أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - الكتابة والحُب لا يجتمعان















المزيد.....

الكتابة والحُب لا يجتمعان


أسعد البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3496 - 2011 / 9 / 24 - 15:49
المحور: الادب والفن
    


لا أهمية لأي كاتب لا يتبنى قضية شعبه ولا ينحاز إلى المعذبين . أما هذه التفاهات عن مالارميه و فوكو و ديريدا مجرد هرب
المثقف وجدان شعبه ، هكذا يكون أو لا يكون . عن أية أفكار و شعر نتحدث ؟ . حقاً هذا
مُضحك . لو كان عندنا أفكار و ثقافة لرأينا معارضة قوية لهذا الإنحطاط الثقافي في العراق
بعض المثقفين يصمت عن القمع والقتل والفساد الذي يحدث كل يوم في العراق ، ويحدثنا عن نضاله أيام النظام
السابق ، وكيف أن النظام السابق حرمه حريّة التعبير ، لكن حين أقرأ الحذر والنفاق الذي يكتبونه اليوم
أقول : إذا كانت هذه حريّة تعبيركم فحسناً فعل النظام السابق
ما هو الأدب ؟
بالرغم من كل النظريات النقدية والكتب المترجمة والكلام المعقد الكثير
يبقى معنى واحد للأدب صحيح هو : الصدق
هناك كائنات غير صادقة على الإطلاق وتكره الإعتراف بطبيعتها
كائنات نشأتْ في مجتمع با طني يُردد : الشاطر يشتري ما يبيع
هذا الإضمار وخوف الإعتراف يتحول إلى طبيعة صلبة
فكيف يكتب هكذا شخص أدباً حين يكبر ؟ إذاً ماذا يكتب ؟
يكتب أكاذيب ، ويأتي صديق له نشأ نفس النشأة و عنده ذات المشكلة يقول له : ما هذا الإشراق ؟ ويالك من مُبدع
شيء واحد يدهشني : هو الكتاب الذين يحرصون أن يُحبّهم الجميع
ومن خلال تأملاتي في التاريخ أستطيع أن أقول بكل طمأنينة
الكاتب الحقيقي هو مَن يُقدّم نفسه من خلال أفكاره و لغته فقط
وهذا الكاتب إذا كان حقيقياً يجب أن تثور ضجة حقيقية حوله
يجب أن يشتمه كثيرون ، وتنتشر حوله الشائعات و يُهان و يُتّهم
ليس من قِبل السلطة فقط بل من قِبل المجتمع أيضاً
الكاتب الذي يُحبّه الجميع هو الكاتب الذي لا يقرأه أحد ،أو الذي لَم يقل شيئاً مهماً على الإطلاق . الحُب والكتابة لا يجتمعان .
أن تكتب يعني أن تتألّم و أن تسبّب الألم
بلادنا تُنهب و تنهار ولم تعد صالحة للعيش
والبلد يضيق ولا يتسع لأهله ، السّني مُفخّخ والشيعي يحمل كاتم صوت
وماذا يفعل المثقفون ؟ في الحقيقة عندنا عشرات الشعراء تكشف دواوينهم أنهم لَم يشعروا بشيء على الإطلاق
عندما نتأمل ما يُكتب حقاً و بنزاهة ، نكتشف أن عدداً قليلاً من الناس
عنده شيء يقوله ، عدداً قليلاً من الناس واثق ممّا يقول . المؤمن التقليدي
لا قيمة له . هذا كائن يؤمن بتفكير غيره وغير موجود أو مولود . لكن المؤمن الحقيقي والخلاق هو مَن عنده
شيء يقوله ، وهو خلاصة تجربته . هذه القضية تحتاج إلى عذاب
أحاول جاهداً كتابة أشياء ليست من الكتب ، وليست عبثاً وثرثرة ، أحاول كتابة تجربة توحي بقدرة على التأمل . تجربة
تمّ تأمّلها و كتابتها بصدق
عام ١٩٩٥ أشار الأستاذ باقر الزبيدي(بيان جبر) ( صولاغ) إلى خزنة مكتبه في دمشق أيام المعارضة
وقال : لا قيمة للمثقفين ، بهذه الخزنة أشتري أكبر رأس من رؤوسهم .
الأستاذ الزبيدي يقصد أنه يؤمن بالفقيه العقائدي ولا يحترم المثقف الثرثار . حقاً
ذلك الكلام أثار اهتمامي . ماذا لو طرق بابي ودخل الأستاذ نوري المالكي
و أحاطت بي حمايته المخيفة . ماذا لو أعطاني مئة ألف دولار و منزلاً و طلب مني
الكفّ عن الثرثرة . هل سأُقبّل يده ؟ . كيف نثق بمَن يكتب ؟ كيف ؟ . هنا تأتي
أهمية ( الشاعر) لأنك تُطلّق زوجتك و تهجر عيالك و تترك وظيفتك و لا تدفع (إيجار) شقتك
فيطردونك . أنت شاعر لأنّك (وبالخصوص لأنك) مُستعد
لتخريب حياتك لغاية مجهولة عندك . مَنْ يُخرّبُ حياته لا يُمكن شراؤه يا أستاذ باقر الزبيدي
ما معنى أن تكون شاعراً ؟ أليس هو تفرّدك بتلك الطاقة العجيبة
وهي الإحساس بآلام تتجاوز آلامك الشخصية و آلام عائلتك
أن تكون شاعراً يعني أن تتخطّفك اللغة و تتلبّسك حتى تقول كلاماً
لا تُحمدُ عُقباه لكنك تقوله على أية حال لأنه لا خيار عندك
أن تكون شاعراً يعني شعورك بعذاب شعبك و استعدادك التعبير
عن آلام أولائك الناس العاجزين التعبير عن آلامهم
بهذا المعنى أرى الشاعر ولهذا لا أرى شعراء
ولأن الشاعر الوطني ليس شخصاً
لأنه لا يتحدث عن همومه الشخصية
بل يتمثل تجربة شعبه و يفتح لها طريقاً في اللغة
شاعر كهذا يُركّز خصومه على إعادته لحجمه الطبيعي
يصرون على أنه شخص و مريض نفسياً و يُعطونك تفاصيل شخصية
بدون قلّة مروءة من هذا النوع لا يُمكن للغة الشاعر الوطني
أن تنصهر و تنفجر

عندما يكون هناك شعراء منافقون
وعندما يكون هناك كائنات لا حصر لها تُنافق هؤلاء المنافقين
يُصبح عندها القبر الفارغ إلى جانب هادي المهدي مجداً وسعادة
هذه القدرة المخيفة على الكتابة تحميك من الأعداء
ولكنها أيضاً تحميك من الأصدقاء
العُزلة مؤلمة ، وهي قدر غير مُحبّب يقبل به
أولئك الذين يُصرّون على الصدق
رغم كل ما سمعته من سلبيات عن الأستاذ فخري كريم
ورغم موقفي منه فيما يتعلق بالإحتلال و مستقبل العراق
لكن موقفه الشجاع والنبيل في دعم الشهيد هادي المهدي جعله يكبُر
ويكبُر في عيني ، كنا بحاجة لمثقف و سياسي بطل و على مستوى
عالٍ يساندنا و يدعمنا في مقال لا يبكي القتيل فقط فهذا كلام فارغ
بل يُشير بوضوح و ثبات إلى هوية القاتل
يا فخري لقد كُنتَ تذبُّ الكربَ عن جيلٍ بأكمله من الشرفاء
عندما نقول أن الشهداء ينيرون الدرب
هذه مقولة فقدتْ معناها الأساسي العميق بسبب ابتذال الغوغاء لها
شهيد كبير مثل هادي المهدي ينير الدرب حقاً
بإمكانكم الآن أن تروا بوضوح مَن هو القاتل و مَن هو القتيل
وبإمكانكم أن تروا أيضاً المنافقين والصامتين و حتى الإستمتاع
بفرصة حقيقية لرؤية أنفسكم
كان شهداؤنا في الماضي فقهاء ، لكن الديمقراطية
جعلتْ شهداءنا مثقفين و فنانين ، يبدو لي أن
حكومة السيد المالكي ليستْ هيّنة أبداً ، أعتقد أنهم يدفعون جيداً
لا أرى حملة جادة ضد السيد المالكي و حكومته .
حتى الأصوات المهمة تضيع في زحمة النباح على الحكومة
هناك عدم نزاهة يحكم الجميع ، والمشكلة أنهم يضحكون على الكتاب
حين يتحدثون عن النزاهة لأنهم يعروفنهم
عندما أقرأ مقالات كتاب حزب الدعوة عن الشهيد هادي المهدي ، أسمعُ القاتل
يتكلّم بوضوح ، صدق الرئيس السابق صدام حسين حين قال
القلم والبندقيّة فوهةٌ واحدة
الثقافة العراقية الحالية ليست بحاجة إلى كاتب جديد بل هي حقاً بحاجة لمن يكون تأنيباً في ضميرها
المثقف الذي لا يُضحي بمقاله مجاناً في سبيل الوطن متى يُضحي بحياته في سبيل الوطن ؟
لم أحصل أبداً على هوية اتحاد الأدباء العراقيين ، ولم أشارك بأي مهرجان ، كما لَم يصدر
لي أي كتاب شعري ، مرة واحدة أرسلت مشاركة إلى صحيفة عراقية
حكومية فكان الجواب أنني ما زلتُ دون مستوى النشر و أنهم حريصون
على مستوى صفحاتهم الثقافية . أليس هذا بحد ذاته مجد ؟
أكتب دائماً بطريقة غير مترابطة ، هذا الخطأ الناشيء عن قلة خبرة تحول فجأة
إلى أسلوب جعل مقالاتي مقروءة عن طريق الصدفة فقط . وبمساعدة طبيبي
النفسي اكتشفنا أن عدم الترابط ناتج عن خلل نفسي و ضعف في التركيز . ليس كل الأمراض
النفسية و قلة الخبرة سوء حظ ، خصوصاً في الكتابة الأدبية ، الصحيح نفسياً عليه أن يبحث فوراً عن مهنة أخرى
التجربة المأساوية التي كسرتني على صخرة الحياة تُثبتُ لي شيئاً واحداً هو أن الحزن أقل شقاءً بكثير من
التظاهر بالسعادة . الحزن يجعلك تجلس على صخرة العذاب بينما التظاهر بالسعادة يجعلك تحملها على ظهرك
السعادة هي ميراث آباء شجعان و عناية إلهية ، السعادة هي حقيقة جماعية ولا يُمكن لها أن
تكون فردية ، السعادة إشتراكية عميقة ، وبما أن آباءنا لم يتركوا لنا سوى الصراعات والخراب
علينا حقاً أن نكف عن البحث عن السعادة وانتظارها ، عناية الله يجب أن تدلنا إلى
طريق يجعلنا نترك لأطفالنا عراقاً أفضل يجعل السعادة فيه قابلة التحقق في حياتهم
المثقفون العراقيون لا يطالبون بالحرية بَل بالنقود ، لماذا لا تضحكون
لماذا لا أحد من جيل السبعينات ينشر في المواقع الألكترونية المقروءة جداً ؟ السؤال ليس مُحيّراً ، لأن هؤلاء
لا يُمكن أن يُعطوك مقالاً ب بلاش ، المسألة مسألة مبدأ ، والمواقع لا تدفع
أطرف مُستظرف عراقي سمعته ، هو مطالبة المثقفين بدعم الحكومة الفاسدة لتزدهر الثقافة
العراقية ، فلو دعموا المثقفين بالنقود لأبدعوا ، هل سمعتم شيئاً أطرف من هذا ؟
في النهاية رجل مُتعَب و هالك مثلي لا يُريد أن يعرف ما قاله نيتشه في مقالات هؤلاء بقدر
ما يريد أن يرى فلسفته في أفكارهم ، ولا يُريد أن يقرأ مُلخّصاً عن كازانتزاكي
بقدر ما يُريد أن يرى روحانيّته في مواقفهم ، ولا يُريد أن يسمع عن المتنبي بقدر ما يُريد أن
يلمس كبريائه في لغتهم . كائنات خائفة ، والخوف أبشع شعور
يتعرض له إنسان ، فكيف يكتب الخائف ؟ ، و ماذا يقول ؟ أليس أولاً نكتب عن الخوف ثمّ نتحدث عن شيء آخر ؟
رغم حُزني لكنّ القهقهة التي في فمي تنفجر أحياناً
هؤلاء الشعراء كذبوا كذبة كبيرة جداً و صدّقوها
بَلْ واحدهم يؤكّد للآخر أن الأكذوبة حقيقة عظيمة ، بل الحقيقة الأوحد
يا إلهي شكراً لك حتى البائسين أمثالي يأتيهم طعامهم من المرح
عشتُ في العراق فلاحاً في بُستان نخيل في البصرة ولا أعرف شيئاً عن جيل السبعينات والثمانينات ومقهى حسن عجمي وكلية الفنون
و اتحاد الأدباء ، لا أعرف شيئاً عن هذا ولا أُريد أن أعرف ، لكنّ لي قمراً لا يُمكن أن تتخيّلوا شكله حين ينعكس على الجداول ، ولي صوت ريح يحفّ
أطراف السّعف ، ولي جدّةٌ تتحدّث مع الله والدّجاج والماء الجاري ، عن أيّ شعرٍ تتحدّثون ؟
الحالم الحقيقي يبلغ شغفه بحلمه درجة أنه يستعذبه ولا يستعجله ، نحن
نحلم بلا أمل قريب بل لأن هذا الحلم صالح حقاً للإقامة
الذين عاشوا لَم يقرأوا ، والذين قرأوا لم يعيشوا ، والذين كتبوا عَلِقوا بين الكتب وبين الحياة

[email protected]



#أسعد_البصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم ، أنا كلبُ الحقيقة
- لا أفتحُ قلبي لكم
- إلى كل مثقف عراقي وطني
- ربّما ينجو العراق بمساعدة مثقفيه
- القاريء الحبيب
- لا ينشرون مقالاتي عنك يا هادي المهدي أيها المُغفّل
- أين هو العزاء يا هادي المهدي
- هادي المهدي بُطرس الشهداء العراقيين و حسينهم
- يالثارات هادي المهدي
- نوري المالكي قتل هادي المهدي
- ثورة القُرّاء
- لبنان وآبن رشيق
- العراقيون
- عيد مبارك
- أراني نعشاً
- المال والبنون
- لغمُ الحداثة هذا هو إسمي
- رمضانيات
- كتابات و صحيفة الصباح
- البغداديّات


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - الكتابة والحُب لا يجتمعان