أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - القاريء الحبيب














المزيد.....

القاريء الحبيب


أسعد البصري

الحوار المتمدن-العدد: 3488 - 2011 / 9 / 16 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


لا يتحدث عن ظاهرة (الإرتجال) في الشعر العربي القديم إلا قليلون
لقد كانت هناك شخصيات إنسانية مليئة بالصدق والموهبة
كان الأدب والفكر والفقه يفيض من أفواههم ، كانت مجالسهم
حياة ثقافية حقيقية ، عندما أنظر إلى أسلافي أشعر بحرج شديد فعلاً
رغم أنني لا أتصنع ولا أصنع كلامي بلا تجربة روحية
لكنني أقع في هفوات كتابية كثيرة أندم عليها بألم شديد أحياناً
ما يحدث اليوم هو أن الإنسان تخلى عن ذاته و عن عقله أيضاً
نحن لم نعد قادرين على إجراء أبسط عملية حسابية بلا آلة حاسبة
و ربما بآلات أخرى يكتب بعض الشعراء شعرهم الميّت
لكن تبقى في الإنسان ذاكرة تتجاوز حياته و تجربته الفردية
تبقى تجربة شعبه و تجربة الإنسان منذ عصر الكهوف والصراع مع الوحوش إلى يومنا هذا

أصدقائي الكتاب يفهمون ما أقصد إذا قلت
أن الكتابة ربما تكون تجربة دينية لأنها بدأت في المعابد
ربما نكون جميعا كهنة لمعابد تم هدمها منذ آلاف السنين
ورغم أن عقائدنا قد آنقرضت تماماً وآلهتنا قد حُطمتْ وأُهملتْ
حتى فقدتْ أسماءها إلّا أنه و بسبب وجودكم يبدو لي أن تلك الآلهة لم تفقد
بعض معجزاتها و أتباعها . الكتابة ظاهرة دينية أصيلة
لأنك لا تكتب إلا من خارج الحياة ومن عزوفك عنها و زهدك و رهبنتك
والناس لا تقرأ إلا بسبب النّسك و تلك اللحظات الوجودية النادرة التي تجلب
الشعور بالورع وبالجوع الروحي . أيها الرهبان طوبى لكم
الفقهاء يمثلون ديانة مكتملة في حالة تكرار و سلطة ، لكن الكتاب
هم فقهاء لديانة في حالة آنقراض أو تبدّد . وربّما الكتاب هم فقهاء هراطقة و مرتدّون .
كل كتابة ابداعية هي بلا شك حالة روحية أو دينية
ولهذا علينا أن لا نتوقع الترحيب بها من قبل الفقهاء والسلطة الثقافية

مسألة التَّدبُّر والتأويل في القرآن الكريم على سبيل المثال لا يُمكن آحتكارها
أو منعها ، فللفقهاء تأملاتهم و تدبّرهم و للأدباء تأمّلاتهم و تدبّرهم ، يجب التحرر من فكرة
الحق والباطل في هذه القضية ، إلى جمالية و عظمة النص القرآني نفسه ، النص القرآني
صديق و قريب ك(حبل الوريد) فلا تخيفونا وتُبعدونا عنه أيها الفقهاء . ودون الرجوع
إلى الصوفية أنا أعلم أن النص القرآني مختوم في القلب ، وأعلم أنه يحتمل أبواباً
لا متناهية للجمال والتأمل والعرفان . فقط يجب أن نخبر الفقهاء
ونطمئنهم أننا في الحقيقة لا نتحدى ظاهر القول ، ولا نعبث بالمعنى
الفقهي ، وكل ما هو من اختصاصهم . لكن يبقى القرآن صديقنا و حبيبنا
نحن معشر الأدباء . النص القرآني يصدر عن مُطلق ولكنه يعيش فينا
وينزرع كغرس حيّ وبتراكم التجربة والألم تُشرق معانيه و وتنفتح بوّاباته
الخفيّة و تتدفّق تأويلاته اللانهائية . فقط الشاعر يستطيع إيجاد معنى مخيف لهذه الآية
( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك
هم المفلحون ( 8 ) ومن خفت موازينه فأولئك الذين
خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ) ، الذي يتكلم قبل أن يشعر
ب (ثقلٍ في وزنه وحركته) ، هو في الحقيقة فارغ ويصدر عن فراغ ويكتب كلاماً فارغاً .
مهما يكن من أمر فإن الفقهاء يتأولون في القرآن سُلطتهم المطلقة
ولكننا نتأوّل فيه عذابنا و تجربتنا وتبدّد أحلامنا

أحاطتْ بيَ العناية الإلهية مراراً ، وتخلّتْ عنّي مراراً
لكنني لم أشعر أبداً بما أشعر به الآن من ألم
ما أسمعه ليس عذابي بل عذابُ شعبي كله
هذا الصوت سمعه رجلٌ قبلي هو السيّاب
وكتب قصيدته : غريب على الخليج


في الحقيقة لا يوجد كاتب ، بل يوجد قاريء فقط
القاريء يُحيي النّصوص و يُميتها
نحن نكتب لأننا لا نُحسنُ شيئاً أفضل نقوم به
نكتب لأننا مرضى وعندنا ما يعتصر قلوبنا
نكتب ما نفكر به و نشعر
هذا كله مجرد هذيان شخصي
القاريء الخلاق الجبار هو مَن يحدّد
مَن منّا مجرّد ثرثار و مَن منّا في الحقيقة
يقول كلاماً ينفع الناس


الجو في (أوتاوا) بدأ يميل إلى البرودة ، الشمس تغرب باكراً ، هنا تماماً على هذا الكرسي ألأسود تقشّر الجلدُ من على مسانده ، القلق الذي في راحتي قد أحرقه ، بيني وبين النافذة ستارة قماش رمادية ، الساعة الآن السادسة عصراً ، كُلّما ألقيت رأسي إلى الخلف قفز السؤال ذاته
كيف استطعت أن تعيش كل تلك السنين يا أسعد
لا أعرف كيف وصلتُ إلى هنا ، نحن الآن خريف ٢٠١١ ومع هذا مازلتُ حيّاً ، عدد قليل من الناس يشعر بالخجل من طول الضيافة ، إنها أواخر الخريف أُزيح الستارة على مهل و كأنني أتلصّصُ على الحياة ، هناك ريح خفيفة وأغصان تهتز وسيارات واقفة ، الساحة الخضراء الممتدة أمامي فارغة ، لأن الطلاب قد ذهبوا إلى بيوتهم ، المدرسة نائمة الآن ، يا للمدارس والأطفال وخرافات المستقبل ، لكنني أشعر حقاً بطمأنينة ، هناك خلف الملعب مقبرة كاثوليكية كبيرة تُحلّقُ فوقها الطيور ، نهاية الخريف وأسمع موزارت لكأنني أشربهُ بلا توقّف ، لا أعرف مَن أنا ، الحياة أوجعتني كثيراً فيما مضى ، أكثر من الطبيعي ، لكن الألم قد توقف ، ليس لأن شيئاً قد تحسّن بل لأنني فقدت الشعور بالألم ، هذه اللحظة التي أقف فيها الآن هي ميراث طويل لتجارب و ضجيح استمر لعقود ، إنها لحظة تتويج على مملكة سوف أفقدها بعد لحظات ، و دائماً أشعر بأنني قديم ، لا يُمكن لما أراه أن يكون نتيجة عمرٍ واحد ، تحوُّلُ الفصول يخبرني بهذه الحقيقة ، في عصور قديمة جداً كنتُ أجلس بين الخريف والشتاء هكذا أجمع الحطب و أطارد الكلاب السائبة ، هذه العقائد شخصية لا شأن لكم بها ، لكن يبقى الإعتراف سيّداً للإبداع وليس سيّداً للأدلّة فقط . لن يكون هناك أيُّ دليلٍ على وجودي سواك أنت أيها القاريء الحبيب لأنك منحتني دقيقتين و قرأت كلامي

http://youtu.be/df-eLzao63I



#أسعد_البصري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا ينشرون مقالاتي عنك يا هادي المهدي أيها المُغفّل
- أين هو العزاء يا هادي المهدي
- هادي المهدي بُطرس الشهداء العراقيين و حسينهم
- يالثارات هادي المهدي
- نوري المالكي قتل هادي المهدي
- ثورة القُرّاء
- لبنان وآبن رشيق
- العراقيون
- عيد مبارك
- أراني نعشاً
- المال والبنون
- لغمُ الحداثة هذا هو إسمي
- رمضانيات
- كتابات و صحيفة الصباح
- البغداديّات
- آلة الحدباء
- لم أفعل شيئاً
- ديمقراطية الأسرى
- لا تكرهوني
- وطني مشرّد


المزيد.....




- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسعد البصري - القاريء الحبيب