|
تناغمُ التطورِ بين المذهبين
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3551 - 2011 / 11 / 19 - 11:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحولُ المذاهب الإسلامية من وجهاتِ نظرٍ فقهية وفكرية إلى روابط سياسية واجتماعيةٍ قومية هو جزءٌ من تطوراتِ الصراعات المعقدة للفرق والجماعات السياسية والدول التي راحت تتكونُ وتُفتتُ الإمبراطوريةَ الإسلامية فتجدُ الشعوبُ والأممُ أشكالَها السياسيةَ فيها. في التطوراتِ الأوليةِ للمذاهب الإسلامية خاصة السنية والشيعية كعناصر فكرية فقهية حين لم ترتبط بقوى شمولية سياسية حاكمة كان التداخل والأحكام المشتركة والتعاون سائداً بين تلك التكوينات الأولية. المذهبيةُ تمثلُ قفزةً نوعية عن تلك العناصر، حيث كانت الآراءُ حرةً واجتهادية، وتبصيراً للمسلمين بأفضل الأحكام، لكن المذهبيةَ المتغلغلةَ أكثر فأكثر، والمتضافرةَ مع التسييسِ الهادف لأحكام السيطرات السياسية والاجتماعية المختلفة، نأت بتلك العلاقات عن الحوار والتعاون والمودة، وحولتها إلى تحزب، وإلى تخندق فكري فقهي. في القرون الأولى للإسلام حين كانت النهضةُ سمةً بارزة، والفتوحُ غمرتْ المدنَ بالمنتجاتِ المادية والفكرية، وكانت الإمكاناتُ الاقتصادية والفكرية كبيرة، ولم تتوجه العقولُ الفكريةُ الكبيرة لاكتشاف الموانع العميقة لتطور الحضارة العربية الإسلامية. كان كونها حضارةً عربية إسلامية هي بداية التطور وبداية المشكلة في آنٍ معاً، كانت اللغةُ العربيةُ وثقافتها وتاريخها مصدراً هائلاً لتطور المسلمين والعالم النهضوي حينذاك، وكان هذا يقارب عمليات النهضة الناجحة في البدايات، ومقارباً لتجمع هذه الكيانات من الأمم وهي في طور التكون والتعاون بعد اختلافات أولية كبيرة، فغدت اللغةُ العربيةُ وجذورُ القبائل العربية وثقافتها تتحول من مصدر للتكون الجماعي إلى مصدرٍ للسيطرة. مثلما كانت المُلكياتُ العامةُ تتحولُ من مصدرٍ لازدهارِ الأسواق المغذية للتطور الاقتصادي الواسع إلى أداةٍ للنخبِ الحاكمة للعيش والبذخ. ومن هنا فإن مصادر التكوين للأمم الإسلامية الناشئة والبازغة في ذلك السديم التاريخي والمؤدية لتطور هذه الأمم تغدو أداةً لعرقلتها، خاصة مع شحوب تلك الأدوات عن الغوص في المشكلات ومعرفة أزمة هذا التطور وعوائقه وظهور التعصب من (القومية) العربية السائدة ومن القوميات البازغة. واللغة العربية التي كانت أداة الازدهار وفخر أي مسلم بتعلمها تغدو لبعض الأقوام نائية أو مقصية، وتغدو مرفوضة حين يتم تعلمها بالقوة والقسر، وتنبعثُ اللغاتُ القومية القديمة أو تُطورُ أشلاؤها في زمنيةِ الغياب والحضور والتذكر، بل تغدو ممحيةً كلياً في الزمن القديم ويتم استحضارها بشكل معاصر في أيامنا! وهذا ما حدث للعناصر الفقهية وعناصر التاريخ والثقافة القومية المتعددة الذائبة قبل ذلك في الفضاء الديني العام، وهذا يظهر بقوة في الشعبين العربي والفارسي المتصارعين، وتظهر المفارقةُ بين شعب بدوي مسيطرٍ وشعبٍ متحضر مهزوم، وكيف أن الشعبَ البدوي يفرضُ لغتَهُ وفقهَهُ على الشعب الآخر الذي يقبل بضعة قرون بذلك ثم ينسلخُ نظراً لأن الطبقات الحاكمة لم تعرف كيف تقوم بالتآخي ووضع المال العام عاماً حقاً، فيعتبرُ الفترةَ السابقة ذلاً، ويُؤججُ ذلك لدى حكام وقوى سياسية تستثمر الصراعات والاختلافات بين الشعبين، لأغراض الهيمنة والتفريق. وعلى الرغم من ذلك تبقى اللغة العربية بثقافتها مصدراً لتلك اللغة وللثقافة الفارسية ولكل اللغات الأخرى الطالعة في العالم الإسلامي. مثلما أنه لا يمكن تغييب تاريخ مشترك كونَ هذه الأممَ ولا إزالة التجاور الجغرافي ولا التداخل العبادي! وإذا كان التناغمُ موجوداً في زمنيةِ نمو بعض سمات الحرية والنهضة فإن زمنيةِ الممالك والقوى الشمولية المحافظة وزمنيةِ الانهيارات الاقتصادية والمجاعات والحروب والتعصب والاختلافات الصغيرة الفقهية وبعض العادات العبادية المتباينة بعض التباين تتحولُ إلى فروقاتٍ حاسمةٍ وأخاديد من الحذر والكراهية والنزاعات الدامية بين الملايين! ثقافةٌ ماضويةٌ خلافية تفتيتية مازالت تقومُ بدورها التفكيكي وتُجلب الموضاتُ السياسيةُ والأفكارُ الشمولية المتعصبة إلى المذاهب مع انتهاء أسبابها وانقطاع مبرراتها وحصول هذه الأمم الإسلامية على تواريخها الخاصة واستقلالها، وفي وقت العولمة وتفتح الأمم على بعضِها ونشوء الأسواق الكبرى المشتركة، ولكن تُصعَّدُ مثل هذه التدخلات والصراعات المجانية، لاستمرار بعض العقليات السياسية الضيقة غير المتكونة جذورها في أزمنةِ التسامحِ والانفتاح والعقلانية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فشلُ الطائفيين المحافظين في صنعِ ثورة
-
وجهانِ لميداليةٍ عتيقةٍ واحدة
-
المتنبي أميرٌ منافسٌ
-
الثورةُ السوريةُ واعترافٌ عربي واسع
-
غيابُ هزيمةِ يونيو من الذاكرةِ الإيرانية
-
تحولُ القضايا إلى أورام سرطانية
-
الإخوانُ والرأسماليةُ الخاصة في مصر
-
الفضائيات والبرجوازية الإسلامية في تونس
-
منطقة تقليدية
-
فرصة لقوى الوسط
-
البرلمانات وغياب الطبقة الوسطى
-
العولمةُ والسيطرة على الثوراتِ العربية
-
جناحان يتصادمان
-
مستويان من الحياة التقليدية
-
مستقبلٌ كبيرٌ للرأسماليةِ الخاصة
-
سقوط هارونَ الرشيد السياسي
-
تقدمٌ بوعي متخلف
-
من أجلِ الشعبِ أولاً! (5-5)
-
من أجل الشعبِ أولاً (4-5)
-
من أجلِ الشعبِ أولاً! (3-5)
المزيد.....
-
الخارجية الإيرانية تدين تدنيس المسجد الأقصى
-
شاهد/حاخام صهيوني يصدر فتوى بقتل أطفال غزة جوعًا: -لا رحمة ع
...
-
كاتبة إسرائيلية: من يتجاهل مجاعة غزة ينتهك التعاليم اليهودية
...
-
عاجل | بوليتيكو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولم
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام المتطرف بن غفير باحات الم
...
-
البرلمان العربي يدين اقتحام المستعمرين بقيادة بن غفير المسجد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تدين اقتحام -بن غفير- باحات المسجد ال
...
-
الرئاسة التركية: اعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى مرحلة أخرى
...
-
تركيا تدين بشدة اقتحام بن غفير المسجد الأقصى
-
نادي الأسير الفلسطيني: استشهاد المعتقل أحمد سعيد صالح طزازعة
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|