|
صراعٌ طائفي إقليمي عالمي
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3569 - 2011 / 12 / 7 - 09:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تعمق وتصاعدَ عجزُ النظامِ الإيراني عن القيام بإصلاحات ديمقراطية داخلية، واتضح ذلك في إبعاد التيارات الإصلاحية الدينية السياسية وتحول رموزها من رؤساء وقيادات الجمهورية إلى أشخاص يُوضعون تحت الإقامة الجبرية. فالجماعاتُ السياسيةُ العليا التي تكونت في دواخل الجماعات السياسية المذهبية الإيرانية برفض العناصر الفكرية الديمقراطية الغربية، وتصعيد الرموز الشمولية من هيدجر ونيتشه المُحضرين لهتلر، كانت تعبيراً عن رفض الحداثة وتغلغلها في الطبقات المحافظة، ورفض إبعاد المذهب عن الهيمنة السياسية الكلية، وعدم إعادة النظر في الإرث والعلاقات الاستبدادية من الرجال على النساء ومن القومية المركزية على القوميات المستعبدة ومن المذهب على المذاهب والأديان الأخرى، وبتغيير الثقافة القديمة في مختلف جوانب الحياة. وهي أمورٌ لم تخلُ منها الدول العربية لكن العناصر الديمقراطية اتسعت فيها، وبدت المذاهبُ متراوحةً بين الشمولية والليبرالية، وجاءت الثوراتُ العربية لتصعد هذه العملية التاريخية من دون حل رئيسي مفصلي للصراع بين التحررية والاستبداد الديني السياسي. تمظهر المستويان المختلفان في ما يُسمى صراع المحورين، المحور السوري الإيراني ومحور الدول العربية المعتدلة المؤيدة للغرب. أوصل الوضعُ الداخلي غيرُ المحلولِ ديمقراطياً في إيران النظامَ إلى سياسةِ الشمولية العسكرية الحادة التي تغلغلتْ في القوى المؤيدة والتابعة لهذا النظام، بحيث غدا الصراع بين هذه السياسة والسياسة العربية الأخرى حافرا لخندقين كبيرين وبينهما هوةٌ غيرُ قابلةٍ للردم، وصار صراعاً استقطابياً حاداً ليس فيه حلول والشعار إما هم وإما نحن! بعضُ الدول العربية كان قابلاً للتفاوض مع المعارضات، وتقديم حلول وتنازلات، في إطار سياساته المنفتحة على الليبرالية، وبحكم تنامي الاقتصاد الرأسمالي الخاص والفئات الوسطى، التي زاد تحررها واستقلالها بعد الثورات العربية، في شكل مذهبي مختلف عن المذهبية السائدة في إيران، التي نأت عن الاثناعشرية المنفتحة المتعقلة عبر تفاقم إدخال السياسة الشمولية فيها وصيرورتها ولاية فقيه، أو ولاية جماعة مهيمنة في الدولة ليست قابلة بإدخال تلك العناصر الديمقراطية المذكورة إعلاه بحكم نشأة عدة عقود من توغل الوعي الاستبدادي المناقض للحداثة، الذي تحولَ إلى شعاراتٍ غير دقيقة وغير عملية كالاستكبار العالمي والشيطان الأكبر مما يشيرُ إلى إلغاء السمات الديقراطية والتعددية في الغرب، وجعله في الدول الحاكمة فقط وهي ليست كل الغرب وهي كذلك دولٌ متبدلة ومنوعة. هذا جعل السياسة الإيرانية المنتشرة في بعض الدول العربية تواجه مآزق التحولات السياسية الداخلية فيها، وحين نرى تذبذب الجماعات السياسية المذهبية في البحرين نلاحظ هذا الطريقَ المسدودَ الذي صنعتهُ السياسةُ الإيرانية لهذه الجماعات، فمن المشاركة في العملية البرلمانية والمناداة بإحداث التغييرات من خلال الأجهزة المختلفة والاتجاه لتجميع الشعب معاً في عملية ديمقراطية توحيدية إصلاحية، إلى الانفصال عن هذه العملية انفصالاً حاداً ليس فيه مرونة سياسية، وخط رجعة. صحيح إن الذبذبات كانت موجودة سابقاً في المقاطعة التي استنزفتْ بضع سنين، لكن اللحظة الحالية تتسمُ باندفاعٍ حاد نحو السلبية، والانحصار الداخلي والاختناق السياسي. فمن القفزة نحو التغيير الكلي للنظام عبر حراك قسم من الطائفة إلى البقاء في مشروع القفزة ذاك، فبقيتْ التنظيماتُ المؤيدةُ لذلك في الهواء السياسي وفي حالاتٍ من انعدام التوازن والتأثير الايجابي. إن التناقض يتمثل في كون السياسة الإيرانية تدعو مؤيديها إلى الصراع الكلي، وعدم التساهل مع الأطراف والدول العربية، والايغال في الهجوم، وبالتالي يتضمن ذلك الانسحاب من الحلول الوسط التي ظهرت في بعض الدول كالبحرين بنمو التجربة البرلمانية، أو في لبنان بإسقاط وزارة الحريري، أو في سوريا بعدم التراجع عن سياسة إبادة المعارضة الشعبية، أو في العراق بعدم تمكين القوة المنتصرة في الانتخابات بتسلم السلطة في المركز، أو في اليمن بتصعيد أنشطة الحوثيين لمنع أي توحيد وطني يمني. وبهذا فإن القيادة الإيرانية تقول نحن هنا ونتقدم في نظامنا بهذا الشكل ومن دون تنازلات أو تغييرات داخلية تضغط علينا القوى الداخلية والخارجية لتنفيذها. وتتحول مشكلة إيران المحورية إلى مشكلةٍ دولية، مستعصيةٍ أكثر فأكثر، وتغدو ذاتَ دلالاتٍ وآثار مدمرة، بسبب تداخلها مع امتلاك السلاح النووي وبالصراعات المحتدمة مع الدول الغربية. من هنا فإن الأطراف المعارضة المحلية تدفع نفسها في هذا الزقاق المسدود، غير قادرة على تغيير السياسة الإيرانية المهيمنة في الفضاء المناطقي، وغير قادرة على القبول بالحلول المهمة المحلية وبالفرص المتاحة لها، رافعةً سقف المطالب بشكل تعجيزي مريح لها، وبإذكاء العنف الفوضوي المحلي كبقاء في الساحة ولعدم انطفاء الجذوة. لكن تتطلب مواجهة هذه السياسة تغيير حياة الناس المعيشية والاقتصادية من دون النظر المذهبي، وبعدم الانجرار للعنف، وبضبط النفس وتوحيد الشعب على أسس ديمقراطية تعددية مسالمة. وهذه السياسة سواء على المستوى الإيراني أم على المستوى المناطقي سياسة استنزاف للموارد والقوى تؤدي إلى التآكل المستمر في المركز واحتدام تناقضاته وفشل سياساته.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نماذج مستقبلية للتطور
-
تعاونٌ شمولي ضد الثورة السورية
-
شبابُ الثورةِ.. شبابُ الخسارةِ!
-
هواجس خليجية
-
تطرفُ اليسارِ واليمين
-
خطابٌ دينيٌّ رأسمالي صغير
-
مذهبيو المشرقِ والتوحيد
-
من أسبابِ الجمودِ السياسي
-
الحربُ وسيناريو التفتيت
-
روحُ الأمة!
-
غربة شباب
-
الثوراتُ العربيةُ: التقاربُ الفكري أولاً
-
التحالفات في زمن الاضطرابات
-
الربيع من دون يسار
-
لماذا لا تتشكل عقلانية سياسية؟
-
الصراعاتُ الفكريةُ بدلاً من التغيير
-
تناغمُ التطورِ بين المذهبين
-
فشلُ الطائفيين المحافظين في صنعِ ثورة
-
وجهانِ لميداليةٍ عتيقةٍ واحدة
-
المتنبي أميرٌ منافسٌ
المزيد.....
-
تحليل.. سبب رفض الهند إرادة ترامب بوقف شراء النفط الروسي؟
-
لحظة ابتلاع انهيار طيني قرية هندية بعد فيضانات قاتلة مفاجئة
...
-
السودان.. بيان إماراتي ردا على -مزاعم باطلة لسلطة بورتسودان-
...
-
المساعدات من الجو على غزة... غيث لا يروي وغذاء لا يسد الرمق
...
-
-بعوض الفيل- .. الصين تحشد جهودها لمكافحة فيروس شيكونغونيا
-
هيروشيما تحيي ذكرى مرور 80 سنة على إلقاء القنبلة الذرية
-
روسيا تحتج لدى إسرائيل بسبب هجوم على سيارة دبلوماسية
-
السعودية تدعو لتأييد وثيقة -مؤتمر حل الدولتين-
-
ترامب يهدد بسيطرة الحكومة على العاصمة واشنطن.. ما القصة؟
-
قبل انتهاء المهلة.. موفد ترامب يزور موسكو للقاء مسؤولين روس
...
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|