|
منابر ألفتوى ألدينية وعواقب اجترار ألتاريخ ألبائس
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2628 - 2009 / 4 / 26 - 04:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حفزني مقال للاستاذ شامل عبد العزيز بعنوان ( مستندين الى فتوى دينية تسمح لهم بذلك ) تم نشره على موقع الحوار التمدن العدد 2626 ، على العودة ثانية لحيز من الهموم التي طالما خضت فيها الى جانب العديد من الكتاب ، تخص عملية التدهور الحثيث في كل جوانب حياتنا جراء التسلط البغيض للفكر الديني على مقاليد المسار العام للمجتمع في بلادنا . فانا وعلى الدوام لم انثني عن الاعتقاد الجازم بأن واحدا من الاسباب الرئيسية لذلك التدهورالواضح في كل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عموما في بلادنا مرده بالدرجة الاولى الى تأثير خطاب ديني يتميز بالمكر في تحين الفرص للسمو ، والنيل من كل المحاولات الرامية للتجديد والهادفة للتخلص من براثن التخلف ، خطاب يعتلي الان ومنذ فترة ليست بالقصيره ، مكانا مؤثرا من خلال سيطرته على شرائح واسعة من شعوب الوطن العربي ، وأضحت منطقتنا ليست مركز اشعاع لهذا الفكر فحسب بل انها اليوم منبع يصدر مفاهيم التردي لبقية بلدان العالم وبلا تفريق . فقد حملت لنا صور شتى من النشاطات المشبوهة والجاريه في بلدان جنوب شرقي آسيا مؤخرا أبطالها هم من رجال الدين أو المتلبسين بزيه متخذين منه ذريعة للايقاع بالاخرين .. وما مظاهر الزيجات من أجل الطلاق لنساء من تلك البلدان من قبل رجال سعوديين يهاجرون الى هناك لهذا الغرض - كما أشار لذلك الاستاذ شامل - الا واحدة من صور الانحدار الاخلاقي لمن تتوفر لديهم امكانية توظيف المؤثر الديني في نفوس العامة لمنافعهم الرخيصه .
لست مغاليا أبدا في زعمي بأن للمؤثر الديني في منطقتنا فعله الكبير في الوضع المأساوي لمجمل الحركه البنوية لمجتمعنا ومن كافة الوجوه ، ولو توقفت لدعم زعمي هذا عند العراق كواحد من أكثر البلدان العربية تأثرا بالعامل الديني في الوقت الحاضر ( لو استثنينا دول طغت عليها آثار الفكر الديني فاصبحت في مؤخرة الركب الحضاري من حيث تطور المجتمع كاليمن مثلا) ، سوف نجد بأن ما فعله هذا المؤثر من آثار ، لا تبتعد عن وصفها بأنها ساهمت وبعنف لا زال مستشري في عرقلة أي تقدم من شأنه أن ينقذ شعب العراق من محنته الكبيره .. الشعب العراقي لم يكن من الشعوب المتدينه ، ولم يكن في تاريخ هذا الشعب ما يشير لتأثره بالنواميس الدينية والمذهبية وبالصورة التي تجري الان ، في حين يتلمس المتتبع لمجريات الاحداث بأن مقدرات العراقيين يسيطر عليها الان فكرا تعبويا دينيا يسير بحركة المجتمع باتجاهات خطرة جدا ، اتجاهات أدت في بعض نتائجها الى خسارة كبيرة في الارواح والمال العام وتخريب البنية التحتية وعودة عجلة المعرفة الى درجات متدنية بعيدة القرار ... كيف اذن حدث هذا التحول العاجل في بنية المجتمع العراقي الفكرية ؟ ... وكيف أصبحت بلاد الرافدين بين ليلة وضحاها مرتعا لمن هب ودب من راكبي مطية الدين والمستغلين له في نهب اموال وارواح واعراض الناس في بلد عرف بسيادة الفكر العلماني فيه ولفترات طويله ؟ .
انها ذات الآلية في الانتشار الموبوء بعناصر الخبث وتصيد الفرص من أجل الانتفاع والتي يمارسها اليوم نشطاء ( نشر الفكر الديني ) من المسلمين حينما بدأو بغزو افغانستان بحجة محاربة الشيوعيه ، وذات السبل من الغزو المنظم لدول جنوب شرق آسيا المسلمه بهدف استغلال الدين في خراب البيوت وانتهاك اعراض العوائل الآمنه ، وبنفس الطريقة هاجموا العراق من كل حدب وصوب بحجة تحريره من دول الكفر المحتله ، بنفس الطريقة وبذات الالية تتحرك أذرعهم لتطال كل مفاصل الحياة في البلدان البعيدة والقريبه ، تدعمهم الفتوى وتمهد لهم سبلهم انظمة تدين واياهم بنفس الدين ... وترعبني جدا اخبار يستمر تواترها اليوم من العراق تحمل لنا ما لا يسر عن تفشي مظاهر القتل العمد وفي وضح النهارلمن هم على غير الدين الاسلامي من الاقليات الاخرى ، وسلب حياة العشرات من الشباب بحجة تشبهم بالنساء ، وسلب المال العام جهارا نهارا دون خوف من قانون ، وهرج فاضح يصيب حياة المجتمع في سابقة لم يشهد لها العراق مثيلا من قبل .. كل ذلك بفعل الخطاب الديني المسيطر على وسائل الاعلام ومن خلال المنابر وخطب الجمعة سيئة الصيت ، تلك الخطب التي ضاعت فيها صفة الموعظة الحسنه لتنقلب الى موعظة بالقتل والتعرض للابرياء وتخريب البلاد ونهب ثرواتها .
يقول زميلي الدكتور عدنان عاكف ( ان بعض الكتاب ما ان يتناولوا موضوعا له علاقة بالعرب أو الاسلام حتى يهبط مستوى نقاشهم الى شيء مؤسف ، أشبه بحملة كيل الشتائم والتهم وتصيد النواقص ، بل وتزوير التاريخ من أجل خلقها خلقا ،ويذهب الامر أحيانا الى الاساءة الصريحة الى المعتقدات الدينية ، وهو أمر ينبغي التحذير منه كليا بالنظر لحساسيته وقدرته على اثارة النعرات الدينية والطائفيه ) .. ولمعرفتي الاكيدة بتوجهات الدكتور عدنان الفكرية والمناهظة حتما للفكر الديني بوجهه المتخلف وليس المتعلق بوصيايا الرب بالاخلاق الحميدة ، فانني لا أرى بعد اليوم مبرر للاعتقاد بأن بقية من نعرات طائفية ودينية قد بقيت في جحورها بانتظار الاثاره ، فكل النعرات قد أثاروها ونبشوا قبورها نبشا واخرجوها الى سطح الكرة الارضية بعد أن نفضوا عن ثيابها تراب الدفن .. فهل من المعقول وبعد أن شاهدنا وفي الفضاء الطلق كيف تخترق رصاصات الهمجية عوائل برمتها وفي عرض الشارع لانهم سنة أو شيعه للمقايضة بهم عن عوائل تم اعدامها بذات الطريقة ولنفس الاسباب ، أمن المعقول أن نعنقد ولحد الان أن ثمة مبررات لا زالت دفينه لاثارة النعرات الطائفية والدينيه ، وعلينا الاحتراس من بعثها مجددا ؟ .. كيف لنا أن نحبس في نفوسنا كلمة الحق في فضح كل هذا السيل العارم من فكر القتل والتشريد وسبي الارامل والاتجار بالايتام وتصدير البنات القاصرات الى أحضان الخليجيين في دول الجوار ليأكلنا ديننا داخل بلادنا وخارجها ونحن يحبسنا الحياء والخوف من اثارة نعرات هي سيدة المكان والزمان الان ؟ .
ان الحالة المزرية والتي لا زالت تساهم في اتساع الهوة بيننا وبين من لم يتبقى لهم خوف من نعرات فمزقوا عرفهم المقدس ليضعوا لانفسهم اعرافا جديدة سادوا علينا باتباعها ، ان هذه الحالة لم يكن سببها الرئيسي يبتعد عن هواة اللعبة القذرة من رواد الفتوى الدينية وفقهاء صنع التاريخ على هواهم ... ذلك التاريخ الموغل بالتزييف وعكس صور هي في حقيقتها عبارة عن مكامن ريحها نتنة لا تحمل غير العهر والتآمر وسبي المخالفين بالرأي واغتصاب نسائهم وعقد الاحلاف الجائرة بقصد الغزو والاعتداء على الغير وارتكاب ابشع الجرائم الانسانية دون وازع من اخلاق ودين ولا عقيده ، وها نحن اليوم ورغم الحداثة المطبقة على اجزاء واسعة من العالم المتقدم يحشروننا حشرا في محاورة بائسة عن تفخيذ الصغيرات وجواز نكاح المرأة من الدبر والزواج من الفتاة الصغيرة حتى ولو كانت رضيعه ، وفي خضم فصول هذه المصيبة لازالوا يقررون في كل صلاة عامة حتى ولو كانت للاستسقاء من سيقتلون وأية سبيل يسلكون كي تتثبت اقدامهم المتسخة على مراكز القرار .
انني اجد من الضروري الان الالتفات الى أهمية المواجهة المباشرة وعن طريق الحرب الثقافية على الاقل ، لتفنيد دعاوى المفسدين والمتطفلين على حركة المجتمع والمطبقين على انفاسه بقوة الوازع الديني ، فنحن اليوم بامس الحاجة ليس الى محاورين باحثين عن كلمة سواء مع من لا يرون أمامهم غير بطونهم واعضائهم الذكرية وما في جيوبهم من مال سحت ، وانما نحن بحاجة الى شتامين محترفين واصحاب مراس واسع في طرق تبيان الكذب والدجل والفسق الديني لدا اولئك الموغلين بالجرم بحق النساء والاطفال والشباب والحدائق والكهرباء ونور العلم في المدارس .. الوضع اليوم أصبح لا يطاق ، والناس تموت بالجملة وتخرب بيوت على رؤوس ساكنيها ، وتزاح مؤسسات ثقافية باكملها وتندثر قبور العضماء من ابناء البلاد ويهجر الاحياء منهم ، ونحن لاهون في مناقشة السيرة الذاتية لابن رشد ودراسة ابو الحسن البصري والبحث عن اسباب حرب البسوس .
حينما يقف خطيب للجمعه ويقول للناس اقتلوا من هم على غير دينكم ، وعندما يهبط رئيس مؤسسة خدمية الى مستوى يبيح لنفسه فيه توجيه الوعض للناس عن طريق نشر الملصقات في الشوارع ليقول لهم من يبتسم بوجه تارك الصلاة فكأنما خرب الدنيا وما فيها ، وعندما لا تتورع الحكومة من عدم سحب هذا المدعي من ياقته وتأديبه على فعلته الجرمية هذه ، وعندما يكون ثمن ذلك كله موت العشرات من الابرياء ، وجلد النساء وسوقهن الى مذابح القتل بذريعة الشرف ، وحينما يوعز خبيث بهدم قبر فيلسوف اجتماعي معروف بحجة توسيع جامع ، وعندما تتداعى مجاميع الغوغاء الجهلة لهدم مؤسسة ثقافية وامام انظار البوليس ، وحينما يهاجم المسلحون الرسميون معرضا للكاريتير ويمزقون لوحاته امام المارة ، عندما يحدث كل هذا فأين تكمن المنفعة من روية الحوار المتزن والمؤطر باستحضار تاريخ الاجداد الافذاذ والدعوة للتمسك باخلاقهم واتباع سبل دينهم الحنيف ؟ .
الكلمة الحق ، والصراحة المطلقه ، والتوجه الى الجماهير المستغفلة مباشرة لنشر الوعي بينها حتى تفهم من هم اعداؤها في الحقيقة ، والسخرية وبكل الوسائل المتاحة من مقدس مفلس من أية حجة ليخرج عن دائرة قدسيته الكاذبه ، كل ذلك يكفي للتحرك للامام خطوة في ساحة الاحتراب بين الحداثة والتخلف ... فنحن بحاجة ماسة والحال هذه الى أن نخرج من قوقعة الخوف من نتائج مواجهة حتى لو كانت بالكلمة مع جهات مارست كل الاساليب المحرمة لتثبيت اقدامها في عش الجريمة ، وهي سائرة بمجتمعاتنا فرادى ومجاميع نحو هاوية سحيقة من التردي ومن ثم الانقراض لا محاله . ويكفينا الشعور بالخطورة الان أن نستشعر حال سبايا نسائنا اللائي ينتظرن تعزيز فتاوى جواز التصدير الجسدي الى الديار المقدسة ، لارواء شبق شيوخ الرذيلة في معاقلهم العابقة ببخور الفقه الديني كما يجري الان في اندونيسيا المسلمه .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجليات فكرية من وحي الواقع .
-
معهد ألفنون ألجميلة في بغداد .. مهدد بالاغلاق وتحويله الى مؤ
...
-
ألمهندس سلام أبراهيم عطوف كبه .. ومحنته مع وزارة ألهجره وألم
...
-
مصادر فكر ألتنوير .. وضرورات ألتوحد لكسر شوكة ألمقدس .
-
الاستاذ منير ألعبيدي وعقلية ألمثقفين ألحزبيه .
-
أبشروا بزيارة قريبة لامير ألمؤمنين من ضواحي أفغانستان الى أل
...
-
هل حقا أن أمتنا قد دخلت مرحلة ألانقراض ؟!
-
آن ألاوان لاحياء ذكرى ألخالد فهد ورفاقه ، وتأسيس متحف يحكي م
...
-
أنا والامام ألعباس .. وألطواشه !
-
ألشيوعيون في العراق .. رموز نضالية عالية ألشأن لا تطالهم رمو
...
-
سيبقى ألحزب ألشيوعي ألعراقي لونا مبهرا في نسيج ألحركة ألنضال
...
-
أيها ألعراقيون .. لا تستغفلكم دعوات ألمصالحة فتعودوا ضحايا م
...
-
مع خالص تحياتي للمرأة ألنموذج بيان صالح .. ألمرأة في بلادنا
...
-
حجر آخر ..في المياه الراكدة للحزب ألشيوعي ألعراقي .
-
أحمد الامير في قبره .. لا زال ينتظر مع ألجواهري ورفاقه قرار
...
-
لندع أقلامنا مجندة من أجل صنع ألحاضر وبناء ألمستقبل .. تأسيس
...
-
متى نستطيع رؤية نور في آخر ألنفق ؟؟
-
سلام عادل ورفاقه ألميامين .. ليسوا بحاجة لاعادة ألاعتبار ، و
...
-
مرة أخرى ... حول حق ألمرأة بامتلاك علاقات جنسية قبل ألزواج !
-
ألمرأة ألعراقية وأمنيات ألدكتور كاظم حبيب .
المزيد.....
-
صـار عـنـا بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على نايل
...
-
ألف ربيع وربيع عربي: هل يعود تنظيم -الدولة الإسلامية- وزعزعة
...
-
ملجئ الأطفال الوحيد .. تردد قناة طيور الجنة 2024 الجديد على
...
-
قوات الاحتلال تداهم عدة منازل خلال اقتحام قربة حارس شمال غرب
...
-
سلمى حايك تحضر إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام مع زوجها الذي
...
-
بحضور زعماء العالم.. كاتدرائية نوتردام تعيد فتح أبوابها
-
بعد 5 سنوات من الحريق المدمر.. إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردا
...
-
مظاهرة حاشدة رفضا لحضور ترامب افتتاح كاتدرائية نوتردام بباري
...
-
حضور المتبرعين في حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس
-
كاتدرائية نوتردام تفتح أبوابها من جديد بعد خمس سنوات من الحر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|