عليكم بالقاع و الصفر- حب عربي 6-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 6303 - 2019 / 7 / 27 - 00:46
المحور: الادب والفن     

- من قال أن القاع كلمة تستدعي الهبوط.. قاع البحر حلمٌ كالسماء.. فيه حقائق تُنطِقُ الإيمان..
- الفرق بين السماء و القاع أن عمق السماء لن تصله يد الحياة.. هو لملكوت الموت.. و لما بعد موتنا.. ماأدراك؟
- ربما لو متنا ذهبنا قاع المحيطات.. من يعلم، لماذا نقول دائماً نرحل إلى السماء؟
- لأننا بالفطرة ندعو الله في السماء..
- وله السماء و الأرض.. ما علينا.. بالعودة لرأيكَ عن المثقفين العرب..
- أصعب ثقافة في العالم لتتعلمها و تنشرها هي ثقافة الود و الترغيب. و أسهل ثقافة هي ثقافة الترهيب، و يمكن اكتسابها بمنتهى السهولة و اليسر.. فقط اتبعْ السائد دون تفكير.
التفكير صعب، بل قاسٍ في بعض الأحيان، و الغوص في الأعماق مخيف و موحش… يلجأ الناس عموماً للتفكير السهل، لسطح المشكلة.. لطرفها الأقرب إلى وجهة النظر..
بينما تبقى الحقيقة الكاملة عالقة في سفن القاع، من يعرفها -أو- يحاول منبوذ و متهم .. لماذا؟

- لأنه يشير لاإرادياً إلى سطحية من حوله…

- ممكن.. لهذا توجب على المثقف الداري بالحال التوقف عن نقد لا يحمل سوى جلد الذات، و لا يسلط الضوء إلا على أنصاف الحقائق…
معلومة طبية صغيرة: ككون نقص فيتامين دال يسبب الاكتئاب.. أفضل بمليون مرة من مقال كامل يحمل نقداً لا حلاً.. و نصف حقيقة تستدعي تصفيق القطيع التابع…

في هذا الزمن يا صديقي: يبقى أصحاب العقول على الهامش.. و الهامش أخ القاع.. الاثنان في علم الله سماء…
**************ً


يأس و صفر:

- يقارن الناس بعضهم ببعض، يقارنون ثياب هذه بتلك، شهادة هذا بذاك.. وسامة ابن فلانة بمال ابن أخرى.. المقارنة دوماً غير عادلة، غالباً سخيفة و أحياناً مقززة…
- و ماهمك أنت طبيب في أمريكا، نحن هنا في العراق نركض وراء الباصات كما الأحلام…
- من قال لك أنني لم أركض وراء الرغيف و الباصات؟ لا تقارن نفسك بي، بل بنفسكً المقارنة العادلة الوحيدة هي مقارنتك لأحلامك اليوم مع أحلامك في الأمس.. هذه المقارنة تمنحك تقييم ذاتي، خطط عمل، أو حتى خططاً لتغيير مسقط الرأس..
- هذا تنظير، ظروف الحرب تمنعني من اللحاق بك، عندما تخرج من هنا الوضع أفضل.

- و من قال لك هذا؟ في رحلة تعديل الشهادة الطبية في أمريكا يخضع الطبيب في بلد عربًي: لأربعة امتحانات كل منها يستغرق ثمانية ساعات على الأقل - كوقت امتحاني- أما التحضير - وخاصة لمن لا يتقن الانكليزية فيأخذ سنوات، في قول آخر هو يختار البداية من الصفر…
بعدها يدور الطبيب بين المستشفيات الجامعية ليستجدي فرصة أن يصبح متطوعاً - بلا مقابل إطلاقاً- يقابل بالرفض في كثير من الحالات حتى يبتسم حظه فيصبح متطوعاً.. بعدها يبدأ رحلة البحث عن اختصاص.. بعدها دوام في الاختصاص لا يقل عن اثني عشرة ساعة في اليوم كمعدل وسطي مع المناوبات و راتب أقل ما يمكن القول عنه: متواضع.. بالكاد يكفي مصاريف حياته.. المهم بعد ذلك اختصاص فرعي و نفس الظروف…هذا ناهيك عن العنصريّة - نعم هي موجودة و قوية- لكن القانون يحمينا…

- ماذا تنصحني أن أفعل؟
- البدايات من الصفر هي سر عدالة الحياة.. من الناس من يتقنها لأن الأنا عندهم متواضعة… و من الناس من ينفر من تغيير المسار، من يكره البداية من الصفر لكسل، غرور.. أو غباء… الصفر هو عكس اليأس..
الأمراض النفسيّة أيضاً تمنع بدايتك من الصفر، لأنها تشدك إلى دواماتها المفرغة: الإحساس بالذنب، جلد الذات، الحط من قدر النفس، السوداوية، الأرق، القلق..
أنت مكتئب بعلاج هذا يبدأ الحل…

- هل تقول أن الاكتئاب سبب سمنتي مثلاً؟
- أجل و لايمكن لك أو لأحلامك أن تخرج من سجن الواقع إلا بعلاج الاكتئاب… هنالك الكثير من النصائح حول الحميّة الغذائية لكن البداية في أي حمية هي نفي المرض النفسي المسبب للسمنة كالقلق و الاكتئاب.. ابدأ من الصفر هذه ليست نصيحة -معاذ الله- هذا ما فعلته أنا.. و صدقني مازلت أفعله عند كل مفترق طرق…


الصفر يشبه الأمل لأن البداية منه بتواضع تمنحك طريقاً آخر.. الصفر و الأمل أخوان .. و الاثنان في علم الله حياة جديدة…
***************


مطلق و نسبي:
 
 النجاح مرحلة يجب أن تعاش ببساطتها قبل تعقيدها.. بمحطات فشلها و شجاعة الاستمرار بعدها.
لا يقاس النجاح بعلامة في امتحان أو براتب شهري..
الحصول على علامة متوسطة في امتحان ما في ظروف سيئة.. أفضل بمليون مرة من الحصول على العلامة الكاملة في ظروف جيدة..
 لا يقدّر بتقدير من حولك له، بل يقاس اعتماداً على ظروفك، أحلامك و استمرارك.
 قدرتك على احتمال التقدم البطيء بشرف و صدق أفضل بمليون مرة من نجاح يحتاج تنازلاتٍ عن مبادئ، آراء و قيّم تؤمن بها.
لا تكترث برأي ثلاثة: 
-من يحوّل نجاحك -مهما صغر- إلى مأتم بسبب عقد شخصيّة، فشل شخصي، أو سحبك لفرصته في التباهي بك بين الناس.
 
-من يظنّ أن فشلك بسبب قلق، اكتئاب، عدم قدرة على التركيز أو أعراض نفسيّة أخرى وصمة عار فلا يفتح طريقك إلى الطب النفسي، بل على العكس يغلق في وجهك أبواب الشفاء. 
 
-من يقارنك بغيرك، كأننا قطيع من الغزلان نشبه بعضنا لا بشر يتميز كل واحد منّا بسمات لا يشاركه بها أحد.
 
النجاح يعني رضاك عن نفسك في مسيرتك نحو تحقيق أحلامك.
 يعني استمرارك بعد أي فشل.
 يعني تحديك لظروف خارجة عن إرادتك و قدرتك على تحديد أولوياتك.
مبارك لكل من يسعى في طريق حلمه، سواء هو اليوم في مرحلة النجاح أو محطة الفشل.

يتبع...