أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - الفصول لاتشيخ














المزيد.....

الفصول لاتشيخ


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 09:05
المحور: الادب والفن
    


مرة ،حلمتُ بالفصول تتوالد كما الاطفال يتكاثرون . لكن الفصول لا تشيخ كما الاطفال يهرمون .
الصيف مازال حاراً لم يتغير فيه شيء . وحدنا نتغير .. كنا نهرع الى سطح الدار كل مساء . وتداعب ضجتنا الطفولية الصمت الازرق الذي تتداخل معه شعاعات حُمر . وعلى احد الجدران المتسمرة على السطح تضع امي كوزاً غالباً ما تشا كسه اصابعنا ، فيصيب البلل الوسائد والشراشف مختلفة الالوان والنقشات التي تتداخل خطوطها لحظات تجعدها باقدامنا الصاعدة والهابطة .
كان اخوتي يتقافزون عليها بهدف اللعب بينما كنت اقفز معهم عسى ان يمسي رأسي بمستوى اعلى من جدار بيتك .
كثيراً ما تسللتُ الى السطح قبل اخوتي خلسة ،لأرصف عدداً من الاحجار ، واحدة فوق الاخرى ، وأقف عليها متطلعة اليك من شق في الجدار الفاصل بين بيتينا . وبمرور الاعوام اخذت الاحجار تقل حتى اختفت جميعها .
**********
عبر ذلك الشق كانت امل تراقب محمداً جارها . كثيراً مارأته يرسل ابتسامة الى سها من فوق جدار منزله الملاصق لمنزلها .
كانت سها تمنحه بين لحظة واخرى نظرة قلقة تشوبها الريبة خشية ان يقبض اخوتها عليها متلبسة بالحب ــ انه طائر مذبوح لايحق له التحليق دائماً ــ فتشيح وجهها الى حبل الغسيل وهي تنشر عليه الثياب البليلة .
**********
اختفى الكوز والشق . صرت ارى شعري الاسود يتدافع نحو خيالك مع نوبات ريح المبردة وهي تملأ الاصياف بالضجيج ،فأفتح في فضاء الغرفة السفلية شقاً استرق عبره النظر اليك والى شظايا خريف قادم لمحتها في حقيبة سها ما ان اكمل ثلاثتنا دراستنا الجامعية ! والتحقت ـ انت ـ بخطوط النار .
**********
الخريف اسطورة غربة . . وحين سافرت سها طمعاً في جنة لاخريف يزحف عليها ، لم تعرف انّ للجنة ثمناً يفوق ما تنضح به الرُزم الخضر . عادت مثقلة باشواك الاغتراب . لم تعد ترى في الخريف تلك الاسطورة بل مرآة تشهد اصفرار تجاعيدها التي فقدت فرصة الارتواء من غيث شتاء يشبه ذلك الذي جمع الثلاثة تحت سقفه الابيض .
**********
الشتاء غيمة مخلدة على اللوحة الزرقاء .. من سقفه انهمر مطر غزير . . ولمّا كان موقف الحافلة مزدحماً باجساد اتشحت بالابيض والرمادي والازرق الغامق ، اتكأتُ وسها على جذع شجرة نبق تجاور موقف الحافلة . مرّ محمد بنا ، وقال ان الغيم اسطورة ، ولاخوف من المطر .
ضحكت سها وهي تحفر بازميلها الاسمر وجه الشمس على جذع الشجرة .
وانا عينٌ على الغيم .. واخرى على بؤبؤ الحريق الاصفر . قلت لهما ان الصحو اسطورة ؛ ألاتريان السماء بدأت تتخم بالسواد والدخان والعقبان ؟
**********
في ذلك الصباح الماطر مرّت بعض بنات المحلة بالزملاء الثلاثة مصادفة وهن متلفعات بعباءاتهن . لم ترَ عيونهن سوى محمد . لم يخشين المطر .
قلن في سرهن ان محمداً هو الربيع . بقين يقلن هذا حتى عندما حاول احدهم نفث دخان جيبه على فصول الربيع .
**********
كانت اصابعه ناعمة وبشرته قمحية غير مشرئبة بالغبار . عاد الى المحلة بغية بيع داراهله القديمة ، فاذا به يحاول القبض على نظرات امل الشاردة في الجدار المنسي . اراد اسرها في حدود عينيه المُطفأتين ومحفظته المتخمة بالورق الاخضر . . لكن امل لم تشعر بوجوده حتى انه لم يلفت نظر أيّ فتاة في المحلة ، بيد ان ثمة انفاً جذبته رائحة الدولار .
**********
لملمت سها اشياءها دون الذكريات ودون وجهك ووجه الشمس في حقيبة جلدية سوداء ،لتتوارى خلف الجيب الاخضر عن حلم الطفولة ، بينما كنتَ تتنفس هواء الخريف المتخم برائحة البارود ، وتمارس لعبة الصراع مع الموت على تضاريس مشبعة بروائح الاجساد المتعرقة واكداس الرصاص .
**********
في ذلك الشتاء البعيد استطاعت سها ان توهم امل ومحمد بأنها تملك ازميلاً تحفر به وجوهاً متعددة للشمس . وما عرفا لوقت طويل ان اصبعها حين لامس جذع شجرة النبق الندي ،كان يعبث في السراب ولم ينحت وجهاً للشمس .
ذلك الوجه الذي لم يعثر عليه محمد عندما مرّ بالشجرة بعد سفر سها باحثاً عن ظلالها وعن جواب لسؤاله :
لماذا سافرت فجأة ؟!
**********
كان القادمون يتحدثون بغمز ولمز عن افاعيلك . هل كان الثمن الذي قبضته اغلى من عرق كفَي محمد المغروستين في اعماق الارض الندية ، وهما تتشابكان مع جذور الفسائل النامية بقطرات دماء جراحه ؟!
لم اخبر محمداً بما سمعته عن تصرفاتك هناك .
معرفته بها كان ليجعل موتك اعمق ،بيد ان هروبك من اخيلة رصاصات قد تغتال جسده كان كافياً ليتشبع جسدك برائحة الكافور ، ولتأسفي بعد حين على ربيع لم تحتفظي بظلاله الخضر .
**********
الربيع لايتغير . . محمد يعود صبياً ،يسرع الى السطح المهجور ، ويُحدِث في الجدارالفاصل بين بيته وبيت امل شقاً بشظية صرعها يوم استقرت في صدره . ينظر عبر الشق الى امل وهي تنشر الثياب البليلة على الحبل ، بينما سها مذهولة تؤشر له بيديها وتناديه بعينيها حتى يتآكل وجهها وينضم الى الغبار محاولاً تقصي آثار رجل الورق الاخضر الانيق الناعم .
**********
اتسمر في حدود نظرتك . لا أشيح وجهي عن عينيك المسترقتين للنظر ، خشية ان يقبض العُرف على قلبي متلبسة بالحب .
الحب ليس طائراً مذبوحاً لا يحق له التحليق . انه كالفصول ، لا يتغير ، وانما نحن نتغير .



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حال الدنيا : اكذوبة حرية التعبير
- حال الدنيا : غربة
- الدنيا حب وحرب : غربة
- قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة
- اعمار النفوس .. طريق الخلاص
- بلاء كل يوم
- مغادرة الطفولة بالقوة
- صنفوا القتلة على قدر ( شرفهم وانسانيتهم )!!
- صور يومية من هموم المرأة العراقية


المزيد.....




- وفاة ديان لاد المرشحة لجوائز الأوسكار 3 مرات عن عمر 89 عامًا ...
- عُلا مثبوت..فنانة تشكيليّة تحوّل وجهها إلى لوحة تتجسّد فيها ...
- تغير المناخ يهدد باندثار مهد الحضارات في العراق
- أول فنانة ذكاء اصطناعي توقع عقدًا بملايين الدولارات.. تعرفوا ...
- د. سناء الشّعلان عضو تحكيم في جائزة التّأليف المسرحيّ الموجّ ...
- السينما الكورية الصاعدة.. من يصنع الحلم ومن يُسمح له بعرضه؟ ...
- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - الفصول لاتشيخ