عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 08:28
المحور:
الادب والفن
اصطدته عندما كنتُ أكتبُ .
كنتُ مبعثرا قبل ذلك : أطيحُ بالشجنِ ، أمدُّ يديَّ في الجهات ، أجرُّ الهواءَ من ياقته ، وأشدُّ العاصفة من شعرها ، لاعقا الجروح التي شاركتني العيشَ مكشوفا تحت عدسة مكبرة : غاضبا غاضبا أشربُ العالمَ بعينين معصوبتين ، وأتقيا كل شيء دمعة بعد دمعة .
مع ذلك كنتُ ولدا مُشرقا ، اكتب زوارقي الورقية على نهر من الأسفار ، بين دفاتر الاغنية ، وفي بحّة الفجر . كما أنني كنتُ حانيا على الغابة ، أفركُ دائما صدأ ذاكرتها : اكشطُ عنها جربَ الزئير ، وأفرش لضيوفها سريرَ الغبطة ، بالرغم من القتال العنيف بين نفسي وبيني ، لأن الكمائن التي نصبتها كانت كثيرة جدا ، ولأنني كثيرا ما وقعتُ فيها .
اصطدته فيما أنا أكتبُ ، وهاهو الآن في غرفتي .
كثيرا كمنتُ له في القروحِ ، في العباراتِ ، وفي مفارق الطرق عندما تعوي المدنُ من شدة الألم ، فيما الذئابُ ، في فواصل الجسد ، تلحسُ عظامَ فكرتي عنه ، لكنه كان يفلتُ من مدار الاشارة ،
يختفي مثلما جاء ، ساحبا خلفه حزمة من خنادق حفرتها لإصطياده ، وشراكا ، هي قصائد تعكس
القاريء وقد تعفّنَ في مرايا الأمل .
هاهو في حوزتي مجردا حتى من الظلام ، فيما الزمن يجري كعادته ، تاركا لنا ، نحن الاثنين ، فرصة الانقضاض على بعض . كنتُ واثقا أنه هو ، وليس نسخة مزورة ، كتلك التي طاردتها طويلا في حروب خضتها بدون طائل ، فسحبتُ له كرسيا من حديقة القصيدة ، واجلسته .
غنيّتُ له : ياليل ، ياليل
ياليل
ياليل ..
كم ناديتكَ يا ليل ؟
كم أنشدتُ ، تحت مظلات حرابكَ :
الا يا أيها الليل الطويل ، ياليل
أنتَ ياليل ،
يامن تفرَ من الليل الى الليل
يا من تنقل الليل الى الليل ، ياليل
الا انجلي بصبحٍ
ولم تنجلِ ، ولو مرة ، ياليل ..
كان غنائي نواحا ، كان بكاءا ، كان صراخا ، كان .. حتى رأيتُ النجوم ، على كتفيه ، تثغو ، كما أن القصيدة اكتظتْ ، هي الاخرى ، بحشرجات القتلى ، فمزقتُها ، ورفستُه .
هكذا تركته يتلوى وحيدا ، في الغرفة ، وخرجتُ لأتثائب .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟