أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - قصة قصيرة هواجس صاخبة















المزيد.....

قصة قصيرة هواجس صاخبة


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 04:49
المحور: الادب والفن
    


ـ متى يحين دوري ؟
أسأل نفسي ، كلما غادرت داري صباحاً في طريقي الى العمل وبعدما انظر الى المرآة ، وأتأمل مظهري .
ارتدي ثوبي الأخضر .. أضع حاجاتي الصغيرة في حقيبتي الجلدية السوداء.. انتعل حذائي الاسود ..
اغادر الغرفة نحو النباتات التي تتوسد السنادين برّقة ونعومة ، وتمنح واجهة البيت دفئاً ومظهراً خلاباً لاسيما تلك التي تتحدى حرارة الشمس اللاهبة ، وتتسلق على الجدران ، كأنها تريد الأمساك بأحدى الماسات المعلَقة على وجه السماء ، والتي لانراها الاّ مساءً .
عند الساعة السابعة صباحاً أودع أمي .
في طريقي نحو الشارع الرئيس تمطر الأجواء وابلاً من الرصاص . أختبئ في احد الشوارع الفرعية مثلما يفعل آخرون . يسكت الرصاص فجأة . أستكمل طريقي الى الشارع الرئيس ،كالعادة من غير أن اعرف ماالذي حدث !
تجيء سيارة (من طراز الكيا ) .. أصعد من غير قاسم الذي يسكن نهاية الزقاق الذي أقطن فيه . تصعد إمرأة تحمل كيساً . تتسمر عيناي بها دقائق .. تتحولان بعدها الى ما تحت المقعد الذي تجلس عليه المرأة .
أكسبني الخوف عادة جديدة .. مراقبة الناس وتفحص المقاعد التي تقع على امتداد بصري.. في الباب الشرقي أنزل من السيارة ، وأتوجه الى دائرة عملي ..
في السماء غبار .. والى أذني تتناهى أصداء انفجارات في مكان ما من بغداد .
*****
إنها ورقة أخرى تتهيأ للسقوط من شجرة الزمن .. أرتدي قميصاً بنفسجياً فاتحاً وتنورة سوداء . انتعل حذاءً بنفسجياً غامقاً ، وأحمل حقيبة باللون نفسه . أسمع أمي تدعو لي بالسلامة حينما أفتح باب الدار . ألقي نظرات سريعة على النباتات المُبهجة . أسمع موسيقى احتفائها بما منحتُها من بلل منعش .
في الشارع أجد قاسم سبقني الى انتظار سيارة تقله الى العمل .أقف قربه بعد أن يستقبلني بأبتسامة وإطراء لمظهري .
يقول أنه يمنح الناظر إحساساً بجمال الحياة وصفائها . تصل سيارة ( الكيا ) .. أجلس .. يجلس قاسم الى جانبي .. تنظر إمرأة اليّ والى حقيبتي .. أشعر بها مكتسبة العادة نفسها . أصل الى الباب الشرقي . أذهب في طريق ، ويذهب قاسم في طريق آخر .
*****
أنظر الى المرآة ، وأنا استكمل ربط ازرار قميصي الوردي . أسال نفسي إن كان القميص سيعجب قاسم . اعجبَ أمي التي تقول لي وأنا أهمّ بالمغادرة : انتبهي لنفسك ..
اما أنا ، فأنتبه الى الفروع المتاشابكة التي حولّت واجهة الدار الى حديقة عمودية .. سأفتقدها حينما يأتي الشتاء ، ويبلل السيقان العارية بالمطر .
في الشارع أصعد مع قاسم الى السيارة ( من طرازالكيا أيضاً ) . يحدثني عن حبه لي وأحلامه .. ومخاوفه من المجهول الذي ينتظرنا جميعاً . ينبهني حديثه الى معاودة المراقبة . أصوب بصري على الرجل الجالس أمامي ، وعلى كيس ورقي صغير في يده بارتياب . أطيل النظر الى الكيس قبل أن أرفع رأسي . أجد الرجل ينظر إليّ مرتاباً !
أنزل مع قاسم من السيارة في الباب الشرقي .. أتنفس الصعداء.
*****
يعجبني هذا الصباح ارتداء سترتي الصيفية الحمراء.. تحتها قميص بلا كُم ، تتمازج فيه خطوط حمر وأخرى بيض وسود . أما التنورة ، فهي سوداء ، وحجاب الرأس والحقيبة سوداوان .
أطبع قبلة على خد أمي ، وأنا اهم ّ بالمغادرة . انتبه في اثناء الخروج الى إن ّأحدى النبتات أصفرمعظم أوراقها .. أقطع الأوراق الصفر.. إحدى الاوراق ممزقة وقد سقطت من السندان .. وتحتها شظية صغيرة مُعفرة بدم ٍيابس .. أرفع الورقة والشظية من السندان ، وألقيها مع الأوراق الخضر التي بقيت ، وهي قليلة . تقول أمي : ستنمو فروع وأوراق خضر جديدة ، قريباً .
أسقي كل السنادين .
أصعد الى السيارة ( الكيا ) من غير قاسم . أنظر بريبة الى الوجوه الكالحة والمتعَبة .. والمتوحشة .. أفتقد قاسم كثيراً .. هدوء أسطوري يخيم على كياني ..
*****
ـ متى يحين دوري ؟
أسأل نفسي مجدداً حينما أنظر الى المرآة العريضة المعلَقة بشموخ على جدار غرفتي بالرغم من كل اهتزاز يحس به الجدار كلما وقع إنفجارأو هوت قذيفة على مقربة من حينا . أجد صورتي في المرآة جميلة .. ثوبي فضفاض ابيض ، يبدو مشعاً بالضياء كما لم أرَ نفسي من قبل . ربما هو الحب الذي يكبر في روحي يجعلني أرى صورتي أجمل . أجد أمي تسقي النبتات بالماء والدمع أيضاً !
أغادر الدار .. أرى قاسم واقفاً بالانتظار .. تصل السيارة ( الكيا ) .. يصعد قاسم . أصعد وراءه . أجلس الى جانبه . أنظر اليه ، والأبتسامة الهادئة لاتفارق شفتي .. لايلتفت إاليّ .. أستغرب جفاءه !!
أراه مطرق الرأس ، أسأله ماالذي يحزنه . لايجيب . أشعر بالحزن مثله .
لمَ لايعيرني أهتماماً ككل يوم ؟! حرقة حزني تدفعني الى هوايتي حديثة العهد . أراقب هذه المرة الركاب وما يحملون .. أمامي وخلفي . لايسألني أحد ماذا أفعل . ينزل قاسم من السيارة في الباب الشرقي . أنزل ، ايضاً ، قاصدة مقر عملي .. يغيب قاسم عن ناظري .
*****
هذا صباح آخر . أنظر في المرآة الى ثوبي الأبيض . فضفاض ، مريح ، جميل كما أعتدته بالأمس . اشعر به يلتصق بي كجلدي . لم تعد ثيابي الأخرى تجذبني لأرتديها . أغادر غرفتي . ألقي التحية على أمي التي لم أعتدها حزينة كما أراها هذا الصباح . أحمل دلو الماء نحو السنادين . أجدها بليلة . سبقتني أمي اليها بالطبع . أخرج . أصعد مع قاسم الى السيارة . أجلس الى جانبه . أحاول فتح حديث ما معه . يدفعني كبريائي للتراجع . أشيح وجهي عنه . لا اطيق إغفاله لي بالأمس . ذلك الأغفال جعلني أتأرق ليلة البارحة حتى أتعبتني الهواجس والوساوس والأفكار السود . كان قاسم متأججاً بالمشاعر . ماشأنه اليوم ، وقد صار كائناً ثلجيا ً ، بينما أتحرق أنا حباً ؟
أحاول تجاهل الحالة بمراقبة الركاب الجالسين أمامي . أحدق في وجوههم وأياديهم وتحت مقاعدهم . لاينظر أحد منهم إلي ّ . نصل الى الباب الشرقي . ينزل قاسم . أنزل أيضاً بحرقة حبي وإطراقة رأسي . أنتبه الى انني حافية القدمين !! يملؤني الأستحياء . تنفجر سيارة مفخخة قريبة جداً منا . دوي عاصف يهز الأرض والمباني القريبة وأجساد الناس وبضائع الباعة . غول دخاني مرعب ينمو في لحظات ويكبر . لهيب أحمر يفتح فماً مرعباً يلتهم الأجساد والسيارات و..أشياء أخرى . الناس يتراكضون يميناً ويساراً . اللحم يتناثر. أشلاء تتطاير . تتوزع بعشوائية بين الشارع والرصيف والمدى . ذراع هنا . قدم هناك . أشعر بهول الفاجعة . أحاول التقيؤ . افشل . أرى قاسم يحترق !
يصير قطعة لحم صغيرة متفحمة . يزداد شعوري بالهلع حتى يكاد يخنق أنفاسي . أنا أفقد حبيبي . الجميع يركض . يهرب . يحاول تجنب الشظايا . البعض يتلوى بعد أن يبصق فم اللهيب عليه . الكل يصرخ ، إلاً أنا ، أتسمر وسط الدخان والنيران . ثوبي مازال محتفظاً ببياضه . لم يتسخ بالدخان والرماد المتطاير . لم تمزقه أنياب الفم الملتهب الكريه . لم تشعر قدماي الحافيتان بسعير الأنفجار المروع الذي لايشبهه رعبٌ آخر ، مثلما لم تحسا بوخز الشظايا الزجاجية المتناثرة على الأرض الملتهبة . سيارات الأسعاف تصل . يحمل المسعفون على النقالات القطع المتفحمة والأجساد المصابة بالشظايا . ألقي نظرة وداع أخيرة على لحم قاسم ، وهويوضع على النقالة الى جوار قطع لحم أخرى ن ومنها الى سيارة الاسعاف . أطلق دمعة للدخان . أشعر بيد تلتف حول خاصرتي . ألتفت . ارى قاسم يرتدي ثوباً أبيض َ فضفاضاً جميلاً . يقف الى جانبي حافي القدمين . يجمعنا عناق طويل ، ونحن نسمع صوتاً يشبه صوتي أو ربما صوت قاسم :
ـ متى يحين دوري ؟



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة صبي الاشارة الضوئية
- ميزانيات انفجارية ، لكن في الهواء !!
- وداعاً.. ايها الشهاب
- الفقراء يدفعون الثمن دائماً !
- شاطئ الورد..شوهته المفخخات!!
- قبلة قبل الموت
- الفرح في وطنٍ مُغتصَب .. مسروق .. مجروح ؟!!
- وطني .. ابكي عليك
- الفصول لاتشيخ
- حال الدنيا : اكذوبة حرية التعبير
- حال الدنيا : غربة
- الدنيا حب وحرب : غربة
- قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة
- اعمار النفوس .. طريق الخلاص
- بلاء كل يوم
- مغادرة الطفولة بالقوة
- صنفوا القتلة على قدر ( شرفهم وانسانيتهم )!!
- صور يومية من هموم المرأة العراقية


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - قصة قصيرة هواجس صاخبة