أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - اغنية أمشي ضائعا في جمالكِ ..














المزيد.....

اغنية أمشي ضائعا في جمالكِ ..


عبد العظيم فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 07:46
المحور: الادب والفن
    



كان ابوكِ ناقدا قديما كالظلام ، فلم يكتشف كيف أشعلتُ قش جَمالكِ وهرّبتكِ ، من بين جحيم الاقفاص ، اغنية بعد اغنية ، حتى اسكنتكِ جنة هذه الاغنية ، رغم أنه كثيرا ما شمّ ظلام القضبان ، وتفقد بَشَرة أحلامكِ ، باحثا عن نأمة التمرد ، لأن نَسَبه ينحدر من فخامة التقاليد والمناهج ، فيما كنتُ لقيطا ، كقصيدة نثر : عروقي حفرتَها آثارُ السياط على جِلدكِ ، ودمي رغبة غامضة تجمع عصورَ حنانكِ بشفرة واحدة . لم أقصد أن احبكِ ، لكن قلبي اتخذ شكلَ مَـن يحبكِ ، فصرتُ ملاكا قادرا على أن يبتكر ، من خلالكِ ، المعجزة :

فتقتُ العاصفـةَ لأُستخلص لروحكِ معادن الهيجان ،
وحرارة السقوط الى الاعلى .
أجلستُ الريحَ على أقـدامكِ ، وأمـرتُ النسمـة أن تبني عرشها في رئتيكِ .
ارتفعتُ بساقيكِ عاليا كـراية الحرية ،
وعلى بطنك تمددتُ كميدان من برادة العشب والنحاس .
غسلتُ روحكِ بزيت الشِعر ،
مشطتُ شعركِ بهواجـس الممسوس بالمشي تحت المطر ،
خضّبتُ دمـكِ بالعيد ،
واطعمتُ قلبكِ كِسرة مـن شطوط الطفـولة .
بضمّـة يائسة كنستُ غـبارَ الفراغ المتراكم على شفتيكِ ،
وكسرتُ عتمة الايام ببياض ابطيكِ .

أعرفُ أنني أركبُ طائرة ورقية ، لكن الخيال مجرّة ، وروحي نيزك صغير ، غير أني تآكلتُ في طريقي اليكِ ، ولما وصلتُ كنتُ لا أحد ، فالمرايا التي وقفتُ أمامها تلعثمت ْ ، فلم تنبس ببنت شفة ، وأنتِ فرح أخضر ينحدر من حكمة من النبات ، يلوّح لي بالمسرّة : كان أبوكِ ملكا ، وكنتُ هاربا من حروبه الى جهتي من النسيان : امشي بصمت ، على حبل الضجيج ، وبرهاني قلة الحيلة . لم اقصد ان احبكِ ، عندما جلستُ تحت سقف اضطرابي ، أنتظر أن اختفي في باطن الاسماك التي تسبح في نهر نومكِ ، لأن قاربي هو جسدي ، فانوسي هو الخوف ، ودليلي هو التردد ، لكنكِ اتخذتِ شكل مَن مسها الحبُ على الأرصفة ، مزّقها توقُ البحث عن عنوان في المنفى ، وتعتعها شغفُ الزفاف الى شاعر من الأزقة ، فعرفتُ أن مصيري يترنح سكرانا بين حانات خواطركِ ، وتلال اسراركِ ، ففي دمكِ رأيتُ سِنة من النوم على المصاطب ، وقرأتُ رغبة العاشقات في التشرد تحت شمس من الدخان ، فوقعتُ في صحن غرامكِ ، وانكسر الصحن ، ولم ينكسر غرامكِ ، لأن لروحكِ عادات ، لكن من شجر ، لأنكِ تبتكرين ريشَ الرحمة ، وعندما تحلقين فوق ، يجتمع الريشُ على هديل اسمكِ ، لتولد الحمامة :

أنتِ مَن أحببتُكِ قبل أن يعثر الانسانُ على قلبه .
أنتِ مَن غنيتُـكِ وحيدا بحنجرة الجميع .
أنتِ عدة شموع في شعاع واحد .
أنتِ سفينة في عدة طوفانات .
أنتِ حـزمة مفاتيح في معرفـة واحدة .
أنتِ سهم الرحمة الذي يذبح القـلب ، ويرسمه ملاكا في راية الشيطان .
أنتِ لا نهائية الغفران في الخطيئة .
أنتِ فيضان من الشك في قناعة أكيدة .
أنتِ انشطار المعنى ، ومفترق طرق امام مسافر واحد .

رأيتُ حضاراتهم ، في عينيكِ ، تفرض حصارها ، دمعة بعد دمعة ، كما أن المصابيح ، في الطرق ، كانت تزخ مطرا من الاصوات ، حتى فقدتُ الصحو من شدة الصحو ، فقد كهربني سلكُ العشق وارتجفتُ ، كأني قميص منشور تفرّ العصافيرُ المرسومة عليه ، كأن العالم كله كان حبل غسيل ، فخفتُ ورفرتُ طفلا بين سيقانكِ ، لكن الناقد شم رائحة الخلاص ، فاستعار لحية البلاغي وجبّة المتكلم ، وأقفل المطرَ على مهرجان الوردة ، لأن القصيدة تقول ولا تقول ، ونهر الشِعر اجتاح سدودا من الجوائز ، ليسبح في تياره الصعاليكُ والهراطقةُ ، كما أن الملك اصدر مرسومه باغتيالنا علنا ، إذ لم يعد ثمة مَن يغني له القتلَ في الشوارع : كان علي أن اهرّبك من الوضوح الى الغموض ، ومن الشعارات الى لجة الصمت ، لأنني أكتشفتُ أن كثافة الحب هي في ما لا يقال ، فغنيتكِ في قشعريرة الخنادق : تحت القصف ، وفي حشرجة البرق ، إذ ينحت ، في السماء ، شكلَ القيامة . كانت الاغنية محكمة جدا ، والكلمات أقفال ، فركضتُ بكِ نحوكِ ، تطاردنا عصور من الطائرات والقنابل ، ثم تتعبين ، وتخذلني القصيدة ، فأحرسكِ من الحرس ، أفيض عليكِ سيلا من الدموع والتعب : أتعرّق فتسيلين من مسامي . تخافين فأرتجفُ ، وتعرقين فأهجر نفسي ، واسيل من مسامكِ :

القيتُ عليكِ من الفـصول كـل ربيع ، ومـن الربيع خـلاصة التبرعم ،
ومن التبرعم خلاصة الرحيق :
احبكِ ،
وأعني أن الشِعر يعمّني عندما احبك .
احبكِ ،
وأعني أن عمري يزحف الى الهلاك على ركبتيه عندما لا احبكِ .
احبكِ ،
وأعني أنكِ صحو الصخور على الصباح ،
إذ يشرق بالشمس على بحارة تائهين .
احبكِ ،
وأعني أنكِ ملح الاساطير ،
وامرأة السلام التي من أجلها تنشب الحروب .

كان أبوكِ صيادا ، فصرتُ عبده الذي اصطادني : أقرا كتبَ الحنين ، وأعيش لاجئا سياسيا في بطن سمكة ، مثل يونس . كان جنوني على أشده ، عندما انتميتُ الى قلة من الشعراء تقود قطيع مستقبلها بعصى التقهقر . كان الغناء يغزلني خيطا من القلق ، وهناك حبل من الفئران يقرض نيران وساوسي ، لأن احلامي وُلدت وهي محفوفة بالمخاطر ، منها : أنني ابتكرتكِ وأضعتكِ . ومنها أنني أضعتكِ وابتكرتكِ ، ثم أضعتكِ ، ومنها : سابتكركِ واضيعكِ ، الى أن ابتكركِ أخيرا على هيئة لم يرها أحد ، ثم أضيعكِ .

لم أقصد أن احبك ، لكنكِ تجليتِ كتابا ، فقرأتكِ على العشاق في دفتر العالم ، ولما أنتهيتُ مشيتُ خلفكِ ، لأنني رأيتكِ على الهيئة التي لن اُضيعكِ فيها ، لكنني سأضيع فيكِ ، فيما أبوك يرقص مصعوقا ، كمن اكتشف أن الشِعر يجلس على كرسيه في قصيدة نثر مجنونة ، كمثلكِ : زوّجني بكِ ، قبل أن يبتكروا الزواج ، فصرتِ امّا تحملني جنينا في بطنها ، واحملها في ظهري نطفة ، ستصيركِ وأنتِ تسرحين بقطيع الزمان في جنة هذه الاغنية ، فأولد ، وأمشي ضائعا في جمالكِ .



#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغنية كيف يكون الجمال صاعقا
- ملف : جان دمو الساطع كصلاة صباحية / رؤيا اخرى وقصائد ضائعة
- صورة كمال سبتي في شبابه
- اغنية عندما يعود السندباد الى بيته
- اغنية البلبلُ المشرَد
- كيف خسرتَ الوردة ، كيف ربحتِ العاشقَ ؟
- بورتريه المخلّص
- أغنية لتحطيم أنف العالم
- كمشة فراشات
- اغنية جمعية الشعراء الموتى
- اغنية عقيل علي
- ساحر من ألف ليلة وليلة
- أغنية حب بغدادية ومدينة الاشارة
- بورتريه الخطر
- أغنية الليل تحت عدسة مكبرة
- ثلاث قصائد
- النافذة
- قصيدتان
- اغنية خاتم سليمان
- كتاب النبؤات


المزيد.....




- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...
- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد العظيم فنجان - اغنية أمشي ضائعا في جمالكِ ..