أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - اسماء محمد مصطفى - قبلة قبل الموت















المزيد.....

قبلة قبل الموت


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 09:11
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


انّه يومٌ ما من العام ألفين وستة.
الوقت فجر.
أستفيق من غيبوبتي اليومية وأنا أتصبب عرقاً ورأسي مصاب بالدوار، أجد رجلاً بحلة مهيبة مستلقياً إلى جانبي.
الكهرباء غائبة كالمعتاد، وضجيج المولدات الكهربائية التي يُشَّغلها الجيران يكاد يفطر جدار الغرفة لا رأسي فقط.
وحده، هذا الرجل انهزمت حبات عرقه أمام شخيره، ثمة صدى في الغرفة المخنوقة بالحر الصيفي الهالك يردد:
شهرزاد.. شهرزاد..
لكنه قد يكون صدى أعماقي التائقة إلى المزيد من الحكايات.
لست أذكر انني كنت، من قبل، شهرزاد، ولم أعتقد، قط، ان شهرزاد لم تكمل حكاياتها، ولم أظن ان لبغداد ليالي أخرى غير الليالي الألف، لكن صياح الديك عند الفجر ألغى كل تصوراتي واعتقاداتي وجعلني أدرك ان الرجل المستلقي الى جانبي انما هو شهريار.
لكن كيف أصبحنا نسكن في غرفة قديمة غير غرف القصور، وننام على غير الفراش الناعم؟!
أشعر بالخواء وحاجتي إلى الامتلاء بالحكايات، لذا سأفتش عن حكايات جديدة في بغداد، أقصها على ملكي الذي ربما لم تكفه الليالي الألف ليتعلم الحب، وقد تكون به حاجة إلى ليال جديدة، ليكف عن قتل النساء.
سأبدأ رحلتي الآن، قدما مع الزمن أو عودة إلى الوراء قليلا، وأجمع حكايات الحب.
***
انه الأربعاء، التاسع عشر من آذار (مارس ) من العام ألفين وثلاثة.
أنا أجلس الآن على أرجوحة معلقة بالقمر في سماء بغداد.
أصغي لأصوات العشاق، بحثاً عن الحكايات.
عند أحد الشبابيك المشرعة في وجه السماء تقف فتاة جميلة. تهمس:
ـ أنا وحبيبي معلقان بأهداب القمر، ننتظر مراسم العرس يوم غد الخميس.
الخميس، عُرِفَ عنه بأنه يوم لإقامة حفلات الزواج، اما اليوم، فقد تضمخت كفي بالحناء التي بدت كطائر صغير بارد دغدغ مشاعري.
أنظر إلى السماء من نافذة غرفتي التي سأودعها غداً، بدمع الفراق. أسأل: أستكون لدي فرصة لأحظى بالعرس الذي حلمت به، وخططت له، أم السحب السود ستمطر أحلامي وتغرقها؟!
يأتيني حبيبي مسرعا، يطلب مني أن نشرع بحياة جديدة في بيتنا الصغير:
ـ لكن أيّ زفاف نقيمه في هذا اليوم المر؟
ـ ربما المراسم تتغير، بيد ان الزفاف سيتم، ليس أكثر من ان تضعي يدك في يدي، ونمضي معا باتجاه المستقبل.
***
أنصتُ إلى صوت قلبي، وارتديتُ ثوبي الأبيض، وتناغمت خطواتي مع خطوات عريسي نحو البيت الجديد الذي وجدناه يهتز من شدة القصف.
***
هذه حكاية غريبة، بطلاها امل وحسن، العاشقان العراقيان اللذان لم يسمحا للحرب بمصادرة حلمهما في اتمام زفافهما والاستمتاع بإحساس الحب حتى لو جاء الموت بعده بلحظات.
الحب يسعد الناس، وبه يتكاثر الفرح. اما الحرب، فتؤلم وتقتل، وبها يتناسل الحزن.

يأتيني صدى من كل مكان، يقول:
بالرغم من كل الحروب التي مرت بنا، واضعة عند عتبات ابوابنا أكفاناً للأجساد والاحلام معا، فانّ الروح العراقية تحلق بتوهج وثقة امام مرايا الاحلام التي تتناسل باستمرار.
انّ احد اشكال الفرح في المجتمع العراقي يتجسد بالاعراس. وقد اعتادت الشوارع العراقية، قبل الاحتلال، استقبال مواكب الاعراس.
ينزل المحتفلون الى الشوارع، يرقصون على وقع الموسيقى الشعبية الصاخبة، وعادة ما تتخلل الرقصات الجامحة والدبكات المتوارثة أغاريد النسوة.
كانت مراسم الاعراس تبدأ عصراً أو عند غروب الشمس، وتستمر حتى اوقات متأخرة من الليل، وأحياناً حتى الفجر.
بعض العرسان اقاموا اعراسهم في منازلهم او حدائقها، والبعض الآخر أقامها في نوادٍ وقاعات عامة مخصصة لحفلات الاعراس.
يصمت الصدى، فأغوص في الزمن أكثر. اصل الى محطات بعض الاعوام السابقة للاحتلال.
اجد بعض الشباب يتوزعون بين الفضاءات المحيطة بالفنادق بانتظار مواكب الاعراس التي تحط عندها، ليدقوا على دفوفهم ويرقصوا. وقبلهم، اجد في الشوارع بعض الشباب من الباحثين عن الفرح يرقصون في امكنتهم، اذا ما مَرَّ موكب زفاف.
انه جزء من طقوس المحبة العراقية للحياة على الرغم من ضغط الحروب والحصار.
***
العرائس، اجدهن، يظهرن بأبهى حلة، والزينة تعلو وجوههن ورؤوسهن ، فيمشين اشبه بالحمامات البيض المحلقة في دنيا الاحلام.
سعاد، فاطمة، ابتسام، هناء..
عرائس يبدون كأنهن قطع كريستال تضيء في ليالي الفرح او أميرات قادمات من القصور المخملية. لكن دوام الحال من المحال، فالأميرة الاسطورية النائمة ليست وحدها من وخزت اصبعها الناعم بمغزل الساحرة الشريرة الباغضة للحب والفرح والخير. اذ يبدو أنّ في العراق عدداً كبيراً من الاميرات النائمات بانتظار فرسانهن الذين يطبعون على شفاههن قبلات ما قبل الموت.
***
وكانت فرح تنتظر قبلتها، لكن عريسها اختفى وراء دخان الحرب القادمة.
***
انّه العام الفان وثلاثة.
وأنا شهرزاد أحلق في الفضاء الضاج بهدير الطائرات وصخب الموت والدمار الذي حطم العروس فرح، وسلبها حلمها الجميل حين اغرق المطر الاسود خطيبها.
بقيت محتفظة بثوبها الابيض حتى اليوم، ربما، لأن اميرها يزور مخيلتها ويطبع قبلة على جبينها القمحي الشامخ.
***
في التاسع من نيسان ( ابريل) بالتحديد، يدخل الاميركيون الى بغداد وأخواتها من المدن العراقية، لكن حالة من الفوضى تعم بفعل انهيار الدولة والسلطة معاً.
العرائس يشعرن بالقلق والخوف من امتداد مخالب الاستلاب اليهن، وكذلك، يخشى العرسان على سلامتهن.
تودع الليالي صخب مراسم الزفاف، وتحتضنه النهارات المليئة بالهواجس. تشكو النوادي الليلية والقاعات العامة المخصصة للاعراس الهجر والنسيان، وتغدو الاعراس مقتصرة على مراسم بسيطة وضيوف محدودين.
تذهب العروس الى الصالون، وما أن تهم بمغادرته حتى تضع على رأسها شالاً اسود، وتمشي بخطوات عجلى نحو سيارة تنتظرها. فأما ان يقام عرسها في المنزل، واما أن يُنصَب لها مجلس عرس تحت الهواء الطلق في الحي الذي تسكنه او يسكنه عريسها، حيث يغلق الطريق بالحواجز والاحجار الكبيرة، ويقف بعض الشباب من اهل العريس حاملين الاسلحة تحسباً لأي طارئ يغتال الفرح برصاصة غادرة او عبوة ناسفة، مثلما اغتالت المخاوف فرح الشوارع. فما عاد يمرّ بها موكب عرس صاخب، او يرقص على وقع موسيقاه عابرو السبيل.
في كل الاحوال، ينعدم صوت الغناء وضجة الرقص خشية المتطرفين، انما هناك بضع رصاصات تنطلق الى السماء بالمناسبة.
***
لم تعد النجوم تراقب من بعيد مواكب الاعراس، لم يعد القمر يضيء ثوب العروس، لم يعد نسيم الشوارع الليلي يداعب اجساد المشاركين في موكب الزفاف.
واذ غاب عن القمر والنجوم والنسيم الليلي منظر المواكب، فانّ الشمس وحدها، اليوم، تحتفل مع العرسان. فمن المشاهد التي باتت مألوفة بعد الحرب عام ألفين وثلاثة، أن يمرَّ موكب عرس بشوارع النهار. وقد بدا الموكب الاول الذي سار في الظهيرة غريباً للناس ومفاجئاً لهم، حتى جعل التكرار من هذا المشهد طقساً معروفاً.
وغدا النهار حاضن الأ غاريد في زمن يتوسل الحفاظ على الأمل .
***
أمل.. أمل.. أمل..
يتردد الصدى في رأسي، فأشعر برغبة القيام بزيارة زمنية قصيرة إلى أمل وحسن، لا أعرف أين وصل فرح الحب بهما في هذا الزمن الصعب.
ها انه يوم ما من مطلع العام ألفين وخمسة. أنا أتعلق بشعاع القمر ثانية، يلقيني على عتبة باب بيتهما الذي كان يهتز يوم العرس بفعل القصف.
أسترق السمع من الشباك المشرع لنور العصر والمزين بتفرعات النبات الأخضر المتسلق إلى أعلى، ومن ثم أسترق النظر.
أرى أمل ترتدي ثوبا فضفاضا، وتلف رأسها بشال ثم تضع يدها في يد حسن وهما يهمان بمغادرة البيت.
في الشارع تخبر أمل زوجها برغبتها بالمشي بدلاً من ركوب سيارة، فيسيران إلى غايتهما.
أتلصص على بوابة ذاكرتيهما.
***
حين وضعت أمل خاتم الخطوبة في بنصرها الأيمن، طافت بمخيلتها عشرات الأحلام، ومثلها فعل حسن:
كيف يكون البيت الجديد؟
كيف يكون شكل ثوبي والبرقع الأبيضين؟
لو رميت بباقة الورد إلى الحاضرات فمن من صديقاتي وقريباتي العازبات ستحصل عليها، فيملؤها التفاؤل بأنها ستلحق بقطار الحب والاستقرار؟
وكم طفلا سيملأ بيتي بالصراخ والضجيج المستلب؟
***
أول مولود.. أهو ولد أم بنت؟ لا أعترض على جنس المولود. المهم ان يكون لدي طفل من حبيبتي.
ستكون في يوم عرسها أجمل من القمر، بل هي في كل وقت أجمل منه، أليس كذلك؟
أأنا قلق من احتمال نشوب حرب، كالحروب السابقة، تسرقني من أحضان حبيبتي، وتلقيني إلى قعر العذاب؟
***
أعود معهما من إبحار الذاكرة. أصل معهما أيضا، إلى حفل الزفاف الذي يقصدان، وحينما ترى أمل العروس المتحمس، تخطفها الذاكرة ثانية، وتلقيها على شواطئ عرسها الذي خلا من المراسم، واختفى عنه صوت الموسيقى، وعلا ضجيج الطائرات والمدافع، كأنه صوت النواقيس التي تنذر بالخطر.
يسألها حسن حينما يجدها تتأمل العروسين المحاطين بالمحتفين:
ـ أأنت نادمة، لانك لم تحظي بعرس ولو كان بسيطاً؟
- بل أكون نادمة، لو انني اصررت على اقامة العرس في يوم غير ذلك، لقد كان زفافنا الصامت تحدياً لأرادة القتل، زفافنا ذاك هو ذكرى فريدة تخصنا وحدنا، أنا وأنت..
***
بينما يهمُّ الحبيبان بالمغادرة تنطلق سحابة دخان مرعبة من فوهة بركانية، تقذف الريح السوداء العروسين وضيوف الحفل البسيط هنا وهناك.
يكاد الدخان يخنق انفاس امل، لا تشعر بشيء، حتى تفتح عينيها اللوزيتين وهي راقدة على سرير في مستشفى.
***
- سلامات.
تلك اول كلمة تتناهى الى سمعها..
تحدق في وجه حسن، ووجوه امها وأبيها واخواتها واهل زوجها الذين يحيطون بها، وسرعان ما تسأل بصوت مرتعش:
- ماذا عن الطفل؟
- الجنين بخير..
- هو .. لم يمت؟!
- كلا، ما زال ينبض في اعماقك .. هو بسبع ارواح مثلي، لم يصبني الانفجار بسوى بضع كدمات في قدمي وذراعي من جراء السقوط على الارض.
***
ارافق امل في رحلتها مع الحمل، ومنذ شهورها الاولى، بعد أن وقع حادث انفجار عبوة ناسفة على مقربة من عرس قريبتها التي تلطخ ثوبها الابيض برماد الموت، ولم تحظ بقبلة الامير.
تشعر امل بالتعب، اذ يثقل جسمها يوما بعد آخر، مثلما تثقل ذاكرتها بضجيج القصف، يوم عرسها، وضجيج الانفجار يوم عرس قريبتها.
ترى خيال العروس القتيلة يراقص خيال الامير الجميل في الفضاء اللامتناهي.
تضع امل يدها على بطنها المنتفخ وتشعر بالقلق والخوف، وحين تحس بأعراض الوضع تطلق صرخة تصيب القمر الجميل بالهلع.
***
لا تزال امل تغط في غيبوبتها على سرير في مستشفى الولادة، تخرج من اعماقها النائمة عشرات الكلمات المبعثرة كأنها تعرض للمتحلقين حولها من الاهل والاحبة لعبة الكلمات المتقاطعة.
دخان.. ورد.. ثوب ابيض.. رصاصة.. طفل.. انفجار.
حسن... بغداد.. جثث.. حرب.. حرب.. حرب..
تفتح أمل عينيها بتثاقل وتسأل عن مصير الطفل يقولون لها انه في صالة العناية بالاطفال حديثي الولادة.
***
بمحبة وشوق اخذت امل طفلتها بين ذراعيها مدركة سر تلك النظرات المشوبة بالحزن التي اطلقتها عيون الاهل حولها.
عندئذ تستقر دمعة حسن المتوارية وراء العين على خد أمل الشاحب.
الطفلة مشلولة. هذه هي الصدمة التي اسكتت امل عن الكلام ومعانقة الحلم.
لن تحظى بثوب ابيض ستكون عاجزة عن الرقص كما الاميرة النائمة رقصت بعدما قبلها الامير قبلة الحياة الاولى.
ستكون ابنتي اميرة نائمة على مدى العصور ولن يصل الامير اليها الا بمعجزة الهية.
تنتظر امل وحسن وصول المعجزة الى سرير ابنتهما النائمة.
ثمة خيط رفع جدا من الامل يظل في قلب الام.
احتمال ان تغادر هذه الحياة خلال سنوات قليلة قادمة .
تبكي امل لأنها لن تكون يوماً ما تلك الأم التي تطلق الدمع حزنا على فراق ابنتها وهي تزف لعريسها.
ويبكي حسن لأنه لن يرى ابنته تمشي الى جانبه ولو في رفقة قصيرة الى المقهى الذي اعتاد الذهاب اليه لرؤية اصدقائه كلما تسنى له ذلك.
***
وأ بكي انا ، شهرزاد ، حين ارى عروسَي الامس القريب يشيخان في اعماقهما سريعا لكنهما يظهران مبتسمين مبتهجين بالحياة امام الطفلة الجميلة التي تنمو بارادتهما يوماً بعد آخر.
حينما اشكو للقمر حال تلك الطفلة ألمح في وجهه خيالَ ثوب صنعه بنفسه من خيوطه الفضية.
يقول لي:
- سيكون رداء عرس تلك الطفلة وديعة عندي حتى يأذن القدر.
اشعر بالامتنان للقمر الذي لا يملك الجمال فقط بل ينبض بالحب ايضا.
أتراه ولد محباً أم اكتسب الحب من مراقبة العشاق في زمن الحرب يتسامرون ويتهامسون في سهولة وتحت اضوائه؟
***
لبعض الوقت اودع امل وحسن والطفلة الشاردة في احضان زمن غادر تشبع برائحة الادخنة والقنابل.
قبل ان اواصل مراسم الوداع في مخيلتي وقبل ان امسك بشعاع من القمر كيما اعود الى ملكي أسأل نفسي:
كم طفلاً في العراق ولد معوقاً، مشوهاً؟ كم طفلة عراقية لن ترتدي ثوب العرس السحري، ولن يأتيها أمير الحب، ولن ترقص تحت ضوء القمر؟
وكم من امرأة رسمت على طريق الفرح حلمها بأن تكون أماً صالحة وحنوناً، وتخطو بأطفالها إلى المستقبل بخطى مدروسة وسليمة اصطدمت بواقع مرير ما كانت تحسب له حساباً أو يخطر لها في البال؟
وكم من رجل قال لنفسه وهو ينقل خاتم الرباط الأبدي من البنصر الأيمن إلى الأيسر إنه امتلك الدنيا كلها، وغداً يكون له اطفال يلعب معهم. فإذا بالغد أشبه بطائر اللقلق يجلب بمنقاره طفلا من أفق آخر بعيد، لكن الطفل لم يولد عاريا، بل متشحا برداء المرض او العجز اللعين؟
اسئلتي كثيرة والأجوبة بعيدة عني. وحدها صور الاطفال، ثمار الاعراس اللذيذة، تتحلق حول رأسي معلنة الوجهين المؤلمين للحياة: الحب والحرب، وارادة الخير والسلام وارادة الشر والعنف والقتل.
ما ذنب الملاك الصغير حين يكون ضحية لحروب الشياطين؟
ما ذنب امرأة ورجل، عاشقين عانقا حلم الفرح ذات ليلة صاخبة بالموسيقى والدبكات أو في صباح مرتعد، أو ظهيرة قلقة، لتخرج من رحم الحلم ثمرة يابسة، لأن الحرب تمنع الغيث عن النبت الطيب، ولا تسمح لمواكب الحب أن تحصل على حصة كاملة من الفرح؟
***
في زمن كهذا، الذي يثقل علينا بغيمات المطر الأسود والوجع الأحلك، ربما لم يعد ثمة متسع للفرح الاعمق، حتى لو تسنى لي أن اتصور الفرح مخلوقاً من لحم ودم، لكان مجرد جثة مقطوعة الرأس مرمية على قارعة الطريق.
لا اعرف أين سمعت هذا الكلام الباكي المبكي. لكنني اعرف أنّ الذي يعشق الحياة يستمر، كاللغة الحية، ليتجاوز آلامه وهمومه، ويبتكر أشكالا للبهجة، مؤمنا بأن للحزن وقته وطقوسه، وللفرح وقته وطقوسه ايضاً.
وإذا ضاعت على بعض الفتيات فرصة ارتداء الثوب الأبيض بفعل الحروب المتتالية والعواصف القاسية، فإنّ ثمة فساتين بيضاء تنتظر اميرات الفرح المؤجل، وثمة قبلات ستطبع على الشفاه، لينبلج ضوءٌ آخر يحتفي بالحياة.
***
هذا شيء مما في جعبتي من حكايات هذا الزمن العجيب، أعود بها من رحلتي الى شهريار، أجده يواصل النوم على الرغم من استمرار انقطاع التيار الكهربائي.
ارتدي ثوباً ابيض مرصعاً بالنجوم الفضية، واضعة على رأسي شالاً ابيضَ لماعاً، وأسأل نفسي: كيف يكون ردّ فعل شهريار حينما يجد عندي المزيد من الحكايات؟
اطبع قبلة على شفتيه.
انهض يا مولاي..
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أنّ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ قبلة قبل الموت ، نص شاركت به الكاتبة في كتاب (جروح في شجر النخيل ـ قصص من واقع العراق).



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرح في وطنٍ مُغتصَب .. مسروق .. مجروح ؟!!
- وطني .. ابكي عليك
- الفصول لاتشيخ
- حال الدنيا : اكذوبة حرية التعبير
- حال الدنيا : غربة
- الدنيا حب وحرب : غربة
- قصة قصيرة : اسوار الجميلة النائمة
- اعمار النفوس .. طريق الخلاص
- بلاء كل يوم
- مغادرة الطفولة بالقوة
- صنفوا القتلة على قدر ( شرفهم وانسانيتهم )!!
- صور يومية من هموم المرأة العراقية


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - اسماء محمد مصطفى - قبلة قبل الموت