أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الياء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5342 - 2016 / 11 / 13 - 11:39
المحور: الادب والفن
    


فيما بعد، أي بعدما فتحت لي " الشريفة " خزائن الأسرار، أستطعتُ ربط الأحداث بعضها ببعض مثلما يفعل المؤلّف الروائيّ. على أنني لم يخطر ببالي قط، أن أكون ذلك الروائيّ. فلم أعمد إلى تسجيل يوميات أو حتى مجرّد ملاحظات، تاركاً كلّ ما مرّ بي مطوياً ـ كما لو أنه جزءٌ من تاريخ سلاليّ، مشين، يجدر إغراقه بالكحول.
ذات مرة، تفوّهت " سوسن خانم " بعبارة عابرة حينَ كانت تقيّم إحدى قصائدي: " شعرك ملحميّ، يوحي بأنك أمرؤ يختزن ذاكرة جماعية لا فردية. إنّ من يكتب بهذه الطريقة، لا بدّ أن يكون وريثاً روحياً لسلالة عريقة إنحدرت إلى الدرك الأسفل بفعل عوامل تاريخية. وإنه أمل سلالته في الإنتقام من ذلك التاريخ، ولو كان سلاحه المداد والورق ".
وهذه هيَ الخانم، في ليلة الإحتفال بعيد ميلادها، تبدو كأنها محورُ حلقة أدبية وليست إمرأة أعمال لا يشغلها سوى مصالحها. الحلقة تلك، كان جلياً تغرّبها عن الوسط الراقي، المُجتمع ممثلوه في صالون الجناح الكبير. معظمهم جاء بدون هدية، أو حتى ورود، بما أنّ المدينة كانت في حالة حصار تقريباً خلال هذا اليوم المشؤوم. لقد رأيتني يومئذٍ موزعاً بين الجماعتين، حال مخدومتي سواءً بسواء. هذه، كانت قد أستقبلت ببشاشة حضوري مع الأميرة، دون أن تسلوَ تصنّع العتب فيما كانت تهمس في سمعي: " قضيتُ يوماً رهيباً، محاصرةً بشتى الشائعات، وكنتُ إلى ذلك قلقة عليك! ". لقد قالتها بنبرة ساخرة، جديرة بإحتفالية يوم ميلادها؛ يومٍ، شهدَ مصرع عشرات المواطنين الأبرياء. وأجزمُ بأنّ العديد ممن حضروا الحفل، أنتابهم أيضاً شعورُ السخرية من صاحبته.
" سوسن، صديقة أعرفها منذ بضعة أعوام.. "، خاطبتني الأميرة ما أن أنتهت من شمل القاعة بنظرة الحدأة. ثم أضافت: " علاقتنا توثقت، لأنّ كلاً منا رأت نفسها في مرآة الأخرى ". كنتُ أجهل بعدُ، ماضي " للّا عفيفة ". سكوتها عن المضيّ في الكلام، لم يعنِ لي شيئاً. مجاز " المرآة "، أحلته عندئذٍ ولا غرو إلى حياة الحرية المشتركة بين المرأتين. إلا أنني ما أسرعَ أن صرتُ خارجَ إهتمام الأميرة، لما ألتف حولها أصدقاؤها وأغلبهم من المقيمين الفرنسيين نساءً ورجالاً. عند ذلك، نهضتُ من مكاني قاصداً جماعتنا السورية، التي بدَورها أحاطت بمواطن الأميرة؛ " المهدي ". فيما أنا أشقّ صفوفَ المدعوين، إذا بأحدهم يجذبني من كتفي. وإذا هوَ صاحبنا العراقيّ، " رفيق "، وكان كالعادة مهندماً بأناقة رفيعة. قال لي مومئاً برأسه إلى ناحية الجماعة: " كأني بك ستنضمّ إلى أولئك الضيوف؟ وإنه ليسرّني لو أخذتني معك "
" هل تريدني أن أقدمك لهم..؟ "
" لقد سبقَ وعرّفتني بهم سوسن خانم، ولكن لم يحصل حديثٌ بيننا "، أجابني وقد رسمَ بسمة متحفظة على شفتيه الرقيقتين. ثم أضافَ فوراً هذه الملاحظة، وكأنما كان يخشى أن تفوته: " لَعُمري فإنّ حضورنا الحفل، نحن معشر المشرقيين، ليُذكّرني بإشتراكنا في مسيرات تمجيد القائد في يوم ميلاده! ". على الرغم من أنني فهمتُ إلى مَ يرمي بهمزه، فقد شئتُ إجابته بلهجة غير مكترثة: " لا أدري حقاً، ما هوَ وجه الشبه بين المناسبتين؟ عدا عن أنّ مواطنيّ هؤلاء، أعضاءٌ في حلقة أدبية يرأسها شاعرٌ مغربيّ موجودٌ معهم في الحفل "
" آه، نعم. وأعتقد أنّ سوسن خانم تعتبر نفسها أيضاً مريدة للشاعر. ولكنني، في أيّ حال من الأحوال، لم أخطئ في وصفهم بالمشرقيين. فإنّ ذلك الشاعر مُكنّى بالبغدادي؛ فهوَ كذلك من جماعتنا! "، ندّت جملته الأخيرة من فمٍ ضاحكٍ. فيما كنتُ أهمّ بمرافقة الرجل إلى حيث الحلقة تلك، أعترضتني مخدومتي هذه المرة: " لو تسمح بأن تكون معي، فأنا أنتظر حضورَ المزيد من المدعوين ومنهم شقيقتك شيرين "، خاطبتني الخانم وهيَ تروز الآخرَ بعينين ناطقتين بالنفور. فلما سمعتُ اسمَ شقيقتي، فإنّ شعوراً مباغتاً من تأنيب الذات شملني. إذ أنني سلوتُ أمرَها تماماً خلال هذا اليوم الطويل، المتخم بالأحداث الدامية.
لم تلبث " شيرين " أن ظهرت مع مخدومها، " مسيو غوستاف "، ثمة عند عتبة المدخل. هذا الأخير، هجمَ على الخانم بقبلاته لدرجة أنها سَهَت عن الترحيب بشقيقتي. " شيرين "، من ناحيتها، بادرت إلى التعبير عما دهمها من قلق بشأني: " ولكن سيمو طمأنني نوعاً، إلى إحتمال تمضيتك الليل في جناح الخانم بسبب تحضيرات عيد ميلادها، علاوة على إنقطاع خدمة الهاتف طوال النهار على أثر الإضراب العام ". وعليّ كان أن أطمئن أيضاً، طالما أنّ " شيرين " بدت على غير ذات علم بقضائي ليلة الأمس ونهار اليوم في ضيافة الأميرة.
امرأة أخرى، ظهَرَ أنها تحوز إهتمامَ شقيقتي الملولة. فأثناء وقوفي والخانم بصحبة " مسيو غوستاف "، أنتبهتُ إلى عينين ترمقانني بنظراتٍ مليّة. كانت " لبنى "، امرأة الشاعر، قد رحبت للتوّ بشقيقتي وما عتمت أن أشارت بيدها نحوي، ولعلها ذكرت أيضاً اسمي. عند ذلك، ألتفتَ من كانوا في الحلقة إلى ناحيتي. ولكنّ الخانم هيَ من سبقني بالتوجه إليهم، بغية الترحيب بشقيقتي. ثم أكتملت ما دعاه صاحبنا العراقيّ ب " الحلقة المشرقية "، حينَ أنضمّ لها هوَ أيضاً. فلما رأيتني بينهم، أولتني " لبنى " جلّ اهتمامها، فأخذت تسألني عن مشاعري خلال أحداث اليوم وتوقعاتي بشأن الغد وغير ذلك من أمور. كانت تطلق بين فينة وأخرى ضحكة متكلّفة، دون أن تتورع عن الإحتكاك بي ببدنها الريان، المكتنز. بعد وقتٍ طويل، سأقرأ في مذكرات شقيقتي الراحلة، ما كان من حكاية علاقتها مع زوج " لبنى "؛ الشاعر والمثقف، ذي الطبع اللطيف. قبل ذلك، ألمحت لي " الشريفة " بأنّ تلك المرأة كانت تتعمّد إظهار تعلّقها فيّ لجعل رجلها يشعر بالغيرة فيمنحها مجدداً الإهتمام والحبّ.
مهما تكن مآربُ " لبنى "، فإن مناسبات إجتماعي معها أضحت نادرة لاحقاً نتيجة أضطراب أوضاعي. " شيرين "، وبحَسَب مصدر المذكرات نفسه، كانت قد أختارت طريق حياتها بعيداً عمن محضته حبها. كان ذلك من سوء حظها، ويا للأسف، طالما أنها مضت في طريقٍ أوصلها إلى هاوية القنوط والإحباط والهلاك.









#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الطاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الطاء
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 3
- الجزء الأول من الرواية: الحاء 2
- الجزء الأول من الرواية: الحاء
- الجزء الأول من الرواية: زاء 3
- الجزء الأول من الرواية: زاء 2
- الجزء الأول من الرواية: زاء
- الجزء الأول من الرواية: واو 3
- الجزء الأول من الرواية: واو 2
- الجزء الأول من الرواية: واو
- الجزء الأول من الرواية: هاء 3
- الجزء الأول من الرواية: هاء 2
- الجزء الأول من الرواية: هاء
- الجزء الأول من الرواية: دال 3
- الجزء الأول من الرواية: دال 2
- الجزء الأول من الرواية: دال
- الجزء الأول من الرواية: ج / 3
- الجزء الأول من الرواية: ج / 2


المزيد.....




- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الياء