن نسأل لماذا يكون علينا أن نتوقع أن هؤلاء سيكونوا كذلك, أليس حكامنا من القسم الشيعي باتوا حلفاء تاريخيين لحكامنا من القسم السني وفي المقدمة منهم الإخوان المسلمون العراقيون الذين سيكونوا قادرين بالفعل على مد خطوط الصداقة والقربى مع حكام دمشق الجدد, ثم لماذا لا يكون من حقنا أن نظن بان موقفنا الإيجابي من نظام الأسد هو الذي سيجعل حكام دمشق الجدد على خصومة مع نظامنا العتيد وأن وقفة إنسانية من الشهداء السوريين سوف تجنبنا عقد المستقبل.
إن درس الوقوف مع البحرين من خلال منطلقات طائفية سيؤكد لنا هنا إن الموقف العراقي لا يخلو من حسابات طائفية, إن لم يكن قائما عليها, فلربما تدارس الإخوة من شيعة الحكومة العراقية إمكانية أن يأتي التغيير السوري لصالح سنة الحكومة العراقية مما يجعلهم في مركز سياسي أفضل وبما يتقاطع مع معادلات الحكم الحالي, وكانوا حسبوا أن بقاء النظام البعثي في سوريا سيكون أفضل لهم بعد أن تدجن موقفه المعادي للعراق وبردت سخونته.. ذلك جائز, ولكن هل سيكون لزاما علينا بعد كل التخبطات والارتباكات والشطط السياسي أن نصدق ما قاله هوشيار حول عدم وجود علاقة لإيران بالموقف العراقي الأخير.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟