صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 999 - 2004 / 10 / 27 - 11:13
المحور:
القضية الكردية
تزامنت جولة الرئيس مسعود بارزاني الاقليمية – الاوروبية مع تطورات محلية وعالمية متسارعة، فمن التحضيرات لاجراء الانتخابات الحرة في العراق ومواجهة التصعيد الارهابي, وانجاز عقد" الملتقى الثقافي الكردي العربي" في اربيل بنجاح ,والاستمرار في سلسلة المشاريع الانمائية في كردستان, وتعزيز الامن والاستقرار, الى حدوث ضغوط دولية على ايران للانصياع للارادة الدولية بخصوص البرنامج النووي والكف عن التدخل في شؤون العراق، واستعدادات تركيا لخوض المفاوضات – الشاقة- مع اوروبا لقبول عضويتها بعد تنفيذ معايير كوبنهاغن حول الديمقراطية وحقوق الانسان والقضية الكردية،الى التوافق الدولي الجماعي باخراج القوات السورية من لبنان بموجب قرار مجلس الامن 1559 ومطالبتها بوقف دعم الارهاب في العراق والتزامها بارادة الشعب السوري في الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الانسان. الى ازدياد التوتر وتفاقم مظاهر العنف في الاراضي الفلسطينية ومضى حكومة شارون في سياسة مناهضة السلام، الى افتضاع السياسة الشوفينية العنصرية لحكام السودان واستقطاب معاناة شعب دارفور ذات الطبيعة الاثنية لاهتمامات العالم الحر والامم المتحدة باتجاه الحل الفدرالي, الى الاستعدادات الجارية لعقد مؤتمر دولي حول العراق, وكذلك انعقاد مؤتمر اقليمي –دولي لمكافحة الارهاب, بالاضافة الى الترقب العالمي لنتائج انتخابات الرئاسة الامريكية القادمة.
فعلى ضوء هذه الوقائع وفي ظل تلك التطورات والاحداث المستجده التي يشغل الشأن الكردي موقعا فيها انطلق السيد بارزاني في جولته ليعيد مع مضيفيه اعادة قراءة الاحداث واستشراف آفاق المستقبل والتأكيد على جملة من الحقائق الجديدة التي افرزتها وقائع الاعوام الاخيره:
الحقيقة الاولى: واقعية وصلابة الموقف الكردستاني السياسي المستند الى الارادة الشعبية اولا والى البنية المجتمعية المتماسكة, وتقاليد الحركة القومية في التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي, بمواجهة شرور ومخاطر وانحرافات الاصوليات القومية والدينية والمذهبية وافعالها الارهابية الهمجية المتفاقمة في اماكن متفرقه خارج حدود كردستان التي تنعم بدورها بسلطة القانون والمؤسسات الديمقراطية وبحرية الجميع بمختلف قومياتهم واديانهم ومعتقداتهم وبالخضوع الكامل لارادة جماهير كردستان في تقرير مصيرها ( لان القيادة السياسية ستسقط اذا لم تستجب لتطلعات شعبها ) وهذا اشعار لكل من يهمه الامر من اصحاب السلطة والقرار في المنطقة بحتمية الانصياع لارادة الشعوب في التغيير والاصلاح والعدل وقبول الاخر طوعا اوكرها. بالتوازي مع التمسك بمبادئ الحق والعدل والاصرار على استعادة حقوق الكرد مهما بلغ الثمن خاصة في موضوع مدينة كركوك وهويتها الكردستانية وتعايش ابنائها من الكرد والتركمان والعرب والكلدان بوئام مع ضرورة رحيل الذين اسكنوا بهدف التعريب وعودة المهجرين جميعاً لاسباب عنصرية الى موطن الآباء والاجداد, هذا المبدأ الذي شدد عليه السيد بارزاني في مختلف العواصم التي زارها كتجسيد لخطاب المصارحة ومواجهة الحقائق وبدون مجاملات في القضايا المصيرية,كان لافتا بقوة في بنود جدول اعماله في المحادثات والذي يتجاوز سياسياً حالة كركوك والمناطق الكردستانية الاخرى التي تعرضت للتعريب ليشكل رسالة للجميع بعدم جواز وبطلان وادائة مخططات تغيير التركيب الديموغرافي بالقوة والنار اينما كان في العراق أو دول الجوار أو فلسطين أو دارفور.
الحقيقةالثانية: ان الدور الكردستاني في العراق الفدرالي سيستمر ويتعزز باتجاه الاتحاد الاختياري مع الشعب العربي والحفاظ على وحدة مكونات الدولة العراقية وقبر ميول الهيمنة والاستعلاء القومي باعتبار الآخرين غرباء الى غير رجعه، واستعداد الكرد للمضي دون تردد في نهج التعايش مع العرب والقوميات الاخرى على اسس الشراكة العادلة وفي ظل الضمانات الدستورية في اطار النظام الفدرالي مع توفر ضمانات دولية لعدم تعرض الكرد مجددا الى سياسات الابادة والمقابر الجماعية والاقتلاع والتهجير القسري والاضطهاد القومي وقد اعيد اسماع هذه الحقيقة في العواصم الثلاث للتأكيد علىاهمية الحل السلمي للقضية الكردية ورفض تحول الكرد الى مواطنين من الدرجه الثانية والى اهمية رؤية وقبول الدور المحوري الكردي في المنطقة بشأن الحرب والسلام.
الحقيقةالثالثة: التمسك الصارم بموقف الصداقة مع الشعوب التي تتقاسم والكرد العيش المشترك ورفض سياسة التدخل في شؤون البعض وابتعاد كرد العراق ورفضهم لسياسة المحاور او التحول لمعاداة دول وشعوب الجوار,والالتزام( بدعم الجهود لمواصلة الحوار الكردي العربي لان علاقات الشعبين مصيرية ولان هناك حاجه لشرح الحقوق الكردية للراي العام العربي ) كل ذلك كان قد اكد عليه السيد بارزاني عشية جولته في كلمته الافتتاحية "بالملتقى الثقافي الكردي العربي" التي اقامته " جمعية الصداقة الكردية العربية " في اربيل, وبهذا المعنى تكون الجولة قد اتخذت منحى" هجومياً " اذا صح التعبير بعكس الزيارات السابقة وفي الظروف العراقية الكردية السابقة حيث انتفت الحاجة الى هدر الوقت بسرد ما تعودت على سماعه انظمة الجوار من محاوريها من كرد العراق من تقديم – تبريرات- أو- محاضر دفاع- عن الموقف الكردي الذي كان يتعرض الى الشكوك والابتزاز فيما مضى لان الكرة الآن وببساطة ( عراقياً وكردستانياً) في ملاعب انظمة الجوار وهي احوج ما تكون الى قبول وفهم الحقائق المستجدة والى- مرافعات دفاع- عن انتهاكاتها بشأن دعم الارهاب والتدخل في شؤون الآخرين. والى تصحيح مواقفها الشوفينية حيال اكرادها والاستبداية تجاه شعوبها.
الحقيقةالرابعة: مضي شعب كردستان العراق في طريق البناء والاعمار وتشجيع الاستثمارات وتوفير كل الضمانات الامنية والخدماتيه لمساهمة مختلف القطاعات الاقتصادية الحكومية والخاصة من دول الجوار في عملية النهوض الاقتصادي والعمراني في كردستان خاصة والعراق عامة .
الحقيقةالخامسة: من الحالات النادرة التي تشمل فيها جولة السيد بارزاني البلدان الثلاثة التي تقتسم كردستان في وقت متزامن والتي تمتزج بشعور عال من الثقة بالموقف الكردستاني الصادق والشفاف ومن تجربتها السلمية النموذجية في الحل الفدرالي للمسألة القومية وتعزيز الديمقراطية في العراق وموقعها المؤثر على مستوى المنطقة مستقبلاً بخصوص حل المسألة القومية وتعزيز علاقات الصداقة بين الكرد والعرب والترك والفرس والشعوب والاقوام الاخرى، وليست هذه الحقيقة الا ترجمة حية لواقع معاش تاريخيا وجغرافيا في تداخل وتشابك الشان الكردستاني في العراق مع دول الجوار عبر العمق الكردي الذي يبشر بمستقبل زاهر في انجاز مهمة تجسير الهوة بين مختلف الثقافات والاقوام اذا تجاوب الآخرون وسلكوا درب التعايش والوئام.
الحقيقةالسادسة: الجولة وما عبرت عنها من دلالات ومعاني من حيث التوقيت وبماحمله الزائر من مواقف صريحة وشفافة وواقعية وبما يمثله من شرعية قومية ووطنية وشعبية تكفل الاعتقاد بمدى امكانية مساهمة نتائجها المرجوه في التخفيف من الازمة الراهنة الشاملة التي تلف المنطقة باسرها ودعم ارادة السلم والتغيير الديمقراطي والاصلاح التي تتمسك بها شعوبنا وقواها الحية, وتراهن فعلياً على نجاح التجربة العراقية الفدرالية في التحرر والتغيير الديمقراطي وهي حقيقة تفصح عن نفسها يوماً بعد يوم بخصوص الدور الكردستاني في هذه القضايا المصيرية بكافة ابعادها . وتحول الكرد ومركزهم القومي التاريخي في كردستان العراق الفدرالي الى رقم لايمكن تجاوزه بسهولة من جانب الخصوم والاصدقاء.
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟