عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2220 - 2008 / 3 / 14 - 07:50
المحور:
الادب والفن
طوّقنا الأزهارَ بالحديقة ، ربطنا الحديقةَ الى البيتِ ، ثم ربطنا البيتَ الى الارض جيدا . احتياطا :
من أجل أن تغوص جدرانه عميقا حتى جذور العناصر ، استخدمنا مطرقة عملاقة . رسمنا في الممرات ، كما فعل أسلافنا البدائيون في الكهوف ، ديناصورات لها شكل المدافع ، وخنازير تمتطي صهوة الطائرات ، ومن أجل أن ندفع الشر ملأنا الفوانيس بالبخور ، وفرشنا التعاويذ والادعية على أجفان المداخل . أثناء ذلك ، من ذاكرتنا الشاسعة الحروب ، استعرنا مجارف ومعاول : حفرنا خنادق من الدمع ، وشيّدنا سياجا من الخوف ، يمنع الغزاة من الوصول .
قيل لنا : اقفلوا الأبواب بإحكام ، لئلا تتسرب الظلمة ، فهي دليلهم ، فبعثنا بمن يشتري مسامير لتثبيت النور على الحيطان ، لكنه لم يجد غير صورالغزاة أنفسهم ، فاشعلنا فيها النار لأن الشتاء كان يتجول في الغرف ، مما يجعل الاثاث يرتجف من شدة البرد ، ذلك مما أجبر الكراسي ، الأغطية ، الملابس ، واسرّة النوم ، على تغيير أماكنها لتتجول ، هي الاخرى ، من غرفة الى غرفة ، حتى فقد البيتُ مغزاه ، فانفجر غاضبا :
- لماذا تعبثون ببدني ؟
انقلوا حربكم الى مكان آخر ، ودعوني أعيش في بيتي الخاص .
كنا قد ربطنا السقوفَ بسلاسل طويلة تنتهي بالسماء ، أما النوافذ فقد اغلقناها تماما ، عدا بعض الثقوب الصغيرة ، لئلا نختنق بالحسرات .
كانت ليلة من العمر ، تسمّرنا في نهايتها الى التلفاز ، وصافحنا المذيع شاكرين ، فكل شيء على مايرام – كما قال – ولم يعد ثمة غزاة ، لكننا كنا متعبين جدا ، فلم نفتح النوافذ لنتأكد من الجيران : لم نرفع السياج ، لم نوقف الدمع ، لم نتناوب على الحراسة ، ونمنا بهدوء ، واثقين من أن الأحلام ستجد رؤوسنا في مكانها ، فنرى في المنام ، بدلا عن الاشباح ، سربا من العصافير ، أو نسمع هديلا ناصع البياض ، كقلب الحمام ، لأننا لم نخذل الجمال ، رغم الرعب ، فقد طوّقنا الازهار بالحديقة ، وربطنا الحديقة الى البيت .
في الصباح ، عندما استيقظنا ، لم تكن ثمة أزهار أو حديقة ، ولا أثر للبيت : وجدنا انفسنا ممدين في العراء ، ومن حولنا ترفرف كمشة فراشات : تدخل بيضاء من ثقوب في أجسادنا ، ثم تخرج حمراء ، من ثقوب اخرى .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟