حقيقة الأحزاب الشيوعية


فؤاد النمري
الحوار المتمدن - العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 21:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

حقيقة الأحزاب الشيوعية"

صبيحة ثورة أكتوبر زار زعيم حزب الشعب في منغوليا "دامدن سوخباتر" لينين مهنئاً بنجاح الثورة الإشتراكية وأثناء الحديث قال دامدن سوخباتر أنه بإمكان حزب الشعب أن يستولي على السلطة في ثورة اشتراكية في منغوليا. فكان أن افترّ ثغر لينين عن ابتسامة ساخرة وقال .. كيف لك يا رفيق أن تفكر بثورة اشتراكية في منغوليا حيث وسيلة العيش الوحيدة هي رعاية الإبل !!
يبدو أن لينين لم يسترح لملاحظته الساخرة مستذكراً أن الثورة الإشتراكية التي استشرفها ماركس هي ثورة دائمة (Permanent) بمعنى أن الثورة تنطلق من المركز لكنها لا تهدأ ويتعالى أوارها على الدوام ليعبر كل الحدود دون اعتبار لمستوى التطور الإجتماعي في البلاد الأخرى ؛ وهي كالشجرة فطالما كان جذرها عميقاً في التربة، أي المركز، فهي ستنمو وتورق وتزهر وتثمر بحكم سنة التطور على الأقل .
إذاك استدعى لينين صبيحة اليوم التالي الزعيم دامدن سوخباتر ليراجع نفسه مؤكدا للزعيم المنغولي أن باستطاعته أن يقوم يالثورة الإشتراكية والإتحاد السوفياتي سيكون مستعداً لبناء الإشتراكية في منغوليا . في العام 1921 قام حزب الشعب برئاسة سوخبآتر بثورة اشتراكية قبل أن يكون هناك أية صناعة وأي أثر للطبقة العاملة .

ثمة مثل حي آخر على مثل هذا السياق ما زلت أحتفظ به منذ ما يزيد على نصف قرن، ففي آخر مواجهة لي مع الحزب الشيوعي الأردني ممثلاً بالأمين العام المساعد المناضل الكبير طيب الذكر فهمي السلفيتي في مايو 1965 حيث اشترطت عودتي للإنتظام في الحزب بتخلي الحزب عن الإصطفاف وراء عصابة خروشتشوف في الكرملن المعادية الشيوعية طالما أن الحزب يمثل قوى الإشتراكية في الأردن ؛ وكان رد الرفيق السلفيتي هو أن الحزب كان قد قام كجمعية صديقة للإتحاد السوفياتي وما زال الأمر كذلك . وهكذا انتهينا إلى خلاف ومضى كل إلى سبيله . تبيّن فيما بعد أن كلينا كان مخطئاً إذ لم يكن في الأردن في العام 1965 أية قوى اشتراكية ليمثلها الحزب الشيوعي كما افترضت حينذاك ولم يكن سليما أن يناصر الحزب في الأردن طغمة خروشتشوف المعادية للشيوعية في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي كما أكد السلفيتي .

جوهر الخلاصة مما تقدم هو أن الأحزاب الشيوعية في الأطراف لا تمثل القوى الإشتراكية في بلادها بقدر ما هي امتداد للثورة الشيوعية في موسكو .
الثورة الشيوعية التي نادى إليها ماركس هي ثورة دائمة تنطلق من مركز النظام العالمي أي أوروبا الغربية آنذاك وتتمدد بقواها المتصاعدة لتنتصر بالتالي في مختلف أقاصي الكرة الأرضية .
ثمة اشتباه في فكرتين ماركسيتين تخصان الثورة الشيوعية ؛ الفكرة الأولى وهي مركزية الثورة في روسيا المتخلفة نسبياً، والفكرة الثانية هي شرط الديمومة (Permanency) الماركسي المفترض في الثورة البلشغية .
بخصوص مركزية الثورة البلشفية فقد رأى لينين بنظرته الثاقبة أن نظام الإمبريالية العالمي قد شارف على نهايته بعد أن باتت الحرب العالمية الأولى تجرجر أذيالها وأن كافة الدول الإمبريالية المتحاربة قد أنهكت تماماً حتى افتقاد القدرة الذاتية على حسم الحرب وبذلك لم تعد أنجلتر أو فرنسا أو ألمانيا هي مركز النظام العالمي، ويالتالي يمكن لروسيا أن تغدو مركز العالم في حالة انسحابها من الحرب في العام 1917 وهو ما كان . وفي خطابه الإفتتاحي لتأسيس الأممية الشيوعية في مارس 1919 فاخر لينين بقوى البروليتاريا الروسية متجاوزة بقوتها البروليتاريا في انجلترا وفي ألمانيا . بعد أن هزم البلاشفة في العام 1921 تحت الراية اللينينية الخفاقة أربع عشرة دولة رأسمالية امبريالية حاربت البلاشفة في مختلف أصقاع روسيا القيصرية لم يعد هناك أدنى شكوك في أن الثورة البلشفية في روسيا هي الثورة الإشتراكية الدائمة المركزية التي استشرفها ماركس .
أما بخصوص شرط ماركس بديمومة الثورة فقد دبّ خلاف حاد وعميق بين لينين وتروتسكي في المؤتمر العاشر للحزب في العام 1921 حول توفر شروط الديمومة للثورة ؛ فقد رأى تروتسكي نقل الثورة إلى ألمانيا قبل بناء الإشتراكية في روسيا خاصة وأنه لا يمكن بناء الإشتراكية في بلد واحد كما ادعى تروتسكي، غير أن لينين رأى فيما يقترح تروتسكي نهاية الثورة، فالثورة لا يمكن أن تكتسب صفة الديمومة قبل أن تمتلك فوى ذاتية تمكنها من الإنتقال إلى البلدان المحيطة، والثورة البولشفية لن تكون ثورة قوية تتمكن من تجاوز الحدود قبل بناء الإشتراكية .

الأحزاب الشيوعية في مختلف بلدان العالم هي امتداد لمشروع لينين المتمثل بقيام الثورة الإشتراكية العالمية في المركز موسكو وعليه أهابت الأممية الشيوعية (Comintern) بجميع الشيوعيين في العالم لأن يشكلوا الأحزاب الشيوعية التي ستأخذ دورها في انتصار الثورة الإشتراكية البلشفية على صعيد العالم وهو ما قال به ماركس بل زادت الأممية الشيوعية بأن دعت الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة ألا تنخرط في الصراع الطبقي بل تنخرط في جبهة وطنية تحررية تفك الروابط مع مراكز الإمبريالية وهو أقصى ما تستطيع في مساعدة الثورة الإشتراكية في مركزها موسكو .
تحريم الأممية الشيوعية الصراع الطبقي على الأحزاب الشيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة يعني فيما يعني أن قيام حزب شيوعي قوي في أحد البلدان الأطراف لا يعني أن مثل هذا الحزب هو بالضرورة ممثل للطبقة العاملة في البلد المعني ؛ فالحزب الشيوعي الصيني نجح في إعلان الثورة الإشتراكية في الصين في العام 49 في حين لم يكن يمثل العمال بمقدار ما كان يمثل الفلاحين الفقراء . ماوتسي تونغ ظل يؤكد حتى فيما بعد انتصار الثورة أن الثورة الاشتراكية في الصين إنما هي الإبنة الشرعية للثورة البلشفية .
كان أقوى الأحزاب الشيوعية خارج المعسكر الإشتراكي في خمسينيات القرن الماضي هو الحزب الشيوعي في أندونيسيا حيث لم يكن هناك صناعة تذكر .
العراق لم يمتلك طبقة بروليتاريا في العام 1960 وكان الحزب الشيوعي في العراق القوى الإجتماعية الأولى وكان بإمكانه القيام بثورة والإستيلاء على السلطة لو لم يتدخل خروشتشوف ليحول دون ذلك كما أعلن على الراديو مطمئناً عبد الناصر .

حقيقة أن الأحزاب الشيوعية في كل العالم إنما هي امتداد للثورة البلشفية 1917 وليست من بنات مجتمعاتها الوطنية، أي أنها ليست من مستلزمات تطور المجتمعات المحلية، هذه الحقيقة التاريخية تلعب دوراً محورياً على مسار الثورة الشيوعية .
الأحزاب الشيوعية التي تدعي أن الثورة البلشفية قد انتهت إلى الفشل وكأنها لم تكن يترتب عليها بالتبعية أنم تحل نفسها وتضمحل طالما أنها ليست إلا امتداداً للثورة البلشفية .
عدم اعترافها بهذه الحقيقة التاريخية البلجاء لا يكفي لتغكية تحولهت إلى أحزاب تمثل البورجوازية الوضيعة تقتصر استرايجيتها على تحقيق الديموقراكية البورجوازية والعدالة الإجنماعبة .
ديموقراطية بورجوزية بدون بورجوازية !! وعدالة اجتماعية بدون طبقات منتجة !!