أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أليست هذه الجميلة زوجتي القبيحة؟














المزيد.....

أليست هذه الجميلة زوجتي القبيحة؟


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3069 - 2010 / 7 / 20 - 01:09
المحور: الادب والفن
    



اسمها رباب، سمراء شعرها كثّ أجعد، قامتها متوسطة وملامحها باختصار لم تكن تعني شيئًا لسليمان. تزوجها صغيرة ابنة السابعة عشر من العمر، وكان لا يهتمّ بها وغالبًا ما كان يشدّها من شعرها بل ويبصق في وجهها إذا لم تنفّذ أوامره على عجل. وكان حين يشتدّ به الغضب يصيح بها قائلاً:
- انظري إلى المرآة يا أقبح النساء! وكانت هي تغضّ الطرف وتذهب دامعة إلى المطبخ. لم يكن يحزنها الإهانة بوسمها بالقبح بالقدر الذي كان يؤلمها بتسميتها امرأة وهي التي ما تزال راغبة باللعب مع الدمى ومشاهدة المسلسلات العاطفية مساءً أسوة بصديقاتها بدلاً من قضاء ساعات طويلة في المطبخ!

مضى على زواجه منها سنتان ولم تحمل منه بعد. غضب ووصفها بالعقر عوضًا عن قبحها وقال لها بأنه سيتزوج ثانية من أخرى لتهبه ولدًا يرثه ويحمل اسمه. قالت له بعد تردّد:
- طلّقني يا سليمان.
صفعها على وجهها وقال بخيلاء:
- لك ذلك يا أقبح النساء، ولن تحصلي على مؤخر الصداق أو أيّة حقوق أخرى لأنك أنتِ من رغبتِ بالطلاق. وافقت على عرضه وكان قلبها يتطاير من الفرح.

* * *

تزوج سليمان من أخرى باستشارة والدته على أمل أن يجد السعادة في حضن امرأة أخرى. كان اسمها سعاد لكنها لم تجلب له السعادة لبيته، فقد كانت من النوع المتمرّس الشرس وكانت لا تترك له المجال أن يشتمها وسرعان ما أخذ الجيران يرونه وهو يرمي بالقمامة خارج المنزل، ويعود محملا باحتياجات البيت عدّة مرّات في اليوم.
صاح سليمان في وجهها يومًا:
- يا سعاد .. أريد ولدًا يا امرأتي العزيزة.
نظرت إليه سعاد باسمة وقالت بغنج ودلال:
- وأنا أريد ولدًا يا سليمان. دعنا نجري الفحوص الطبية لنرى السبب في تأخّر حملي، متى سترافقني إلى الطبيب؟
- ولماذا يتوجب عليّ مرافقتك للطبيب يا سعاد .. أنا .. أنا رجل.
- بل وسيد الرجال .. ولكن لا بأس في أن يعايننا طبيب مختصّ.
عضّ على شفتيه وتذكر طيف رباب تلك الفتاة التي طالما شتمها وتحملت سوء معاملته. تُرى .. أليس من الممكن أن يكون هو العقيم! عندها يكون مشروع طلاقه عبثيًا، لماذا أهانها وهي المطيعة الهادئة. تذكّر أيضًا بأنها كانت فتاة في مقتبل العمر، وكانت في أمّس الحاجة للحبّ والعطف والعطاء، وكان بإمكانه هو سليمان أن يقدّم لها كلّ هذا مرّة واحدة.

* * *

ذهب مع زوجته سعاد إلى استراحة ليست بعيدة عن المختبر الذي أجريا فيه الفحوص الطبية للوقوف على سبب العقم وتحديد أي من الطرفين يعاني من عجز في ذلك. كان خجلاً في تلك اللحظة وواقعيًا للغاية، وكان هذا الواقع مقرف ومؤلم ومليء بأسئلة لا يرغب حتى بالتفكير فيها. شعر في تلك اللحظة بأنّ حياته تسير إلى الخلف نحو بداياتٍ غير مألوفة، تبخّرت لديه أيّة رغبة بالأطفال، بل كان يسعى للتحرّر النفسي والجسدي من هذه الدوّامة وهذا الإدمان الاجتماعي على محاكاة الآخرين والسير في مواكبة القطيع الزاحف نحو طوابير العائلات التقليدية الطيّبة حيث صراخ الأطفال وحمّى الحصبة والعدد الكبير من حافظات الأطفال والحليب المغلي والثدي المدلوق بكسل في فيه الرضيع، والأوامر النسائية بإحضار حليب العصافير لحامل تتوحّم في شهرها السادس أو السابع.

في تلك اللحظة ظهرت امرأة تضع فوق رأسها منديلاً أزرق بلون الحياة والبحر والسماء، شعرها مصفوف كأدراج الجنّة يتماوج فوق كتفيها الصغيرتين، عيناها مغطّاة بمساحة من الكحل المرسوم بعناية إلهية فائقة، وكأنها لم تتجشّم عبئًا سوى المرور بالقلم السود فوق ما خطّه الخالق يومًا ما قبل عقدين من الزمان ربّما. وكانت ترتدي قميصًا أبيضًا أظهر بحشمة صدرًا مكوّرًا يتحدّى حفيظة النهار وخفر الزمان التائه في ليل الشرق. وكانت هناك ابتسامة رضا مستقّرة فوق وجهها الهادئ المشعّ بأنوثة يصعب أن تتكرّر في صخب الشرق وعبثه وتسارع الحياة في كنهه. وإلى جانبها كان يسير رجلٌ يكبرها بعقدٍ من الزمان وربّما أكثر من ذلك، لكنّه كان ممسكًا بطرف يدها ويهمس في أذنها كلماتٍ مليئة بالحبّ والهوى، أدرك سليمان في تلك اللحظة بأن هدوءها وابتسامتها هي جزءٌ من شخصية هذا الرجل الطاغية ومحبّته الجارفة. عندها حسده على هذا الكنز الذي يصعب العثور عليه بسهولة في مستنقع الشرق. أطال النظر إليها طويلاً قبل أن يضع يده على قلبه الذي أخذ يخفق بشدّة، لم يدرِ كيف يداري طفق الدموع من عينيه وهرب من المكان مبتعدًا وهو يهمس كالمصعوق رباب .. رباب!



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحبّ وهموم أخرى
- أوقات وردية للقلب
- مهادنة السلطة وانتحار الثروة
- الرسم بالشفاه
- الأدب الهنغاري وقصيدة هنا وهناك
- حين يفتح الشاعر روحه، يدخلها كل شيء إلا فهو فيخرج
- لم تنهِ أغنيتك بعدُ يا ولدي فلا تقطع الوتر!
- هل سبق لك أن هاتفت الموت يومًا؟
- غابرييل غارسيا ماركيس يتحدث عن ارنست همنغواي
- حين يصبح الزواج مشروع اغتصاب
- غابرييل غارسيا ماركيس يتحدث عن نفسه
- غابرييل غارسيا ماركِز يتحدث عن خوليو كورتسار
- فقدت سنّا في الوقت الذي فقدت فيه عذريتك
- ما بين الحلم واليقظة
- قصائد شريرة
- المرأة وقرن الموز
- تدركين دون شكّ .. سيدتي!
- من ذبح الحصان
- من خلف الكواليس
- قبعة ومعطف شتويّ


المزيد.....




- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟
- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - أليست هذه الجميلة زوجتي القبيحة؟