|
الخطأ البريطاني الجسيم في الجزيرة العربية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2799 - 2009 / 10 / 14 - 22:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
ربما يتذكر من هم من جيلي ، و من قبله ، ما كانوا يسمعونه من الأجيال الأكبر منهم - عند الحديث عن السياسة البريطانية في الحقبة الإستعمارية البريطانية - عن الدهاء البريطاني . شخصيا كنت أعتبر ذلك الرأي ، و تكراره ، ناتج عن قرب تلك الأجيال من حقبة الوجود البريطاني في مصر ، و الذي عايشته تلك الأجيال ، حتى وقعت على ما ذكره الرحالة ، و المستكشف ، و المستشرق ، ريتشارد بيرتون ، في كتابه الذي وصف فيه رحلته إلى المدينة المنورة ، و مكة المكرمة ، و التي بدأها من مصر ، فوجدت أن هذا الرأي قديم في مصر ، و سابق على مرحلة الوجود العسكري البريطاني في مصر ، فقد قام بيرتون برحلته الشهيرة في عهد الوالي عباس باشا الأول ، و تحديدا في 1853 ، أي قبل الإحتلال البريطاني لمصر في 1882 . فما هو مدى صحة هذا الرأي ؟؟؟ للإجابة ، يجب النظر عبر ثلاث مراحل للإمبراطورية البريطانية ، الأولى فترة التأسيس ، ثم الإدارة في القمة ، و أخيرا الأفول . لا يمكن إنكار إن الإنجليز تمتعوا بقدر كبير من الدهاء ، في فترة بناء إمبراطوريتهم ، فهي لم تبن دفعة واحدة ، نتيجة فورة حماس ، كما تم مع الكثير من الإمبراطوريات القديمة ، و الحديثة ، و إنما بنيت بطول أناة ، مستفيدين من التغيرات السياسية التي كانت تحدث على الساحة الأوروبية ، و كذلك من الأحوال السياسة ، الإقليمية ، و المحلية ، في المناطق التي مدوا إليها مظلتهم . و هذا لا يتناقض مع الرأي القائل عن غياب التخطيط المسبق لبناء تلك الإمبراطورية ، و الذي يمكن وصفه بالعشوائي . كذلك تمتع الإنجليز بقدر كبير من الذكاء ، في إدارتهم لإمبراطوريتهم ، فكان للسياسة المكانة الأولى قبل القوة العسكرية . و لكن لا يمكن وصف السياسة البريطانية في مرحلة الأفول ، بالذكاء ، أو ببعد النظر . لقد إرتكب الإنجليز الكثير من الأخطاء ، في أماكن عدة من العالم ، عندما كانوا يصفون إمبراطوريتهم ، و ليس هدفي هنا سرد تلك الأخطاء ، و إنما الحديث عن خطأ واحد منها ، تسبب ، و يتسبب ، و سيتسبب طالما لم يصحح ، في الكثير من المشاكل ، عبر العالم . ذلك الخطأ هو الخطأ البريطاني في الجزيرة العربية ، حين خالف البريطانيون المبدأ السياسي العتيق، و الذي ينبه القوى الكبرى ، حين تكون لاعبا رئيسيا في منطقة ما ، إلى ضرورة عدم السماح لأحد حلفائها ، بالتمدد على حساب جيرانه . في الجزيرة العربية ، سمحت بريطانيا لحليفها ابن سعود ، بالتمدد على حساب حتى أصدقائها ، فإبتلع إمارة شمر ، أو حائل ، و الأحساء ، حيث شيعة الجزيرة العربية ، و مملكة الحجاز ، حيث أشراف الحجاز ، و إمارة عسير ، و كذلك إبتلع مساحات كبيرة من اليمن ، تنازل عنها الرئيس اليمني الحالي علي عبد الله صالح ، في إتفاقية الحدود التي وقعها مع آل سعود . أين هو الذكاء ، أو المكر البريطاني ، في هذا الموقف ؟؟؟ لقد سمح البريطانيون لأخطر إمارة ، من إمارات الجزيرة العربية ، و أعني إمارة آل سعود ، بإبتلاع الأخريات ، و أقول الأخطر ، لأنها كانت الوحيدة المزودة بوجهة نظر دينية ، غير مجهولة ، مدعومة بإرادة هجومية ، لها سوابقها الدموية في العراق ، و أنحاء الجزيرة العربية ، في القرن التاسع عشر ، و لازالت ملحوظة لليوم ، في الرغبة السعودية في الهيمنة على العرب ، و المسلمين ، في العالم . فماذا إستفاد العالم من آل سعود ، أو مما يدعى بالإستقرار السعودي ؟؟؟ لم يستفد العالم من آل سعود سوى إبقائهم ، و أعني آل سعود ، على صنبور النفط مفتوح ، و هو مقابل تافه ، لأن تلك المهمة كانت ستقوم بها أصغر ، و أضعف ، إمارة ، كما تقوم بها حاليا إمارات الخليج المتعددة ، التي نجت من المخلب السعودي ، و لكن في المقابل دفع العالم ، و لازال يدفع ، ثمن الغفلة البريطانية . أما ما يقال عن الإستقرار السعودي ، فهو الأكذوبة بعينها ، فآل سعود لم يكونوا أبداً داعمين للسلام في منطقتنا ، و يمكن مراجعة الموقف السعودي في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي من السلام . كذلك لم تستفد شعوب المنطقة من آل سعود ، فلم يتحولوا إلى داعمين إلى تبادل السلطة ، و إحترام حقوق الإنسان ، و العدالة ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . كذلك لم يحاولوا تحسين الأحوال الإقتصادية في الدول الخاضعة لنفوذهم ، كمصر ، كما يفعل الإتحاد الأوروبي مع دول أوروبا الشرقية ، بل كان ، و لازال ، مجمل همهم ، السيطرة الإقتصادية على تلك الدول ، و إبقائها في وضع الحاجة دائما . العالم حاليا يدفع في الصومال ، و في باكستان ، و أفغانستان ، و في غزة ، و في أسيا الوسطى ، و في دول شمال أفريقيا ، و دول الحزام الصحراوي الأفريقي ، و إلى أخر القائمة التي نعلمها ، ثمن الخطأ البريطاني ، حين دعمت بريطانيا إمارة ذات فكر متطرف ، و طبيعة هجومية ، و سمحت لها بالسيطرة على أهم مصدرين للقوة ، و أعني النفط ، و السلطة الروحية ، ممثلة في الحرم المكي ، و المسجد النبوي . الأن بإمكاني القول بأن الدهاء البريطاني لم يواصل مسيرته في مرحلة الأفول البريطاني .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيمي مبارك لم يحمل كفنه أمام الشعب المصري
-
لتنفجر الأوضاع الحالية لتحقيق الديمقراطية ، و العدالة ، و ال
...
-
هكذا تنتحر الأحزاب الكبيرة
-
إيران أقوى بغاندي إيراني
-
السياسات العامة تواجه بإضرابات و تظاهرات عامة
-
خطأ محمد علي في التعامل مع آل سعود
-
إحقنوا الدماء العراقية بدعم المعارضات الديمقراطية العربية
-
طريقان للعروبة ، لا ثالث لهما ، إما من الأصلاب ، أو بالمؤاخا
...
-
مفاوضات يدفع ثمنها المواطن المصري
-
حتى يحين ذلك ، فإنني أعذر الكنيسة المصرية
-
حروب مصر في عهد محمد علي هي حروب إستقلال و دفاع
-
على العراق الديمقراطي أن يتحول للهجوم بإحتضان القوى الديمقرا
...
-
حتى لا يصبح القمني ذريعة لجريمة رسمية
-
حوار الحضارات لا تبرهن على فشله حادثة قتل
-
الإخوان لن يتهوروا لأن لديهم ما يخسرونه
-
تحالف ديمقراطي مصري - عراقي ، بديل للتحالف المصري - السعودي
-
ساركوزي يواري فشله بالبوركا ، أو البرقع
-
الشارع الإيراني يضع حكام العرب و متطرفيهم في ورطة
-
هبة الشارع الإيراني إثبات لخطأ أوباما
-
إتعظوا من الدرس الإيراني و إختصروا ثلاثين عاما
المزيد.....
-
روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا
...
-
إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط
...
-
سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
-
عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
-
-البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا
...
-
أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي
...
-
لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
-
فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س
...
-
هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد
...
-
الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|