أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - يادفء صوتكِ فيروز .. في ليالي الشتاء الباردة .. // المطر يغسل جراحنا ، وينكسر على مرايا الشوارع















المزيد.....

يادفء صوتكِ فيروز .. في ليالي الشتاء الباردة .. // المطر يغسل جراحنا ، وينكسر على مرايا الشوارع


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 2524 - 2009 / 1 / 12 - 06:08
المحور: الادب والفن
    


في شتاء ماض ٍ كنا معاً ، قبل ان يبتلعنا الزحام انهمرت قطرات المطر على الطريق الرمادي ، كإنّ تلك القطرات دموعي ، وذاك الطريق وجهي ..
شعرت ببرد قارص في تلك الامسية الشتائية التي ابتلعت ريحها صوتي ، لكن ثمة صوتاً بعث الدفء الى قلبي إذ احتوى غربتي وضياع خطواتنا بين آلاف الخطوات .. كان ذاك صوت فيروز.

الأسماء والذكريات

مازال صوت فيروز يرافقني في اماسي الشتاء الطوال مثلما في الأصبح الندية ، ويجعلني ابكي إذ تتنبأ العاشقة الكامنة في اعماق فيروز بما ستفعله الريح الباردة بإسمها :

"اكتب اسمك ياحبيبي على الحور العتيق..
تكتب اسمي ياحبيبي على رمل الطريق..
بكرة بشتي الدنيا على القلوب المجرحة..
يبقى اسمك ياحبيبي وإسمي بينمحى .. "

نعم ، انها ريح الشتاء تهدد هدوء الرمال ، تمحي بعض الاسما ء ، تبقي بعض الجراح والذكريات المتقادمة..

في كتابه ِ (جماليات المكان) يقول الفيلسوف والكاتب جاستون باشلار:
"الشتاء اقدم الفصول ، فهو لايضفي قدماً على ذكرياتنا حسب آخذاً إيانا الى الماضي البعيد ، بل انّ البيت نفسه يصبح في الايام الثلجية قديماً كأنه عاش عبر القرون الماضية ".

زمن للتأمل

الشتاء ليس فصلاً للبرد والليالي الغارقة في الصمت الطويل وانكسار الامطار على مرايا الشوارع فقط ، فالشاعرالعراقي علي حسن الفواز يرى ان الشتاء زمن للكثافة تتلجلج فيه الاشتاء ويتحول فيه الكلام الى نسيج ممدود بالحلم والانتظار والايحاء.

يقول الفواز علي :
ـ اشعر انّ شتائي هو زمني الشخصي امارس فيه طقوس التأمل والانصات الى صوت النار والخروج الى اقصى الاشياء حيث الليالي الطوال المغسولة بالامطار البليلة واليقظة عند ذاكرة لزجة تمور باحساسات الوحدة وملامسة خبايا النفس.
يصمت شاعرنا ،الفواز، ربما ليتأمل زمنه الشتائي عبر نوافذ المطر والغيث .

الطبيعة تقاسمنا الألم

اشعر بالبرد، صوت فيروز يدثرني ، ربما من اجل هذا الدثار الاثير انتظر الشتاء ، وربما لدي اسباب اخرى كالتي قد تكون عندكم تدعوني لأحب الشتاء مع انه يجئ بالعواصف والرعود .
ربما نحب الشتاء لإنه طقس من طقوس اشتراك الطبيعة معنا بأحزاننا ؟!
وحين نقرن ، لامحالة ، موسم البرد بالحب ومن ثم البكاء ، فذلك لإننا نرى الشتاء يزحف على سمائنا زحف الحب على القلب ، يداعبه ببطء حيناً ويحوله الى اعصارمن العواطف .. فالشتاء يحرك في القلب مشاعر احترقت خلال الصيف وينعش رغبة خفية وحاجة الى الدفء، الى البحث عن شيء لايستطيع الصيف منحه، وحين يدب الألم في النفس نجده يمنح الطبيعة مطراً ينهمر مع دموعنا حتى تبدو الطبيعة وكأنها تقاسمنا الالم .

الشتاء ليس فصلاً للبرد
، وإنما للحلم والانتظار

اتوقف عند نافذة ما تتوق دائماً للندى ، اتأمل غيمة تحتضن قمة مبنى شاهق ، اتخيلها عاشقة تظن حبيبها ساكناً في المبنى، يشعر المبنى بحنانها ، يمر الوقت وتدرك الغيمة خلو المبنى من الحبيب، فتبكي مطراً وتنتهي..
وإذ أرى الغيمة بهذه الصورة، فإنّ خيال الطفل يجعله يتصور انّ في تلك الغيوم بلاداً سحرية إذ انها تتجمع بأشكال وجغرافيات تجذب الناظر الى التطلع لإقتحامها عسى أن يجد فيها بلاداً وأحلاماً غير مألوفة تدغدغ طفولتنا الساكنة في اعماق نضوجنا !

اساطير الشتاء

بودلير، الشاعر والكاتب المسرحي، الفرنسي يرى "ان الحالمين يحبون الشتاء القاسي ويتضرعون الى السماء ان ترسل اقصى ما تستطيع من الثلج والبرد، لإنّ بهذا تصبح اعشاشهم اكثر دفئا ونعومة".
وربما يحب بعضنا الشتاء لإنعاش رغبة طفولية راسخة في التعلق بقوس قزح حين تنكسر جدائل الشمس في اثناء تموجها مع زخات المطر، وقد يحبه البعض لرغبته في التحليق وسط امواج الضوء حينما تبرق السماء بصحبة الرعد.
وقد نحب الشتاء للسبب الذي ذكره الأديب الروسي (باشلين) من إنّ "الحكايات العظيمة والاساطير الجميلة التي يتناقلها الناس تصبح ذات معنى محدد خلال الامسيات في بيوت معرضة للثلج والرياح الثلجية ، وتصبح تلك الاساطير للذين ينغمرون فيها صالحة للتطبيق فوراً ".

ألم نشعر بإنّ الحكايات التي تقصها جداتنا حول المواقد حقيقية اذ الريح تتنصت لهن حيناً وتزأر حيناً اخر؟
بيد إنّ الريح تخيفنا وهي تحاول اقتحام غرفنا الموصدة .
مراراً ، حاول الشتاء اقتحام غرفتي ، ربما لتغفو ذرات المطر الباردة على وسادتي وأحلامي ، لكنني امنعه من الدخول تاركة الاشجار العارية وحدها تلفها دوامات الريح الباردة.

الشتاء والعواصف و.. أرواحنا

ألسنا نخشى العواصف والاعاصير ايضاً ؟
(ريلكه) الشاعر والفيلسوف الالماني يرى انّ " العواصف ذات طابع عدواني لاسيما في المدن ، وهو يجد في العاصفة تعبيراً عن غضب السماء العنيف ، لكن الاعاصير تكون اقل عدائية لنا في الريف ! انها تحتضن البيت الريفي بأذرعها وتعلمه كيف يواجه الصعوبات " .

بالرغم من كل ذلك ومما يذهب اليه ريلكه، اصرُّ على اننا نحب الشتاء ونترك ارواحنا تمتزج بأمطاره مثلما تمتزج بقصائد الشعراء .

الشتاء والغربة

لم يزل الصوت الفيروزي يهمس ، بدف ء ، في الاعماق الباردة حينما يشعرنا الشتاء بالغربة..

تأتينا كلمات الشاعر علي الفواز ، مرة ثانية ، وهو يقول :
ـ البرد يجعلنا اكثر قرباً الى انفسنا وأجسادنا ، لذا فإنّ الغربة لم تكن لحظة شتائية خاصة بقدر ما إنها اشبه بالكائنات التي تجد في هذا الفصل البارد فضاءها الذي ترتدي فيه كل ثياب السهرة ، وتقرأ كل دواوين الشعر وتشرب كل فناجين القهوة وتأكل نصف الروح ، لتمارس طقوسها القاسية في الاغواء والحزن والبحث في خطايا الذات عن آخر اوراقها، إنّ غربتنا اثيرة المطر وصديقة المواقد والحكايات التي لاتنتهي .

وبعد البرد ربيع

حبنا للشتاء لاينتهي هو الآخر، لإنّ وراء الشتاء ربيعاً..

في قصيدة ( الشتاء) ينشد السياب:
" وكأنما قوس السحاب وقد بدأ
اوتار قيثار مضت تتنادم
فتقاربت حتى يعاود عزفها
روح الانامل بالملاحن عالم
هذا الشتاء فأوسعوه تحية
فوراءه إنّ الربيع لقادم "

إذن ، انت قادم

سأقف وراء النافذة ، وغناء فيروز يحتويني ..
أراقب الطريق الرمادي البليل بدموع الغيمات ، ودموع انتظاراتي تحت الاشجار
العارية وهي تتلوى بأذرع الريح، فقد قالوا إنّ الربيع مقبل بعد امطار الشتاء..
إذن ، انت آت




#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من غير زعل : حرب القناعات
- بين الحب والحرب : مكانٌ داخل نفسي .. خارجها
- حين يكون للصمت على الشفاه صدى
- الطبيعة تعزف موسيقاها ، والقلب كذلك ..فماذا لو خلا العالم من ...
- تذكرة الى مدن الحب (1)
- إنعشوا الحب
- اطفالنا والعنف .. الذاكرة المخدشة
- خمس سنوات من الغرق في السعادة والرفاهية ..!!
- غارة نسائية : المبدعة وأنيابهم
- هروب المرأة الفراشة الى الحرية
- قصة قصيرة هواجس صاخبة
- قصة قصيرة صبي الاشارة الضوئية
- ميزانيات انفجارية ، لكن في الهواء !!
- وداعاً.. ايها الشهاب
- الفقراء يدفعون الثمن دائماً !
- شاطئ الورد..شوهته المفخخات!!
- قبلة قبل الموت
- الفرح في وطنٍ مُغتصَب .. مسروق .. مجروح ؟!!
- وطني .. ابكي عليك
- الفصول لاتشيخ


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - يادفء صوتكِ فيروز .. في ليالي الشتاء الباردة .. // المطر يغسل جراحنا ، وينكسر على مرايا الشوارع