|
شبابُ الثورةِ.. شبابُ الخسارةِ!
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3565 - 2011 / 12 / 3 - 10:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هم الذين تقدموا الصفوف، هم الذين فجروا التضحيات، هم الذين خسروا المقاعدَ في البرلمانات! خرجوا من الحارات، ملأوا الساحات، بذلوا الدماء، لكن لم يرهم أحدٌ حين وُزعت غنائمُ السلطات. شبابٌ رومانتيكيون، تشبعوا بآراء جان جاك روسو، ومُثُل الثورة الفرنسية، ولم يلتفتوا للثورة الروسية، فلم يدرسوا الصراع الاجتماعي، وهو غدا مشروحاً نازفاً في التاريخ العالمي، وغامضاً مجهولاً في التاريخ العربي. حين خرجوا من تحت أرديةِ الرأسماليات الحكومية الشمولية في بلدانهم باحثين عن هواء الحرية، تصوروه نقياً، شفافاً، فصل السلطات، ودستور ديمقراطي، ودولة مدنية، ثم غياب العسكر، فرأوا الحياةَ الاجتماعيةَ كقشرة سطحية مفصلة من القوانين والأحكام السياسية، وتحتها أبنية اجتماعية موحدة أو غامضة التشكيل. لم يقرأوا طبيعةَ الحراك السياسي الذي وجدوا أنفسهم على صخب تياره يدفعهم نحو جهة ما. كانوا مهتمين بتحريك الحشود، وإخراج القوى السياسية النائمة أو الجامدة، كانوا يشكلون جبهات واسعة ضد الدكتاتوريات الحكومية، لكن لا يقرأون طبيعة هذه الشموليات التي يصارعونها. كانوا يُذكرون العالم بشباب أمريكا المتدفق بالملايين ضد حرب فيتنام الفظيعة. ثم تحول هذا الشباب إلى متعهدي مقاولات وتجار ومدمنين، فلم يعرفْ النتائجَ الاجتماعية الكلية لمظاهراته العظيمة ولم يطورها لقضايا أكثر جذرية. فصار بعدها بلا قضية. غيّبت الدراساتُ في الجامعات لهؤلاء الشباب قراءةَ الرأسمالية الحديثة وتطورها على النطاق العالمي، وتمظهرها نوعاً في الغرب، ونوعاً آخر في الشرق، وحين جاءوا لدرس الوطن العربي اعتبروا الأنظمة السابقة (اشتراكية) أو شمولية بلا قراءات في ميادين الإنتاج. كانوا لا يعرفون شكل الرأسمالية الحكومية كضرورةٍ غدتْ تاريخية لنشوء الرأسمالية بسرعة أكبر، ثم تجمد الشكل عن التطور، بسبب تخلفه وفساده وعجزه عن نشر الرأسمالية الصناعية في الريف، وعن تجديد الرأسمالية العامة الصناعية على نحو وطني واسع. فقد كان نضالهم ثقافياً لم يرتبط بممارسة سياسية اجتماعية طويلة. القوى الريفية النازحة إلى المدن المتحولة رأسماليةً صغيرة وحرفيين وعمالاً، العائشة على متفرقات من النصوص الدينية المعبرة عن مستوى وعيها، ينمو تناقضها مع الرأسمالية الحكومية التي توجه الفوائض لمسارات أخرى غير تطوير البنية الاقتصادية الوطنية، هي كالعمال والشباب تشعر بالغربة عن نظام تظن انه غربي، منفصل عن تقاليدها وشريعتها. القوى الدينية لا تحتاج إلى التغلغل السياسي المنظم فيها لأن عباداتها ووعيها متقاربان، ومسائل الإيمان مأخوذة كأساس أرفع من البرامج، فما دامت هذه القوى السياسية الدينية تعيشُ معها في دور العبادة، فالإخلاص هو من جوهرها، والمشترك الإيماني والخوف من العقاب والرجاء في الثواب هو أكبر من قراطيس البرامج. الرأسمالية الحكومية في غيبة عن تحليل وتوجيه هذه الثقافة، مهتمة بأشكال الفنون الأجنبية، وعرقلة تطور الفنون الوطنية، وبالدعايات لها في البلدان المتقدمة، وتقيم أبراجاً منفصلة عن البحر الشعبي الذي يزدادُ أزمةً في عيشه ووعيه، والريفيون يتكاثرون وينتجون أجيالاً أقل معرفة، وأكثر نصوصية وتجمداً، ويصير الاخوان المسلمون متطورين قياساً للسلفيين، ويغدو الزحف على المدن تعبيراً عن الانهيار المتسارع للريف وللأحياء الشعبية، ويريد التغيير(الإسلامي) يريدُ حكومةً على طريقة السلف الصالح، تمشي مع الشعائر والقيم كما تُتلى عليه في دور العبادة. وتوجيه الشباب الهجومَ على حكم الرأسمالية الحكومية والاستبدال الكلي للحزب الحاكم وعدم وجود تنظيمات جماهيرية لهم خلال سنوات طويلة تعبئ وتثقف الناس، يفتحُ الطريقَ على مصراعيه لهذا الفيضان الشعبي ذي العقلية البسيطة الساذجة، لتصويت هؤلاء العوام الذين تثقفوا في عالم الأزمة المعيشية الفكرية المشتركة. الجمهورُ العاملُ الريفي المدني والشبابُ كله يُصعدُ قوةً طبقية مختلفةً عنه، يصعدُ قوةً رأسماليةً خاصة ضاقتْ عليها السبلُ السياسية والاقتصادية في الزمن السابق، زمن الاحتكار الحكومي المهيمن، وستجدُ أمامها السوقَ مفتوحة، وتنمو عبر أدوات الحكم والشركات العامة والخاصة، وتتباين حياتها القادمة مع هؤلاء الذين صعّدوها، مع الشباب المسيسِ وغير الواعي بالصراع الاجتماعي، ومع العامة البسيطة التي سوف تظلُ في ظروفها العادية لم تتغير بنسب الأحلام التي توقعتها. سيظهر الدينيون وسائل جديدة لنشر أفكارهم وتأثيرهم وبقاء هيمنتهم، وسيجد الريفيون والعمال أنفسهم في عالم آخر يحتاجون فيه إلى الدفاع عن أراضيهم الصغيرة التي ستتعرضُ للابتلاع من قبل الشركات الزراعية، ولحرفهم التي سوف تضيقُ عليها المزاحمات، ولأجورهم التي تتآكل مع ارتفاع الأسعار والتضخم، ويجدون أن عصراً رأسمالياً حاداً تنافسياً ضارياً قد توغلَ في لحمهم. حينئذٍ سيبقى القليلُ من الشباب وقد اكتهلوا يدافعون عن يناير وميدان التحرير والكثيرون دخلوا السوق، والكثيرون نسوا الميدان، وقام الجيشُ الجديدُ المؤمنُ بتغيير الكثير من المعالم السياسية والاجتماعية والعمرانية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس خليجية
-
تطرفُ اليسارِ واليمين
-
خطابٌ دينيٌّ رأسمالي صغير
-
مذهبيو المشرقِ والتوحيد
-
من أسبابِ الجمودِ السياسي
-
الحربُ وسيناريو التفتيت
-
روحُ الأمة!
-
غربة شباب
-
الثوراتُ العربيةُ: التقاربُ الفكري أولاً
-
التحالفات في زمن الاضطرابات
-
الربيع من دون يسار
-
لماذا لا تتشكل عقلانية سياسية؟
-
الصراعاتُ الفكريةُ بدلاً من التغيير
-
تناغمُ التطورِ بين المذهبين
-
فشلُ الطائفيين المحافظين في صنعِ ثورة
-
وجهانِ لميداليةٍ عتيقةٍ واحدة
-
المتنبي أميرٌ منافسٌ
-
الثورةُ السوريةُ واعترافٌ عربي واسع
-
غيابُ هزيمةِ يونيو من الذاكرةِ الإيرانية
-
تحولُ القضايا إلى أورام سرطانية
المزيد.....
-
تونس ـ السجن لرئيس الحكومة الأسبق ومسؤولين سابقين في قضية -ا
...
-
مصر.. البلشي يحسم مسألة سباق نقيب الصحفيين
-
لبنان يعرب عن تضامنه مع سوريا في وجه -الاعتداءات الإسرائيلية
...
-
الولايات المتحدة تلغي نظام الإعفاء من التأشيرة مع رومانيا
-
توصيات الجامعة الربيعية لأطاك المغرب المنظمة بالرباط أيام 25
...
-
ناشطة بأسطول كسر الحصار: قلقون من احتمال حدوث هجوم إسرائيلي
...
-
كيف استخدمت الدعم السريع المسيّرات لتغيير مسار الحرب؟
-
غارات إسرائيلية جديدة على سوريا ودوي انفجارات في دمشق
-
محللون: إسرائيل تستثمر هشاشة الوضع بسوريا لفرض وقائع ميدانية
...
-
غارات إسرائيلية تستهدف مناطق متفرقة في سوريا
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|