أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خيري حمدان - مهادنة السلطة وانتحار الثروة















المزيد.....

مهادنة السلطة وانتحار الثروة


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3039 - 2010 / 6 / 20 - 13:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل ما يزيد عن عقدين من الزمن، حاول المجلس الثوري لحركة فتح محاكمة أحد الآباء لغزواته الجنسية الأثيرة آنذاك، عندها أخرج الأب العتيد عضوه الرجولي واضعا إياه فوق الطاولة وصاح: سأقيم تمثالا لعضوي الذي اجتمعتم لمحاكمته.
الكثيرون يذكرون هذه الحادثة بالطبع، لكنها رفعت مع مرور الوقت إلى رفوف النسيان ربما لأن هناك ما هو أهم فالقضية الفلسطينية متجددة والأحداث لا تنقطع طوال الوقت. حتى أنا لا أدري لماذا تعرضت لهذه الحادثة الآن! وباعتقادي أن هناك حكمة ما فيما حدث مع الأب الثوري المعنيّ.
في مرحلة من المراحل، كانت الثورة الفلسطينية مشروع مفتوح على العالم، أهدافها لا تخفى على أحد، تحرير كامل التراب الفلسطيني، بغضّ النظر عن موقف الدول العربية التي تواجدت فيها قوات الثورة وقادتها آنذاك. وكانت الثورة تحوي في صفوفها أفغان وباكستانيين وغيرهم من الدول الإسلامية الفقيرة، وكنت غالبًا تستمع لهؤلاء المواطنين يجيبون بأنهم يعملون في شركة فتح مقابل راتب إذا سئلوا عن وظائفهم. هذا أمر طبيعي ولا أظن بأن القادة يشعرون بالحرج من هذا الواقع، فكلّ إنسان يحتاج لراتب ودخل شهري حتى تستمرّ وتيرة الحياة بطريقة أم بأخرى. ولكن هذه المعطيات كانت تعني أيضًا بأن الثورة ومؤسساتها كانت تطمح لأن تصبح سلطة وبأسرع وقتٍ ممكن، ورأينا كيف انتحرت الثورة أو نُحِرَت لتكون السلطة. سلطة فلسطينية تدور في أفق إسرائيل على جميع المساقات، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي حتى. وبات مشروع الأمن الاقتصادي الفلسطيني الذي اعتمده رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بديلا عن الأمن السياسي الفلسطيني. ولست بصدد تناول مشروع السلطة الفلسطينية، لأنه حقيقة يمثل الحلم الفلسطيني بغض النظر عن توقيته والثمن الذي دفع مُقابل هذا المشروع.
وعودة للعضو الذكوري وفحولة الثورة الفلسطينية. هذه الحادثة تدلّ على أن هناك خلل اجتماعي على مستوى العالم العربي، ورجالات الثورة الفلسطينية لا يعتبرون استثناءً بالطبع، وعندما شعر الكثير منهم بأنهم باتوا فوق كلّ الاعتبارات بحكم السلطة التي حصلوا عليها وقوة القرار المالي والسياسي تفرعنوا ولم يترددوا لحظة واحدة بالقيام بكل ما يخطر ببالهم، طبعًا على خلفية الثورة والكفاح ليتجنبوا اللوم والنقد، وهذا ما كان يشفع لهم طوال الوقت. تصرفات هؤلاء الأشخاص كانت إلى حدّ بعيد حرّة أو متحررة، ويكاد لا يفهمها الشارع المثقل بهموم الفقر والاحتلال والظلم التاريخي المقيم في بيوتهم وحاراتهم الضيقة.
باتت الثورة مهنة يمكن من خلالها الحصول على امتيازات ومصادر رزق وأموال وثراء وسلطة لا يحلم بها الكثيرون من مواطني الدول المستقلة. وربّما فاتنا أن نذكر بأن القادة الفلسطينيين يبقون في نهاية المطاف رجال شرقيون، يعانون من الكبت ومن جميع العقد والمشاكل النفسية التي يعاني منها الرجل الشرقي، والذي يسعى لحلّها والتخلّص منها في أقرب وقتٍ ممكن، والسلطة هي أسرع الحلول الممكنة بطبيعة الحال، وقد استخدم الإسرائيليون هذا الواقع وتمكنوا من خلال النساء والفتيات الشقراوات من التوصل للكثير من رجال الثورة الوطنيين الذين يشكلون خطرًا لأمنهم وبقائهم. لكلّ هذا يجب علينا العمل على تحرير الإنسان وتحرير الأرض في آن واحد، وإلا فسوف يبقى المواطن العربي والفلسطيني رهن نزوات وعقد المسؤولين في مراكز القرار. لم تكن هناك حاجة لمقاضاة ذاك الأب، لأنه كان بحاجة للتعبير عن رجولته، ومعاشرة بعض الجميلات لكي يتمكن من ممارسة سلطته، والويل لكل من فكّر في الوقوف في وجهه في تلك اللحظة.
نمط التفكير العشائريّ والضرب على الصدر أحيانًا كناية عن القوّة والمنصب الرفيع دلالة أخرى على المشاكل التي تعاني منها السلطة الفلسطينية (بعد انتهاء مفهوم الثورة والكفاح المسلح كأحد الطرق لمواجهة الاحتلال). أشعر أحيانًا بأن هذه السلطة لا تختلف إطلاقًا عن أي سلطة عربية أخرى، بل توجد بعض الأنظمة العربية التي باتت مواقفها الوطنية أكثر تقدمًا من مواقف هذه السلطة. حتى أن أعلامها في رام الله وغزة لم يعودوا يفكرون نهائيًا بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، للوقوف على رأي الشارع الفلسطيني، إذا ما كان على أهبة رفع بطاقة حمراء أو صفراء تعبيرًا عن سخطه، ومن يدري فقد يكون هذا الشارع مرتاح وممتن لهذه السلطة ولأدائها المميّز، ولمشاريع الوحدة المحتملة بين قزمي الوطن في غزة ورام اللهّ!
مما سبق نجد بأن المجتمع الفلسطيني لا يختلف كثيرًا عن المجتمعات العربية الأخرى، وسيصفق مطولاً لأردوغان لأنه اتخذ موقفًا إنسانيًا طبيعيًا وليس خارقًا، خدمة لمصالحه أولاً، ورغبة منه أن يكون زعيمًا للعالم الإسلامي، وحتى يتمكن من استخدام موقفه من حصار غزة كورقة ضغط على المنظومة الأوروبية لتحريك عضويته فيها، خاصة وأن هناك ملايين الأتراك الذين يعملون ويحملون الجنسيات الأوروبية، وإذا تمكنت من دخول أوروبا فإن الفائدة التي ستنالها تركيا هائلة ولا حسد، فهذا طموح مشروع بالطبع لجميع الدول التي ترغب بالتقدم والتطور.
ولكن لماذا استحال وجود مثيل لأردوغان أو حتى لتشافيز وكاسترو في العالم العربي؟ ولماذ استحال وجود مثيل لشارون وباراك وبيريس في الواقع الفلسطيني؟ قادة غيورين على مستقبل الوطن، ويعملون ليل نهار من أجل الخلاص والتحرر، ربما يكمن الجواب في الهوة الواسعة التي باتت تفصل كلّ من اعتلى الكرسي وثلّة المواطنين الذين يشكلون ما يسمى بالشعب المسلوب الإرادة، الشعب المقهور والمهزوم، وترى الزعيم والقائد قد بات يخشى شعبه المقهور أكثر ممّا يخشى عدوه. ألا ترون بأن محاولة محاكمة ذلك الأب الفتحاويّ كانت بمثابة محاكمة لعضو ذكوريّ، محاكمة عبثية وغير مجدية، وكان الأجدى محاكمة سارقي الأمل في الاستقلال الحقيقي وبالمعنى المتعارف عليه منذ أن وجد الاحتلال في تاريخ البشرية.
تقزمت القضية الفلسطينية في الوقت الراهن، وظنّ العالم بأن مشكلتنا هي الحصول على الكلأ والماء وألعاب الأطفال. طبعًا كل هذه القضايا ضروريّة للغاية، ولكن ليس هذا ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني منذ أن فقد أرضه وإرادته. إذا كان الاحتلال قد تمكن من سرقة يومنا ونجح إلى حدّ بعيد في تحريف ماضينا لخدمة مصالحه، أرى بأنه على وشك أن يسرق مستقبلنا ومستقبل أبنائنا الذين لا يعرفون معنى الشال المرقط بالأسود والأبيض، ويظنون بأن هذا الشال مجرد موضة عالمية، أدخلت عليها محسنات ومجملات وألوان فاقعة وألوان قوس قزح.
لم يعد لدينا طموح معلن، نحن نداري الأحداث فقط ونتعامل معها بشكل طارئ، وعاجوين عن استشراف المستقبل أو وضع خطة واضحة المعالم لسنوات قادمة، وربما هناك الكثير من القادة الذين شتموا أردوغان وأصوله حتى الجدّ السابع، لأنه عكر عليهم أمسياتهم وزعزع حالة اللا حرب والا سلم، حالة الركود والغبطة، حتى وإن كان النيل على وشك النضوب، فهذا ليس بالأمر الملّح أو الخطر مقارنة بتسارع الأحداث، للنيل ربّ يحميه فلنترك ملايين اللترات من المياه تجري على رسلها، ليس هناك ما يقلق ولا خوف من مشاريع لا تهدّد صفو الواقع وصيفنا الدافئ.
أمّا مسألة القدس فهناك الكثير من وجهات النظر. هذا شأن عالمي وليس فلسطيني محض، وستجد الكثيرين ممن يحترمون هذه الإجابة، إلا القادة والمواطنين الإسرائيليين، فهم يرفضون أي تسوية ويعتبرون القدس عبرية وعاصمتهم الأبدية. هذا ليس بالضرورة تطرّف، لكن منطق القوّة الذي لم نعد نتقنه أو نفهمه هو الحكم في صراعنا الوجودي، وربّما نفهمه بطريقتنا الخاصة، نفهمه بطريقة تضمن لنا الهدوء بعيدًا عن صداع غير مرغوب به حاليًا. هل تعلم عزيزي القارئ بأن مقر السفارة الأمريكية في القدس الغربية غير المعتمدة هناك حتى إشعار آخر، ملك لفلسطينيين يحملون الجنسية الأمريكية، ويمكنهم مقاضاة الإدارة الأمريكية إذا أقدمت على اعتماد سفارتها هناك لأنهم يملكون المستندات القانونية التي تثبت ذلك. معظم الشعب الإسرائيلي غير معني بموقع القدس الشريف لدى الشعوب العربية باعتبار أن الشعب الفلسطيني في حكم العدوّ ورأيه ومشاعره غير مهمة في هذا الشأن. وكما ذكر غندلر السفير الإسرائيلي في صوفيا، القدس مدينة مقدسة لدى اليهود ولا نية لتقسيمها أو التخلي عن أي جزء منها، حتى وإن كانت هناك شخصيات مثل الكاتب الإسرائيلي عاموس عوز لا تمانع من وجود سفارة فلسطينية في القدس الغربية وسفارة إسرائيلية في القدس الشرقية.
كانت القدس تمثل قدسية قبل نصف قرن ربّما، ولكن موازنة السلطة الفلسطينية واحتمال نضوب المال والمساعدات لسدّ حاجة رتل الموظفين والسلك الدبلوماسي هو الهمّ الأكبر! وهذا ثمن قيام الدولة والسلطة قبل التحرر واستقلالية القرار، لهذا تخضع جميع الاعتبارات الأخرى للدراسة والتمحيص والمحادثات التي يتقن فن إدارتها الآخر، بل ويتمنى استمرارها لربع قرن أخرى، عندها لن يكون هناك معنى للمحادثات بعد هذه الفترة الزمنية، عندها يكون الآخر قد حقق 90% من أهدافه، ولم يعد بحاجة إلا لإعلان انتصاره على العدو الفلسطيني وعلى الذات المتمثلة في مواقف بعض المعتدلين، وعندها ستكون السلطة قد أصبحت استمرارا طبيعيا للاحتلال، توفّر عليه عناء المواجهة مقابل حفنة من الدولارات وامتيازات هنا وهناك. أمّا غزة، فستبقى تتراوح ما بين معاناة شعبها المخزّن كالمعلبات، خاضع لمشروع بناء إمارة إسلامية، تعتبر امتدادًا لإيران وورقة ضغط دولية في يد حزب العدالة والتنمية التركي، وربما ورقة ضغط لأطراف أخرى جديدة قد تظهر على الساحة في المستقبل القريب.
وهنا لا بدّ من الهتاف في نهاية هذه الوجدانيات وعلى الطريقة الفلسطينية "يحيا أردوغان .. بعد أن نُحِرَتْ الثورة وفرّغت من معناها الوجودي!"



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسم بالشفاه
- الأدب الهنغاري وقصيدة هنا وهناك
- حين يفتح الشاعر روحه، يدخلها كل شيء إلا فهو فيخرج
- لم تنهِ أغنيتك بعدُ يا ولدي فلا تقطع الوتر!
- هل سبق لك أن هاتفت الموت يومًا؟
- غابرييل غارسيا ماركيس يتحدث عن ارنست همنغواي
- حين يصبح الزواج مشروع اغتصاب
- غابرييل غارسيا ماركيس يتحدث عن نفسه
- غابرييل غارسيا ماركِز يتحدث عن خوليو كورتسار
- فقدت سنّا في الوقت الذي فقدت فيه عذريتك
- ما بين الحلم واليقظة
- قصائد شريرة
- المرأة وقرن الموز
- تدركين دون شكّ .. سيدتي!
- من ذبح الحصان
- من خلف الكواليس
- قبعة ومعطف شتويّ
- يُحْكى أنّ الليلَ تمرّدَ فبَكى
- فواصل ونقاط 5
- بحقّ الموت لا ترحلْ!


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خيري حمدان - مهادنة السلطة وانتحار الثروة