أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - المتنبي أميرٌ منافسٌ














المزيد.....

المتنبي أميرٌ منافسٌ


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 08:48
المحور: الادب والفن
    


من الصعوبةِ فهمُ كبارِ المبدعين العربِ عبرَ المناهج التقليدية، ومن هنا فصفةُ المتنبي كأمير أي كإقطاعي في عصره قد تثيرُ التحفظَ والحنق والغضب!
الشاعرُ الكبيرُ كان يَحلمُ بالحكم، لقد عُجنتْ السلطةُ في أعماقه، فلم يعدْ من عامةِ الناس، ولم يقبل أن يكون منتجاً صغيراً بائعاً للشعر، وقد يكون هذا ناتجاً من قدومهِ من حطامِ الحركات المتمردة في عصره التي أوصلت الثورات للفشل، فجاءَ بماضٍ غامضٍ للشام، ولم يذهبْ للعراق حيث مركز السلطة التاريخي مثلما أكدَ طه حسين في كتابهِ(مع المتنبي)، وذهبَ لمدينة حلب وهو يرى نموذجاً مبهراً للسلطان الذي حلُمَ بهِ!
لكن هذا كله من نتاجِ جنون العظمة الذي سيطرَ عليه، الجنونُ السياسيلا كان أولاً في المشاركةِ في حركات اعتمدت الغيبية الفوضوية وليست الغيبية العقلانية مثلما بقي اسم المتنبي مَعلماً على هذا، وهي حركاتٌ فوضويةٌ غيرُ منتجةٍ لوعي ديمقراطي يثمرُ سياسةً منتجة، ولم تعتمد على القبائل كمكون اجتماعي قادر على تصعيدها، وعبر طرح برامج مفيدة تقدمية للجمهور، فلم تعتمد سوى على انتفاخ القادة والشعارات. فجاء المتنبي ثمرةً لحطامٍ كبير. لكنه قفزَ فوقهُ بشعرهِ وموهبتهِ الفذة!
شخصٌ بهذه الثقافة، وبهذا الطموح الكبير لم يكن سوى نتاج حركةٍ نضاليةٍ لم يبقْ في روحه منها سوى أن يكونَ حاكماً، لأن الحكومات في عصرهِ صار يركبها أي مغامر، إما بركوب الجمهور القبلي وإما بالانشقاق عن حركةٍ مؤثرةٍ متغلغلة بين القبائل!
وبهذا فإن المتنبي الباحث عن السلطة هو نموذج لسلاطين زمنه، لا يختلف عن طبقيتهم واحتقارهم للعامة ورؤيتهم لمكانتهم الاجتماعية الرفيعة في تصورهم المتعالي، ولكن أين يوجد منهم السامي العظيم؟! أين منهم من رسخ نفسه في الأدب والفلسفة والعلوم؟!
ولهذا فلأنه شاعر غير مشهور كان بحاجة لحاكم (ملأ الدنيا وشغل الناس) مقارب لشخص المتنبي العملاق في تصوره لنفسه. ولم يكن ثمة حاكم بهذا الحجم التاريخي سوى سيف الدولة الحمداني، المدافع عن حياض العرب فارس الوغى ومجندل الفرسان عميق الفهم والتذوق للشعر، ولن يُقدر مقامه سوى شاعر سيملأ الدنيا ويشغلُ الناسَ أيضاً!
السنواتُ الحمدانيةُ الحلبية الشهباء هي تقاربُ الفارسِ الشاعرِ، والحاكمِ الفارس، فتقاربتْ صفاتُ العظمةِ والكفاحِ والتضحية والسمو وتقدير الأدب الرفيع والفلسفة الإنسانية، سنواتٌ هي رموزُ العروبةِ والرومانسية الفروسية المقاتلة والثقافة الرفيعة!
هي السنواتُ النبيلةُ المشتركةُ بين حاكمٍ وشاعرٍ كبيرين، ثم جاءت بعدها سنواتُ التآكلِ لهذه الصفات الجليلة، وتفاقم العناصر الذاتية الصغيرة لدى الشخصيتين، الحاكم يرى الشاعر الغامض الماضي والمتحدي المتضخم، يرتفعُ لمكانتهِ، ويزيلُ الكلفةَ ويلغي المكانةَ الطبقيةَ المختلفة تماماً، بل يرتفع فوقها متحدياً فرداً كبيراً من أسرة الحاكم ليكون بشعره لا بماله أعظم من جميع الخلق لا بشر مدينة حلب وحدها!
وهذا الارتفاع في جنس الشعر وتجربته فيه وتقديره لذاته كأعلى أمير للبيان، وهو أمرٌ ينعكسُ على إلغائهِ للطبقات الاجتماعية في لا وعيه الشعبي الثائر، ورفعه للكادح في نفسه إلى مستوى الملوك، دون أن يكون ديمقراطياً، لا في نضاله، وخلقه للتراكم، ولا في تقديره للعامة كقوةٍ قادرة على ردم الهوة عبر ذلك التراكم النضالي المُلغى من وعيه الفردي المهيمن! وأثر هذا في فهمه للجنس الشعري الغنائي بمحدوديته وذاتيته فتذبذبَ شعرُهُ بين الدراميةِ والملحمية اللتين لم يتوغلْ فيهما نظراً لتلك الذات المتضخمة!
ولهذا كان نقد شعره وكشف الثغرات فيه، وتحويل شخصه لشاعر عادي من ضمن الشعراء اهانة كبيرة له.
شخصية المتنبي في جزء منها هي شخصية دونكيشوتية جاءتْ بسيفِ الشعر لتصبح في قمة السلطة، وهي ذات فعل كفاحي حقيقي، لكن الهدف مثل تسلق طواحين الهواء!
فهو عبرَ خوض المعارك وصياغة الشعر الفروسي الحكيم صعدَ حلماً إلى الطبقة الحاكمة، صار سيف الدولة الآخر، سيف الشعر الذي لا أحدَ فوقه!
ولكن هذه الأحلام كلها تبخرت، لأن الواقع الطبقي مختلف، ويظل الأميرُ أميراً والشاعرُ شاعراً مادحاً مأجوراً!
أحدهما يملك الخزانة والآخر يُعطى منها مثله مثل الخدم والموظفين والحراس والعلماء حسب طاعته وخدمته.
وإذا كانت حياة المتنبي عند سيف الدولة مأساة، فهي عند كافور ملهاة أو مسخرة، لأن حوادث التاريخ لا تتكرر إلا بالشكلين السابقي الذكر فقط.
وهنا يسخرُ المتنبي من كافور، والمزايا التي رآها لدى سيف الدولة كالبسالة في الحرب وخسائر الأموال في المواجهات وتهاوي مكانة الحكم بسبب الحروب وهي كلها في نظره عظمة فيما هي أزمة ومصيدة تاريخية، فلم ير لدى كافور المدبر الحكيم المقتصد الزاهد في الحروب والمهتم بمعيشة الناس شيئاً عظيماً وقد بدأت مصر تأخذ دوراً نهضوياً!
الفهم البدوي الإقطاعي فهم الفرسان المبذرين لم يكن له مكانة لدى كافور ذي التجربة الكادحة، ولهذا يقوم المتنبي بعكس الكثير من الحقائق، حيث لم يجد من كافور أي مساندة له لكي يرتفع لمستوى أمير أو إقطاعي يتحكم في إمارة وبشر وقد أدرك كافور عدم صلاحيته لهذه الإمارة!
إذا كانت سنواتُ سيف الدولة صعّدتْ ما في نفسه من شموخ وفروسية وبيان وقراءة، فإن سنوات كافور أظهرت عنصريته وطبقيته المتعالية وعدم قراءته الموضوعية للواقع، وبقيت كلماتهُ الحكيمةُ مجردةً عامة لا تتغلغلُ في السببيات الموضوعية، لكنها تعبر عن معان مطلقة عامة، ظلت قوية رائعة شجية عبر العصور



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورةُ السوريةُ واعترافٌ عربي واسع
- غيابُ هزيمةِ يونيو من الذاكرةِ الإيرانية
- تحولُ القضايا إلى أورام سرطانية
- الإخوانُ والرأسماليةُ الخاصة في مصر
- الفضائيات والبرجوازية الإسلامية في تونس
- منطقة تقليدية
- فرصة لقوى الوسط
- البرلمانات وغياب الطبقة الوسطى
- العولمةُ والسيطرة على الثوراتِ العربية
- جناحان يتصادمان
- مستويان من الحياة التقليدية
- مستقبلٌ كبيرٌ للرأسماليةِ الخاصة
- سقوط هارونَ الرشيد السياسي
- تقدمٌ بوعي متخلف
- من أجلِ الشعبِ أولاً! (5-5)
- من أجل الشعبِ أولاً (4-5)
- من أجلِ الشعبِ أولاً! (3-5)
- من أجلِ الشعبِ أولا! (2)
- من أجل الشعب أولاً! (1)
- الوعي الطائفي والوعي الطبقي (3-3)


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - المتنبي أميرٌ منافسٌ