فؤاد النمري في حوار مفتوح حول: القراءة اللينينية لماركس المتصلة بانهيار الإتحاد السوفياتي والشروط الحالية للعمل الشيوعي


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 16:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

فؤاد النمري في حوار مفتوح حول: القراءة اللينينية لماركس المتصلة بانهيار الإتحاد السوفياتي والشروط الحالية للعمل الشيوعي
أجرت الحوار: هيفاء حيدر

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا – 33 - سيكون مع الاستاذ فؤاد النمري حول:  القراءة اللينينية لماركس المتصلة بانهيار الإتحاد السوفياتي والشروط الحالية للعمل الشيوعي.


1 – لديك وجهة نظر حول انهيار المنظومة الاشتراكية , كيف تنظر اليوم لذاك التاريخ من التحليل وماذا تضيف إليه والى ما آلت حالة انهيار دول المعسكر الاشتراكي؟

السؤال يصف تعليلي انهيار المشروع اللينيني للثورة الإشتراكية ب " وجهة نظر " فكما لو أن لدى السائل تعليلاً مختلفاً لكنه علمي وحقيقي وليس مجرد " وجهة نظر " كما هو تعليلي. أنا، ولعلم قراء الحوار المتمدن، لم أبتدع تعليلاً من عندي، بل اعتمدت تعليل ماركس لحركة التاريخ المتمثلة بالصراع الطبقي. فهل يجوز أن نصف تعليل ماركس لحركة التاريخ بأنها " وجهة نظر " تخص باحثاً في علم التاريخ اسمه كارل ماركس!؟
البورجوازية الوضيعة تنكر دائماً كل دور لها في انهيار الثورة الإشتراكية، وتتواضع نفاقاً فتصف اتهامها بالقيام بهذا الدور بأنه مجرد " وجهة نظر " قابلة للنقاش. تنافق هذا النفاق ليس من أجل النقاش الذي لا تجروء على مقاربته طالما أن حقائق التاريخ القاطعة لا تقبل النقاش بل لأنه المهرب الوحيد للإفلات من النقاش ومواجهة الحقيقة.
في كل مرة نمسك بخناق البورجوازية الوضيعة نضغط بكل عزمنا كي تعترف بخيانتها الفاضحة للنهج الشيوعي اللينيني. في حزيران 1957 اتخذ المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي قراراً بتنحية خروشتشوف من منصب الأمين العام للحزب، إلا أن ذلك الدعيّ الشقي، ورغم تاريخه الطويل في الحزب وفي القيادة، تمرّد على أعلى قيادة في الدولة ورتّب بالتعاون مع وزير الدفاع آنذاك مارشال الإتحاد السوفياتي جيورجي جوكوف إنقلاباً شبه عسكري على قيادة الحزب وانتهى إلى طرد جميع البلاشفة الذين صوتوا إلى جانب عزله من القيادة وعددهم ستة أعضاء، أي نصف عدد أعضاء المكتب السياسي وهو السلطة العليا في الدولة ــ هذا من حقائق التاريخ وليس مجرد " وجهة نظر ".
عرف خروشتشوف بمخططاته الرعناء (Harebrained Schemes) لكن مثل رعونة خطته " استصلاح الأراضي البكر والبور "، الخطة التي بسببها المعلن قام بانقلاب عسكري وطرد البلاشفة الستة دفعة واحدة من المكتب السياسي للحزب، مثل تلك الرعونة لم يسجل التاريخ مثلما عرضها هو نفسه في مذكراته. يقرؤها المرء في مذكراته فلا يملك إلا أن يُدهش كيف لشخص لا يملك أكثر من "عقل أرنب" يصل لأن يحتل أهم مركز في العالم، مركز ستالين. وإزاء مثل هذه الحقيقة الصادمة لا يملك الشيوعي الحقيقي إلا أن يقرّ بالفقر الفكري التاريخي في بنية الحزب الشيوعي السوفياتي والتي ظلت مثار شكوى من قبل لينين وستالين وحالت الأخطار المحيقة باستمرار بوجود الدولة الإشتراكية دون التغلب على ذلك الفقر القاتل.
بقي أن نعلل ظاهرة خروشتشوف منذ أكتوبر 53 وحتى أكتوبر 64. جاء العسكر به بداية من أجل تحويل موارد الدولة من الإنتاج المدني كما كان مقرراً في الخطة الخماسية 1952 ــ 1956 إلى الإنتاج العسكري، وأزاحوه عندما طالب بخفض الإنفاق العسكري في العام 64 كما أوضح ذلك في مذكراته. الإنفاق العسكري كان هو الموضوع الرئيس الذي جري حوله الصراع الطبقي منذ بداية الثورة الإشتراكية السوفياتية وحتى اليوم حيث تتحدد علاقات روسيا الخارجية بالتجاوب مع الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة. منذ العام 1932 بدأت البورجوازية الوضيعة بمقاومة الإشتراكية وطبقة البروليتاريا عن طريق العسكرة وإنتاج الأسلحة. قاوم ستالين ذلك الجنوح البورجوازي بحزم شديد حتى وصل الأمر إلى إعدام عدد من قادة الجيش. غير أن العدوان الهتلري في حزيران 41 فرض أجندة عسكرية مختلفة بعد أن تسبب بخسائر جسيمة على جبهات الحرب السوفياتية. منذ حزيران 41 وحتى اليوم والإتحاد السوفياتي (روسيا الإتحادية) هو أكبر منتج للأسلحة في العالم. وما على المراقب أن يتوقف عنده باستغراب شديد هو أن البورجوازية الوضيعة السوفياتية تنتج الأسلحة ليس لتحصين أمن الدولة كما تقول القاعدة العامة بل العكس هو الصحيح فجنون التسلح أنتهى إلى تدمير أقوى دولة في العالم وهي الإتحاد السوفياتي كما كان في العام 53 أو حتى في العام 41. البورجوازية الوضيعة السوفياتية تعي ذلك جيداً لكن ليس لديها أية وسائل أخرى لمقاومة البروليتاريا والإشتراكية سوى إنتاج الأسلحة !!
الكثيرون من الشيوعيين الفقراء فكرياً يعتقدون اليوم بأن الدول الإشتراكية سابقاً عادت لتكون دولاً رأسمالية. هذه الدول لم تكن أصلاً دولاً رأسمالية فكيف بها تعود إلى ما لم تكن عليه!؟ الصراع دار هنا حول تقسيم العمل وإلغاء الأعمال البورجوازية الوضيعة الخاصة بالقوات المسلحة من جهة والفلاحين من جهة أخرى. انتصار العسكر والفلاحين على البروليتاريا لا يقود ولا يمكن أن يقود إلى قيام نظام رأسمالي الذي هو بدوره أيضاً يلغي تقسيم العمل للفلاحين كما للعسكر . فالعسكر في الدول الإمبريالية لم يكونوا أكثر من مجرد أجراء يحاربون حروب الرأسمىاليين وليسوا كما العسكر السوفييت بعد رحيل ستالين وقد أصبحوا أصحاب القرار الوطني، ينتجون الأسلحة ليس لجني الأرباح بل لتدمير الإقتصاد الوطني وسلب قوى البروليتاريا سلاحها الرئيسي؛ والفلاحون من جهة أخرى لم يبق لهم أثر في الدول الرأسمالية المركزية. العسكر والفلاحون الذين يبذلون كل شيء في الدفاع عن أعمالهم الوضيعة هم أعداء للرأسماليين أيضاً بقدر عدائهم للبروليتاريا. ثم إن إنتاج الأسلحة ليس تجارة رأسمالية طالما أنها لا تدخل سوق السلعة الصنمية، فكيف للعسكريتاريا الروسية تبني نظاماً رأسمالياً وهي لا تنتج إلا الأسلحة على حساب عامة الإقتصاد الوطني !؟ وأخيراً علمنا ماركس أن الرأسمالية تلد الإشتراكية ولم يقل يوماً أن الإشتراكية يمكن أن تلد الرأسمالية !! الوقوف على هذا الأمر وقوفاً علمياً صحيحاً من شأنه أن يترك أثراً حاسماً على العمل الشيوعي المستقبلي.

2 – بعد تجربة سلبية في الحريات الفردية في ظل – الدول الاشتراكية- كيف تقيم مسألة حقوق الفردية للإنسان مثل حرية الفكر التعبير والمعتقد.... الخ في الفكر الاشتراكي؟

في العام 1919 أعلن لينين عن انتقال مركز الثورة الإشتراكية من ألمانيا وأوروبا الغربية إلى روسيا، مدللاً على ذلك بوعي البروليتاريا الروسية المتقدم على وعي البروليتاريا الألمانية، البروليتاريا الروسية وعلى رأسها قائدها المتقدم في العلوم الماركسية فلاديمير لينين، مقابل البروليتاريا الألمانية وقائدها المرتد كارل كاوتسكي. النجاحات الكبرى الهائلة التي حققتها الثورة الإشتراكية في الإتحاد السوفياتي منذ انتفاضة البلاشفة في أكتوبر 1917 وحتى رحيل ستالين في مارس 1953 إنما كانت فقط بسبب الوعي اللينيني المتقدم والأخاذ في علوم الماركسية الذي ورثه ستالين عن لينين. ما يستوجب الإستذكار هنا هو أن لينين كان قد ندد بفقر قيادة الحزب في الوعي الماركسي في العام 1922 وحذر من خطورة ذلك على مصائر الثورة. وعاد ستالين يحذر من نفس الخطر في العام 1938. وفي المناقشة العامة في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب، أكتوبر 1952، أشار ستالين إلى قيادة الحزب على المنصة مؤكداً بعبقريته المعهودة مخاطباً الهيئة العامة للحزب بالقول . . " ليس هؤلاء من سيوصلونكم إلى الشيوعية ! . . يجب تبديلهم " . وفعلاً رحل ستالين بعد خمسة شهور فقط فكان أن قاد نفس أولئك القادة الشعوب السوفياتية إلى الإنهيار الكبير.
نستذكر كل ذلك لنؤكد أن نسغ الحياة لشجرة الثورة الإشتراكية هو الوعي العميق والشامل في علم الماركسية. ما كانت الثورة الإشتراكية لتنهار لو أن قيادة الحزب من بعد ستالين امتلكت الوعي الماركسي الكافي. ما زال الفقر في الوعي الماركسي هو السائد في أوساط عامة الشيوعيين على اختلاف نحلهم وخاصة المتصفون منهم باليسار. اليساريون من غير المكرسين للدفاع عن الإنتاج البورجوازي الوضيع يرتعون في جهل فاضح في علم الماركسية حتى بت تجد منهم من يسألك عن غياب الحريات الفردية في المجتمع الإشتراكي!! وهو كمن يسأل عن غياب الله في جهنم أو غياب الشيطان في الجنة !! هناك جواب وحيد على مثل هذا السؤال الغبي وهو أن السائل لا يعرف معنى الحرية التي يسأل عنها، كما لا يعرف معنى الإشتراكية التي هي بحد ذاتها فعل الحرية. لو كان السائل يتمتع بحس اشتراكي سليم لعرف أن التقدم في البناء الإشتراكي هو التحقيق المتكامل للحرية المطلقة. الحريات الفردية إنما هي في النهاية مجرد أدوات للدفاع عن الإنتاج الفردي أو وسيلة الحياة الفردية. وحين تنعدم نهائياً مختلف الأخطار على حياة الأفراد بعد إلغاء الوسائل الفردية في الإنتاج، لا يعود الفرد بحاجة لأي من هذه الأدوات حين تغدو (الحريات الفردية) لزوم ما لا يلزم.
الحريات التي تمتع بها المواطنون السوفييت لم يتمتع بمثلها أي مجتمع في العالم. الحريات الفردية موضوع السؤال ليست إلا أدوات تستخدمها شرائح الطبقات المختلفة في الدفاع عن مصالحها ووسائل عيشها، وقلما كانت تلك الأدوات تثبت جدواها في الدفاع عن مصالح تلك الطبقات المستغَلَّة. العمال السوفييت لم يكونوا بحاجة لأي من هذه الأدوات البورجوازية حيث أنهم هم أنفسهم من يقرر مصائر أعمالهم بل ومصائر المجتمع كله من خلال دولتهم، دولة دكتاتورية البروليتاريا.
 


3 – على عاتق من تقع اليوم مسؤولية العمل من اجل تغيير النظام الرأسمالي المستند إلى الاستغلال والتميز؟ وكيف ترى مهمة الأحزاب الشيوعية والاشتراكية وحركات التحرر اليوم وخاصة في العالم العربي؟

يذكرنا السؤال بكوميديا شكسبير " حلم ليلة من أعالي الصيف "، فالتعلق بالإشتراكية يفقد صاحبه في أحايين كثيرة حاسة تمييز الرأسمالية (Capitalism) عن الإستهلاكية (Consumerism)، رغم أن النظامين في تضاد جليّ لا لبس فيه. فالرأسمالية تقوم أساساً على مبدأ مراكمة فوائض القيمة أو الأرباح بينما تتقدم الإستهلاكية من خلال استهلاك كل ما هو متاح للإستهلاك. يتحدث السؤال عن نظام رأسمالي يتوجب على الشيوعيين تغييره فكما لو أن العالم ما زال يعيش في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. أي نظام رأسمالي يُطالب الشيوعيون بتغييرة !؟ هل النظام في أميركا اليوم نظام رأسمالي ومع ذلك يقصر عن الإيفاء باحتياجات شعبه بما قيمته تريليون دولاراً سنوياً حتى وصل مجمل الديون الدولية على أميركا أكثر من 17 تريليون دولاراً ؟ كيف يمكن وصف النظام الأميركي بالرأسمالي بينما يصل إنتاج الخدمات فيه إلى أكثر من 80% ؟ وهل إنتاج الخدمات هو إنتاج رأسمالي بحال من الأحوال ؟
الرأسمالية الأميركية كانت توظف في الخمسينيات حوالي 75 مليون بروليتاريا أما اليوم فقد انكمشت أعداد البروليتاريا الأميركية إلى حوالي 32 مليوناً فقط فأين هي قوى الثورة الإشتراكية في المجتمع الأميركي الحالي؟ وأين هي في بريطانيا وقد انكمشت أعداد البروليتاريا من 30 مليوناً في الخمسينيات إلى 12 مليوناً حالياً ؟ كما أن بريطانيا تعاني اليوم من مديونية هائلة وتتهاوى على شفا الإفلاس، فهل يفلس النظام الرأسمالي؟ النظام الرأسمالي يصاب بالإختناق لكثرة الإنتاج لكنه لا يصاب بالإفلاس لقلة الإنتاج على الإطلاق.
أما السؤال عن المهمات التي تنتظر الأحزاب الشيوعية والإشتراكية القيام بها فإنني لا أرى أية مهمات تحررية وتقدمية يمكن أن تقوم بها الأحزاب الشيوعية والإشتراكية التي كانت قد قامت أصلاً لإنجاز مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية الذي لم يعد موجوداً سوى الإعلان عن حل نفسها بنفسها وهو ما سيساعد قوى البروليتاريا للإنتظام من جديد بهدف التحرر من الإستغلال الوحشي الذي تمارسه بحقها طبقة البورجوازية الوضيعة، الطبقة الوسطى وليس طبقة الرأسماليين، في كافة بقاع الأرض، استغلال تجاوز بوحشيته كل أنماط الإستغلال المعروفة سابقاً. قامت الأحزاب الشيوعية أصلاً بهدف إنجاز مشروع لينين في الثورة الإشتراكية العالمية، أما وقد انهار المشروع فليس من مبرر إذاً لبقاء هذه الأحزاب خاصة وأن بنيتها تشكلت لتحقيق استراتيجية لم تعد موجودة وتغيير الإستراتيجية يتطلب بالضرورة بنى حزبية وطبقية مختلفة.
الجماعات التي ما زالت تصف نفسها بحركات التحرر إنما هي مجموعات من النصابين حيث أنها تسوّق نفسها كحركات تحرر دون أن تذكر أي معنى من معاني التحرر، التحرر مماذا ؟ جميعها تدعو للحرية والديوقراطية والتنمية، وجميعها تكذب فلا تذكر الجهة أو الجهات، الطبقة أو الطبقات، القائمة على ذلك أو المستفيدة منه، وهذا هو الكذب البواح.
 


4 –في ظل النظام العالمي الجديد والشرق الأوسط الجديد وثنائية القطب في عالمنا يقال بتغير الإيديولوجيا ,كذلك هل توافق أصحاب الرأي الذين يطالبون الماركسية أن تغير نهجها حسب معطيات التغيير اليوم؟

البورجوازية الوضيعة لم تعترف بجريمتها في تفكيك المشروع اللينيني، وتجاوزت كل حدود الوقاحة فادّعت أن انهيار المشروع اللينيني نجم عن مقولات متقادمة في الماركسية نفسها، ولذا توجب تجديد الماركسية أو تطويرها، وثمة أفرقاء منها يتغابون فينادون بسقوط الإيديولوجيات.
نقول بداية لأفرقاء الأغبياء المنادين بسقوط الإيديولوجيات أن الإيديولوجيات إنما هي لبوس متزامن لحركات اجتماعية تاريخية محددة تنتهي مع انتهاء حركاتها الخاصة بها ولا تعود الإيديولوجيا موجودة في الحياة لتسقط. اللبوس "الإيديولوجي" من الماركسية يغطي حركة الصراع بين آخر الطبقات المستغِلة وآخر الطبقات المستغَلة وبانتهاء مثل هذا الصراع فإن هذا اللبوس "الإيديولوجي" من الماركسية سينتهي ولا يعود موجوداً ليسقط لكنه لن ينتهي أو يسقط قبل انتهاء هذه الحركة التاريخية. أما القائلون بسقوط "إيديولوجيا" الماركسية قبل انتهاء آخر صراع طبقي في التاريخ فإنما هم يقولون بهذا خجلاً منهم في أن يعلنوا معتقداتهم في أن استغلال الإنسان لأخيه الإنسان هو حقيقة ثابتة لا سبيل لإلغائها.
أن الماركسية ليست من الإيديولوجيا بشيء بل إنها تنطلق من نفي بات للإيديولوجيا حيث أكدت سقوط كل الإيديولوجيات حال انتهاء الحركات الإجتماعية الخاصة بكل منها. وعليه فإن شعار سقوط كل الإيديولوجيات إنما هو تأكيد على صحة الماركسية والأسس التي قامت عليها. الماركسية هي منهج تحكمه الحقيقة المطلقة في الوجود ألا وهي الديالكتيك. فالمادة والتي هي التجسيد العياني للوجود إنما هي تجسيد للطاقة التي هي قبل كل شيء الحركة الديالكتيكية. وبناء عليه فقد أكد الفيلسوفان كارل ماركس وفردريك إنجلز أن الشيء ليس هو ذاته في نفس اللحظة كما ثبت ذلك مخبرياً. ليس ما هو ثابت وساكن في الوجود ولذلك كل العقائد صائرة إلى زوال. لا يجوز وصف الماركسية بالإيديولوجيا وهي تقول أن كل العقائد صائرة إلى زوال.
ولما كان العالم يتغير دون توقف فذلك يقتضي من الماركسيين البناء على ماركس تبعاً للتغيرات الجديدة الحاصلة وليس المراجعة والنقض بحجج مختلفة لا تؤدي إلا إلى الإنحراف والتحريف مثل انحراف خروشتشوف الذي أودى بالمشروع اللينيني.
تجوز محاكمة الماركسية فقط بموجب قانون الديالكتيك بمواده الثلاث، وحدة التناقض وتراكم التغيرات الكمية وصولاً للتغيرالنوعي ونفي النفي. من يجد خللاً في بنيان الماركسية لا يستقيم مع هذا القانون فله الحق عندئذٍ في شهادتنا على أنه ماركسي أكثر من كارل ماركس !!
 


5 – هناك دعوات للسلام من اجل حل الصراع العربي - الإسرائيلي,عن أي سلام يتم الحديث اليوم ؟ وكيف يمكن حل القضية الفلسطينية وفقا للفكر الاشتراكي و الإنساني؟
 
في المسألة الفلسطينية ثمة حقائق لا يجوز تجاهلها، وهي تلعب دوراً حاسماً في مقاربة هذه المسألة الهامة في تاريخ المنطقة .

(1) قامت إسرائيل كقاعدة متقدمة للإمبريالية مستهدفة ضرب الثورة البورجوازية الشامية بقيادة الشريف حسين بن علي وقد شاركت الرجعية العربية في هذا عندما رفضت مشروع التقسيم 47 الذي كان لمصلحة العرب حيث لم يعط اليهود من فلسطين خارج صحراء النقب إلا 3% فقط. الرجعية العربية ومنذ العام 48 حرصت على طمس تفاصيل مشروع التقسيم إخفاء لجريمة لا تغتفر اقترفتها بحق الشعب الفلسطيني.
(2) طيلة توالي ثورة التحرر في المشرق العربي وصولاً إلى مصر منذ نهاية الحرب العالمية الأولى لعبت الصهيونية ثم اسرائيل دور كلب حراسة للإمبريالية وهو ما رتّب على الشيوعيين أن يتماهوا مع قوى الثورة الفلسطينية ودعم البورجوازية العربية في ثورتها التحررية، وكان ذلك مساهمة كبرى منهم في تفكيك الرأسمالية العالمية وهو المقتضى الرئيسي لمشروع لينين.
(3) في السبعينيات تفككت الرأسمالية العالمية وتلاشت معها الإمبريالية، وفي ذات الوقت بدأ مشروع لينين يلفظ أنفاسه الأخيرة فكان نتيجة ذلك أن توقفت حركة التحرر عن العمل ليس في البلدان العربية فقط بل وفي كل العالم أيضاً. وهكذا بقي الصهاينة في فلسطين والبورجوازية العربية أمست خائرة القوى وفقدت كل رغبة أو هدف في التحرر، فكان أخيراً أن فقدت إسرائيل وظيفتها الأساسية ككلب حراسة للإمبريالية.
(4) منذ السبعينيات تحولت القضية الفلسطينية من حركة تحرر وطني عربية وعالمية إلى قضية نزاع على أراضي بين هويتين حتى لا أقول قوميتين، هوية فلسطينية وهوية اسرائلية. النزاع حول أراضي ليس له أدنى علاقة بالصراع الطبقي الذي هو قضية الشيوعيين الرئيسة. الشيوعيون الذين يجعلون من القضية الفلسطينية قضيتهم الرئيسة، كما هم في الحزب الشيوعي اللبناني بشكل خاص، إنما هم مفلسون فكرياً وطبقياً وهم بالتالي إلى زوال.

6 ــ كبف تقيّم الإنتفاضات الجماهيرية الحالية في العالم العربي وآفاقها المحلية والعالمية؟

في مقالتي الأخيرة في الحوار المتمدن كتبت في ذات الموضوع بصورة وافية يمكن الرجوع إليه، وفيه أكدت على النقاط التالية :ــ
ــ انتفضت الشعوب ضد عصابات مغلقة (Closed Circle) كانت قد تمكنت من اختطاف السلطة نتيجةً العجز الطبقي الشامل في المجتمع.
ــ الإنتفاضة لم تجرِ لتغيير النظام الإجتماعي بل للتخلص من حكم العصابات بعكس الثورة التي تجري لتغيير الطبقة الاجتماعية الحاكمة والنظام الإجتماعي بإطار علاقات الإنتاج.
ــ في الممالك لا تتواجد العصابة المغلقة حيث تشكل خطراً على سلطة الملك، لذلك تجري الإنتفاضة بهدف الإصلاح الإداري فقط
ــ إزاحة العصابة الحاكمة لا تعالج العجز الطبقي الشامل الذي يظل سائداً فيما بعد
ــ العجز الطبقي الشامل لن يساعد على الإطلاق في إقامة حكم مستقر
ــ ستعود الشعوب المنتفضة إلى نهاية الطريق المسدود، حيث وصلت في سبعينيات القرن الماضي عقب انهيار ثورة التحرر الوطني
ــ حسنا يعود المنتفضون إلى إنسداد الطريق مرة أخرى علهم يبتدعون طريقاً أخرى
ــ الطريق الأخرى الوحيدة المحتملة هي الديموقراطية الشعبية، يتولى السلطة فيها الطبقات المنتجة، العمال والفلاحون والرأسماليون
ــ الولايات المتحدة ظلت السباقة في تأييد الإنتفاضة ظناً منها بأنها ستجلب الديموقراطية تحقيقاً لمبدأ "الفوضى الخلاقة"
أما بخصوص آتارها على الصعيدين المحلي والعالمي فهي لن تضيف شيئاً سوى أن تضع الشعوب العربية أمام البحث الحثيث عن طريق مختلفة للتنمية. في حال نجاحها في خيار الديموقراطية الشعبية، وهو أمر في غاية الصعوبة، فإن ذلك سيفتح طريقاً عريضاً قد يؤدي إلى أن تتجاوز البشرية جمعاء الأزمة الشاملة التي تتهدد مصائرها بكارثة كونية.