|
الدكتورة سعاد مسكين تحفر عميقا في متخيل القصة المغربية القصيرة جدا
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 3438 - 2011 / 7 / 26 - 10:24
المحور:
الادب والفن
تبدو القصة القصيرة جدا في المغرب جنسا أدبيا محظوظا لعدة أ سباب ،لعل أهمها ولادتها في حضن مشهد قصصي يتميز بحركية ملفتة و فعالية مشهود بها ، فقد استفادت القصة القصيرة جدا من الأجواء الصحية التي خلقتها القصة القصيرة منذ عقدين من الزمن على الأقل ، فوجدت بذلك التربة الخصبة ، لتنمو شجرتها المباركة ، وتينع ثمارها في زمن قياسي جدا. ومن أوجه هذا الحظ الذي حالف هذا الجنس الأدبي الوليد أنه استطاع أن يفرز نقادا متخصصين ، تعهدوه بالمتابعة و الرعاية و الحدب منذ بواكيره الأولى، و هذا ما لم يتأت لباقي الأجناس الأدبية. و من بين هؤلاء النقاد الدكتورة سعاد مسكين التي عرفت في الأوساط الأدبية بشغفها الكبير بالقصة القصيرة جدا ، تجلى ذلك من خلال جديتها في متابعة نصوصها و الكتابة عنها بحماس ، يوازي حماس باقي نقاد القصة القصيرة جدا المغاربة من قبيل د جميل حمداوي و د محمد رمسيس و سلمى ابراهمة ، و حميد ركاطة و عبد الغني فوزي و سعيد بوعيطة و حسن اليملاحي و محمد يوب و محمد داني و غيرهم. و قد جاء كتاب الدكتورة سعاد مسكين "القصة القصيرة جدا في المغرب- تصورات و مقاربات" الصادر حديثا عن دار التنوخي بالرباط ، ليبرهن على طول باع الناقدة في تعاطيها مع القصة القصيرة جدا ، إذ تطرق الكتاب إلى العديد من القضايا التي تشغل كتاب هذا الجنس الأدبي و قراءه و المهتمين بالإبداع الأدبي عموما ، و قد تناولت الكاتبة هذه القضايا بنوع من العمق و الكفاءة المنهجية التي تحسب لها. و في ديباجة المقدمة حددت مسكين سبب اهتمامها بهذا النوع السردي بدافعين " الأول ناتج عما تراكم عدد من أعمال قصصية مختلفة الحساسيات ، و متنوعة طرق الاشتغال إن تخييلا ، أو لغة أو أسلوبا ، و الثاني ناتج عما أثارته القصة القصيرة جدا من نقاش و جدال تضاربت فيه الآراء و المواقف"ص 7. جزأت الكاتبة مؤلفها إلى قسمين كبيرين ،فعنونت القسم الأول ،الذي خصصته للجانب النظري ب "تصورات حول القصة القصيرة جدا في المغرب" ، فيما انبرت في القسم الثاني للجانب التطبيقي و وسمته ب " مقاربات قصص مغربية قصيرة جدا ".كما تضمن الكتاب بيلبيوغرافيا غنية توثق لهذا الجنس الأدبي الجميل. في القسم النظري حاولت الكاتبة البحث عن مبررات ظهور جنس القصة القصيرة جدا ، معتبرة إياه "استجابة لجماليات قرائية جديدة ، يعكس تطورا ملموسا في الكتابة السردية " كما أوردت بعض الآراء المختلفة حول أصوله و نشأته و تطوره ، محاولة المقارنة بينه و بين أجناس أخرى – في هذا المجال – كالرواية و القصة القصيرة.. و قد حسمت الجدال في مواقف ثلاثة - القصة القصيرة جدا منتج مستورد من أمريكا اللاتنية. - القصة القصيرة جدا لها جذور تراثية لصيقة بأنواع سردية قصيرة كالخبر و النكتة و الأمثولة. -القصة القصيرة جدا تطور طبيعي و جيني للقصة القصيرة. - وقد توقفت الكاتبة بإسهاب عند القصة القصيرة جدا في علاقتها بالأنواع السردية التراثية كالخبر و النكتة و الأمثولة ، كما حاولت رصد القواسم المشتركة التي تجمعها بالشعر من قبيل الإيحائية و الكثافة و الإيقاع و التركيب. وعند مناقشتها لسؤال الهوية بالنسبة للقصة القصيرة توقفت الدكتورة سعاد عند كتابين نقديين متخصصين في نقد القصة القصيرة المغربية محاولة مناقشة طروحاتهما و أفكارهما و خلاصاتها ، وهذان الكتابان هما: - شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا لعبد الدائم السلامي. -من أجل مقاربة جديدة لنقد القصة القصيرة جدا "لمقاربة الميكروسردية " لجميل حمداوي. و في غمار البحث في التحولات و الأفاق المستقبلية في علاقتها بالقصة القصيرة جدا حددت سعاد مسكين أهم الأسئلة التي تشغلها و تشكل بوصلتها في البحث و التحليل فيما يلي: - ماهو التصور النظري و العملي الذي احتكم إليه الكتاب المغرابة أثناء إنجازهم لقصهم القصير جدا؟ - هل كانوا على وعي بخصوصية الكتابة في هذا الشكل السردي الجديد؟ - هل استطاعوا أن يؤسسوا شعرية نوعية للقصة القصيرة جدا بالمغرب تميزها عن كتابة القصة القصيرة ؟ أما في القسم الثاني المخصص للجانب التطبيقي ، فقد بررت الكاتبة انكبابها على متون معينة في القصة المغربية القصيرة جدا بمحاولة الإجابة على الأسئلة التالية - ماهي مظاهر التشابه و الاختلاف في كتابات مبدعي القصة القصيرة جدا - كيف شكل المبدعون المغاربة عوالم القصة القصيرة جدا بناء و دلالة؟ - هل استطاعت القصة القصيرة جدا – بعد هذا التراكم- أن تشكل جماليات فنية خاصة بها؟ و قد افتتحت الدكتورة تناولها التطبيقي بالاشتغال على البنية و الدلالة في القصة القصيرة جدا ثم أتبعتها بالبحث في جمالية المشهد و سلطة الإيحاء في مجموعة "تسونامي "لمصطفى لغتيري ، ثم بحثت عن خاصية الإيماض في القصة القصيرة جدا من خلال "أشرب وميض الحبر" لاسماعيل البويحياوي ، و " عندما يومض البرق " للزهرة رميج ، أردفتها ببلاغة الحكي و أنماط القصة القصيرة جدا في "الرقص تحت المطر" لحسن البقالي ، و أتبعتها بكثير من الجنون في" قليل من الملائكة " لعبدالله المتقي ، و ختمت هذا القسم ب "جماليات القصة القصيرة جدا – مغامرة السؤال/ مغامرة الكتابة. و على سبيل الختم استخلصت الدكتور سعاد في نهاية كتابها القيم أن " ثراء جما يعكس غنى تجربة هذا النوع السردي ، و اختلافا في الاشتغال على المتخيل ، و الواقع و اللغة و البناء " ص 145 ، و بأنه من الصعب تصنيف هذه التجارب القصصية ضمن مدارس، لاعتبارات عديدة ، ذكرت الكاتبة بعضها ، و ارتأت -مقابل ذلك- إمكانية الحديث عن حساسيات متنوعة ما زالت ستخضع للتحول مع مرور الزمن ، و تحظى بالتطور مع تراكم فعلي الكتابة و القراءة لدى المبكل مبدع و قاص. و في ختام هذه الجولة في كتاب " القصة القصيرة جدا في المغرب - تصورات و مقاربات- للدكتورة سعاد مسكين يطيب لي ان أسجل تقديري الكبير لهذه الباحثة ، التي استطاعت أن تجمع ما بين عمق التحليل و رصانة الديباجة الأسلوبية ، و الكفاءة المنهجية ، التي التي تؤهل الكتاب ليكون من أهم الكتب النقدية في المغرب ، و يفتح بالتالي أفق انتظار القارئ واسعا لما ستجود به علينا مستقبلا هذه الناقدة المتميزة في مجال الكتابة النقدية في القصة القصيرة أو في غيرها من الأجناس الأدبية.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
**هواجس و تساؤلات حول الكتابة القصصية في المغرب
-
المحاكاة الساخرة في القصة القصيرة جدا عند أحمد جاسم الحسين
-
لغتيري يوقع رواياته في معرض الكتاب بالدارالبيضاء
-
مغرب جديد يصنعه شباب 20 فبراير
-
لماذا يجب النزول إلى الشارع يوم 20 مارس للتظاهر؟
-
أيام معتمة- للكاتبة المغربية البتول محجوب أو عندما تشع الكتا
...
-
لماذا سأنزل غدا إلى الشارع من أجل التظاهر؟
-
رواية -الحافيات- للأديبة دينا سليم أو عندما تتخذ المرأة من ج
...
-
أدباء وكتاب يتحدثون ل(الزمان) عن درجة الجرأة في الكتابة
-
الاحتفاء بالشخصية في المجموعة القصصية- الأب دحمان- للقاص الم
...
-
السعدية باحدة مبدعة من الزمن الجميل*
-
العوالم الافتراضية في الكتابة القصصية عند القاص المغربي محمد
...
-
إيقاع الصورة الشعرية في -ظلي بقعة حبر -للشاعرة التونسية عائش
...
-
كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي -تقديم مصطفى لغتيري.
-
وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة
-
مصحف أحمر رواية الثورة و الجنس المثلي و توحيد الأديان
-
-خبز الله- لعمر علوي ناسنا أو ولادة جيل جديد من القصاصين في
...
-
مليون توقيع من أجل جامعة مغربية فعالة و مبدعة و متنورة
-
أصوات في المشهد : مصطفى لغتيري : المشهد الثقافي في المغرب :
...
-
قصص قصيرة جدا لمصطفى لغتيري
المزيد.....
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|