فرصة لقوى الوسط

عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 3541 - 2011 / 11 / 9 - 08:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إنها تجربة غضة في العمل السياسي البرلماني فلابد أن تكون بها أخطاء، فلم يستطع الجمهور تكوين تيارات فكرية سياسية، بل هي جماعات دور عبادة وليست جماهير سياسية.
هي جماهير تكونت في زمن لم تعرف الصناديق ولا ورق الانتخابات، وبالتالي فإنها بعيدة كثيرا عن فهم الكتلة، والعضو البرلماني، والأجنحة البرلمانية، واليمين واليسار، فهل تأتي هذه بلا خبرة تاريخية؟!
الجماعات الدينية لم تشكل عملا سياسيا حقيقياً، وهي التي سادت منذ حل برلمان 1975، فهي جماعات تكرست في العبادات وبعض أشكال الفقه البسيطة، واعتبرتها هي الثقافة بل هي الثقافة السياسية، وحين ترى ما يقولونه ويكتبونه تتعجب، فهؤلاء لم يؤسسوا أنفسهم في السياسة، وغدت ثقافتهم الدينية البسيطة هي رأسمالهم السياسي بين جمهور المساجد والمآتم، ولم يتأسسوا حتى في أندية تمارس الفنون المسرحية والتشكيلية والأدبية، فحتى المعاصرة بشكلها الثقافي لم يعرفوها.
وهذا الحصر أو الحصار راح يتعارض بشكل كبير مع تطور المجتمع البحريني في سنواته الأخيرة المنفتحة على التحول، ولعل حتى المؤسسات الحكومية تشعر بتخلف البرلمان عن أن يكون معارضة تستفزها على الإنتاج الأكبر!
إن حصيلة الانتخابات البرلمانية على مدى الأدوار السابقة والحالية هي حصيلة ما قبل الانفتاح الديمقراطي، ويتعارض مع النمو المتسارع لوعي الجمهور ومطالبه، بل تحول إلى ما يشبه الكارثة في القسم الريفي من بلدنا، حين جاء النواب بشكل ديني (مفلتر) ومهيمن عليه مذهبيا سياسيا قويا ولم يخرجوا من خلال حتى المؤسسات العبادية، بحيث أنهم غدوا مجرد أدوات غير متكونة من خلال وعي سياسي وتجربة فكرية سياسية، فحتى على المستوى الريفي هناك أساتذة وباحثون وفنانون وأدباء قادرون على أن يعطوا الكثير في العمل البرلماني ولكن الإرادة المذهبية الشمولية منعت هذا الصعود والفرز والتطور.
وكذلك في المدن والمناطق الحضرية عموماً التي يوجد بها العديد من المناضلين والباحثين ولكن العقلية الدينية المحافظة التي تسوق خطاباتها ومرشحيها تمنع التعددية والكوادر ولكنها ليست بمثل التشدد في المنطقة السابقة الذكر.
لهذا فإن الانتخابات التكميلية لهذه الدورة أعطت شيئا جديدا خلافا لزمن الهيمنة، فقد ابتعدت قبضة شديدة عن الناخبين، وكأنها لا تريد أن ترحم ولا تدع رحمة الله تنزل كما يقول المثل الشعبي، لكن لم يكن هذا الابتعاد كليا فالإرهاب النفسي الاجتماعي كان منتشرا بقوة، واعتبرت الجماعات الطائفية أن هؤلاء السكان هم جزء من ممتلكاتها يجب ألا يتحركوا من دون أمرها.
ولايزال آخرون يؤمنون ويؤيدون هذه الجماعات على الرغم من الفشل الذريع في تعبيرها عن أهدافهم وكفاحهم وتاريخهم، وتشكيلها دكتاتورية سياسية ترفض التنوع وسماع الأصوات الأخرى.
وهذا راجع لعدم إصغاء هؤلاء السكان للرأي الآخر، وعدم وجود حوار عميق مع أفكارهم وخلجاتهم ومطالبهم.
لكن التاريخ لا يعرف التوقف، وسوف يدرك هؤلاء أن مراهنتهم خاطئة وعدم إدراكهم الراهن يصيبهم بخسائر اقتصادية واجتماعية وسياسية، يجعلهم أكثر فقرا وأقل تطورا، وحين تنهار الموجة الدينية الطائفية عبر المركز كما انهارت شموليات كثيرة بدت شديدة الاستقرار يكون الواقعُ قد تغير كثيراً، وتبدل السكان، وتعاظمت التجارة وتوسع الاقتصاد واستفاد أناس آخرون من الفرص!
الزمن يفلت من قبضة الشمولية الدينية المتخلفة، وهي لا تستطيع أن تعالج مسائل الواقع المعقدة، ولا أن تدخل برلماناً ولا مؤسسات حكومية، ويضطرب الجمهور التابع لها، ويتخلى عنها، ويموت الناس الكبار السن، ويكثر الشباب الضائع فتزداد الفوضى الاجتماعية.
وهي مضرة للشعب والدولة والتاريخ، والبديل هو الصبر على المؤسسات البرلمانية والنقابية والبلدية حتى مع تجريبيتها ونقد كل ذلك والعمل من أجل التجاوز، وضرورة عدم التدخل فيها، وجلب أناس تحديثيين مهمين لهذه المرحلة لكن ليست لهم جذور في الحياة، ولم يشكلوا ثقافة سياسية عميقة. فنحن بحاجة إلى تحديثيين ذوي جمهور مؤثر مراقب ناقد فاحص للأوضاع الاقتصادية السياسية المتشابكة بغير موضوعية.
وكان من الممكن الصبر والعمل داخل المؤسسات وتكوين الخبرة والكوادر، لكن هو ضيق الأفق والهيمنة السياسية التي ضيعت العديد من الطاقات ووجهتها لصراع طواحين الهواء.

#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل