أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين















المزيد.....

المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين


مصطفى لغتيري

الحوار المتمدن-العدد: 3374 - 2011 / 5 / 23 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


للكاتب السوري أحمد جاسم الحسين قصب السبق في نقد القصة القصيرة جدا عربيا ، إذ يعتبر الحسين صاحب أول كتاب نقدي اهتم اهتماما أكاديميا و علميا بهذه الظاهرة الأدبية ، التي اكتسحت المشهد الإبداعي العربي من محيطه إلى خليجه ، فلا نكاد نعثر على دراسة نقدية في القصة القصيرة جدا تخلو من الإحالة على كتابه النقدي الهام "القصة القصيرة جدا".
و إذا كان الحسين قد حقق هذه الريادة في المجال النقدي ، فإنه قد ساهم كذلك بشكل فعال في ترسيخ جنس القصة القصيرة جدا في مدونة السرد العربي ، إذ له قصص متناثرة في كثير من المنشورات الورقية و الالكترونية ، كما يتوفر على مجموعتين قصصيتين قصيرتين جدا صدرت إولاهما عام 1996 ،و اختار أن يسميها ب " همهمات ذاكرة" .. تقع هذه المجموعة في أربع و ستين صفحة ، ضامة بين دفتيها عددا كبيرا من النصوص يتجاوز الخمسين نصا.
و لا شك أن المطلع على هذه المجموعة سينبهر بالغنى و التنوع، اللذين تزخر بهما المجموعة شكلا و مضمونا ، و سأحاول في وقفتي هذه عندها أن أثير الانتباه إلى جزء من هذا التنوع و الغنى ، رغم اعترافي بعجزي عن الإحاطة بكل ما تضج به من مضامين و أساليب في الكتابة ، فهذه القراءة النقدية المتواضعة لا تزعم ذلك و لا تطمح إليه.
و لعل أهم ميزة تلفت الانتباه عند الحسين ، و تفرض نفسها بقوة على المتلقي ملمح السخرية المهيمن على جل النصوص ، فالكاتب عمد إلى طرح جملة من القضايا الهامة بأسلوب ساخر ، بنوع من الباروديا أو المحاكاة الساخرة ، ليعمق الإحساس لدى القارئ بالمفارقات التي تحبل بها المواقف ، دون أن يكشف عنها بشكل مباشر ، موظفا في سبيل تحقيق ذلك الفانطستك أو العجائبي و الغرائبي و تقنيات " الفابلات" أو ما يمكن تسميته بقصص الحيوان كما ترسخت في الذهن من خلال كتاب "كليلة و دمنة ، و لدى الكاتب الفرنسي "لا فونتين" ، بل و التجأ الكاتب إلى كل ما يسعفه لتفجير المواقف ، التي بقدر ما ترسم البسمة على الشفاه ، فإنها بالقدر ذاته تذكرنا بالواقع المرير الذي نحيا في أتونه ، يقول القاص في قصة "دعوة":
دعا الديك الدجاجات إلى المائدة
أعدتها صاحبة البيت،
صفهن بانتظام
أمرهن ألا يأكلن إلا بعد أن يشبع
اقتربت منه صاحبة المنزل و السكين في يدها ، لم يأبه
بها ، عندما حاولت ذبحه ذكرها أنها أنثى.
يطرح الكاتب في هذه القصيصة قضية المرأة في بلداننا العربية ، التي لازالت مصرة على سلب المرأة إنسانيتها ، بأسلوب بسيط و ساخر ، و كاريكاتوري شديد العمق ، و كأني بالديك أعلى مكانة من المرأة بفضل ذكورته ، حتى أنه لا يحل لها ذبحه ، إنها قصة تعبر عن الواقع بما قل و دل ، بليغة إلى حد القسوة في تشخيصها لمكانة المرأة الدونية ،و عنترية الذكور و زهوهم اللذين لافضل لهم فيهما سوى لذكورتهم ، فمهما بلغت المرأة في أوطاننا العربية من شأن في العلم و العمل ، فإنها تظل في وعي و لاوعي المجتمع العربييين إنسانا من الدرجة الثانية ، بل و أحط مكانة من الحيوانات ، التي يمثلها الديك في هذه القصة.
أما قصة "مغامر" فتطرح قضية أخرى تشمل الجنسين معا ، بل و أبناء الجنس البشري عامة ، و إن كنت أميل إلى التخصيص ، للتركيز على الإنسان العربي الذي غالبا ما يتشبث بالقشور تاركا لب الأشياء لغيره من الشعوب ، والقصة تفضح بأسلوب ساخر تفاهة هذا الإنسان المغتر بنفسه ، بينما هو في حقيقة الأمر يستحق الرثاء ، لأن رأسه فارغ يعاني من فقر ثقافي مزمن يقول القاص:
عن على بال الحذاء أن يغير مكانه
فطار إلى رؤوس الناس...
وجدها محشوة بالتفاهة و القمل...
عاد إلى قواعده )سالما).
لعب الكاتب هنا على مستويين ،أعلى و أسفل ، فالأسفل دوما يرمز في عرف الناس إلى الانحطاط و القذرة و التفاهة ، بينما يؤشر الأعلى على الشرف و السمو و الرفعة ، تصور لنا القصة حكاية الحذاء الذي مل مستواه المتدني فطمح إلى الصعود إلى الأعلى ، و حين سنحت له الفرصة للقيام بذلك فوجئ بأن الأمر لا يستحق حتى عناء المحاولة ، لقد اكتشف أن في الأعلى تستوطن التفاهة و القمل ، فعاد إلى "سفليته المجيدة " قانعا غانما. و كأني بالقاص ينبهنا إلى أن من يوجدون أعلى الهرم الاجتماعي و السياسي ليسوا كما نتصورهم.
و إذا كانت المجموعة القصصية زاخرة - كما سبق- بكثير من القضايا ، فإن المواضيع السياسية و الاجتماعية طاغية عليها ، و هذا أمر مبرر ، إذ لا يمكن أن نتصور كاتبا عربيا لا تستفزه قذارة السياسة التي تخنق كل مجالات الحياة و تهيمن عليها، بما في ذلك هيمنتها على الثروة الاقتصادية ، يقول القاص في قصة نزهة:
تفسحت الجبال مرة
فانكشفت كل الثروات الباطنية ، خاصة النفط.
جاءت الشرطة فأخذتها ) حية) إلى )خزينة الدولة).
إن القارئ هنا أمام حالة تنطبق على الدول العربية جميعها ، فكل ما يتحرك على الأرض أو يستقر فوقها أو تحتها للدولة نصيب فيه ، بل إنه جميعه في ملكيتها ، بينما يكتفي المواطن باجترار مرارته ، و هو يرى خيرات بلاده تستنزف من قبل قلة من المنتفعين دون أن يناله منها نصيب . و تستمر قصص المجموعة على هذا النهج طارحة عددا من القضايا المهمة و المتنوعة ، التي تشغل المواطن البسيط و المثقف على حد سواء ، فتصورها بما تعارف عليه القدماء ب " تجويع اللفظ و إشباع المعنى " موظفة أسلوبا ساخرا عميقا.
و إذا كانت بعض القصص في المجموعة قد غلب عليها البعد الواقعي من خلال حملها لرسالة اجتماعية أو سياسية معينة ، فإن قصصا أخرى اتخذت لها الترميز سبيلا في التعبير ، لا يمكن للقارئ التعاطي معها إلا عبر آلية التأويل في أعمق معانيه، يقول القاص في قصة "إحساس" :
قررت الأبواب أن تثور في وجه الحيطان ، و اتفقت
أن تهجرها في الليل..
صباحا استهزأ الجميع بمنظر الحيطان عندما أحست بقيمة الأبواب ، و لم تعد تتفاخر
عليها أنها هي التي تضمها.
و إذا كانت هذه الإطلالة النقدية على المجموعة قد أشارت إلى التنوع و الغني ، اللذين تتميز بهما قصص الحسين ، فتجدر الإشارة إلى أن ذلك لا يقتصر على المضامين فحسب ، بل طال أساليب الكتابة كذلك ، إذ نجد الكاتب قد عمد إلى كثير من التقنيات الأسلوبية ليدبج قصصه ، فنصادف السرد المحايد الموضوعي ، و السرد الذاتي الجواني ، و الجمل الإخبارية و الإنشائية و الحوار و الاستفهام و التعجب ، يقول الكاتب في قصة "هجرة"
- أمي .. أمي ، لماذا تهاجر السنونو كل عام؟
ابتسمت : لأنها تملك وطنا آخر.
لماذا لا نملك...؟-
لطمتني، تلفتت إلى الشبابيك ، هل هي مغلقة.
و تبقى في الأخير "همهمات ذاكرة" للكاتب السوري أحمد جاسم الحسين من المجاميع القصصية الفارقة في تاريخ القصة القصيرة جدا ، يؤهلها لذلك عدة أسباب منها ، أنها من بواكير المجاميع القصصية التي رسخت جنس القصة القصيرة جدا في الأدب العربي ، كما أن كاتبها ناقد عارف بتقنيات القصة القصيرة جدا ، مما يعني أن تجربته الإبداعية نابعة عن رؤيا و تصور واضحين.





#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
- مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
- لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
- أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا ...
- لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
- رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج ...
- أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة
- الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم ...
- السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
- العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد ...
- إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش ...
- كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
- وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
- مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
- -خبز الله- لعمر علوي ناسنا أو ولادة جيل جديد من القصاصين في ...
- مليون توقيع من أجل جامعة مغربية فعالة و مبدعة و متنورة
- أصوات في المشهد : مصطفى لغتيري : المشهد الثقافي في المغرب : ...
- قصص قصيرة جدا لمصطفى لغتيري
- أحمري يبتلعه السواد للشاعر نزار كربوط ديوان يحتفي بالتفاصيل ...
- كائنات من غبار لهشام بن الشاوي رواية بروليتارية تحتفي بالحب ...


المزيد.....




- قناديل: أرِحْ ركابك من وعثاء الترجمة
- مصر.. إحالة فنانة شهيرة للمحاكمة بسبب طليقها
- محمد الشوبي.. صوت المسرح في الدراما العربية
- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى لغتيري - المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين