ما مدى مصداقية معلم متفرغ أو غير الإطار بعيدا عن التدريس إذا نصب نفسه مدافعا عن المدرسة العمومية
أحمد رباص
الحوار المتمدن
-
العدد: 8148 - 2024 / 11 / 1 - 01:51
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كنت مساء أمس مساهما أساسيا في تحريك عجلة النقاش والتفاعل على الفيسبوك انطلاقا من تدوينة اخترت صياغتها على شكل سؤال كالتالي: ماحكمكم في مصداقية من ترك مهنة التدريس، سواء بالتفرغ أو بتغيير الإطار بعيدا عن التدريس، ويقول إنه يدافع عن المدرسة العمومية؟
كان أول من سجل مروره على هذا المنشور، رفيق لي في الحزب الاشتراكي الموحد بتعليق قال فيه:
هذا السؤال يسلط الضوء على مسألة تتعلق بالاتساق بين الأفعال والتصريحات. من وجهة نظر مصداقية، يتوقع أن من يدافع عن المدرسة العمومية يكون حاضرا في الميدان ومتفاعلًا بشكل مباشر مع الواقع اليومي للتدريس. انسحاب الشخص من التدريس – سواء عن طريق التفرغ النقابي أو تغيير الإطار – قد يخلق تساؤلات حول مدى قربه من مشكلات المدرسة العمومية وحاجات المتعلمين والأستاذة بشكل عملي.
ومع ذلك، يمكن أن يرى البعض أن الانسحاب من التدريس لا يعني بالضرورة فقدان المصداقية؛ إذ قد يكون الموقف منبثقًا عن الرغبة في خدمة المدرسة العمومية من موقع آخر، سواء عبر الدفاع عنها في منابر مختلفة أو عبر المساهمة في الضغط من أجل تحسين ظروف التعليم.
في احترام تام لما قاله رفيقي، كتبت معقبا: من بين ما تعلمت من شيخ فقد أضراسه وأسنانه في غمرة التدريس هو أن المدرس يعتبر بمثابة ذلك الوتد الخشبي الذي يتٱكل شيئا فشيئا بفعل دوران الجزء الأعلى من الرحى عليه كمحور.. وكل الٱخرين من مدير، ومفتش، تربوي أو تخطيطي أو توجيهي، ورئيس مكتب، ومقتصد، ومحرر، ومفتش عام، وكاتب عام، وصولا إلى الوزير، هم مساعدون فقط للمعلم حتى يؤدي عمله في أحسن الاحوال. هذا الوضع الجديد يجعلهم بعيدين عن مفعول المحور الذي لا يحس به إلا المدرس، وغالبا ما يتعاملون معه بسلطوية منافية للتربية بشهادة أفلاطو أولا...
وحتى أجمع شتات باقي التبادلات التي أطلقتها تدوينتي، سوف أقوم بتصنيفها إلى فئتين: التعليقات المؤيدة والتعليقات المنتقدة .
لنبدأ بعرض مساهمة أستاذة صديقة من فاس: سوال مشروع جدا والتدريس لا يتلاءم مع الهروبيين اوالبيزنيسمان..
التدريس رسالة سامية مقدسة لايخلص لها إلا من سكنه الحرف ولبسه الوفاء والتضحية وكان الذين ( اواللائي) يطلقون صنبور المحبة في الفصل الدراسي ويمررون نسمات الاحترام للتلاميد لأنهم ابرياء ولا يصح لنا أن نتهمهم اونحاكمهم لأنهم نتاج لتربية وأسرة ومجتمع .
ثم دخل مستعمل آخر على الخط ليحكم على ترك القسم هروبا من ساحة المعركة. وعن الفاعل قال ناشط آخر: انه مجرد مرتزق ومجرد "طالب معاشو"، فيما اعتبر ثالث من كان ذلك صنيعه ويدعي الدفاع عن المدرسة العمومية فهو يضحك على الذقون. واعتبر خمسة مستعملين أن ما يحرك المغادرين لحلبة التدريس هو الريع الذي خصه أحدهم بوصف "النقابي". ولكن مستعملا من هؤلاء الخمسة تميز عنهم بتعليق جاء فيه: أغلب المتفرغين غيروا الإطار وترقوا بسرعة.، ولا يتم الاقتطاع من أجرتهم أيام الإضراب، هناك من تفرغ للنقابة، ومن تفرغ للأعمال الاجتماعية وللجمعيات وللجرائد، وللإعداد للماستر والدكتوراه، وللالتحاق بدواوين الوزراء . هذا ملف ينبغي طرحه للنقاش العمومي.
ولعل أوفى التعاليق المؤيدة واشدها تميزا هو التالي: لا أرى مشكلا هنا. النقابات والأحزاب والمخزن هم من يستعملون التفرغ كريع سياسي في إطار تبادل المنافع والمصالح الصغيرة والكبيرة. التفرغ النقابي في القطاع الخاص والعام يستعمل في صناعة السلم الاجتماعي، وفي بناء شبكات العلاقات الزبونية والولاءات بين أطراف الإنتاج: الدولة والباطرونا والنقابات المركزية، ثم هناك نفس العملية بين النقابيين والقيادات البيروقراطية والانتهازية على السواء. فالتعاضدية مثلا، والكنوبس حاليا، تعطى كريع للبيروقراطية، وتشكل مصدرا للفساد والإفساد المالي والسياسي والنقابي .. مثلا، ومنذ مدة نقابة حزب الاستقلال في التعليم عدد متفرغيها حسب مقاعد الانتخابات المهنية الأخيرة لا يجب أن يتعدى 37 متفرغا، إلا أن عددهم أكثر من 154 ويشتغلون في أجهزة الحزب وليس مع رجال ونساء التعليم والمدرسة العمومية. وعندما يلتفتون إلى التعليم يصبحون وسطاء في الوصول إلى الترقيات والمسؤوليات والمصالح المركزية والأكاديميات والمديريات والمؤسسات التعليمية والحكومية. بالنسبة إلى البيروقراطية أيضا نفس الشيء، بل افظع، كأن يطلب وزير سابق التفرغ لزوجته مع أنها غير منحرطة في نقابة حزبه البيروقراطية. وفي المقابل هناك نقابات تحترم نفسها لأن لديها ميثاق أخلاقي يحدد شروط التفرغ ومواصفات المتفرغ ويحدد أيضا مهامه التنظيمية والخدمات والتكوين.
أما التعليقات المنتقدة، فهي كلها تصطف إلى جانب المتفرغبن ومغيري الإطار خارج التدريس وتدافع عن مصداقيتهم إذا انبروا للدفاع عن المدرسة العمومية. كما لاحظت من ضمن هؤلاء من يعيب علي إقصاء غير المدرسين من حقهم في النضال من أجل تحسين وتجويد خدمات مدرستنا الوطنية، بينما هذا غير وارد البتة في تدوينتي. وفي هذا الصدد قلت لمناضلة يسارية تشرف على مجموعة اليسار المغربي على الفيسبوك: أعيدي قراءة التدوينة وسوف تدركين أني لم استبعد غير المدرسين من صلاحية الدفاع عن المدرسة، ولكني أركز على من كان مدرسا وترك التدريس إلى مهنة أخرى في دواليب الوزارة الوصية أو إلى تمثيلية نقابية واعتلى مطية النفاق ليدعي انه يدافع عن المدرسة، بل هو في الحقيقة يدافع عن مصلحته الشخصية.
كذلك عاب علي ٱخرون عدم النظر إلى المنظومة التعليمية ككل، بينما أركز من جهتي على المدرس لانه هو من يعلم الأطفال وليس غيره.، وإذا أضرب المعلمون تتوقف المدرسة عن أداء المهمة التي أنشئت من أجلها.
وإلى ذلك، أضفت أن التدريس هو لب العملية التعليمية التعلمية والدعامة الأساسية التي ترتكز عليها الوزارة الوصية بقدها وقدبدها، وفضلا عن ذلك هو مركز الثقل في العملية برمتها، وأرى أن من كان يمارس التدريس وتركه إلى شيء آخر فقد برهن عن نفوره منه ولم يعد يقبل ادعاؤه الدفاع عن المدرسة العمومية..
وقلت لكل من أكد على أنه يجب علي أخذ المنظومة بكل مكوناتها في الاعتبار وتقدير وتثمين مساهماتها:
هل تعتقدون أن فكرتكم هاته غاىبة عن إدراكي؟ كل مكونات تلك المنظومة التي ذكرتموها تتمحور حول عمل الأستاذ داخل القسم. وكل من ترك هذا العمل من أجل عمل ٱخر في المنظومة ذاتها لا يعتد به إذا ادعى أنه يدافع عن المدرسة العمومية، لأنه لو كان موقفه صادقا ونبيلا لبقي صامدا في الميدان وجها لوجه أمام التلاميذ.. أهم شيء في المدرسة هو التدريس والباقي مجرد اكسسوارات...أما من ذهب إلى عمل آخر فقد هاجر إلى مصلحته الشخصية التي لها الأولوية بالنسبة إليه. وقبل رحيله، كان بتحين الفرصة للتخلص من صداع الراس في نظره..