|
لمسات لشعار .. فليسقط الوطن ولتحيا المواطنه .
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2674 - 2009 / 6 / 11 - 09:57
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
أثار الاستاذ نادر قريط في واحدة من مقالاته الغنية المتتابعه ، موضوعا لا زال يحمل في طياته الكثير من الرؤى المتباينه حول مسألة الوطن والمواطنه .. وتوالى المعلقون على مقالته تلك بين مؤيد ومحاور ورافض ، حيث لم تعد مفردة الوطن كما كانت عليه فيما مضى أيام كانت انشودة العلم تهتف كل صباح في ساحات مدارسنا وعلى لسان التلاميذ ( عش هكذا في علو ايها العلم ) .. والعلم هو دوما رمز شاخص للوطن وليس للمواطن . وأنا هنا لست في معرض الحوار او الرد على الاستاذ نادر ، بقدر كوني ، ولدنو الفكرة من نفسي فقد وددت الاسهام في اغنائها لكونها فعلا تأخذ حيزا كبيرا من همومي اليوميه . المسألة من وجهة نظري أضحت لا تحتمل العودة لمقولات سبق للفلاسفة ان قالوها بشأن الوطن والمواطنه ، كون أن مفهوم الوطن قد خرج هذه الايام من سياق التفسير المجرد كونه عبارة عن أرض يسكنها شعب وله فيها تاريخ وحضارة وحقوق تتبعها واجبات.. الخ ، مما تعبنا في عبه بادمغتنا ايام الصبى ، وحين كانت دموع مدرسينا الاوائل تنهمر وهم يذكرون الوطن والوطنية ، ويقصون علينا ما سطر في كتب التاريخ من حكايا جهاد الاجداد ليبعدوا عنا الاستعمار ويطلقوا سراحنا من أغلال الاحتلال الاجنبي . فالمحتل والمستعمر قد خرج من كونه اجنبيا كما هو متعارف عليه .. واصبح يحمل معنا ذات الجنسية ومن مواطنينا الاقربين .. بل كان مستعمرنا من مواطنينا أكثر عسفا وابلغ فنا في التدمير مما كان عليه ( أعداؤنا) التقليديين .. وبلغ الامر الى حدود شابت عندها الكثير من صور التشويش وعدم الوضوح في تفكير الكثيرين ممن كانوا يحملون انتماء فكريا يفسر معاني الوطن والمواطنه ، ولم تعد هذه المعاني تحمل ذات النكهة الاصيله والتي قاتل من اجل صيانتها والدفاع عنها المئات من المناضلين الاوائل وفقدوا حياتهم من أجل الذود عنها والحفاظ على قدسيتها . واعتمادا على سبيل ضغط الافكار وعدم الاسترسال الممل في طرح الفكرة ، أسأل .. هل يحق لنا أن نسمي وطنا ذلك الذي يخير ابنائه بين الدفن وهم احياء تحت ترابه ( المقدس ) وبين ان يغادروه طائعين الى بلاد المنافي؟ ، ولا مانع حينها من أن يكتب شعرا ونثرا بحب وطنه ويتغنى بتاريخه المجيد .. وهل يجوز لنا أن نضحي بالمنطق حين نزعم بأن هناك ثمة اوطان بلا مواطنين ؟ .. وأن هناك اوطان لا تعطي بل تأخذ وحسب ؟ . كتبت في وقت سابق مقالا بعنوان ( العراق لم يكن رحيما بأبنائه ) .. وقد انهالت علي تعليقات جلها توبخني وتشير علي بان الذنب ليس ذنب الوطن بل ذنب حكامه .. ووجدت نفسي حينها في حيرة من أمري ، لو كان العراق مثلا مصر على ان يكون هكذا ارضا للخراب والدمار ومنطلقا للحروب ومكمنا لشتى العذابات الانسانية وعلى امتداد تاريخه الطويل ، فهل لي ان ابقى منتظرا تدميني سيوف حكامي ، وتنتهك عرضي غلمانهم ، وتسرق رزقي زبانيتهم وتسيرني أهواء قوانينهم الطارئه ، وما علي الا تحفيظ ابنائي اناشيد حب الوطن والاقدام على تدريبهم ونفسي على التحمل والى أقصاه كي نموت جوعا فداء لارض ليس لي فيها شبر واحد يحمل اسمي في سجلات دوائر العقار ؟.. واضغط الموضوع أكثر .. وأعلقه بوطني أنا ولا شأن لي ببقية الاوطان .. فمنذ أن اصبح لوطني معنى في ذهني وأنا ارى ابي المسكين يلهث وراء رغيف الخبز، ويجهد بدنه الضعيف كي يوفر لي واخوتي امكانية شراء قلم رصاص لاكتب به واجباتي المدرسيه ، في دفاتر كنا ولزمن طويل نخيطها في المساء حينما تتهرء من كثرة الاستعمال ، ولم تغب عن بالي أبدا حينما اصبحت فتى أصوات المدافع وأزيز الرصاص خلال معارك بدأت ولم تنتهي لحد الان ، ولا تفارقني لحظات كنت فيها على احدى جبهات القتال ، عندما ساقني جلاد بلادي للحرب عنوة ، وانا احاول اخفاء العظام البشرية من حولي بعد ان نبشتها الدبابات المهووسه لتخرجها من مقابرها بلا رحمه ولا ولن انسى كيف دفع المحقق من(ابناء وطني) بابني البكر وهم لم يبلغ الثالثة من عمره ليحرضه على حمل عصى وضرب الاجساد الممدده في قاعة التحقيق ، وكيف كنت ورغم تقييدي بالسلاسل اهرع صارخا بطفلي ان يعود لاتلقى اللكمات من رجال لم يستدر عطفهم صراخ الطفل مرعوبا من أنات ابيه .. لم ولن تغيب عن بالي تلك القصص المروعه والتي لا زالت تروى لي ولغيري دون انقطاع كيف يجري استهجان البشر وثقب رؤوسهم باسياخ الحديد ورمي جثثهم على ارصفة الشوارع .. كل هذا جرى ويجري من قبل هياكل تدعي انها آدمية وتنتمي لوطني ذاته ، وتحمل جنسيتي ذاتها ، فكيف لي أن أفهم أطراف هذه المعادلة غير المتوازنه لاكون في أحد طرفيها مواطنا وفي الطرف الآخر ضحيه ؟!. لقد وضعت ظروف لجوء العديد من العراقيين الى بلدان الاتحاد الاوربي خاصة ، ولم اكن واحدا منهم للاسف الشديد ، ولا زلت ابحث عمن يعينني في هذا المجال ، وضعت أمامنا صورا شتى لطبيعة التعامل الانساني والذي توفره مجتمعات هذه الدول لمن لجأ اليها من الهاربين من وطنهم وجعلت هذه الصور عقولنا في مأزق حقيقي حينما تضطر لعقد مقارنة موضوعية ومحايده بين ان يكون للمرء وطن لا يشفق عليه ولا يمنحه أيا من حقوق المواطنه ، وبين تلك اللمسات البالغة الرقي والتي ينعم فيها في ارض هي ليست وطنا له وبين ظهراني شعب هو ليس شعبه . لا أدري .. فانني أراها عصية على الفهم تلك المعاني القديمة والتي رسخت في دواخلنا لتدعونا الى الموت مكابرة داخل اوطاننا ، وتفهمنا بأن للمواطن حقوق وواجبات ، في حين تبين بأن ذلك مجرد سخف وهراء ، واكتفت أوطاننا باستنزافنا ولم تمنحنا غير الموت تحت مطارق الاغتصاب والقتل والتهجير وانعدام الامن وغياب الصحة وهزال التعليم وعدم توفر الكهرباء وتلوث مياه الشرب .. تحضرني الان قصة ( أبو اسماعيل ) وهو عراقي من أهالي ديالى ، لقد أعطى هذا الرجل لوطنه اثنان من ابنائه ، أحدهم شهيدا في معارك ( القادسيه ) .. والاخر معدوما لذات المعارك كونه فر من الخدمة العسكريه آنذاك .. ولم تسعفه مكرمة الحكومة في حينها عن دم ابنه الشهيد في بناء اركان حياته كما يتمنى ، عرف الرجل بخفة دمه واستعدادة الدائم لصنع النكته ، حاورته ذات يوم وسألته ( ابو اسماعيل .. لو قدر وأن أصبحت رئيسا للجمهوريه .. ماذا ستفعل لنفسك وللاخرين ؟ .. وماذا ستقدم لبعقوبه باعتبارها مدينتك ؟ ) .. اعتدل في جلسته .. وكان أول قرار له هو تعييني وزيرا للصحه !! .. وعندما افهمته بان وزير الصحه يجب ان يكون طبيبا غير رأيه ومنحني حقيبة الزراعه ، واثناء التحاور معه وكلما شعر بالضيق مني يطردني من الوزاره ليضعني بمنصب أدنى وهكذا ، الى أن حضيت بمنصب معاون شرطه في المركز الواقع بالقرب من دار سكناه .. وبعد ان فرغ من مشكلتي تحرك بموكبه المؤلف من سيارتين تسيران خلف سيارته ( هكذا اختار ) .. وذهب بمن معه فورا الى مطعم لاعداد الكباب ، وترجل من سيارته صائحا بصاحب المطعم وكان اسمه ( غلوبي ) قائلا ( شيش غلوبي ) .. موجها اوامره باعداد اسياخ الكباب للرئيس وحمايته وانا منهم طبعا ، وما افزعني بعدها هو أن السيد الرئيس لم يشرع بأي عمل آخر غير ذهابه ليرتاح وينام وقد أجل كافة اعماله الى اشعار آخر . . وهنا تكمن العبره ، لقد كانت الرئاسة بعظمتها بالنسبة لابي اسماعيل هو الكباب ، شبع البطن ، سد الرمق بعد طول شعور بالجوع لنفر كباب في مطعم ( غلوبي ) .. ولا شيء غير ذلك . أبو اسماعيل هذا علمت مؤخرا بأنه اصبح شحاذا يجوب الطرقات ليحصل على فتات رزقه ، وان حالته يرثى لها بعد ان عاف الرئاسة طوعا ، وقد أسعدتني تحية وصلتني منه عن طريق احد المعارف قبل أيام . ترى .. لو سمحت لي الظروف ان اجتمع بابي اسماعيل الان واسأله عن علاقته بوطنه ، فماذا عساه ان يقول ؟ .. ولو كان الان مهاجرا او لاجئا في احدى دول اوروبا ، ماذا سيكون حاله عليه؟ .. بالتأكيد فان ابا اسماعيل سوف لن تسعفه قدرته على قياس الامور ان يفرق بين الحالين . غير انه بالتأكيد أيضا ، سوف لن يكون قد نسي بانه قد قدم ل ( وطنه) اثنان من ابنائه ليحضى اخيرا بمهنة شحاذ .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى تنتهي عهدة الانظمة السابقه عن ما يجري في العراق اليوم ؟
-
وفاء سلطان .. مبضع متمرس ، لا زال يضرب في عمق الورم العربي .
-
أنا والأبيض المتوسط ... والمفوضية الساميه لرعاية شؤن اللاجئي
...
-
بين الانتصارات الحقيقية للمرأة في الكويت ... وزيف التمثيل ال
...
-
من منكم يعرف ( صبيحه ) ... سمراء العراق ... ضحية الزمن المكر
...
-
ما هو السبب في انقراض حضارتنا ، كما يقول أدونيس ، وماذا علين
...
-
هكذا يعاملون نسائهم ... وبهذه الطريقة نعامل نحن نسائنا .. فه
...
-
ألمشهد العراقي من خلال بيان نيسان للحزب الشيوعي العراقي .
-
منابر ألفتوى ألدينية وعواقب اجترار ألتاريخ ألبائس
-
تجليات فكرية من وحي الواقع .
-
معهد ألفنون ألجميلة في بغداد .. مهدد بالاغلاق وتحويله الى مؤ
...
-
ألمهندس سلام أبراهيم عطوف كبه .. ومحنته مع وزارة ألهجره وألم
...
-
مصادر فكر ألتنوير .. وضرورات ألتوحد لكسر شوكة ألمقدس .
-
الاستاذ منير ألعبيدي وعقلية ألمثقفين ألحزبيه .
-
أبشروا بزيارة قريبة لامير ألمؤمنين من ضواحي أفغانستان الى أل
...
-
هل حقا أن أمتنا قد دخلت مرحلة ألانقراض ؟!
-
آن ألاوان لاحياء ذكرى ألخالد فهد ورفاقه ، وتأسيس متحف يحكي م
...
-
أنا والامام ألعباس .. وألطواشه !
-
ألشيوعيون في العراق .. رموز نضالية عالية ألشأن لا تطالهم رمو
...
-
سيبقى ألحزب ألشيوعي ألعراقي لونا مبهرا في نسيج ألحركة ألنضال
...
المزيد.....
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
-
اليمين المتطرف يهدد الحكومة الفرنسية بحجب الثقة
-
الجامعة الوطنية للتعليم FNE (التوجه الديمقراطي) ترسل وزير ال
...
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع
-
عائلات المختطفين مجهولي المصير وضحايا الاختفاء القسري بالمغر
...
-
بيان اللجنة الوطنية للقطاع النسائي لحزب النهج الديمقراطي الع
...
-
يوميات العدوان: التقرير الصحفي الاسبوعي (25/11/2024 – 1/12/2
...
-
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تندد بحصار وقمع
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|