أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها لأن بعض شخوصها لازالوا أحياء.















المزيد.....



حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها لأن بعض شخوصها لازالوا أحياء.


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 00:21
المحور: الادب والفن
    


هذه أمي كما عرفتها وأحببتها

.. وباسمها أهدي ما خطته يداي في هذا الكتاب إلى جميع الأمهات ، اللواتي يهبننا الحياة، ويسعين جاهدات ليقدمن لنا العالم كغنيمة حرب، نتصرف فيها- في كثير من الأحيان- برعونة ، غير عابئين بما تكابده تلك الجنديات النبيلات من أجل أن ننعم بتلك الهدية..

الفصل الأول: البرتقال
مقطع
لأمي رائحة البرتقال ونعومته
.. إلى يومنا هذا كلما تناولت حبة برتقال بين يدي، وشرعت في تقشيرها، تمثل في الذهن والقلب صورة أمي، متألقة، ناعمة، ومفعمة بالأحاسيس الجياشة .. أخلص البرتقالة من قشرتها قطعة قطعة، تدغدغني هشاشتها ... أبتسم ... أحلم .. ويغمرني شعور بالأمان .. يتناثر رذاذ خفيف يشبه غازا ينبعث من مسام القشرة، التي تنتشر كثقب صغيرة ودقيقة على امتداد سطحها الأملس، الناعم.. مع كل قطعة أتخلص منها يحضر ملمح من ملامح أمي.. تدريجيا تستقيم صورتها، فينبني في أعماقي بصيص من فرح .. ذكرى سعيدة .. أحلام داعبت وجداني في لحظات منفلتة من الزمن الجميل ... ذلك الزمن البعيد/القريب، حين تسللت كلمات أمي إلى لب سمعي، دافئة، شفافة، ومترقرقة .. تستقر في بركة الذات، هادئة مطمئنة لتؤثثها بصفائها الأزلي الأثير.. تتسرب كلماتها عبر طلبة الأذن، ثم تسلك طريقها من خلال شعيرات دقيقة، تقتحم الخلايا.. تحنو عليها، فتدفعها بلطف نحو الباحة السمعية.. هناك يتحفز الدماغ مبتهجا، يستقبلها كأجمل الهدايا المحتملة في مناسبة سعيدة. يترجمها إلى أجمل المعاني وأرقاها، منه تبعث إشارات إلى القلب، يفهم الرسالة، فيخفق جذلا، كعصفور فاجأته شساعة العالم بعد أن قضى في الأسر مدة طويلة، بعد ذلك تتواطأ جميع الحواس لتخزن العبارة في أكثر الأمكنة مناعة ، في أحد رفوف الذاكرة. ينفتح الرف، يستقبلها بلطف ثم يدثرها برياش ناعم خوفا عليها من أي عطب محتمل. من مكانها هناك تطفق تغذيني بما يلزمني من طاقة وقوة.. حتما سأحتاجها في الأوقات الحرجة، حين تلعب الحياة مع لعبتها، وتهوي ثقتي بنفسي إلى الدرجة الصفر على سلمها الزئبقي. كلمات أمي كانت بسيطة وعميقة، وكأنها لم تنطبق بها أبدا، فقط ارتسمت على محياها، فبدت وكأنها أفصح عبارة تبتكرها اللغة، منذ أن فطن الإنسان إلى هذه الأداة الخطيرة. قالت أمي تخاطبي في لحظة لا أتذكر تفاصيلها: "أنت أجمل طفل في العالم. إياك أن تسنى ذلك. أو تسمح لشخص أن يقنعك بغير ذلك".
ولم أنس ذلك أبدا

.. بمرور الزمن ترسخت هذه الكلمات في ذهني، أمي ساعدتني على ذلك. كل ما تقوم به تجاهي يساهم بقسط وافر في تثبيتها في رف الذاكرة.

كلما تذكرتها يخفق قلبي، فأحس وكأنه عازم على مغادرة مكانه، يتوق إلى التحليق عاليا في الأجواء البعيدة

.. على أساس هذه الكلمات أمضي في حياتي، معتزا بنفسي، نرجسيا، فخورا بكوني أجمل طفل في العالم . حتى المقارنة مع أقراني. لم أتكن ذات جدوى. لا معنى لها ولا أحتاجها. يكفي أن أمي نطقت بها، وملأتني بظلال معانيها الجميلة.

دوما كنت مفعما بذلك الإحساس الجميل، الذي منحني القوة والإصرار بفضل كلمات أمي لأشق طريقي في دروب الحياة .. بفضله كنت قد نلت الكثير الكثير .. ... ظلت كلمات أمي مترسخة في مكان ما من الذهن والذاكرة والوجدان، عالقة في أناي القديمة، تقاوم بإصرار المحارب، ولا يمكن لأحد أن يمحوها إلى الأبد .

لا زالت إلى اليوم تحكم حياتي، تختلس لها طريقا سريا

, وتفرض نفسها على كل الحقائق الجديدة التي راكمتها الذات يوما بعد يوم . دوما أقنع نفسي بأنني كنت الأجمل . يشبه ذلك إلى حد بعيد ومن بعض الوجوه المتفائلة رئيس دولة سابقا أو سفيرا سابقا أو على الأقل مسؤولا سابقا، ألفظها في خفوت وخجل، لكنها تعطي مفعولها، وإن لم يكن ذلك بالشكل المتوقع .. حينما أجدني ضحية لظروف صعبة، تبعث على الحزن والإحباط، أرجع القهقرى، أفتش على كلمات أمي، حضنها الدافئ، ولا يخيب مسعاي أبدا، ما إن يحدث ذلك حتى ينبعث في نفسي فرح غير متوقع. يكفيني أن أتذكر أنني كنت أجمل طفل في العالم لتنبت الفرحة في أعماق أعماقي، وتشق طريقها بإصرار ومرونة نحو شفتيّ فتفترا بلطف عن ابتسامة تطيح بكل القلق الذي كان إلى فترة قريبة يحاصرني.. وتطوح به بعيدا حيث لا أمل له في العودة إلا بعد حين.

إنني أجمل طفل في العالم، وفضلا عن ذلك أتناول كل يوم برتقالا هشا، لطيفا ولذيذا، دلحا، يتدفق ماؤه في جسدي الضئيل ، بعد أن أضغط بأسناني الصغيرة على لبه المائل إلى البياض

. قبل أن أفعل ذلك كان يعجبني أن أتأمله. أمسك بين أناملي أصبعا من أصابعه، التي كانت ملتفة حول نفسها لتكون كويرة بديعة الصنع.. كانت تأسرني تلك الخيوط البيضاء الدقيقة، شديدة العطب، التي تنتشر على امتداد أصابع البرتقال. بصبر أنزعها خيطا، خيطا، والحبور لا يفارق وجهي الصغير.. ثم أشق البرتقالة إلى نصفين، أنزع الأصابع متتالية وبحرص أرتبها أمامي.. أتناول واحدة. أنظر إليه بفرح وتوقع واعد .. شبكة من العروق الدقيقة تتمدد متداخلة، تبدو كمتاهة لا توصل إلى أي مكان بعينه. أشق أإصبعا أرى داخله حويصلات صغيرة مستقلة عن بعضها البعض، ومترابطة في الآن نفسه. تلك الحويصلات تمتلئ بالسائل الأصفر اللذيذ. أعض على نصف إصبع، يتحلب في فمي.. تنتشر اللذة تدريجيا في كل جسدي.. يتنمل لساني للحظات ينقبض دماغي قليلا، ثم يرتخي فجأة. يشعرني ذلك بكثير من الانتشاء. أتوقف قليلا. أتلمظ مذاق البرتقال الوالغ في فرادته.. بعد حين أضيف النصف الآخر، ثم أجهز على البرتقالة كاملة، محافظا على نفس الطقوس، وكأنني أخشى أن تنفد الأصابع، غير أن ما تناولته يشعرني في نهاية المطاف بكثير من الامتلاء والنشوة.





الفصل الثاني: الحـب
"مقطع"

كانت أمي ولا تزال منبعا ثرا للعواطف. إنها شلال دافق من الأحاسيس الجميلة، ينهمر بغتة ودون سابق إنذار كلما حضرت في الذهن ذكرى من ذكرياتها..علمتني أمي أن أحب بلا حدود ودون انتظار أي مقابل .. منها تعلمت أن جائزة الحب الكبرى تكمن في ذلك الإحساس الجميل الذي يخترقنا، ويجعلنا ننظر إلى أنفسنا بشكل أفضل. الحب عطاء مستمر، ودفقة من القلب تجعل العالم أرحب وأجمل وأرق. ليست كلمات أمي وحدها ما أشعل فتيل الحب في أعماق نفسي، فلم أعد قادرا على العيش بدونه، نظرات عينيها الجميلتين كذلك ، لمساتها الحانية، ذكرياتها قبل الزواج، التي كانت تحكيها لي بدون تحفظ. تحكي لي كل شيء، فأشعر بأنها كانت بحق سعيدة.. يبدو ذلك على كل ملامحها وحركاتها. كانت تحكيها وكأنها تعيشها من جديد. لازالت إلى يومنا هذا تأسرني تلك الذكريات البعيدة.



كانت أمي تحدثني بشغف عن الأفلام المصرية التي كانت تأسرها، وسهرات أم كلثوم. ربما تكون هذه الأفلام مسؤولة بنصيب عن الرومانسية التي تطفح بها عينا أمي وابتسامتها الآسرة حين تحدثني. هذه الابتسامة بالتحديد كانت تسلب إرادتي، وتجعلني متعلقا بوجه أمي لمدة طويلة، دون أن يجد الملل طريقه إلى نفسي.



في فترات معينة انتبهت إلى أمي وهي تلعب معي لعبة مكشوفة. كانت تستدرج الفتيات من سني للانتباه إلي والاهتمام بي. تغمرهن بالعطايا حتى يمكثن في بيتنا ويملن إلي. من هؤلاء الفتيات أذكر واحدة بشكل جيد. كانت جميلة وممتلئة القوام. وجهها مدور وعيناها واسعتان، لها غمازتان بديعتان وشفتان تزينهما ابتسامة طبيعية. جميع الأطفال كانوا يسعون جاهدين للظفر .


.. صبية واعدة بحق، يبدو أنها تعرف إمكانياتها جيدا، لذا لم يكن من السهل استمالتها. بتواطؤ مع أمي أصبحت تلك الفتاة المشتهاة من نصيبي، على الأقل لزمن محدد، كانت تأتي إلى بيتنا، حاملة غوايتها الصغيرة، تتناول معنا الطعام ثم تمنحني أمي وإياها بعض السنتيمات، ونمضي في طريقنا إلى المدرسة. كان يعجبني أن أمسك بيدها بين لحظة وأخرى. أذكر أنها رغم حداثة سنها كانت تفهم أكثر مني في أمور الحب.

في لحظات معينة تتخلص من يدي وتبدو شرسة ممانعة وعنيدة، خاصة في الأماكن العامة الآهلة بالسكان، أما حين نكون في البيت منفردين فكانت تسمح لي بلمسها وأحيانا بتقبيلها، بعد أن تبتزني، وتساومني في شيء ما أملكه. في فترات متباعدة كنا نأوي إلى سرير أمي ونندس تحت الغطاء. ونظل متلاصقين لفترة من الزمن، تبعث في النفس الدفء والخدر، تلفحنا الحرارة المتولدة عن جسدينا الغضين، كانت الفتاة عذبة، هشة وطرية.. يشعرني التصاقي بها بأنني في مكاني الطبيعي جدا، مكان دافئ وناعم. أحس أن هذا المكان كان موطني منذ زمن بعيد، وقد غادرته مرغما، وإذا بي أعود إلى حضنه بعد طول غياب.. إنه جنتي المفقودة. ياه كم كانت لذيذة تلك الطفلة. كانت تبدو للجميع مشروع عاهرة واعد، وبالتأكيد ستكون عاهرة ناجحة لو تحققت تلك الرؤيا المتبصرة، من يدري؟ ربما تكون قد تحققت، لكن لحد علمي لا وجود لعاهرة ناجحة. العاهرة دوما تعبير عن فشل إنساني كبير، أن تمنح المرأة جسدها بمقابل لعدة شركاء محتملين ، لا تجمع بينها وبينهم أي عاطفة، لا يمكن أن يكون إلا قمة البؤس والغبن...

في الصيف تكبر متعتي، تتسع في كل الجهات لتشمل أحلامي، بل تتجاوزها. .. يصبح لديوفرة من الوقت الزائد عن اللزوم. وقت فراغ متواصل، كل يملأه بطريقته.. كانت حياتي آنذاك متمركزة حول اللعب والمتعة. كنت ألعب بتفان. أمارسه بكل كياني. أنتقل من لعبة إلى أخرى، وكانت أمي تتواطأ معي في ممارسة هذه الألعاب. جميع الألعاب التي تستهويني يكون لأمي نصيب فيها. أول طائرة ورقية، وأول دراجة قصبية، وأول سيف خشبي وأول قيتارة من علب الزيت الفارغة. كانت كلها من صنع أمي. كنت البكر، ولا إخوة لي من الذكور، بحسرة كنت أرى الأطفال من أقراني يستمتعون بتحليق طائراتهم الورقية، فعدت إلى أمي باكيا بعد أن أعيتني الحيلة في الحصول على واحدة. شمرت أمي على ساعد الجد، أحضرت اللوازم، وشرعت أمام عيني المندهشتين في صنع الطائرة. أمام ذهولي بدأت الطائرة تتخذ شكلها المتنامي، ثم ما لبثت أن أصبحت طائرة حقيقية، بعد أن اكتمل مربعها الآسر، الذي تتوسطه قصبتان رفيعتان تتقاطعان في الوسط.. بعد ذلك بحثت أمي عن قطعة قماش، قصتها لتصنع منها شريطا دقيقا، ألصقته في مؤخرة الطائرة، ليكون بمثابة ذيل يساعدها على تحقيق التوازن عند الطيران. بعد ذلك أخذت الخيط النيلوني الطويل، وألصقته بمقدمة الطائرة، ثم قدمتها لي بكل سعادة العالم. أمسكت أكرة الخيط النيلوني بيد والطائرة بيد أخرى، ثم بدأت في محاولاتي المتكررة واليائسة في جعلها تطير، كي تعانق الفضاء الشاسع. شرعت أركض مقلدا الأطفال، ثم أطلقها من يدي. لكن كل محاولاتي فشلت. كنت أتصبب عرقا وغيظا بعد كل محاولة فاشلة، ثم ما لبثت الدموع أن انسلت من حدقتي، وانخرطت في نشيج متواصل.. اقتعدت الثرى وأنا أبكي، حاضنا طائرتي البائسة. تقدمت أمي نحوي بخطوات واثقة. أخذت مني الطائرة والأكرة، ثم طفقت تركض محاولة أن يكون ركضها عكس اتجاه الريح كما علمتني فيما بعد. وفجأة أمام انبهاري وفرحتي العارمة طارت الطائرة. لقد عانقت الأجواء المفتوحة، انتفضت من مكان، وجريت نحو أمي وبصري متعلق بالطائرة. أتعثر في خطواتي، وجهتي أمي التي يبدو أنها أثارت انتباه الناس وهي تركض بطائرتها الورقية. وكان ذلك بالفعل ما حدث، لأن الجيران تحدثوا لوقت طويل عن هذا الحدث الطريف، كما سأعرف لاحقا. ناولتني أمي أكرة الخيط النيلوني وحذرتني من إطلاق المزيد من الخيط حتى لا ينقطع، وتضيع الطائرة. متوترا وفرحا أمسكت بالخيط.. قلبي يخفق بشدة، وعقلي الصغير يهيم في عالم جديد لا يمكن تحديد معالمه. عالم تصنعه أمي بقدرتها وكفاءتها وحبها، وأدخله أنا راضيا مرضيا، فرحا ومنتشيا.. تركتني أمي وعادت إلى البيت لإنجاز أشغالها المنزلية. وبقيت هناك وحدي أتملى في تلك الطائرة المحلقة في الفضاء، وفي كل لحظة أفرج عن قطعة من الخيط النيلوني، فتتوغل الطائرة عميقا في الأجواء وتصبح صورتها أصغر، بينما تتعملق الفرحة في وجداني بشكل متنام وسريع.

في لحظة فارقة ستنقلب فرحتي إلى مأساة. لا أعرف كيف حدث ذلك، لكنه حدث أمام عيني الذاهلتين. تسرب الخيط من يدي انبتر، وظلت الأكرة في راحتي. وإذا بالطائرة الورقية تترنح في الهواء وتمضي بعيدا إلى وجهة لا أعلم عنها شيئا. يائسا ركضت وراءها، محاولا استرجاعها، لكن هيهات، لقد اختفت نهائيا. رفعت بصري المتحسر باحثا عن أثر لها، فلم أظفر بشيء. انخرطت في بكاء مرير وكأن الطائرة أخذت معها كل الأشياء الجميلة التي كانت تؤثث أحاسيسي إلى وقت قريب.

عدت إلى البيت أجرجر خيبتي هرعت نحوي أمي فتسألني:

-ماذا بك أين طائرتك؟

لم أحر جوابا.. فقط كنت أختنق من شدة النشيج. أخذتني من يدي وسحبتني وراءها نحو المغسل. رشت الماء على وجهي، ونظفت أنفي من المخاط الذي اختلط بالدموع.. هدأت قليلا. سألتني من جديد:

-أين الطائرة؟ هل سلبك إياها أحد؟.

عدت للنشيج من جديد، لكن بحدة أقل.. أخبرتها بما حدث قائلا:

- لقد انفلتت مني، واختفت.

طمأنتني أمي واعدة إياي بأنها ستصنع لي غيرها. فعادت الفرحة والطمأنينة المسلوبتين إلى نفسي.

ما حدث لي من الطائرة تكرر بصيغ مختلفة مع لعب أخرى، كانت أمي تصنعها لي، ألهو بها لفترة، ثم سرعان ما تنعطب، فتصنع لي غيرها. كل ألعابي تقريبا في مرحلة ما من حياتي كانت عليها بصمة أمي، لذا حين أتذكرها الآن، ترتبط ذكراها بها، فيزيد تعلقي بها، وحبي لها.

في مرحلة ما من حياتي انشغلت بالمرآة. أصبحت مدمنا عليها. أنظر إلى صورتي المنعكسة عليها بشكل متكرر. قبل ذلك كانت أمي مرآتي. كلماتها وابتسامتها كانت تكفياني لأمتلئ بالرضا عن النفس، وأشعر أن العالم أنشئ خصيصا من أجلي.. لي وحدي، وأن الآخرين مجرد كيانات بلا عمق ولاهوية، إنها هنا فقط لتؤنسني حتى لا أجد نفسي وحيدا. كنت أشعر بأن كل ما يحدث في محيطي يعنيني بشكل من الأشكال. نظرات أمي كانت ترسخ في ذهني ووجداني هذا اليقين. المرآة كانت حاسمة في مسار حياتي. جعلتني أتعرف على نفسي بشكل مختلف، أظنه أكثر موضوعية وحيادية. وأكثر من ذلك دفعتني للمقارنة بيني وبين باقي أقراني. حقيقة أحبطني ذلك. حاولت أمي أن تخفف من هذا الإحباط بطريقتها، كانت تفاجئني، وتقف بجانبي، تقترب مني ..تنظر إلى صورتي في المرآة، ثم تردد مبتهجة:

- يحفظك الله من عين الحسد والسوء.

لم أكن أستوعب جيدا كل ما تتلفظ به، لكنني كنت متأكدا بأنه الأمر – كالعادة- في صالحي.

كثيرا ما كانت تمسك بالمشط، وتشرع في ترجيل شعري، ثم تعكف على هندامي لترتبه.. كنت أقاوم قليلا أفعالها هذه. كانت تخجلني، لكنها لم تكن ترعوي أبدا، ولتعزز ثقتي بنفسي كانت دوما تردد على مسمعي:

- كم هي محظوظة الفتاة التي ستكون من نصيبك !

أخجل. أتلعثم، ثم أخاطبها متوسلا:

-كفي يا أمي عن هذا الكلام !

تبتسم لي ابتسامتها الآسرة. تقبلني، وتنصرف، فيما أظل معلقا أمام المرآة، أحاول أن أظفر منها بأجمل صورة يمكنها أن تجود بها علي، لكي أخزنها في الذاكرة ، وعلى أساسها أتصرف مع الناس من حولي. أحاول تجريب كل الوضعيات المحتملة، لكن المرآة تظل على عنادها، لا تمنحني الصورة التي كنت قد كونتها عن نفسي قبل أن أصطدم بصلابتها. أغادرها محبطا وحزينا، لكن كلمات أمي سرعان ما تتغلب، أتقهقر نحوها فتمدني ببعض القوة والطاقة، كي أستمر في درب الحياة الطويل والقاسي.



زلزال مدمر سيرج حياتي، وتنقلب رأسا على عقب. زارتنا مرأة صديقةة أمي يوم الأحد. كانت برفقتها طفلة تصغرني بسنتين تقريبا. فتاة جميلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. شعرها حريري لا يتوقف عن الحركة، يداعب بلطف كتفيها الضئيلين، وعلى جبينها اللامع تتساقط خصلات منه تحجب عينيها للحظات، ثم سرعان ما تمتد لها يدها لتعيدها إلى مكانها الطبيعي. عيناها باسمتان دوما، يظللهما حاجبان رفيعان شديدا السواد. شفتاها حمراوان بشكل لا يصدق، وكأنها تضع أحمر شفاه، لكنها لم تكن تضعه لحداثة سنها. جمالها طبيعي وخارق. حين وقع بصري عليها أحسست بالدوار، لقد كانت تجسيدا لما أحلم به، بل تجاوزت الحلم بدرجات. إنها فتاة لا تصدق، تملكتني بسطوتها الكاسحة.

أعدت أمي الشاي، وقدمت لضيفتيها بعض الفواكه الجافة والخبز والزبدة والمربى. قريبا بعيدا جلست.

أحاول أن أكون ظاهرا للعيان إلى حدود التجلي. وفي نفس الوقت تتملكني رغبة صادقة في الاختفاء، حتى لا أكون محط نظرات تلك العينين الجميلتين..

أمي ذكية، فطنة، تنتبه إلى ما حولها بسرعة، وتكون صورة شاملة عن الموقف، ثم لا تلبث أن تتخذ قرارا، وتنفذه في الحال. لم يفتها ما يعتمل في داخلي، فوطدت العزم على التصرف.

تشعب الحديث بين أمي وزميلتها، وفي لحظة آسرة، لا تتكرر إلا في الأحلام المتواطئة، تلتفت أمي نحو الفتاة، وتقول لها بلهجة واثقة ومطمئنة وعادية جدا:

-ستكونين إن شاء الله زوجة لابني.

تتخضب وجنتا الفتاة بحمرة الخجل. أسترق النظر إليها, ثم أذوب أنا الأخر في بحيرة الخجل. تلتفت أمي نحو والدة الفتاة، ثم تغمز إليها بعينيها, فتؤكد هذه الأخيرة كلامها مثنية عليه.

ما هذا الذي يحدث؟ ما أروعك يا أمي لا تخذلينني أبدا. مرتبكا كنت أنتظر الخطوة التالية التي ستقدم عليها. أعرف أن مفاجآتها لا تنتهي، وهي غالبا ما تكون في صالحي. تناولنا بعض المكسرات، وارتشفنا كؤوس الشاي الساخن، الذي تفوح منه رائحة النعناع قوية ونفاذة.

في لحظة ما التفتت إلي أمي مستغربة، ثم خاطبتني قائلة:

-ماذا تفعل هنا؟ اذهب إلى الخارج، ودعنا نتحدث في حرية.

ارتبكت. قمت من مكاني، ثم خطوت متعثرا نحو الباب قبل أن أبلغه, جاءني صوت أمي المتواطئ :

-خذ معك "مريم" وقوما بجولة في الشاطئ .

لم يكن البحر بعيدا عن بيتنا. من السطح نرى زرقته الممتدة,..في بعض الأحيان خاصة في فصل الشتاء كان هديره المتواصل يصل إلى أسماعنا.. في نفسي قلت "أمي قادرة على كل شيء وبدونها لا أساوي أي شيء"... ابتهجت الفتاة بالاقتراح. قامت من مكانها مستعدة للذهاب، نظرت إليها أمها نظرة معبرة، لكنها لم تمنعها . فقط حذرتها قائلة:

-إياك أن تسبحي. فقط اجلسي على الرمال وتفرجي على البحر.

أجابت الفتاة أمها :

- نعم سأفعل.

وقبل أن نغادر البيت وجهت الأم كلامها إلي قائلة :

-انتبه إليها . إنها تحت مسؤوليتك .

ردت عليها أمي مؤكدة ومحتفية :

-لا تخافي شيئا . ابني عاقل وناضج، سيرعاها جيدا.

في طريقنا إلى الشاطئ لم نتحدث. كنا نمضي بخطوات حثيثة. مررنا عبر ممرات ضيقة كنا نتصادم في مشينا، ثم نبتعد عن بعضنا البعض. وصلنا إلى الشاطئ . نزعنا أحديتنا، توغلنا في الرمال الناعمة. لم تكن سخونتها لاذعة فتحملناها، لكن سرعان ما بدأنا نحس بحرارتها تكوي باطن أقدامنا. اشتكت مريم من ذلك، فطلبت منها أن تركض لتتحمل الحرارة. فانخرطنا كلينا في الجري، حتى بلغنا الرمال الندية، المبللة ببقايا الموج.

هناك اتخذنا لنا مكانا. جلسنا متقاربين نحملق في الامتداد الأزرق الجميل. كانت بعض النوارس تحلق قريبة من صفحة الماء, بدت لي خفيفة في طيرانها، وكأنها بذلك تعبر عن سعادتها. لم أستطع أن أتكلم أكثر مع الفتاة، فقط كنت مكتفيا بالجلوس بالقرب منها.كانت الفتاة هادئة، وجميلة، وناعمة. استرقت النظر إليها مرات عدة، وحين تبادلني النظر كنت ألجم بصري وأهيم في زرقة البحر.قررت أن أسبح .. أخبرتها بذلك، فلم تجبني بشيء. لكنني أحسست بأن قراري استهواها. ازدادت عيناها الباسمتين إشراقا.

نزعت ملابسي بسرعة، وقصدت المياه ركضا. أنوي إبهار الفتاة بإتقاني للعوم. ارتميت في أحضان المياه الباردة. أحسست بقشعريرة خفيفة تلسعني. لم أحفل بذلك إذ سرعان ما تكيف جسدي مع البرودة . سبحت في اتجاهات متعددة، أغطس لفترة تحت الماء وأتقدم سباحة ولا أرفع رأسي إلا بعد وقت طويل. بعد حين غادرت المياه. قصدت الفتاة، التي ظلت ملازمة مكانها، وكأن وصية أمها تكبلها. تمددت بجانبها ثم سرعان ما انتفضت واقفا وتوجهت نحو الرمال الساخنة. انبطحت هناك لأنعش جسدي بحرارتها. كنت أعتقد أن الفتاة ستتبعني، لكنها لم تفعل. بعد أن يئست من استجابتها، غادرت مكاني الساخن وتوجهت نحوها . جلست بجانبها، ثم ما لبثت أن حرضتها قائلا:

-هل تسبحين؟

بدون تردد أجابتني.

- لا أحسن السباحة .

أتاح لي كلامها استعراض مهارتي في السباحة. فأجبتها.

- سأعلمك.

صمتت قليلا ثم قالت :

- أمي ستغضب إن علمت بذلك.

أردفت معقبا :

-لن نخبرها بشيء .

بدت الاضطراب على سحنتها. لكن يبدو أنها حسمت أمرها فقالت :

-ليس لدي لباس السباحة.

رددت عليها مشجعا :

-ليس ضروريا، يمكنك أن تسبحي بملابسك الداخلية.

الحقيقة لم أصدق أنها ستستجيب بهذه السهولة . إذ سرعان ما شرعت تتخلص من ملابسها. كانت بيضاء بشكل غريب، وكأنها قطعة من الثلج صقيلة وناعمة. في جسمها شعيرات بيضاء خفيفة لاتكاد ترى. وعلى صدرها حبتان صغيرتان لا تكادان تعلنان عن نفسيهما. نحيفة كانت بشكل ملحوظ. تقدمنا نحو المياه. بحثنا عن بركة صغيرة بين الصخور، فوجدنا ضالتنا سريعا. قلت لها:

-هنا يمكنك السباحة دون خوف.

غمست قدميها الصغيرتين في الماء. كانت مترددة وشيء من الوجل يداعب ملامحها. ارتميت في البركة، فشجعها ذلك لانغماس رويدا رويدا في الماء. ثم بدأنا نسبح معا. لكنها بدافع الإحساس بالذنب بسبب مخالفتها لوصية أمها، سرعان ما طلبت مني أن نغادر البركة، وهي تقول لي:

-إذا علمت أمي بالأمر ستقتلني.

استجبت لها دون تردد. غادرنا البركة، ثم طلبت منها أن تفعل مثلي وتقتعد الرمال الساخنة ليجف تبّانها. انصاعت لنصيحتي، فما لبت أن جف جسدانا فارتدينا ملابسنا، وعدنا إلى البيت وكأن شيئا لم يحدث أبدا.

تكررت زيارات الفتاة وأمها لبيتنا. في أيام بعينها كانت الأم تحضر ابنتها إلى البيت قبل أن تذهب رفقة أمي إلى العمل، كان هذا التصرف منها يدل على مدى العلاقة التي توطدت بينها وبين أمي .. أصبحنا بمعنى آخر عائلة واحدة. نحن كذلك كنا نزورهما ونقضي اليوم بكامله في ضيافتهما. بقاء الفتاة في بيتنا كان يتيح لي الانفراد بها لمدة طويلة، فطنت إلى أن الفتاة يعجبها ذلك وتنتظره بشوق. تصرفاتها وسحنة وجهها المنبسطة كانت تدلان على ذلك. لم تكن ترفض لي طلبا. في ما بعد استهوتنا لعبة مميزة، نندس تحت الفراش، ونلتصق ببعضنا البعض. أقصد ألتصق بها من الخلف لمدة طويلة. كان ذلك يسعدني كثيرا. بعد زمن طويل من ذلك قرأت قصة قصيرة لكاتب من أمريكا اللاتينية، تصور بمهارة هذه الطريقة في احتضان المرأة، والنوم التصاقا بظهرها. شبه ذلك بركوب دراجة نارية تقودها امرأة، والرجل يقبع خلفها. تمضي الدراجة في طريقها بسرعة مفرطة، فيختلج الرجل إحساس جميل وباذخ بالمتعة، متعة السرعة، متعة ظهر المرأة الطري في الوقت الذي تداعب فيه الريح وجهه ،فيما تنفلت خصلات شعر المرأة لتنتشر على امتداد صفحة وجهه.. تدغدغ لمساتها بوخزات لذيذة وملمس ناعم كل عضو من محياه.

أعجبتني القصة قرأتها مرارا ، في كل مرة أشعر بأن القصة كتبت خصيصا للتعبير عن مدى الانتشاء الذي كنت أحس به وأنا ألتصق بظهر الفتاة.
 

الفصل الثالث : الخيـــال


مقطع"
كانت أمي ولا تزال محدثة بارعة. ما أن تحضر في جمع معين حتى تهيمن عليه بحديثها العذب والمتشعب .. لقد تشربت حكاياتها لمدة طويلة. حتى أنني أعتقد أنها تفوقت على جدتي في هذا المجال. لقد كنت مرتبطا بجدتي في فترات طويلة من طفولتي. كان ارتباطا ليليا بتحريض من أمي وإرضاء لها. جدتي تسكن في نفس الحي الذي نقطن فيه. كانت وحيدة، لذا كانت أمي تلح على لأذهب وأنام في بيتها. كنت أفعل ذلك برحابة صدر.. لأنني اعتبرت دوما جدتي امتدادا لأمي. حبي لها يعني حبي لأمي. أنام في حضن جدتي. كانت ترفض أن أنام منفصلا عنها. ربما تجد في احتضاني تعويضا من نوع ما عن الأبناء والبنات الذين فقدت أكثرهم في درب الحياة الصعب. أنجبت أحد عشر طفلا من بينهم صبيان، فقدتهم تباعا .. الواحد بعد الآخر وفي كل مرة يزداد الجرح غورا. من بينهم رحمة التي كانت أمي تتحدث عنها كثيرا. كان الجميع يعزها لكن الموت اختطفها في الصبا. مسكينة جدتي. أنجبت للموت أطفالا، التهمهم بلا شفقة ولا رحمة. كنت شاهدا على كراهية الموت وصلفه. كنت في السابعة من عمري تقريبا، حين جاء الدور على خالي أحمد.
كان زينة الرجال. رجل شغيل ويجب الحياة. يمارس هواية الصيد بشغف.. بيته مفتوح للجميع. له كثير من الأصدقاء، الذين أراهم لا ينقطعون عن زيارتهم. كانوا يقيمون ما يشبه الاحتفال كل ليلة. كان يعجبني أن أتلصص عليهم، فأنبهر بضحكاتهم الناضجة. وسمرهم الليلي الآسر. كنت أشعر بمكانة خالي بينهم، فيعجبني ذلك. الموت تافه، وبارد، لا يتوفر على أدنى حد من العواطف. اختاره ذات ليلة حين كان يمتطي دراجته النارية الضخمة، التي تسلب ألباب الأطفال في الحي، في ليلة ممطرة كئيبة وحزينة، فقدناه. وجدناه في الصباح ملقى على الإسفلت بالقرب من دراجته. لا أدري لم لم يركب سيارته الجديدة تلك الليلة. اختار الدراجة، فكانت سبب موته.. خسارة جدتي كانت مضاعفة ..فقدت ابنها الأخير من الذكور وفقدت معه معيلها وحاميها، ومطمئنها.. كانت تبكي بحرقة لم أشهد لها مثيلا. أذكر أنني بكيت لبكائها. لكن ماذا بيدي أن أفعله أنا الطفل الصغير، الذي لم يفهم بعد قسوة الفراق، وغدر الحياة.

قبل أن أنقذف في حضن النوم ، كانت جدتي لا تكف على الحديث. تكلمني في كل شيء. كل ما يخطر على بالها. كانت مصرة على أن تحكي لي بالتفاصيل المملة حياتها كلها. حديثها كان في الغالب واقعيا، يتناول ما نعيشه من أحداث في حياتنا اليومية. وسير أشخاص أعرفهم. كانت جدتي متذمرة، ولا تني تشتكي من تصرفات الناس جميعهم. عندما أنام في حضنها تشرع في انتقاد هذا وذلك ، وتشتم هاته وتلك، وتحذرني من هذا الشخص ومن غيره، وتحرضني ضد آخر. لم يكن ذلك يعجبني، لكنني كنت مضطرا للإصغاء إليها حتى يختطفني ملاك النوم ، ويحلق بي في عوالمه الخيالية المجنحة، فأحلم أحلاما مختلفة..أحلاما أرى فيها ما تشتهيه النفس وما ترغب فيه.

حديث أمي كان مختلفا عن حديث جدتي، كان في غالبه خياليا وعذبا، ويخلو من أي مس بالأشخاص ، و إن جاء ذكر أحدهم عرضا ، كانت تحرص على أن تعطيني عنه صورة طيبة. حتى أولئك الذين يسيئون إليها كانت تنجح في إيجاد أعذار لهم. من أمي تعلمت الكثير من الحكايات التي أعرفها اليوم. أغلب حكاياتها كانت تدور حول "الغولة" وهاينة".. كانت بعض حكاياتها تحمل بين طياتها ألغازا ، يتعين على البطل حلها حتى لا يقع ضحية لعقاب الجن أو الغولة... كانت تأسرني بقدرتها على حكي ذلك بسلاسة وبلا تعقيدات. أكثر هذه الحكايات عثرت عليها فيما بعد في الكتب بشخصيات وأماكن مختلفة، لكنها تتشابه في الألغاز التي توشي بها مساحات الحكي.. حتى حديث أمي الوقعي عن أحداث وقعت بالفعل كانت تبرع في تدبيجها بشطحات من خيالها الجامح . أكثر حكاياتها الواقعية كانت تدور حول أناس تحبهم. وعلى رأس هؤلاء أبوها أي جدي، الذي لم تتح لي الفرص لمعرفته بشكل مباشر. فقط رأيت صورة له في وثيقة رسمية فترسخت في ذهني.. كانت أمي تحب أباها كثيرا، وهو الأخر كان يعزها ويفضلها على جميع أخوتها. كانت أمي تعتبر أباها صاحب كرامات بسبب نسبه "الشريف" إنه ينحدر من مدينة الريصاني بإقليم الراشيدية، هذه المدينة التـي

عرفت بسلالاتها القادمة من الشرق ، فظلت تتوارث وهم الشرف ، الذي لا أتصور كيف ينتقل بالوراثة. إنها أحد أعطابنا المزمنة .هذه الكرامات لا تتفق مع حالة العوز التي عاشها جدي والمرض الذي لازمه حياته كلها تقريبا ، بعد أن جف ماء الشباب أو كاد. وفقدانه لأبنائه تباعا، بعد أن فتك بهم المرض ، وقلة الحيلة لإنقاذهم من مخالب الموت .لم ينفعه كذلك حين أقعده المرض، وانفصل كل أبنائه وأبناته عنه في منازلهم الخاص.

التحق جدي بالجيش الفرنسي. كان شابا آنذاك، وثم نقله إلى بلاد السينغال غرب إفريقيا من أجل أن يحارب إعلاء لمجد فرنسا. كانت القوى الاستعمارية تلجأ إلى هذا الأسلوب القذر، فتنقل شباب المستعمرات من بلد إلى آخر للقيام بالحرب نيابة عنها.. نقلت فرنسا مغاربة وجزائريين إلى بلاد الهند الصينية والسينغال، ونقلت شباب السينغال إلى المغرب والجزائر، وهكذا حتى أن بعض مآسي الاستعمار ارتبطت بأبناء المستعمرات، كما حدث في المغرب حين تسبب المجندون السينغاليون في مجزرة رهيبة بمدينة الدار البيضاء، واجهوا خلالها انتفاضة سلمية للأهالي بالسلاح الناري، فتسببوا في قتل عدد كبير من المواطنين ..بالطبع لم يكن جدي يحمل أي وعي من هذا النوع كان يعتبر كغيره من الأهالي الأمر طبيعيا وعاديا، حتى نسبه "الشريف" لم يفلح في إيقاظ شعلة الوعي لديه بما يحدث، رغم أن الأمر يبدو لنا الآن من البديهيات التي لا تحتاج إلى برهان

في إحدى الجولات العسكرية تعرضت الفرقة العسكرية التي ينتسب إليها جدي إلى كمين محكم.. قتل بعض الجنود، وتناثر البعض الأخر متفرقين في أماكن مختلفة، ناجين بحياتهم. كان جدي من بينهم.

قضى ليلته في الخلاء، لا يعرف له وجهة.

عانى من البرد والجوع.. استسلم لقدره ونام في دغل حصين بعيدا عن الأنظار في انتظار أن يجود الصباح بنوره فيتدبر أمره.. لم تتأخر أشعة الشمس في إرسال أشعتها الحارة والمستفزة، كعادة شمس إفريقيا الحارقه. استيقظ الجد من نومه، استطلع المكان من حوله، فإذا به يكتشف أنه على ضفة نهر كبير.. أقدر الآن أن يكون نهر اسينغال أو غيره من أنهار إفريقيا الباذخة، حاول الجد أن يتغلب على رعبه. فتوضأ وصلى ثم رفع كفيه نحو السماء، مستحضرا أجداده الميامين، متوسلا إليهم بأن يهبوا زرافات ووحدانا لنجدته، وإنقاذه من الوضع البائس واليائس الذي وجد نفسه ضحيته.. له أمام دهشتي وانبهاري تحكي لي أمي، أنه في تلك للحظة بالذات ظهر أمام عيني جدي عود صغير قد يكون قطعة من قصبة، فالقصب كان يحتل ضفة النهر بكثافة ملحوظة. بدأ العود يتحرك أما عيني جدي الذاهلتين. كان يتراقص بخفة ليثير انتباهه. ثم شرع العود في التحرك قفزا، ويمضي قدما ، شاقا طريقه وسط الأدغال والسهوب. فهم جدي الرسالة، فتبع العود. وطفق يقتفي أثره. لا يفلته من قبضة عينيه.. مشى الجد لمدة طويلة مهتديا بقفزات العود، يخترق الأحراج والمسالك الضيقة والسهوب المتمددة، حتى انتهى به المطاف إلى مشارف الثكنة العسكرية الفرنسية، وإذا بالعود يختفي فجأة. بحث الجد عنه، فلم يعثر له على أثر ..لم يدم بحثه طويل إذ سرعان ما عاد إلى الثكنة. فتحلق حوله الجنود المغاربة.. حكى لهم ما حدث فزاده ذلك إجلالا في أعينهم ولم يتسرب الشك أبدا إلى عقولهم، بل قبلوا ما حكاه لهم عن طيب خاطر كما يتقبلون غيره من "الحقائق" فيكفي أن "الشريف" صاحبها، لتكون حقيقة لايدحضها شك ولا منطق ..طبعا من الصعب تصديق هذه الحكاية.. أعرف ذلك، وأنا نفسي بعد هذا الزمن الطويل، تخلصت من سطوتها على نفسي، لا أخفي، أنني صدقتها في حينها، لأن أمي تحكيها وكأنها كانت شاهدة عليها، وبطبيعة الحال لم أكن قادرا على مجرد التفكير على أن حديث أمي قد يخالف الحقيقة من قريب أو من بعيد.. كانت أمي تؤمن بأن النسب "الشريف" ينفع في مثل تلك الظروف الصعبة. دوما تؤكد ذلك حتى أقنعتني به ولم أتخلص من هذا الوهم إلا بعد ردح من الزمن.. كنت أجدني في لحظات حرجة وصعبة أقلد جدي أوقظ الأجداد الميامين من سباتهم الأزلي لأتخلص من ورطة ما.. اليوم فقدت ثقتي في هذا النسب العجيب، حتى أنني لا أستطيع حتى الحديث عنه أمام الناس.
"........"
.كان الحلم ولا يزال متواطئا معي في لعبة الخيال هذه. إذ أن تدفق الصور يستمر ليلا بزخم كبير مبهر، أذكر أنني حين كنت أراجع درسا ما، وأستوعبه جيدا. يجد طريقه سالكا نحو الحلم، في إحدى السنوات الحاسمة في مسار دراستي، كانت الهند والبرازيل والصين ومصر ضمن مقررات مادة الجغرافيا، وكنت قد فتنت بهذه المادة أيما افتتان، إنها تعرفني عن أمكنة جديدة بتفاصيل شافية، في الليل حين آوي إلى فراشي، أنتظر الجائزة الكبرى التي لا تخذلني أبدا. ما إن أنقذف في النوم، حتى أرى نفسي أطوف في بلاد الهند الشاسعة. أتجول في مدنها وقراها. أتقلب بين سهولها وجبالها الشامخة. أزور "تاج محل" وأتطلع بفضول إلى "بوذا" ذلك الإنسان الاله الخالد، تسلبني سمرة الهنديات وعيونهن الواسعة ببياضها البراق، التقي ب" شاشي كبور" وأردد معه الأغاني الجميلة. فجأة أجدني انتقلت إلى بلاد الصين، فيبرز حائطها العظيم يتمدد شامخا فوق الجبال والهضاب والسهول، أجالس الأب "ماو" وأتعلم من ثورته الثقافية المجيدة. أقرأ أشعار الهايكو، وأذوب في سحر الطبيعة الأخاذ. أرفرف بجناحي المفترضين بعد ذلك لأحط الرحال جانب أبي الهول وأهراماته الخالدة، يفتنني النيل بامتداده الأسطوري، كان الأقدمون يعتقدون أن مبنعه السماء.
كم جميلة هذه الفكرة رغم اختلافها عن واقع الحال.. بشكل من الأشكال فكل ماء مصدره الأصلي السماء .. أطوف في حواري القاهرة، أختلط بأهاليها، و أحط الرحال في مقاهيها الشعبية.. ثم لا ألبث أن أجد نفسي على مشارف الإسكندرية، تبدو حمامة تحط على ضفاف المتوسط. استحضر بانيها العظيم، ذلك الاسكندر الأكبر، الذي استطاع في وقت وجيز السيطرة على الشرق وإسقاط أهم إمبراطورية فيه، إمبراطورية الفرس. ألتف حول الدلتا، ومنها أتوجه نحو قناة السويس، أتذكر عبد الناصر البطل العظيم الذي أممها، فضمن لمصر استقلالها وسيادتها الحقيقية، ثم أمتطي صهوة بساط الريح، لأعبر المحيط الأطلسي أو بحر الظلمات، لأحط الرحال ببلاد "السامبا"، البرازيل، بتنوعها الاثني والطبيعي العجيب أحلق في أجواء غابة الأمازون، بامتداها الأخضر الشاسع، وأتطلع من هناك إلى نهرها الاستثنائي.

كانت هذه الرحلات الليلية تمتعني، وترسخ في ذهني ما تلقيته من دروس.. فضلا عن متعة الخيال المجنح التي تكسبني إياه.

شكلت الكتابة لي نوعا من الخلاص. فكل ما يمور في داخلي وما أكثره، يجد طريقه نحو الورق. ما أتخلص منه أكثر مما احتفظ به، أستطيع أن اكتب في سنة واحدة أكثر من ثلاثة كتب، بعضها يجد طريقه إلى النشر، والبعض الآخر احتفظ به أو أتخلص منه نهائيا. أشعر في أعماق نفسي بأنني وجدت من أجل الكتابة، و قد كتبت لفترة طويلة في ذهني قبل أن أكتب على الورق...

بنيت عوالم وهدمتها. استمتعت بها طول طفولتي وشبابي ولا أزال. لكنها للأسف تصبح بعد حين عدما. من الصعب استرجاعها بعد فترة من الزمن. الكتابة قيد، تسجن العوالم المتخيلة في الكتب، فتسهل العودة إليها كلما حنت النفس إليها. أصبحت الكتابة بالنسبة لي –في جزء منها- وسيلة لتصفية الحساب مع الماضي، خاصة مع أمور تثقل على نفسي. يكفي أن اكتبها لكي أتخلص من ثقلها. إنها طريقة ملكية في العلاج النفسي. في أحايين أخرى تشكل الكتابة نوعا من التعويض عن أشياء تنقصني، ولم أدركها في حياتي، من بين الرغبات العميقة التي حققتها لي الكتابة بشكل باذخ، حرماني من أن تكون لي ابنة لم أحصل عليها، وآلمني ذلك، فعوضته بابنة من كلمات أو من ورق. هذه اللعبة الخيالية الجميلة أفلحت معي ، فحققت لي إشباعا نسبيا. كلما حنت نفسي إلى تلك البنية أعود إلى الرواية وأقرأها. اسم الرواية "على ضفاف البحيرة" فيشعرني ذلك بالسعادة. حقيقة لا يمكن للمرء أن يتوقع ما يمكن للخيال أن يفعله.بالمناسبة تحمل ابنتي الورقية اسم "شمس"، وقد أتعهد شخصيتها في كتابات لاحقة، وقد لا أفعل. لكنني احتفظ لها بمكانة خاصة في القلب. أرعاها بصمت، وأحبها بلا تحفظ، وفوق ذلك لا أخشى أن أفقدها يوما، فالكتابة كفيلة بتحصينها ودرء أي خطر قد يصيبها.

من أفضال الكتابة علي كذلك أنها مكنتني من إعادة بناء الذات من جديد، بعد التعرف عليها جيدا. إنها تمنح المرء الفرصة للتعمق في أغوار النفس، والكشف عن مخبوئها، كما أنها تمنحه إمكانية إعادة التفكير في كثير من المسلمات والاقتناعات العقلية، لا مجال هنا للتسليم بأي أمر. كل شيء على المحك. وما لا يصمد أمام التحليل والتفكير، يرمى في مهاوي العدم.



الفصل الرابع: الحــيـاة

 مقطع

من يلقي بنظره نحو أمي تبدو له هشة وضعيفة، لا تقوى على تحمل أي عناء أو ضنك. أمي قوية وصبورة إلى حد يصعب تصديقه. دوما أبهرتني بقدرتها على التحمل، والأهم من ذلك قدرتها على التسامح تجاه الجميع، حتى أولئك الذين أساؤوا إليها إساءة بالغة. دوما أختلف معها في هذا الأمر، شعاري الدائم تجاه المسيئين التعامل بالمثل..،أحب من يحبني وأكره من يكرهني.. من أحسن إلي ، حملت ذلك الإحسان دينا أبديا على كاهلي، ومن أساء إلي رددت له الصاع صاعين.. أعترف أن أمي أقوى مني، حتى وإن كان تسامحها المفرط يغيظني.. تتلقى الإساءة اليوم، وتسامح غدا. من أين امتلكت كل هذه القوة؟ وما الذي يجعلها هكذا؟

طفولة أمي كانت صعبة كباقي طفولات المغاربة ، الذين ولدوا في كنف ظروف وطنية خاصة. أقصد ظروف الاستعمار. ولدت أمي سنة خمس وأربعين وتسعمائة وألف. كان المغرب آنذاك محتلا من طرف فرنسا في وسطه واسبانيا في شماله وجنوبه. مدينة الدار البيضاء التي كانت حاضنة لمسقط رأسها أضحت مدينة كبيرة. الأكبر في المغرب سكانا وعمرانا. أهلها ميناؤها لتصبح شريان البلد الاقتصادي. منه تصدر بضائع المغرب ، التي كانت في أغلبها منتوجات زراعية، بالإضافة إلى خام الفوسفاط الذي يستخرج من وسط البلد وجنوبه، خاصة في منطقة خريبكة واليوسفية وابن جرير. أصبحت الدار البيضاء وجهة للمغاربة. يقصدونها من كل حدب وصوب. اقتصادها المتنامي أغرى الجميع بالقدوم إليها بحثا عن فرص أفضل في الشغل والحياة. فأضحت مدينة مكتظة بالمهاجرين من شتى بوادي المغرب ومدنه.. هذا الواقع جعل المدينة بوثقة تمتزج فيها الأعراق: البدو والعرب، والأمازيغ.. البيض والسود والسمر.. أهل الشمال والجنوب والشرق. لم تعد للمدينة هوية واحدة صافية ومتجانسة، بل كانت تحفل بالتنوع.. أكسبها ذلك إيمانا عميقا بالتسامح وقبولا للآخر المختلف. لم تكن النعرات القبلية موجودة إلا في حدودها الدنيا، خلافا لما يقع في مدن ومناطق أخرى من المغرب ، حيث تستحيل الزيجات بين العرب والأمازيغ مثلا أو بين البيض والسود .. الكل هنا مهاجر، شغلهم الشاغل البحث عن المكسب المادي، والمال لا عرق له ولا لون.. قلة هم من يستطيعون الإدعاء بانتمائهم الأصيل إلى مدينة الدار البيضاء ... هذا الوهم يمتلك في بعض الأحيان قبائل أولاد حدو، التي استوطنت الضواحي منذ القدم وقد يتسع الأمر ليشمل أهالي الشاوية. لكنه أمر لا يستقيم ويبدو مدعاة السخرية أحيانا. الدار البيضاء هويتها متجددة وحديثة، تتشكل كل يوم، مدينة عمالية، تستمد أصالتها من مهمشيها وأحيائها الشعبية التي تبدع كل يوم لفظة جديدة، أو نكتة جديدة أو أغنية محلية حتى النخاع. يبدو لي أحيانا أن التعصب لفريق كرة القدم البيضاوية أقوى من أي انتماء، أقصد بالتحديد فرق الرجاء والوداد والاتحاد إضافة إلى فرق الأحياء المغمورة ..لا يسألك أحد في الدار البيضاء عن أصلك بقدر ما يسألك عن الفريق الذي تناصره. أهل الشاوية الذين يحلو لهم إدعاء أصالتهم في الدار البيضاء لم يفلحوا في بصمها ببصمتهم الخاصة، لأنهم في غالبهم بدو وفقراء. الهوية يصنعها الأقوياء وذوو النفوذ، والنفوذ في الدار البيضاء تمتلكه البرجوازية الوليدة، والمكونة أساسا من "أهل فاس"و"أهل سوس" الذين هاجروا إليها في الفترة الكلونيالية، فطبعوا المدينة بطابعهم الخاص، خاصة أهل الفاس الذين أصبحوا السادة الجدد بإمتلاكهم لوسائل الإنتاج، أهل سوس هيمنوا على المجال التجاري ،أما باقي الساكنة فلا يمتلكون شيئا غير رأسمال رمزي متمثل خصوصا في شعارات كرة القدم، وأغاني المجموعات الشعبية وعلى رأسها مجموعة ناس الغيوان، والتكادة والسهام...جل هاته الساكنة المقهورة الفاعلة في ذاكرة المدينة تقطن المباني المتهالكة والآلية للسقوط في المدينة القديمة ودرب السلطان والحي المحمدي ودرب غلف.. أمي كانت تسكن بيتا في المدينة القديمة،حيث القلب النابض للمدينة، قربها من الميناء ومركز المدينة الحديث جعلاها قبلة للبيضاويين من جميع الأحياء، كانت المدينة القديمة ولا تزال مركزا تجاريا أساسيا في الدار البيضاء ، لا زال إشعاعه مستمرا إلى يومنا هذا .

لا يزال" باب مراكش" وباعته المقيمون والمتجولون شاهدين على ذلك، هذا المكان الحيوي سيؤهل أمي لكي تنفتح على الحضارة بشكل واسع، لذا كان ذوقها حضاريا في كل شيء ، في اللباس والطعام، والأغاني التي يروق لها الاستماع إليها، وفي كل ما يتعلق بأمور الحياة، حتى البسيطة منها.

المدينة القديمة صورة مصغرة للدار البيضاء، خليط غريب ومتجانس من المغاربة يتجمع في تلك البؤرة، الملتهبة، بصراعاتها وخصوماتها وبأفراحها وجنونها كذلك. قربها من الميناء كان نعمة ونقمة في نفس الآن، ففي الوقت الذي ييسر للسكان سبل الكسب والحصول على لقمة العيش، كان في الوقت ذاته مصدرا لعدة مشاكل.. الخمور متوفرة والمخدرات منتشرة ، مع ما يرافق ذلك من إدمان وحروب شوارع بين المدمنين، تستعر بين السكان في كل لحظة وحين، تصبح هذه الحروب لا تطاق ليلة السبت والأحد، في هذه الليلة يفقد جل الشباب والكهول ذكورا وإناثا الوعي، ويصبحون أدوات متحركة للأذى، عانت والدتي من هذا الوضع. قلبها الهش لا يتحمل مظاهر العنف المتكرر، والذي يصل جزء منها إلى البيت الذي تسكنه. فالأزقة ضيقة، والبيوت متلاصقة ومتداخلة، والناس يتعارفون فيما بينهم، وأي صراع أو خصام ينعكس على الجميع. جدي كذلك لم يتحمل هذا الوضع. وقاره واحترامه الكبير للتقاليد والدين زاد من الإحراج الذي يشعر به من جراء الكلمات النابية والخادشة للحياء ، التي تتطاير بلا توقف، وتحط بائسة ومستفزة وسط الجمع الأسري الذي يحاول أن يكون نقيا بعيدا عن القذارة..



#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصي ...
- **هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
- المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
- لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
- مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
- لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
- أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا ...
- لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
- رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج ...
- أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة
- الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم ...
- السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
- العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد ...
- إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش ...
- كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
- وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
- مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
- -خبز الله- لعمر علوي ناسنا أو ولادة جيل جديد من القصاصين في ...
- مليون توقيع من أجل جامعة مغربية فعالة و مبدعة و متنورة
- أصوات في المشهد : مصطفى لغتيري : المشهد الثقافي في المغرب : ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - حب و برتقال ..مقاطع من رواية جديدة كتبتها ولم يحن أوان نشرها لأن بعض شخوصها لازالوا أحياء.