أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 8















المزيد.....

سيرَة أُخرى 8


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 18:00
المحور: الادب والفن
    


1
الحديث عن مطبخ بلاد الشام، لا يمكن أن يكون مكتملاً بدون ذكر أحد مكوّناته. ولأن الأردن كان حتى عشرينات القرن الماضي جزءاً من سورية الجنوبية ( لا تزال روابط عشائرية وأسرية تربط بينهما )، فإنّ مأكولاته ستكون أليفة لنا بطبيعة الحال. كذلك فإن تنوّع مناخ الأردن، سهولاً وبادية وبحراً، منحه خيراتٍ طبيعية سخية؛ من خضار وثمار وبقول وحبوب وفواكه ولحوم وأسماك. لعلّ " المنسف " هوَ أشهر مأكولات البلد، وقد انتقلت تقاليده إلى دول الخليج أيضاً. هذا الصنف الفاخر، المخصص عادةً للولائم الكبيرة، يتكوّن أساساً من لحم الضأن والرز واللبن الرائب والسمن العربي. إذا كان " المنسف " تعبيراً عن تقاليد البداوة، فإنه مُنِحَ تشكيلة من مكارم المدنيّة، كالتوابل ومكسّرات اللوز والصنوبر.
من ناحيتي، زرتُ الأردن مرة واحدة في مستهل الثمانينات، حيث حللتُ ضيفاً على أقاربنا في عاصمته الجميلة. الواقع، أن هذا البلد محظوظ أيضاً بتنوّع سكانه من بدو ونصارى وفلسطينيين وشراكسة وشيشان وكرد. على ذلك، فلم يكن غريباً أن يكون الأكل الأردني هوَ مزيج من مطابخ شرقية. في مدينتي السويدية السابقة، أوبسالا، كان أحد أقرب أصدقائي أردنياً من أصل فلسطيني. على مائدة هذا الصديق الكريم، تناولتُ أصنافاً من أطعمة بلاده ومعجناتها وحلوياتها. في تلك المناسبات، تسنى لي التأكّد من الرابطة الوثيقة بين المطبخين الشامي والأردني. من ناحية ثانية، نلاحظ أن الأردنيين غير نشطين خارج بلادهم في مجال المطاعم. المرة الوحيدة، التي حظوتُ فيها بدخول مطعم أردني، كانت في موسكو قبل حوالي عقدين. الشاورما، كانت سيئة للغاية. الأدهى، أننا حينما سألنا صاحب المطعم عن التواليت كي تقضي ابنة أختي الصغيرة حاجتها، فإنها أجاب بكل جلافة: " لا يوجد لدينا حمّام.. لتذهبوا بها إلى الشارع!! ".

2
بلاد الرافدين امتلكت إحدى أهم حضارات العالم القديم، مثلما أنّ بغداد كانت منارة القرون الوسطى خلال زمن العباسيين. فليسَ بالغريب، والحالة تلك، أن يكون المطبخ العراقي نتاج ثقافات متنوعة. إذ تضمّ قائمة هذا المطبخ مأكولاتٍ شامية، كالملوخية والبامية والحرّ أصبعه والأوزي؛ والمأكولات الكردية، كالكبة والكباب؛ والتركية، كالدولمة واليالنجي؛ والفارسية، كالتمّن بالزعفران؛ وأيضاً المأكولات الخليجية، كالبرياني. علاوة على ذلك، فقد اشتهر العراقيون بوجبة " المسكَوف "؛ وهو السمك المشوي، الذي يعدّ بطريقة فريدة. وكون هذه الأكلة تعتمد على السمك النهري الطازج، فإنك ستجد أن معظم الصيادين الأجانب في مدن أوروبا هم من العراقيين.
على الرغم من غنى المطبخ العراقي بالتوابل، إلا أنّ لأغلب أكلاتهم طعمة زنخة غريبة؛ كما في الملوخية والكبة بالرز والكبة بالصينية وحتى الدولمة والمحاشي. أما المطاعم العراقية، هنا في السويد، فإنها تقدّم أسوأ ما يمكن تناوله من الكباب والشاورما والبيتزا. بيْدَ أنّ تعرّفي على الطعام العراقي، جاءَ في مرحلة مبكرة نوعاً. كان ذلك في أوائل الثمانينات، حينما أقام العديد من اللاجئين السياسيين العراقيين في حارتنا. ومن خلالهم، انتبهتُ إلى الطريقة العراقية الخاصّة في الشرب. فهم لا يعرفون المازة مثلنا، بل يشربون الراحَ سكاً إلى آخر الليل، ثم يُنزلون الطعام بعد ذلك على المائدة. أحد أولئك اللاجئين ( كان رجلاً خمسينياً طريفاً وحافظاً جيداً للشعر )، كنا نلتقي معه أحياناً في مشرب " السفراء " وسط دمشق. ذات مرة، قال لنا هذا الرجل وهوَ يتأمل قدحَهُ المُترع: " السوريون لديهم هذا العرق الطيّب، ولكنهم يشربون الماء!! ".

3
سيكون الإلمام بالمطبخ العراقي ناقصاً، إذا لم نتطرق إلى مأكولات إقليمه الكردستاني. هذا الإقليم، حُبيَ بطبيعة رائعة علاوة على خيرات عديدة. الريف هناك استطاع النهوض من آثار الدمار الشامل، التي لحقت به في زمن النظام البعثي. إلا أنّ الزراعة ما فتأت متخلفة، لدرجة أنهم يستوردون معظم الخضار. كما إنهم على سبيل المثال، لا يعرفون نصنيع الزعتر كطعام وبهار على الرغم من وجود شجيراته. كذلك فإنهم يجهلون دبس وعصير الرمان، مع أن أشجاره تملأ بلادهم. ولكن عموماً، فإنّ كردستان هي وطن الفواكه والعسل والألبان واللحوم. طبعاً باستثناء السمك؛ فهو ليسَ من تقاليد بلاد لا تشرف على البحر، مثلما أنّ أنهارها سريعة الجريان للغاية بسبب المنحدرات الجبلية والوديان السحيقة.
كنتُ محظوظاً، ولا شك، بزيارة الإقليم الكردي قبل حوالي عقد من الأعوام. في كلا مطعميّ الفندقين، اللذين حللتُ فيهما خلال أسبوعين، كان الأكل وافراً ومتنوعاً. غير أنّ الأصناف هناك، مع الأسف، لم تكن تعكس صورة المطبخ الكردستاني. لقد سبق وأكلتُ الدولمة عند مواطني الإقليم، هنا في الغربة، وكانت مثالية للحقيقة. إلا أنني تناولتُ الكباب الكردي الشهير، مع سلطته المدهشة، وذلك في مطعم مصيف " شقلاوة " بدعوة من المطرب الكبير سعيد كاباري. في المصيف الآخر، " صلاح الدين "، أكلنا ذات مساء اللحمة المشوية في مطعم صاحبه ملتحٍ. عندئذٍ، شاءَ أحد أصدقائنا الدعابة مع الرجل. فادّعى أننا ايزيديون من سورية، ثم أضاف بأن هذا هو دين الكرد الحق. هنا، انزعجَ صاحب المحل. قال وهو يلوّح بالساطور: " لا، الإسلام دين الحق وهوَ رحمة للعالمين! ". إذاك، صحنا فيه بصوت واحد: " والله نحن مسلمون، وصديقنا أراد فقط أن يمزح معك!! ".

4
مينورسكي، المستشرق الفرنسي ـ الروسي الأصل، أشاد في كتابه " الأكراد " بهذا الشعب العريق وطريقة عيشه المتّسمة بالسِعَة والكرم والبساطة. كان قد مضى حوالي القرن على نشر ذلك الكتاب، عندما وجدتني ضيفاً في اقليم كردستان. ملاحظاتي منذ يومي الأول كزائر، كانت تتطابق مع القول آنف الذكر. فالمسؤول عن حراسة بوابة قلعة أربيل، دعاني إلى الغداء في منزله بعدما رأى أنني أقوم بجمع معلومات تتعلق بتاريخ المكان. عصراً وفي جادّة تنفتح على البرج المظفري، كنتُ أسجّل فيها ملاحظات عن هذا المَعْلَم الأثري، دردشتُ مع شابّ كان يقف أمام باب منزله. ثم ما لبثتُ أن أكملت الحديث معه، هناك في باحة بيته الجميل، على قدَحٍ من الشاي الكردي وتحت ظلال الكرمة والرمان والتين والأكيدنيا.
في أوتيل " برج أربيل " الكبير، كنا نقضي أغلب أوقاتنا في المطعم الرئيس. ثمة، كان من الممكن لقاء شخصياتٍ أدبية وفنية وأكاديمية من أجزاء أخرى كردستانية وأيضاً عراقية وعربية. كنا نأكل الطعام، أو نحتسي الشاي، على أنغام برامج الفضائيات العربية والسريانية والتركمانية فضلاً عن الكردية. الفندق الآخر، " خانزاد "، كان أحدث وأكثر فخامة. هنا، دأبنا على تناول مآدب الفطور والغداء والعشاء في جوّ من الإلفة الحميمة. من أطعمة ذاك المطبخ، أعجبني الدجاج المشوي مع الرز والكبة الموصلاوية مع سلطة اللبن ( جاجيك ). أيضاً كان بعض الأصدقاء يدعوننا إلى ولائم الشواء في حدائق بيوتهم، أو إلى مائدة الغداء المتراصفة عليها وجبات تقليدية؛ كالدولمة والمحاشي. على الرغم من حضور المشروب في أغلب ولائم أولئك الأصدقاء، فإنّ المجتمع الكردستاني محافظٌ من هذه الناحية. وكما كتبتُ في مقالٍ عن انطباعاتي في كردستان، فإنني وصفتها بجنّة خالية من نهر الخمر.

5
في سورية، يمر عيد المولد النبوي مثل أي مناسبة رسمية. فالإحتفال، يقتصر عادةً على بعض المساجد الكبيرة. أما عيد ميلاد السيد المسيح، فإنّ طقوسه مختلفة ولاشك. في العديد من المدن، وخاصة دمشق، تُزيَّن واجهاتُ المحلات برسوم وألعاب تعبّر عن المناسبة. وعادةً، يتجه الكثير من مواطني الأحياء الأخرى إلى باب توما لرؤية شجرة عيد الميلاد الضخمة مع الاحتفالات المبهجة المرافقة. في أيام الصبا، ما كنا نفوّت هذه المناسبة. إذ كنا نجتمعُ مساءً على مائدة المازة والشراب في منزل أحدنا أو في مطعم. بعد ذلك، كنا نذهب بدَورنا إلى باب توما للمشاركة بالاحتفالات، خصوصاً أنها تشهدُ حضوراً كبيراً للجنس اللطيف.
في المغرب، صادفَ وجودي أثناء الإحتفال بعيد المولد النبوي. هناك، الإحتفال له طابع شعبي رائع ( يسمونه الميلود ) وتشارك فيه فرق موسيقية أيضاً. في مساء العيد، تُضاء الشموع ضمن فوانيس من مختلف الأحجام، سواء في المنازل أو المحلات أو الدروب والساحات العامة. ثم تمدّ مائدة عامرة في كلّ منزل، تتكوّن أصنافها غالباً من الدجاج المحمّر وحلوى " التوفا "؛ وهي شعيرية مع قرفة وزبيب. أما مائدة عيد الميلاد، فإنني دُعيت إليها أكثر من مرة في منزل عديلي الفرنسي. في جوّ مبهج، نجمتُهُ شجرة الميلاد، كانت الأطباق تتوالى مستهلّة بالجبنة الفرنسية مع البسكويت، ثمّ سلطات الموزاريلا مع شرائح الطماطم والبصل الأحمر. بعدئذٍ، يقدّم المَحار النيء مع النبيذ الأبيض والأحمر. هذا المحار، جربته مرة ولم أعِدْها. فاللقمة، لم تُبتَلع معي إلا بعدما سددت أنفي بيدي.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجنون الكنز
- الحكايات الثلاث
- سيرَة أُخرى 7
- أمثولتان
- مجنونة الجبل
- سيرَة أُخرى 6
- الحكايتان
- من أمستردام إلى مالمو
- سيرَة أُخرى 5
- حكايات
- أمستردام
- سيرَة أُخرى 4
- مراهق
- حكايتان
- ثلاث حكايات
- سيرَة أُخرى 3
- مجنون عبّاد الشمس
- قانون فرعوني
- مثير الغبار
- سيرَة أُخرى 2


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - سيرَة أُخرى 8