اليسار هو العدو الأخير للشيوعية (2/2)


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 7040 - 2021 / 10 / 7 - 20:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

اليسار هو العدو الأخير للشيوعية (2/2)
ما لم يعلمه الشيوعيون عن الخطاب السري لخروشتشوف هو أن الخطاب وصف بالسري لأن الحزب لم يكن يعلم به ولذلك لم يكن من أعمال المؤتمر العشرين للحزب كما اعتقد العامة وأن الخطاب لم يكن من بنات أفكار الغبي خروشتشوف بل كتبه العسكر وهم الذين رسموا خروشتشوف أمينا عاماً للحزب بعد أن آلت كل السلطة للجيش حال اغتيال ستالين، وأمروه أن يلقي الخطاب في مؤتمر الحزب العشرين كي يضفي عليه شيئاً من الصدقية . لكن خروشتشوف رأى أن الخطاب لن يحظى بموافقة المكتب السياسي ولن يستطيع قراءته في المؤتمر تبعاً لذلك، فكان أن احتفظ به سرّاً وتحايل على قيادة المؤتمر وطلب اجتماعا خاصاً بعد انتهاء المؤتمر وألقى خطابه الخياني دون علم رفاقه في المكتب السياسي الذين تخاذلوا ولم يعلنوا شجبهم للخطاب مباشرة مما أكسبه شرعية لدى الأحزاب خارج الإتحاد السوفياتي ولدى القوى الرجعية داخله وخاصة كوادر الجيش الأحمر . الحزب السوفياتي عارض الخطاب مما اضطر خروشتشوف لأن يعين لجنة متخصصة تحقق في الجرائم المزعومة لستالين ولما لم تجد اللجنة حتى مخالفة هامشية واحدة طيلة قيادة ستالين للإتخاد السوفياتي طيلة 30 عاماً (1922 – 1953) اضطر خروشتشوف لأن يتراجع عن خطابه الخياني ويفتتح المؤتمر الإستثنائي الحادي والعشرون للحزب في العام 59 مؤكداً بالنص .."استطاع حزبنا بقيادة ستالين لفترة طويلة أن يتغلب على سائر الأعداء ويبني لنا دولة اشتراكية عظمى نعتز بها" .
تراجع خروشتشوف عن خطابه السري الخياني غير أن القيادات الشيوعية خارج الاتحاد السوفياتي لم تتراجع حيث كانت قد هللت ورحبت بالزعيم الإستثنائي خروشتشوف ونشرت بحمية مصطنعة تلك الأفكار الخيانية بين كوادرها ؛ وليس غريبا أن معظم الأحزاب "الشيوعية" القائمة اليوم ما زالت تتبنى نفس خطاب خروشتشوف الخياني واليسار يتمثل بهذه الأحزاب الخؤونة .
الشيوعيون الذين اجتروا الأفكار الخيانية في خطاب خروشتشوف منذ العام 56 هم إياهم الذين انقلبوا إلى يساريين بعد انهيار الإتحاد السوفياتي دون أن يتنازلوا عن الأفكار الخيانية التي أخذوها عن خطاب خروشتشوف الخياني – يقتضينا حسن قراءة التاريخ كما هو أن نشير هنا في هذا المقام تحديدا إلى أن الجيش قام بانقلاب عسكري ضد خروشتشوف في أكتوير 64 بعد أن أخذ خروشتشوف يبعث من جديد شبح ستالين ونهجه اللينيني . ففي الأرشيف السوفياتي في العام 64 خروشتشوف يخاطب زملاءه أعضاء المكتب السياسي وبريجنيف أحدهم بالنص .. "خراء ستالين أفضل منكم" .

يساريو اليوم هم في الغالب الأعم شيوعيو النصف الثاني من القرن العشرين الذين إعتادوا على اجترار أكاذيب خروشتشوف الخيانية لنصف قرن طويل . صدمهم انهيار الإتحاد السوفياتي لكن ذلك لم يكن كافياً ليطهرهم من الخيانة التي انطوت عليها أكاذيب الخطاب السري لخروشتشوف .
لقد فضح البروفيسور الأميركي غروفر فر (Grover Furr) في كتابه بالغ الأهمية "كذب خروشتشوف" (Khrushchev Lied) المستند إلى الأرشيف السوفياتي، فضح أكاذيب خروشتشوف الزائفة الوقحة في خطابه السري إلا أن اليساريين لا يصدقون إلا أنفسهم مثلهم مثل الذين يعانون من الشيزوفرينيا .

نحن البلاشفة الجدد، وقد علّمنا ماركس قراءة التاريخ كما هو، نستطيع أن نؤكد أن الثورة الإشتراكية البلشفية بقيادة لينين وستالين قد نقلت العالم إلى مسار جديد لا يمت بأدنى صلة للعالم القديم، مسار لا رجعة عنه . ليس إلا الحمقى هم من ما زالوا يعتقدون بإمكانية العودة للنظام الرأسمالي ؛ ثمة حقائق كثيرة مختلفة تحول دون ذلك وأولها عشرات الترليونات من الدولارات المكشوفة الزائفة التي تطبعها الإدارة الأميركية كل سنة، تحول وحدها دون ذلك .

نحن حين نستقصي أصول "اليساروية" نتحقق من أنها في الأصل بدعة من بدع أشتات البورجوازية الوضيعة المتخصصة بالبدع في محاربة الشيوعية حيث أنها لا تمتلك أية أدوات تمكنها من الدفاع عن الذات طالما أنها لا تنتج . لذات السبب كتب العسكر خطاب خروشتشوف الخياتي المنقول في "إيديولوجية" اليسار . زيف هذه الإيديولوجيا يتمثل بأنها لا تبدأ مما هو معلوم ولا تنتهي إلى ما هو معلوم . يدعو اليساريون للتغيير لكن تغيير ماذا وإلى ماذا فهم قلّما يعلنون وحين يضيق الخناق عليهم يدعون بأنهم سيغيرون النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي .
نحن نعفيهم من إثبات أن النظام الرأسمالي ما زال قائماً يعمل بالرغم من أن الدولار المكشوف يغطي كل نقود العالم وهذا وحده كافٍ لدحض كل دعوى رأسمالية، لكننا بالمقابل لا نستطيع أن نسكت على دعواهم بالإشتراكية . فالإشتراكية ليست نظاما إجتماعياً مستقراً قابلاً للحياة كما يسيئون الظن ويؤكدون التحول إليه. الإشتراكية السوفياتية هي من إبداع لينين حيث ماركس وإنجلز كلاهما أكدا عدم معرفتهما بأي شرط من شروط الإشتراكية . كل ما قاله ماركس بخصوص الإشتراكية هو أن الإشتراكية مرحلة تفصل بين التظام الرأسمالي والحياة الشيوعية تقوم خلالها دولة دكتاتوربة البروليتاريا حصراً بإنجاز كامل الإعدادات للإنتقال إلى الحياة الشيوعية، ويعود تعيين شروط الإشتراكية للقوى الإشتراكية في البلد المعني . وبالقياس فالإشتراكية سيبنيها وينتقل إليها اليساريون ستكون من إبداع يساري عيقري تتحاوز عبقريته عبقرية لينين . راهن اليساريون في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي على تروتسكي يبني لهم اشتراكية غير لينينية ولعلهم اليوم بانتظار تروتسكي آخر .
الشرط الأوّلي الذي سيسمح بمناقشة جدية لإيديولوجيا اليسار هو تحديد جنس الإشتراكية التي يدعون التغيير إليها . هل هي من جنس الإشتراكية السوفياتية – والتخلي عنها هو سبب وجودهم – أم اشتراكية جمهورية فيمار في ألمانيا التي حاربت ثورة الشيوعيين الألمان وسلمت ألمانيا بالتالي للنازية الهتلرية، أم الإشتراكية الفرنسية التي قادت العدوان الثلاثي على مصر في العام 56، أم هي اشتراكية يساروية مختلفة غير معلومة الجنس ويُبتّ في جنسها حين الوصول إليها من جنس اشتراكية البعث في المقابر الجماعية !؟ يفوت هؤلاء اليسارويين المزعومين أن النظام الإجتماعي لا يكون إلا على صورة من يأتي به والإشتراكية لا يأتي بها سوى العمال حسب ماركس "يا عمال العالم اتحدوا !!" الإشتراكية السوفياتية لم يأتِ بها ماركس . أما اليساريون فهم لا ينتمون لطبقة معينة بل هم أصلاً من أشتات البورجوازية الوضيعة المختلفة والرجعية دائماً وأبداً كما دمغها ماركس في البيان الشيوعي وأعاد نفس الدمغة لينين في كتابه "الضريبة العينية" . الإنتلجنسيا على الإستعداد دائماً لأن تخوض أشرس المعارك الدموية دفاعاً عن امتهانها التثاقف .
الإشتراكية العلمية التي حددها ماركس هي الفنرة القصيرة نسبيا التي تأخذ على عاتقها دولة دكتاتورية البروليتاريا حصراً الإعداد للإنتقال إلى الحياة الشيوعية . إنجاز مثل هذه المهمة الخطيرة والصعبة يقتضي أول ما يقتضي الإنكار التام لأية علاقات ثايتة ومستقرة للإنتاج ؛ يل إن دولة دكتاتورية البروليتاريا تقوم أصلاً على إنكار مختلف الحقوق لمختلف أفراد المجتمع ومن ضمنهم البروليتاريا التي لا تعود مأجورة وتنفي نفسها بنفسها بالتالي .

التحدي الأكبر أمام هؤلاء اليسارويين أكانوا ألكترونيين أم غير ألكترونيين ليس هو إثبات أن التظام الرأسمالي ما زال يعمل في العالم كي يتطوعوا لتغييره، بل هو تحديد جنس النظام الذي يرومون التغيير إليه ؟
هل هو رأسمالية "محدثة" كما أعلن زعيم اليسار في بريطانيا طوني بلير أم هو عدالة إجتماعية كما تعلن الأحزاب الشيوعية التي لم تعد شيوعية بل يسارية، أم اشتراكية كما يعلن نقيب اليساريين رزكار عقراوي، اشتراكية ليست كالإشتراكية السوفياتية التي لم يتأسف على شبابها اليسراويون . هل هي صنو الإشتراكية البعثية التي تكفلت بالمقابر الجماعية في العراق وسوريا، أم مثل اشتراكية بول فوت التي لم تدفن موتاتها خلافاً لاشتراكية البعث أم اشتراكية الصين وهي العمود الرئيس للفوضى العارمة التي تستبد بالنظام العالمي هرباً من استحقاق الإشتراكية !؟

عفونا اليساريين من إثبات أن النظام الرأسمالي ما زال يعمل، ولنعفهم أيضاً من تحديد جنس اشتراكيتهم طالما أن مجرد فكرة الإشتراكية لم تعد ترنّ في فضاء العالم، أما وأن عالم اليوم يقاسي بشدة من سطوة الدولار الأمريكي المكشوف ؛ وحتى الصين التي تنتج ضعف ما تنتج الولايات المتحدة من البضائع إلا أنها ملزمة بالحفاظ على سعر صرف الدولار لأن كل الفائض من إنتاجها لا يستبدل إلا بالدولار . دول البريكس الخمسة (BRICS) عبثاً تحاول تشكيل عالم متعدد الأقطاب طالما أن إنتاجها لا يستبدل إلا بالدولار .
لم ينجح اليسار في اثبات أن النظام الرأسمالي ما زال يعمل، ولن ينجح في تحديد جنس الإشتراكية التي يرنو للإنتقال إليها، فهل يستطيع بعد كل هذا رسم طريق تؤدي إلى تحرير العالم من عسف الدولار المكشوف الزائف كيما يستدعي في نهاية المطاف شيئاً من الإعتبار!!؟
لن يجرؤ اليساريون على فعل ذلك !!!