صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 1004 - 2004 / 11 / 1 - 09:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تابعت الحوار السياسي - الثقافي الممتع والمفيد بين السيدين :ياسين الحاج صالح و كامل عباس حول" الخط الثالث " وقد ارتأيت الخوض في هذا الموضوع لاهميته وعلاقته الوثيقة بفعل حركة المعارضة الديمقراطية في بلادنا التي نبني عليها الآمال على طريق التغيير والاصلاح.
بداية لابد من تبيان أن العديد من المصطلحات السياسية قد فات اوانها وانتهت بتوقف مرحلة الحرب البارده واخشى أن تكون عبارة – الخط الثالث- بالمفهوم السياسي وكتعبير عن واقع موضوعي احدى تلك المصطلحات فخلال مرحلة الصراع بين المعسكرين ( الشرقي الاشتراكي ) و(الغربي الامبريالي) ظهرت العديد من المقولات والتأويلات والعبارات خلال عمليات التنظير والنقد والتقييم من جانب علماء ومفكري الايديولوجيتين، وكذلك على لسان صنف آخرمن المثقفين الذين اعتقدوا انهم على مسافة متساوية بين حدود الخندقين على الصعيد النظري ( كما خيل لهم ) كاالحركة الاشتراكية الديمقراطية( الاشتراكية الدولية ) في اوروبا خصوصاً على سبيل المثال التي حاولت اتخاذ موقع وسطي وطمحت في ابراز نفسها – كخط ثالث- ولكن بالمحصلة وحسب الواقع الموضوعي كانت تصب الماء في طاحونة الخندق –الغربي -.
فيما يتعلق الامر بالحركة السياسية في بلادنا وموضوعة – الخط الثالث- واستحضار موقف " التجمع الوطني الديمقراطي" – الوسطي- آبان احداث – حماة- كمثال والصراع العنيف بين النظام " وجماعة الاخوان المسلمين" وكذلك الدعوة بحماس ملحوظ – لخط ثالث- بين النظام الاستبدادي ودعاة الارتهان على التدخل الخارجي الامريكي، تدفعنا الى التوقف قليلاً أمام الملاحظات التالية:
1 - قبل طرح مقولة- الخط الثالث – لابد من فهم الموقف الحقيقي لاصحابه وبالاساس حول طبيعة النظام ومسألة تغييره جذرياً أو اصلاحه عبر بعض الاجراءات الادارية الشكلية دون الاقتراب من الجوهر، أو برنامجهم حول البديل وطريقة الحكم في المستقبل والوسيلة المتبعة فاذا كانت القوى المعنية بصدد خوض المعركة السياسية من اجل التغيير الحقيقي في اسس وقواعد النظام والاتيان بالبديل الديمقراطي فانها لاتحتاج الى البحث عن – خط ثالث –، أما اذا كانت مترددة وضعيفه ولاتملك برنامجاً للتغيير فلا فائدة منها لا –بالخط الثاث – وخلافه لان الامر وفي هذه الحالة لا يتعدى مجرد – ترف ثقافي – واجتهادات نظرية عن بعد .
2- ماحصل مع بعض القوى السياسية السورية خلال المواجهات بين النظام وانصار "الاخوان المسلمين "في بداية الثمانينات باعلان الموقف الوسطي ورفض ممارسات الجانبين لم يصدر من موقع قوة ذلك البعض ولا الدور المرتقب له في الحياة السياسية السورية، كان ذلك موقف الضعيف الذي لاحول له واذا كان له من اثر حينذاك فهو مساهمته – من دون قصد – في تبرئة ساحة اجهزة النظام امام الراي العام السوري والعربي وقد استفاد صانع القرار في بلادنا من تلك التجربة واستمر في استخدام نتائجها ضد مناضلي الحركة الوطنية الديموقراطية فيما بعد حيث كان واثقاً من انتصاره في تلك الجولة من معركته المستندة الى قواه العسكرية والامنية في الميدان والى ضمانات دولية بعد مقايضة الامر بتطورات الساحة اللبنانية والهجوم الاسرائيلي الكاسح وحصار بيروت واخراج المقاومة الفلسطينية وتدمير البنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتوجيه ضربات موجعة الى الحركة الوطنية اللبنانية.
3- أما الدعوة –لخط ثالث- بين نظام الاستبداد والتدخل الخارجي فأمر يدعو الى الدهشة والاستغراب ويؤسس من البداية لموقف يناصر النظام ويحميه والاخطر من ذلك لايميز بين الوطن والنظام اذ يعتبر النظام هو الوطن وبالعكس وهذا توجه ضار يلحق الاذى بمجمل النضال الديمقراطي. وينطلق من نظرة قاصره غير مستوعبه عمق التحولات الدولية بعد انهيار المعسكر السوفيتي، ووحدانية القطبية المتمثلة بالجانب الامريكي ومصلحته في استتاب الامن والاستقرار في مناطق نفوذه التي لاحدود لها في كوكبنا، كما يتعامى عن رؤية وقراءة الحقائق الجديده التي افرزتها التطورات ومنها البرنامج التغييري المتكامل الذي يجد له موقعاً في الاجندة الامريكية الراهنة ( اؤكد انطلاقا من مصالحها اولا واخرا ) من محاربة الارهاب- رمز التخلف في بلداننا - وربطها باجراء التغيير الديمقراطي والاصلاح السياسي في الشرق الاوسط الكبير الى التنمية الاقتصادية وتبديل برامج التربية والتعليم والحفاظ على حقوق المرأة واحترام ارادة الشعوب وحريتها كل ذلك لمسناه في استراتيجية الادارة الامريكية ومشاريعها المطروحة على الملاء ولا نجد تعارضا بينها وبين برامج احزابنا الوطنية والديموقراطية واليسارية ، وبالاخير يتجاهل التجارب الحية في هذا المجال التي حصلت في يوغسلافيا السابقة وافغانستان والعراق والتي تجسدت في الخلاص من الانظمة الدكتاتورية والظلامية الشمولية وبتدخل عسكري مباشر من القوى الدولية واجراء الانتخابات الديمقراطية وتقرير الشعوب لمصيرها القومي والسياسي, افلا يقدم كل ذلك هامشا – لتوافق – المصالح بين شعوبنا من جهة والقوى العظمى من الجهة الاخرى ولو بصورة مرحلية وضمن اطار عملية التكتيك السياسي ؟.
4- من بديهيات النضال الوطني الديمقراطي ان تقوم القيادة المسؤولة بوضع الاستراتيجية الاساسية وممارسة التكتيك اليومي والمرحلي من خلال الاستفادة من كل الثغرات التي يعاني منها النظام اذ ليس من وظيفة قوى التغيير والديمقراطية ايجاد حلول لازمة النظام بل بتعميقها واجباره على الرحيل والاتيان بالبديل الديمقراطي، وليس من شأنها البحث عن – خط ثالث- إلا في حالة التراجع والالتحاق بالنظام.
5- ما يتعلق الامر بمسألة التدخل الخارجي وتحديداً الامريكي اسوة بالتجربة العراقية ليس معلوماً حتى الآن ان كان اسقاط النظام السوري عسكرياً في اولويات البرنامج الامريكي أم أن هناك محاولات لحلول وسط واجراء – ترقيعات- هنا واصلاحات شكلية هناك. ثم هل وصل التناقض فعلاً بين النظام والجانب الامريكي الى درجة الصراع التناحري؟ وهل قام الجانب الامريكي بمفاتحة القوى الوطنية السورية بشأن البديل المرتقب كما حصل في بلدان اخرى وخاصة في العراق وافغانستان , نعم هناك تقاذف اعلامي بين النظام والادارة الامريكية وفي الوقت ذاته هناك حوار وتعاون استخباري فلماذا الدعوة اذاً الى – خط ثالث- يحارب العدو الخارجي الذي يهدف الى احتلال سورية الوطن؟ اليس هذا كله وهم وخيال؟ وأين اصحاب وقوى ومناضلو – الخط الثالث- في يوغسلافيا وافغانستان والعراق؟ هل هم الارهابيون الذين – يجزون الحلاقيم – ويقطعون الرؤوس .. رؤوس الافغان والعراقيين؟ اليس الشعب السوري جزء من هذاالعالم الواسع يتاثر به ويؤثر فيه اليس هناك تشابك وتقاطع في المصالح والاهداف اليس هناك راي عام عالمي وتضامن ومصائر مشتركة ؟ واذا كان كل ذلك صحيحا فهل من المنطق السليم قطع اليد التي تمتد لدعمي واسنادي في درب الخلاص خاصة اذا كانت لقوى دولية عظمى تلتزم الديموقراطية وتشعر بالمسؤولية تجاه شعوبها وهيئة الامم المتحدة والراي العام ومعرضة للمساءلة امام السلطات التشريعية والصحافة والاعلام ؟
6- خلال الاحداث الكردية السورية والفتنة القومية التي خطط لها وفجرها النظام بدءً من القامشلي مروراً بمناطق – كوبانية- وحلب- وعفرين- ودمشق وما ترتب عليها من هبة شعبية كردية شجاعه في وجه الظلم والطغيان راحت ضحيتها العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى والالاف من المعتقلين تابعنا بدقة تحركات ومداخلات ووساطات جماعات – الخط الثالث- تحت شعار الحفاظ على الوحده الوطنية، والتهدئة. فبدلا من قيام القوى الديمقراطية الحقيقية – التي تفتقدها الساحه – بكل اسف ومن الجانب العربي بالتضامن مع هبة الكرد والعمل على وضعها في مكانها الوطني الطبيعي وتطعيمها بمطالب واهداف الشعب السوري برمته وزج تلك الطاقات في الدائرة الاوسع للنضال الوطني الديمقراطي، وقيادة المظاهرات في درعا والسويداء ودمشق وحمص واللاذقية وتحقيق التكامل النضالي قام البعض وباسم – التهدئه – بتبرئة سلوك النظام وتحميل الكرد وزر "التجاوزات واعمال الشغب"، فهل ان ذلك – الخط الثالث- كان لمصلحة التغيير الديمقراطي والاصلاح والوحدة الوطنية ام انه كان في خدمة تكتيكات السلطة ولمصلحتها ؟.
ارى وحسب فهمي للامور ان لا فائدة ترجى من – الخط الثالث – لوضع سوريا الخاص والمشخص في هذا الظرف الدقيق بالذات وفي ظل المعادلة الاقليمية والدولية الراهنة وهذا لا يمنعنا من متابعة ومناقشة مختلف الاراء حول قضايانا المصيرية المشتركة .
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟