أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل السادس : مَجمر 3















المزيد.....

الفصل السادس : مَجمر 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3055 - 2010 / 7 / 6 - 12:54
المحور: الادب والفن
    



منزلُ عبد اللطيف أفندي، وبما أنه كانَ في عمارته على الطراز الغربي، فإنّ أبوابَ حجراته ، الكائة في الدور الأرضيّ، كانت مَفتوحة على الفناء الداخليّ. بالمقابل، كانَ لكلّ من الصالون والمَطبخ بابه، الخلفيّ، المُفضي إلى الحديقة. ولأنّ مكتبَ الأفندي كانَ بدوره مُتصلاً بالصالون، عن طريق الفناء الفرعيّ، فلا غروَ أن يكون ذا بابٍ واحدٍ حَسْب، داخليّ. على ذلك، فما أن هُرعَ المُضيف ليقتفي أثرَ الشخص المَجهول، الذي تجرأ على التجسّس علينا، ثمة خلف نافذة المكتب، حتى رأيتني أجري وراءه دونما وَعي.
" عليكَ بالتلبّث في الحديقة، لمُراقبَة مَدْخليْ الصالون والمطبخ "، هتفَ فيّ المُضيف فيما كانَ يَجري إلى ناحية السلّم، الحَجريّ، المؤدي إلى الدور العلويّ. هنيهة أخرى، ورأيتَ أيضاً جَمْعَ الخدَم، المتواجدين في المَكان، يُشاركوننا في تقصّي خطى الشخص ذاك، المَجهول، وكانَ في المُقدّمة كبيرهم. نحوَ هذا الأخير، اتجهَ المُضيف بقولِهِ ، بعدَ فترة من البَحث غير المُجدي، مُتسائلاً : " يا عصمان أفندي، هل لمَحتَ قبل قليل أحداً من مَملوكيْ الزعيم هنا، في الدور الأرضيّ ؟ ". فكانَ جوابُ كبير الخدَم النفيَ، ودونما تردّد. إلا أنه، واضعاً يَدهُ على جبينه، ما عتمَ أن أضافَ: " ولكن، نعم، لقد تذكرتُ شيئاً. إنّ المَملوكَ ذاك، الصقليّ، كانَ يَتجوّلُ في الحديقة حوالي فترة القيلولة. لقد رأيته عبْرَ نافذة حجرة الطعام، وكانَ ما يفتأ هناك عندئذٍ. إلا أنه اختفى عن ناظري، على غرّة، وكأنما ابتلعتهُ الأرضُ "
" كيف، تبتلعُهُ الأرضُ ؟ "، تساءلَ الأفندي في حيرَةٍ واضِحَة، مُستطرَفة. بحُكم المُعاشرَة، المَديدة، كانَ كبيرُ الخدَم، على ما يبدو، قد ألِفَ طبْعَ سيّدِهِ، الإفرنجيّ المُحتدّ. وإذاً، كانَ جوابُهُ لا يَقلّ طرافة ً: " لم أعن ِ حضرَة الجنّ، المَسكونين في باطن الأرض؛ وإنما القصدُ أنّ المَملوكَ غابَ عن عيني، فجأة ً، في مكان ما من الحديقة ". وبما أنّ الآخرين من الخدَم لم يؤيّدوا ما سبقَ ورآه كبيرهم، فلم يكن أمامَ الأفندي غيرَ أن يأمرهم جميعاً بالانصراف إلى أعمالهم ومشاغلهم.

" لا شكّ عندي بأنه الصقليّ؛ من كانَ يَكمُنُ خلف النافذة، مُتجسّساً علينا "
قالَ لي المُضيف بنبرَةٍ حانقة. فلحَظتُ إذاك، أنه كانَ من المُفترَض أن يُبعثَ أحدُهم لجَلب المَملوك من حجرَتِهِ، الموجودة في الطابق العلويّ. فما كانَ من الأفندي، المُنفعل على غير عادتِهِ، إلا إجابتي فيما هوَ يُشير بيدِهِ نحوَ سقف حجرَة المكتب : " بل نحنُ من سيَصْعَد إلى ذلك الصقليّ، الأرعَن "، قالها بالنبرَة ذاتها، الحانقة ـ كما لو أنّ ثمّة ثأراً ما، تليداً، بينَ البَنادِقة والصقالِبَة.
إنها المَرّة الثانيَة، التي أجِدُني فيها هنا، في هذا القسم من المنزل؛ الذي يَضمّ حجرات نوم أهلِهِ. إذ سبقَ لي أن قضيتُ سويعة في غرفة المُضيف الفارهة، المَحظوظة بمكان قصيّ عند مُبتدأ دَرَج الفناء : وقتذاك، كنتُ أتهيأ للرحلة تلك إلى إمارة الجَبَل وكانَ عليّ أن أغيّر هيئتي، الأصل، إلى هيئةٍ أخرى، مُزيّفة، إيذاناً بمُنقلب الحال من صِفة المواطن العثماني إلى صفة ندّه، اللدود؛ الوكيل الإفرنجي.
" هيَ ذي الحجرة، المَطلوبة "، هَمَسَ لي الأفندي لمّا توقفَ قبالة الباب المُوارَب. علوّ مَرقى المَملوك ذاك، الصقليّ، المُتجلّي بتفرّدِهِ بحجرة نوم خاصّة به، ضافرَهُ مَسلكُ المُضيف الأكثر مدعاة للدَهشة؛ حينما بادَرَ إلى الاستئذان بالدخول : لاحقا، خلال اليوم نفسه، سأعلمُ سرَّ الأمر من فم المَملوك الآخر، الروميّ؛ حينما قالَ لي ببساطة أنّ الزعيمَ اختارَ الصقليّ ليحلّ بمكان حاجبهِ، الراحِل.
وعلى أيّ حال، فما هيَ إلا هنيهة انتظار، قصيرة نوعاً، وكانت سِحْنة المَملوك ، المَنحوس، تطلّ علينا خلل صفق باب الحجرة، المُنفرج. " العفو منكم، سيّدي. لقد كنتُ نائماً، فلم أسمَع الطرقة الأولى على الباب "، قالَ الصقليّ مُخاطِباً السيّد باحترام بالِغ. ثمّ ما عتمَ أن أومأ لي برأسِهِ مُحيّياً، فيما كانَ يُفسِحُ لي المجالَ للمرور عبْرَ عَتبَة الحجرة. ولم تكُ آثار النوم مُرتسَمَة حينئذٍ على قسمات المَملوك، بل هيَ خطوط الخبث من كانت مَنحوتة ثمّة بدقة ومَهارة.

" هل قضيتَ وقتاً طيّباً هناكَ، في الحديقة ؟ "
بادَرَ المضيفُ المَملوكَ بالسؤال المُباغِتْ، فورَ جلوسِهِ وإيايَ على الديوان الخشبيّ، المَركون في احدى زوايا الغرفة. لونُ وَجهِ المُخاطب، الناصع، تغيّر للتوّ إلى الصفرة الخفيفة. إلا أنه كانَ أكثر ثقة بالنفس، حينما أجابَ مُخاطِبهِ وهوَ يَتصنعُ المَرَح : " أجل، ولا شكّ. وكانت الجَولة ، من ناحيّةٍ أخرى، ضروريّة لمَن يَجد صعوبَة في نيل حظِهِ من القيلولة "
" آه، ولهذا السبب تأخرتَ أنتَ في نومِكَ "، ندّتْ عن الأفندي بنبرَة اهتمام مُتماهيَة بالتهكّم الخفيّ. ثمّ أردَفَ قائلاً وهوَ يتفحّصُ أثرَ عباراتِهِ في ملامِح ِ المَملوك " وربما أنتَ تتساءل، لِمَ نحنُ هنا، في حجرَتِكَ ؟ ". فأجابَ الصقليّ بأدَب وعلى الرغم من تلجلج لسانِهِ : " إنني خادمكم، يا سيّدي، وبأمركم دائماً ". إذاك، تلطفَ المُضيف مع الفتى فأشارَ له بالجلوس. فانتبذ هذا إلى حيث السرير، الضيّق، لكي يَقتعِدَ عندَ طرفِهِ. ومن موقفهِ ثمّة، راحَ الصقليّ يُنقلُ بَصَرَهُ في أرجاء الحجرَة وخلل نافذتها، المُطلّة على مناظر الجنينة. وإلى تلكَ الناحيَة، المُخضوْضرَة، أشارَ الأفندي بيَده.
" الظاهرُ، أنّ لدَيكَ شغفاً بالحَدائق "، قالها المُضيف مُخاطباً المَملوكَ من جديد ومُضيفاً من فورهِ " لعلّ حديقتنا هذه، الصغيرة، تذكّركَ بشكلٍ ما بتلكَ الحديقة، الكبيرة، المُلحَقة بمدرسة الحديث البرّانيّة ؟ ". وإذا كانت العينُ، كما يُقال، هيَ مرآة وَجهِ الإنسان؛ فإنّ الصقليّ، الماكِرَ، كانَ عندئذٍ مُفتضحَ السريرَة بفضل عينيْه. ولكنه، بصِفِة مَكرهِ نفسها، استعادَ زمامَ عزيمتِهِ سريعاً، ليُجيبَ مُحدّثهُ مُتبَسِّماً : " أجل، يا سيّدي. فمَنْ مِنا، نحنُ مَعشر البشر، لا يَجدُ ذوْقهُ بين أكوار الورود والأشجار والخمائل "
" ومَساكِبِ الأعشاب أيضاً، المَنذورَة للعَطارَة "، قالَ للصقليّ مُقاطِعاً. ولم يُمهِل مُخاطِبَهُ أيّ مُهلةٍ للإجابَة، حينما عادَ الأفندي ليسأل : " وإذاً فأنتَ كنتَ تعرفُ، ولا رَيْب، ذلك العشّاب العجوز، المَبخوس الفأل، الذي وَقعَ صريعاً بخنجر قاتل ٍ، مَجهول بعدُ ؟ ".

" لم أعرفه، عن قرب. كما أني لم أعرف حتى الآنَ، يقيناً، كيفيّة مَقتله "
أجابَ المَملوكُ بشيءٍ من القِحّة، ودونما حتى أن يَذكر اسمَ العشّاب بِصفتِهِ مَرْحوماً. هنا، التفتَ الأفندي إليّ، للمرّة الأولى، ليسألني مُتكلِّفاً الدَهشة : " بهذه الحالة، يا آغا، فإنّ سببَ موتِ العجوز ما فتأ في عِلم الغيْبِ ؟ ". من جِهتي، كنتُ حقاً أتحيّنُ سانحَة ً للكلام، مُناسِبَة. وعلى ذلك، قلتُ للمُضيف مُجيباً : " إنه كما تفضلتم، يا أفندي ". ثمّ استطرَدتُ بلهجةٍ مُداورة " ربما ماتَ مُنتحراً، والله أعلم. إذ قيل في حينِهِ، أنّ علاماتِ الكآبَة والتعاسَة كانت جليّة على وجهِ المَرحوم، في الفترَة التي سبقتْ وفاته ". وحينما استأنفتُ القولَ، آنِفاً، فإنّ سَهَمَ نظرَتي، المُسدّد نحوَ صاحِبنا، الصقليّ، كانَ على ما يَبدو قد راشَ هَدَفه في الصّميم.
" عَجَباً، وماذا كانَ يأمَلُ من الدنيا، بعدُ، من كانَ بمِثل عُمْر العشّاب ذاك، العجوز ؟ "، هتفَ المُضيف وهوَ يُحِثني مُوارَبَة ً على المضيّ في الكلام. ولكنّ المَملوكَ، على دَهشتي، تولّى بذاتِهِ عبء الجواب : " إنّ تلكَ المُدرِّسة، التي تقيمُ هنا في كنفِ جنابكم، هيَ من باستطاعتها تفسير هذا اللغز "، قالها للسيّد باستهتار. عندئذٍ ما كانَ من المُضيف، المَصدوم نوعاً، إلا التلبّث صامِتاً، مُطرقا. بيْدَ أني لم أشأ تركَ المَملوكَ، المُتفرعِنَ، يَتمادى في وقاحتِهِ، فخاطبته بقسوَة : " دَعْ عنكَ هذا الكلام، الجدير بالنسوة الثرثارات ".
" اعذرني، يا آغا. إلا أني لا أجِدُ سبباً لانزعاجكم، موجَبَاً؛ طالما أنّ الخِصْيَ، في عُرْف الجَميع، هوَ بشكل ٍما من صِنف النسوة نفسِهِ "، أجابني الوقِحُ ماضياً في استهتارهِ إلى الحدّ الأقصى. إذاك حَسْب، أدركتُ أنه يَتقصّدُ إثارَة مُخاطِبهِ كيما يتهرّب من اعطاء الأجوبَة الصريحَة، المطلوبَة. وربما أنّ المُضيف، بدوره، انتبهَ إلى هذه الحيلة، الفجّة، فما كانَ منه إلا التبسّم بتسامح في وجهِ المَملوك، قائلاً له من ثمّ : " على أنكَ تعلمُ، ولا غرو، أنّ ثمة نسوة صالحات، تماماً كما أنّ هناكَ رجالاً صالحين. فإننا لن نسألَ شمس، أو غيرها، عن ذلك اللغز. فكلّ ما في الأمر، أننا نتبادلُ حديثاً شيّقا، مُمتعاً، بينما أعيننا تجولُ خللَ النافذة تلك، مُستمتعة ً بدَورها بمَنظر الجنينة، الغنّاء ".

بمُجرّد ما أكملَ الأفندي عبارَتهُ، فإنه التفتَ نحوي ليَرمقني بنظرَةٍ من عينيْه، داعياً إيايَ لمُغادرَة الغرفة. وقبلَ أن اُظهر ما يُنبي عن تردّدي، كانَ الرجلُ قد قامَ فعلاً مُبدياً رغبَته بالانصراف. الحقّ، فإنّ تصرّفه هذا ما كانَ له إلا أن يثيرَ التساؤل لديّ : " لقد كنا على وَشكِ الامساك بخناق المَملوك الماكر، المَشبوه، وإذا بنا ندَعَهُ يَفلتُ من المَصيدة بكلّ يُسْر ؟ "، قلتُ في نفسي وأنا أتأثرُ خطى المُضيف في الطريق إلى الدور الأرضيّ. ثمّة، أمامَ مَدخل قاعة الصالون، الجوّاني، رأينا كبيرَ الخدَم بانتظارنا.
" سيّدي، إنّ رجلاً من طرَف سَعادة قبَجي مَولانا الباديشاه، المُعَظم، قد وَصلَ الآنَ طالِباً لقاءَ الزعيم "، خاطبَ عصمان أفندي سيّدَهُ. نعم. أدرَكتُ لحظتئذٍ سببَ تصرّف المُضيف، الغريب، هناك في غرفة الصقليّ. فإنه كانَ قد مَيّزَ جلبَة العربَة، الواصِلة للتوّ، فخمّنَ إذاك أنّ ثمّة زائراً ما في سبيله إلى الحضور للمنزل. ولكنني ، على كلّ حال، لم ألتق ذلك الزائر. إذ ما أن أنهى الحَبَشيّ كلامَهُ وانصرفَ، حتى التفتَ عبد اللطيف أفندي إليّ، قائلاً بصوتٍ خفيض : " أرجو أن تتكفلَ باستنطاق المَملوك الآخر؛ القبرصيّ. ربّما تجدُهُ في حجرتِهِ ثمّة، في قسم الخدَم ".
كنتُ أجهَلُ، بطبيعة الحال، مكانَ ذلك القسم، علاوة ً على أنه لم يُتح لي المَجالُ للسؤال عنه؛ بما كانَ من مُغادَرة المُضيف إيايَ من فوره لكي يَستقبل مَبعوثَ القبَجي، الجديد. وإذاً، ارتأيتُ التوجّهَ إلى المَطبخ، في سبيلي إلى ذلكَ الهَدَف. فلم يَمض إلا نزر من الوَقت، حتى رأيتني برفقة أحد الخدَم أمامَ ذاكَ القسم من الدار، المَطلوب، والكائن في بناء صغير، مُستقل، مُطلّ على الحديقة. ومن حُسن حظي أنّ صاحبنا، الروميّ، كانَ وقتئذٍ في حجرَتِهِ؛ وهوَ من فتحَ لي بابَها.
" أهلاً وسهلاً، يا آغا "، هتفَ المَملوكُ بحبور مُتمَثلاً لهجّة سيّدِهِ. ولكنها كانت لهجَة ترحيبٍ، على أيّ حال، وصادِرَة من قلبٍ نقيّ. إنّ مَيلي لهذا الفتى الرقيق، المُرهَف المَشاعِر، كانَ عليه دوماً أن يُعيقَ تقصيّ لأثر القاتل، المَجهول؛ طالما أنّ المَوضوعيّة هيَ من أسباب نجاح الساعي للبحث عن الحقيقة : كذلكَ كنتُ أتفكّرُ، لحظة همَمتُ بالجلوس على الطوطيّ المُتهالك الهَيكل، الخلِق البطانة، والذي لم يَجد المَملوكُ غيرَه في الحُجرة، البائِسَة، كيما يَضعه بمتناول يَدي.

" هل أنتَ مُرتاحٌ هنا، في هذا المنزل الغريب ؟ "
سألتُ الفتى بنبرَة تعاطف، فيما كنتُ اجيلُ ببَصَري عَبْرَ حجرته، شِبْه العاريَة. ولم يُدهِشُني، في الواقع، ما عَبّرَ عنه المَملوك من رضى بحرَكة رأسِهِ؛ هوَ الذي كانَ قد تخلّصَ من كوابيس بيت سيّده ثمّة، في حيّ القنوات. على ذلك، عبّرتُ له عن سعادتي مُلاحِظاً : " إنّ هذه الحجرة، وبالرغم من ضآلة حجمِها، ذاتَ موقع ٍمُمتاز. فإنها تشرفُ على الحديقة من قرب، فضلاً عن بُعدها عن الزرائب ". فأجابني الفتى باقتضاب، مُتبسّماً : " أجل، بكلّ تأكيد "
" إلا أنها المرَة الأولى ربما، التي تفصَلُ بها عن رفيقكَ ذاك؛ الصقليّ "، قلتُ له مُبتسماً بدَوري. عندئذٍ بَسَط الفتى يَدَيْه بحَركة تسليم، قائلاً : " هكذا شاءَ سيّدنا، الزعيم ". ثمّ إذا به يُفاجأني، حينما استطردَ القول : " هذا حَصَلَ، بعدما اختيرَ ليَخلِف الوصيفَ ذاك، المَقبور ". لِوَهلةٍ، لم أستوعب ما عناهُ، فسألته مُحتاراً : " مَنْ اختارَ مَنْ ؟ "
" الزعيمُ عيّنَ الصقليّ حاجباً له؛ هذه هيَ المسألة "
" قد يكونُ صاحِبُكَ قد خدَعَكَ، أو أنه أرادَ مُمازحَتِكَ ؟ "
" لقد بلِغتُ بذلكَ مُباشرَة،ً وعن طريق سيّدنا نفسه "، أكّدَ المَملوك الخبَرَ. لبَثتُ صامتاً لفترةٍ، فيما كانت الهواجسُ تتناهَبُني. إنّ كبيرَ الأعيان، فكّرتُ مَهموماً، لم يَختر الصقليّ كونه يُجيد اللغة العربيّة قراءة وكتابة، حَسب؛ بل لأنه أرادَ التكفير عن ذنبه : فهوَ من سبقَ وأمَرَ باخصاء الفتى، وبالرغم من تيَقنه آنئذٍ بأنه مولىً مُسلِمٌ، ومَختونٌ فوقَ ذلك.
" المَعذرة، يا سيّدي. كأنما أمرُ تعيين الصقليّ قد كدّرَ خاطِرَكم ؟ "، تساءلَ المَملوك، المَلول. رفعتُ بَصري نحوَه، مُتأمّلاً إياهُ بشفقة، قبل أن أجيبَ صراحَة ً: " بعض الشيء، في الحقيقة ". ثمّ أضفتُ مُضافِراً تعاطفي معه : " إنّ أخلاقكَ المُستقيمة، كما ونباهتكَ، كانا كفيليْن بأنْ يُقنعا الزعيم باصطفائكَ وصيفاً. بيْدَ أنكَ لم تنل نصيباً، ولو ضئيلاً، من المَعرفة بالعربيّة أو التركيّة؛ مما فوّتَ عليكَ الفرصَة ". ولحظتُ أنني ما أن نطقتُ كلمَة " الوصيف "، في جملتي الفائتة، حتى تجهّمَ وجهُ الروميّ : " لقد ذكّرته، ثانيّة ً، بذاكَ الوصيف المأفون؛ الذي دَعاه بالمَقبور "، فكّرتُ في سرّي. ولكني، مَضيتُ في تفكيري، لم آتِ إلى مُقابلة الفتى لكي أنشغل بموضوع تعيين رفيقه، المَنحوس. وإذاً، غيّرتُ الحديث فوراً، حينما توجّهتُ للمَملوك بهذا الطلب، الذي سبقَ وأعددته في ذهني خلال طريقي إلى قسم الخدَم : " دَعَنا من سيرة الآخرين، وانصتْ إليّ جيّداً :عليكَ أن تساعدني في مسألة مُهمّة، حقا "، قلتُ له وأردفتُ مُشيراً بيدي إلى سقف الغرفة : " أريدكَ أن تجلِبَ شمسَ إلى حجرتكَ هذه، لكي أتحدّث معها على انفراد ودونما عِلم أحد من أهل الدار ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل السادس : مَجمر 2
- الفصل السادس : مَجمر
- الرواية : مَطهر 9
- الرواية : مَطهر 8
- الرواية : مَطهر 7
- الرواية : مَطهر 6
- الرواية : مَطهر 5
- الرواية : مَطهر 4
- الرواية : مَطهر 3
- الرواية : مَطهر 2
- الرواية : مَطهر
- الأولى والآخرة : صراط 7
- الأولى والآخرة : صراط 6
- الأولى والآخرة : صراط 5
- الأولى والآخرة : صراط 4
- الأولى والآخرة : صراط 3
- الأولى والآخرة : صراط 2
- الأولى والآخرة : صراط
- الفصل الثالث : مَنأى 9
- الفصل الثالث : مَنأى 8


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفصل السادس : مَجمر 3