أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد حمودي عباس - في محافظة ديالى .. كانت لي هذه الحكايه .















المزيد.....

في محافظة ديالى .. كانت لي هذه الحكايه .


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2689 - 2009 / 6 / 26 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أنا عراقي.. ومسقط رأسي في مدينة جنوبية الانتماء ، وسطية الموقع ، عرفت بانها مصدر افضل انواع الرز العنبر، وواحة لأجود اصناف التمور ، تغفو على ضفاف مياه الفرات .. وحسب التقسيم الطائفي السائد الان ، فانا شيعي المذهب رغما عني ، ولا حاجة على ما يبدو لاخذ موافقتي في هذا التصنيف ..
خلال فترة ما قيل عنها بانها ( طفولتي) ، كان احد الوافدين على مدينتنا من محافظة ديالى ، وهو معلم يؤدي خدماته في التعليم باحدى المدارس الريفية ، قد تقدم للزواج من أختي الوحيده ، ورغم كونه ( سني المذهب) حسب التصنيف ذاته ، فقد حصلت الموافقه على هذه الزيجه ، وسافرت العروس مع زوجها الى حيث مستقره في قرية لا تبعد كثيرا عن مركز مدينة بعقوبه ..
كنت بصحبتها حينما زفت بحفل بهيج ، في ليلة صيفية على ما أضن ، بدليل ان الحفل كان قد اقيم في الهواء الطلق ، وما لا اتذكره فعلا ، هو ما روي عني من انني وحين مشاهدتي لمنظر اختي على كرسي الزفاف ، وقد ظهرت بمظهر لم اتعوده من قبل ، فقد اثارني المشهد ، وطفحت حميتي الى هامتي لاجري في الطرقات القريبه ، واحمل ما يتسع كفي من احجار صغيره لاقوم برميها على المحتفلين ، محتجا على استباحة حرمة مربيتي الثانيه بعد أمي ، ومستنكرا تبرجها وبطريقة لم أعهدها من قبل ، وحتما فقد نلت حينها اما على المقسوم من الصفعات ، أو انني حصلت على المزيد من الترضيات وبطرق اخرى اكثر نفعا .

حين عاد المعلم وزوجته الى مدينتنا بعد انقضاء اجازة الزواج ، كنت معه مرافقا ايضا ولكن بحال اخرى ، حيث لم يذكر عني وقتذاك أي فعل نشاز ، وانما كنت مقربا منه وحاصل على رضاه .
مر زمن لا استطيع قياس مداه ، وانتقل الرجل الى قريته والتي كانت هي الاخرى تغازل نهر ديالى القريب قبل ان يتنكر لها ويرحلها بفيضانه الجبار لتحل في موقع آخر سمعت بان الزعيم عبد الكريم قاسم قد منحه كبديل للقرية المنكوبه ..

كانت القرية القديمه كما يسمونها ، بمثابة آلة حفر دقيق تركت آثار خطوطها في عقلي ومخيلتي ، وشكلت باكورة أحاسيسي في مستقبل حياتي بما حمله من تداعيات هي نتيجة لتكويني الشخصي بكل فروعه ، ففي تلك القرية تعلمت كيف انسج اولى علاقاتي مع الاخرين كبارا كانوا ام هم في سني ، وتأثرت كثيرا بشخصية صهري والذي كان ماركسيا رغم عدم رواج ما يحمله من فكر عند اهالي القريه ، واتذكر عنه كيف راهن يوما أمام جلاس مقهى القريه بانه مستعد للذهاب الى مقام قريب لواحد من الاولياء الصالحين ويدعى ( أبو جاسم ) وكذلك يسمونه ( أبو الدانات ) كونه سبق له وفجر قنبلة في وسط العصاة عن تعاليم الدين وبعثر جثثهم بين عثوق النخيل .. وبين اندهاش الجميع نفذ صهري وعيده في اليوم التالي وفي وقت الغروب بعد ان طهروه بماء نهر خريسان حسب الشروط المتفق عليها .. لقد وضعوا مبلغا من المال على القبر المقدس ، وتراجع الجميع بين منزوي وراء حائط ، وهارب الى مكان يوفر له الحماية من قنبلة أبو جاسم المنتظره ، تقدم المراهن وبثقة عاليه ، وسحب المبلغ من فوق القبر ، وسمعه القريبون منه بانه قال ( انا فلان .. لقد قررت ان اسلبك يا فلان هذا المبلغ من فوق قبرك رغما عنك .. وان كنت حقا تستطيع فعل شيء فانا اتحداك يا ابن ..... ) .
ولم يبقى احد معه في اعقاب ذلك ، حيث عاد بمفرده الى القريه ليجد الناس بانتظاره وهم مشدوهين لفعلته ، واستمر السؤال عنه صباح كل يوم ليتأكدوا من ورود منيته المنتظره ولكن دون جدوى .
الملفت للنظر في تلك القضيه هو أن صهري لم يقتل ولم يهدد ولم تعاقبه جهة تدعي حملها لمهام تنفيذ ثارات الله ورسوله ، ولم تصدر بعدها فتوى بتكفيره .. وانما بقي على علاقته الطيبه باهالي قريته .

لا زلت اتذكر في دواخلي تلك الرائحة الخاصه والمنبعثه من نبات الحلفى في بساتين البرتقال من حول القريه .. ولم تغب عن بالي لحظات كانوا يكلفونني فيها بامتطاء حمار يحمل الحشيش في كيس كبير يسمونه ( شليف ) .. ومهمتي هي موازنة ذلك الكيس والمحافظة عليه من السقوط ، وما كان يرعبني هو توقف الحمار بين لحظة واخرى ليتفحص شيئا يصادفه فيمتد عنقه الى الاسفل فاتخيل انني سوف انحدر منزلقا على رقبته الى الارض .. كل شيء من حولي كان اخضرا والمياه كانت حاضرة في كل مكان ، انها لحمة انسانية غاية في الروعه تلك التي تعمر نفوس الناس .

في تلك القريه .. دخلت اولى تجربة لي في الحب ، واسرتني ضبية لم تفارقني ذكراها الى اليوم ، لقد كانت ( سنية المذهب ) ، وتمردت على اهلها واقاربها بحبها لي وتعرضت لابشع انواع العذاب ليس لكونها كانت تختلف معي في الانحدار المذهبي ، وانما لكونها كانت من المفروض ان تتزوج احد اقاربها وهو أحق بها من غريب .. اكملت دراستي الابتدائية في ناحية خرنابات ، وكنت كل يوم اقطع المسافة لتلك الناحيه سيرا على الاقدام مع جميع ابناء القريه ، لم اشعر يومها باني من اوساط ما يسمونهم ( بالشيعه ) ، وان رفاقي الاخرين هم من ( السنه) .. بل كنا لا نفهم هكذا مصطلحات بالمره .. كانت حبيبتي طيلة الطريق الملتوي بين بساتين( النقيب) تلهمني وعن بعد احاسيس جميله وهي تتعمد التلويح بظفائرها في الهواء وبحركات ذكية مبهجه .. كل اهالي القريه يعلمون بقصة حبنا دون ان يعترض احد غير والدها وبتأثير من قريب له ..

خلال الدراسة في مدرسة ناحية خرنابات .. اشتركت وبوحي من زوج اختي وتحت اشرافه في مسابقة للخطابه اقامتها مديرية التربيه ، وكان غريمي فيها حارث عبود والذي اصبح اعلاميا فيما بعد .. لقد كنا في مدرسة واحده ، ومن دواعي التأمل هو ان والده الاستاذ عبود كان يعلمني اللغة العربيه ومشرفا على صفي ، في حين يقوم بتدريب ابنه على الاشتراك في المسابقه ، وفي ذات الوقت يقوم بالاشراف على القائي وسبل قرائتي ، ولم اشعر يومها بأية امتيازات خاصه ممنوحة لابنه من قبله .. ولم يبزغ امامي أي مظهر من مظاهر التمييز المذهبي أو المناطقي في أي تصرف يحيط بي حينذاك .

وآخر الحكاية هو ان تلك القريه قد هدها الفيضان وتحولت الى مكان آخر .. وحبيبتي تزوجت من قريبها بعد ان يأست مني ، ونصف زملائي والذين كنت الاعبهم في الليالي المقمره ألعابا لا زلت احتفظ باسمائها ، سمعت بانهم اغتيلوا تحت طائلة التصنيف المذهبي المريع ، وهاجرت اختي مع زوجها الى مركز المحافظه خوفا من بطش الميليشيات ، والغريب والذي لم اكن احسه من قبل هو ان تلك القريه اعتبرت شيعية التصنيف ، واصبح السنة فيها غير مرحب بهم ..!!.



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين تمرد مشوب بالقلق .. ومصير مجهول .. هل من قرار ؟؟
- مجتمعاتنا لم تمر بما يسمونه مرحلة الطفوله ، وأطفالنا هم مشار ...
- ألرشوة حلال .. والمرتشي له ثواب القبول .
- ألعار سيبقى هو المصير المحتوم لجبهة الفكر الرجعي المقيت .
- لمسات لشعار .. فليسقط الوطن ولتحيا المواطنه .
- متى تنتهي عهدة الانظمة السابقه عن ما يجري في العراق اليوم ؟
- وفاء سلطان .. مبضع متمرس ، لا زال يضرب في عمق الورم العربي .
- أنا والأبيض المتوسط ... والمفوضية الساميه لرعاية شؤن اللاجئي ...
- بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل ال ...
- من منكم يعرف ( صبيحه ) ... سمراء العراق ... ضحية الزمن المكر ...
- ما هو السبب في انقراض حضارتنا ، كما يقول أدونيس ، وماذا علين ...
- هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فه ...
- ألمشهد العراقي من خلال بيان نيسان للحزب الشيوعي العراقي .
- منابر ألفتوى ألدينية وعواقب اجترار ألتاريخ ألبائس
- تجليات فكرية من وحي الواقع .
- معهد ألفنون ألجميلة في بغداد .. مهدد بالاغلاق وتحويله الى مؤ ...
- ألمهندس سلام أبراهيم عطوف كبه .. ومحنته مع وزارة ألهجره وألم ...
- مصادر فكر ألتنوير .. وضرورات ألتوحد لكسر شوكة ألمقدس .
- الاستاذ منير ألعبيدي وعقلية ألمثقفين ألحزبيه .
- أبشروا بزيارة قريبة لامير ألمؤمنين من ضواحي أفغانستان الى أل ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حامد حمودي عباس - في محافظة ديالى .. كانت لي هذه الحكايه .