أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير















المزيد.....


إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4948 - 2015 / 10 / 7 - 21:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إمّا جمهورية تندوف وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير
لم يسبق لنزاع ان عمر لأكثر من اربعين سنة ، كما حصل بالنسبة للنزاع المغربي الجزائري بخصوص قضية الصحراء الغربية ، حيث بدأ المحللون والمهتمون ينعتون هذا النزاع بأقدم نزاع في العالم مستعصي عن ألحل ، ومنهم من يصفه بالنزاع المنسي من قبل المجموعة الدولية ، حيث لا تتذكره إلاّ مرة واحدة في 30 من شهر ابريل من كل سنة .
السؤال : الى متى سيبقى هذا النزاع لاقيا بحمولته غير الطبيعية على شعوب المنطقة التي تكتوي بنيرانه ؟
ان الخلافات الجوهرية بين طرفي الصراع ، يجعل من ايجاد حل عادل يأخذ في الحسبان الحقوق التاريخية والجغرافية والطبيعية والبشرية للمغرب ، امرا مستبعدا في الوقت الراهن . بل انه مع اتساع رقعة التشنج ، ودخول اطراف دولية في تأزيم الوضع ، تبدو المنطقة فوق بركان من نار ، سيحرق لهيبه كل دول المنطقة ، وليس فقط المغرب والجزائر . فهل سيتراجع احد اطراف النزاع عن مواقفه التي تعمق الجرح القائم بين شعوب المنطقة ، وليس بين الانظمة التي تربط القضية بالدفاع عن وجودها لتستمر في النهب والسلب ، وفي تفقير وتجويع وإذلال الناس بحجة الخطر الخارجي .
ان المغرب ومن خلال المواقف المتناقضة التي خرج بها منذ ستينات القرن الماضي ، وبالضبط منذ 1966 و 1967 و 1968 و ، 1969 ، حيث كان يصف الصحراء ، ومن اعلى منبر اممي ( الجمعية العامة ) ، بالصحراء الاسبانية ، ويرى حل النزاع في الاستفتاء الذي كان يطالب به ممثله ، وهي نفس المطالب ستتكرر في مؤتمر نيروبي الثاني سنة 1982 ، وفي اتفاق الاطار ، وعند التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار مع البوليساريو ، وتحت اشراف الامم المتحدة في سنة 1991 ، الى حين التلويح بمقترح الحكم الذاتي الذي مات قبل ان يجف الحبر الذي كتب به ... كل هذه المواقف المتناقضة ، الى جانب التعاطي الامني الضيق مع الصحراويين في معالجة الملف ، اضرت بالقضية الوطنية ، وجعلت كل الدول المهتمة ، تشكك في الاطروحة المغربية حول مغربية الصحراء ، وتركز من ثم على الاستفتاء وتقرير المصير الذي تتمسك بهما البوليساريو وعرابها الجزائر . ان خطاب الملك بمناسبة جلوسه على كرسي ( الحكم ) وليس كرسي العرش ، لان العرش لله ، في 2014 الذي ارجع فيه القضية الى المربع الصفر ، حين قال بخصوص القضية الوطنية " ان قضية الصحراء واجهت خلال هذه السنة تحديات كبيرة تمكنا من رفعها ، بفضل قوة موقفنا ، وعدالة قضيتنا " " غير انه لا ينبغي الاكتفاء بكسب هذه المعركة ، والإفراط في التفاؤل " وأضاف " ان الوضع صعب ، والأمور لم تحسم بعد ، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف ، مما قد يضع قضيتنا امام تطورات حاسمة " ، زاد من تشكيك المراقبين في موقف النظام المخزني من قضية الصحراء ، حيث ان العديد من المهتمين اعتبر الخطاب الملكي بمثابة بالون اختبار لحس المغاربة ازاء قضية الصحراء المغربية ، لان الخطاب كان بمثابة تحضير نفسي للمغاربة لما قد تتعرض له الصحراء من اخطار ، وبما فيها الانفصال ما دام ان الامر بيد مجلس الامن والأمم المتحدة .
امام هذا الموقف المخزني المتسم بالارتباك وعدم الثقة في النفس ، وفي غياب الشعب المهمّش ، وربما ضرورة التضحية بالصحراء اذا كان التمسك بها سيعجل بإسقاط النظام ، سنجد الجزائر تزداد قوة وثباتا في الامساك بمواقفها التي لن تحيد عن الاستفتاء وتقرير المصير المؤدي الى الانفصال . ان الجزائر التي تورطت في ملف الصحراء ، حيث اصبحت حدود التنازلات بالنسبة لها جد صعبة ، والخيارات جد قليلة ، لا تستطيع ان تساوم على حساب جمهورية وهمية انشأت في طرابلس الغرب وأعلن عنها في الجزائر العاصمة ، لان هذا سيمس بمصداقية سمعتها التاريخية وشعاراتها ( الثورية ) الاستفتاء كحق مقدس للشعوب . لذا فالجزائر وضمن هذا المعطى ، فهي لن تقبل بأقل من تقرير المصير بالمسطرة الدولية . لقد تحول تورط الجزائر في الصحراء الى سياسة يومية يصعب التراجع عنها ، لأنها تحتضن المشروع الانفصالي وتغذيه . وجبهة البوليساريو اصبحت قوة عسكرية مزودة بعتاد عسكري جزائري متطور وخطير . ومنذ 1976 والمخابرات العسكرية الجزائرية تضع كل امكانياتها ، وعلى كافة المستويات الاقليمية والدولية لتطويق المغرب ومحاصرته بتقديم الصحراويين كشعب وجبهة وجمهورية .
لقد استطاعت الدبلوماسية الجزائرية هزيمة نظيرتها المغربية غير الموجود اصلا ، وبفضل التحرك الجزائري المضبوط وسُبات ما يسمى بالدبلوماسية المغربية ، استطاعت الجزائر ادخال " الجمهورية العربية الصحراوي " الى الاتحاد الافريقي الذي يعترف بالجمهورية ، كما استطاعت اقناع العديد من الدول بأمريكا اللاتينية والجنوبية من الاعتراف بالجمهورية الصحراوية كذلك ، في حين توجد بالدول التي لا تعترف بالجمهورية علانية ، مكاتب لجبهة البوليساريو كحركة تحرير ومكاتب اعلام . اما اوربة التي توجد بعواصمها ومدنها مثل هذه المكاتب فهي لا تعترف بمغربية الصحراء ، وترى ان اي حل لقضية الصحراء يجب ان يمر عبر الاستفتاء وتقرير المصير . وهنا يجدر بنا الموقف السويدي الواشك على الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وموقف جميع الدول الاسكندنافية المماثل ، الى جانب مواقف اخرى تصب كلها في جانب الاعتراف بالجمهورية ، مثل الموقف البريطاني واليوناني والبرازيلي والحبل على الجرار .
وبالرجوع الى قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن ، سنجد ان جميع هذه القرارات سواء التي تتخذها اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار وتؤشر عليها الجمعية العامة ، او القرارات التي ينصص عليها مجلس الامن ، كلها تنصص فقط على حل الاستفتاء وتقرير المصير ، ودون اشارة ولو خجولة لمقترح حل الحكم الذاتي المخزني ، فأحرى التعبير عن مغربية الصحراء . فهل اجتمعت الارادة الدولية فقط على حل الاستفتاء وتقرير المصير مع العلم ان هذا الحق وفي حالة الصحراء المغربية هو حق يراد به باطل ؟
اذا كانت الامم المتحدة تركز في حل النزاعات الاقليمية الترابية فقط على حل الاستفتاء ، فان الاعتراف بهذا الحق قد اضحى سيف دمقليس مسلط على وحدة الشعوب ووحدة التراب ووحدة الدول . بل ان لينين حين دعا الى تمكين الشعوب من تقرير مصيرها ، فهو كان يقصد الشعوب المستعمرة من قبل الاستعمار ، وليس تمكين سكان نفس الاقليم من استعمال هذا الحق قصد تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت . لقد كان تقرير المصير مطلبا مشروعا حين كانت اسبانيا تحتل الصحراء . لكن حين استعاد الشعب المغربي صحراءه ، اضحت المطالبة باستعمال هذا الحق حق يراد به باطل ، بل ان استعمال هذا الحق وفي الحالة المغربية يناقض بالتمام الهدف النبيل المنتظر من تقرير المصير .
ان تقرير المصير في الصحراء المغربية الذي تطالب به الامم المتحدة ومجلس الامن ، هو مخطط اسباني قديم لوحت به اسبانيا كوسيلة لخلق كيان عميل وتابع لها ، وبعد ان عارضته في السابق كحل ديمقراطي في تمكين المغرب من استرجاع صحراءه . فعندما شرع المغرب منذ الستينات يستغل جميع المناسبات الدولية او الاقليمية للتذكير بمغربية الصحراء ، وبضرورة وضع حد للاستعمار الاسباني للمنطقة ، وبضرورة مواجهة سياسة أسْبنة الاقاليم الصحراوية ، لجأت اسبانيا الاستعمارية الى تغيير سياستها من مرحلة الأسْبنة والضم النهائي للصحراء ، الى مرحلة تقرير المصير بعد افراغ هذا الحق من مضمونه الاصيل ، وبشكل يضمن مصالحها التي بدأت تزداد في اواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي . لذا فان السياسة الاسبانية ستبدأ بسلوك خط تقرير المصير كما تفهمه هي ، لا كما يفهمه المجتمع الدولي . كما انها ستحول دون تنفيذ هذا الحق ( الاستفتاء ) سنوات عديدة لكي يتسنى لها تحضير الوضع الداخلي الملائم لتقرير مصير مناسب لإستراتيجيتها الاستعمارية . وفي هذا الصدد لا بد من التذكير الى ان اسبانيا فرانكو سبق ان اعدت في سنة 1973 مذكرة عارضها في حينها المغرب ، كانت تهدف ترسيخ الطابع الاسباني الاستعماري على الصحراء . ومما جاء في تلك المذكرة :
1 --- تأكيد حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره .
2 --- التصريح بان الشعب الصحراوي وحده له الحق في التعبير بكل استقلال عن مستقبله .
ان الجواب الواضح عن هذه المقترحات الاسبانية هو : هل يجوز لسكان اقليم ان يستفتوا على جنسيتهم وهويتهم ؟ وهل يجوز لعدد سكان هذا الاقليم الذين لا يتعدى عددهم 80 الف نسمة ، ان يكونوا دولة ويعتبرون بذلك شعبا ؟
واذا كان جواب اعداء الوحدة الترابية بالإيجاب . لماذا حرمان سكان الاقليم الذين نزحوا الى الوطن الام من بطش الاستعمار من حقهم في الاستفتاء الذي يقصر الاستعمار وأعوانه استعماله فقط على ابناء عائلاتهم الموجودين في الاقليم المستعمر ؟ اين تتجلى هنا في هذا التمييز العنصري بين افراد الاسرة الواحدة معايير القانون الدولي المحددة للاستفتاء ؟ .ان هذه السلوك يثبت وبالملموس ان المصالح الاستعمارية وعملاءها في الجزائر ، لا يهمهم من شعار الاستفتاء وتقرير المصير سوى السيطرة على الاقليم عندما ستتكون هناك دولة عميلة لا مقومات قانونية لها .
ان ما يستطيع ان يقوم به نظام عميل ، ودولة عميلة في الصحراء ، هو ان يحقق مستوى معيشيا رفيعا لجماهيره القليلة ، ولكن دون ارتكاز هذا المستوى الاستهلاكي على بنية تحتية اقتصادية واجتماعية متقدمة . وتلك بالضبط هي الامكنة التي يعشش فيها الاستعمار الجديد . ان دعوة الاستفتاء وتقرير المصير التي تتمسك بها الجزائر اليوم ، تندرج ضمن نطاق تركة الاستعمار والامبريالية . ان الاستعمار لم يخلق شعوبا ، ولكنه خلق دولا ، وقسم شعوبها الموحدة ، وأضعفها خدمة لمصالحه الاقتصادية والعسكرية ، لإبقائها في نطاق التخلف والتبعية . ان القبول بتقسيم المغرب وفرضه كأمر واقع ، بواسطة الاستفتاء وتقرير المصير ، هو امتداد تاريخي لتقسيمات الاستعماريين المحتلين منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء ، وهو بالتالي تزكية لمخطط استعماري لم يستطع الاستعمار نفسه ان يحلم به رغم قرن من الاحتلال والقهر السياسي والعسكري . لذا فان حق الاستفتاء وتقرير المصير فيما يخص ما يسمى بالشعب الصحراوي ، هو طعن سافر لمفهوم الشعب ، وحق تقرير المصير الذي يؤدي الى خدمة الامبريالية والاستعمار بكل الوانه ، ومن تكريس التجزئة الانفصالية ، وخلق الكيانات الهزيلة والمصطنعة ، وذلك بإضفاء شرعية مزورة عليها باسم القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها . ان هذه الاطروحة الكاذبة المزيفة ، تستفيد من الخلط بين المعطيات الصحيحة وغير الصحيحة عن طريق حق يراد به باطل . فإذا كان من الصحيح محاربة الاستعمار والصهيونية ، فانه من غير الصحيح الوقوع في المستنقع الانفصالي الذي يضرب في الصميم وحدة الشعب والأرض ، ويخدم المخططات الامبريالية والاستعمار تحت غطاء مشوه المضمون هو حق تقرير المصير والاستفتاء .
ان حق تقرير المصير والاستفتاء سلاح بيد الشعوب والقوميات والأمم المضطهدة والمجزأة في مواجهة العدو الوطني والقومي ، وليس هو ابدا حق الاقاليم والمناطق والقبائل والعشائر والأديان والطوائف في التجزئة والانفصال عن الوطن وتقسيم وحدة الشعب. ان هذا هو المخطط الخبيث الذي فشل في تحقيقه الظهير البربري ، ويخطط له اليوم الاستعمار الجديد في الصحراء باسم الاستفتاء وتقرير ألمصير وحق الشعوب في التعبير عن ارادتها .
ان الحقيقة التي لا جدال فيها ، هي ان اخطر ما استطاع الاستعمار القديم والجديد والصهيونية والعملاء ان يواجه به الجماهير الكادحة العربية في سبيل التحرر، والوحدة ، والتقدم الاجتماعي ، هو اللعب على التفاوت ، والفروق الاقليمية والدينية (سنة – شيعة ) (عرب – اكراد ) ( عرب – امازيغ ) وأشباهها ، من اجل ارساء التجزئة السرطان الذي كان ولا يزال يمزق الجسم العربي والإسلامي ، ويمنع الجماهير ان تتوحد وتوجه ضربتها القاسمة الى الوجود الامبريالي والصهيوني برمته في المنطقة العربية . ان ما يحاك اليوم للصحراء هو تكملة للمخطط الذي يضرب اليوم العراق ، سورية ، اليمن ، السودان ، ليبيا ، والحبل على الجرار .
ان تطبيق مبدأ تقرير المصير في الصحراء وبهدف انشاء كيان مستقل ، يشكل ثغرة اساسية في نضال المواطنين الصحراويين . فإذا كان من حق هؤلاء ممارسة معارضة بناءة او جذرية للنظام المخزني ، كغيرهم من المواطنين في الاقاليم المحررة ، فليس هناك اي مبرر لتنكر البعض منهم للروابط النضالية والتاريخية ، او العمل على خلق الدولة الصحراوية المستقلة ، الشيء الذي يعد ضربا لوحدة الشعب المغربي ، وحاجزا في توحيد نضاله ضد اعدائه الحقيقيين الاستعمار والصهيونية والنظام المخزني الفيودالي القروسطوي صاحب اقطاعية الحق الالهي .
ان الصحراء المغربية لم تكن فحسب اقليما من الاقاليم المغربية ، بل انها احتلت مكانة بارزة ضمن التاريخ المغربي ، وساهمت بشكل فعال في تحديد المعالم الحضارية لحضارتنا عبر مراحل تاريخية مختلفة لا يتسع البحث لذكرها . لذا فان معالجة قضية الصحراء في اطارها الصحيح ينبغي ألاّ يكون فقط من زاوية انتماء المنطقة الصحراوية التي كانت محتلة الى المغرب ، ولكن ايضا من مبدأ معارضة انشاء الكيانات الانفصالية العميلة للدوائر الاجنبية . وعليه فان الحديث عن الاستفتاء وتقرير المصير بالنسبة للصحراء ، ينبغي ان يكون في منتهى الحذر . تقرير المصير لمن ؟ وعلى من ؟ وهل من مصلحة المغرب الكبير والشعوب العربية والإسلامية ان تقوم في الصحراء المغربية دولة مزيفة عميلة لا مقومات الدولة لها ، فقط بحجة ان مجلس الامن والأمم المتحدة وافقا على ذلك ؟
ان شعار تقرير المصير الذي ترفعه الجزائر اليوم هو مناورة خبيثة لفصل الصحراء عن المغرب وتقزيمه وقطع امتداده بالعمق الافريقي .
بين جمهورية تندوف ومبدأ حق الاستفتاء :
بينا اعلاه ان ممارسة حق الاستفتاء في حالة الصحراء المغربية هو حق يراد به باطل ، وانه حق خارج السياق القانوني لممارسة هذا الحق طبقا لمعايير القانون الدولي . كما ان الهدف الذي تتوخاه الجزائر من ممارسة هذا الحق ، هو اضعاف المغرب وجعله تابعا لها لا متفوقا عليها . وإذا كان النظام المخزني قد اساء بتقلباته وتناقضاته الموقفية في المحافل الدولية لقضية الصحراء المغربية ، حيث مرة يتمسك بالاستفتاء وتقرير المصير ، ومرة يرفضهما ، فان ما لا يمكن فهمه وأمام موت ما يسمى بالدبلوماسية المخزنية ، هو التناقض الصارخ بين الاعلان عن جمهورية موجودة ، وبين الاستمرار في المطالبة والتمسك بمبدأ الاستفتاء وتقرير المصير . اي كيف يمكن الجمع في نفس الآن ، بين مطلبين متناقضين . مطلب الجمهورية الموجودة ، حيث تعترف بها العديد من الدول ، وبين الاستمرار في مطلب الاستفتاء الذي تتضمن احدى اسئلته انشاء جمهورية جديدة ؟ .
ان هذه الثغرة الموجودة بين الجمهورية الموجودة بأرض تندوف ، ونسميها بجمهورية تندوف ، وبين الاستمرار في المطالبة بالاستفتاء لإنشاء جمهورية لا ندري هل ستكون مرادفة للجمهورية الاولى ، ام انها ستكون مغايرة ، بدعوى ان الاعلان عن الجمهورية الاولى لم يحترم ضوابط القانون الدولي في انشاء الجمهوريات ، لم تستغلها الدبلوماسية المخزنية الميتة في الدفاع عن مغربية الصحراء ، بل انها عجزت حتى في اقناع الدول العربية خاصة الخليجية منها بموقف المخزن المتذبذب من نزاع الصحراء . وكان لو استغلته جيدا في معارضتها لخصوم الوحدة الترابية ، ان تحدث تغييرا جوهريا في العديد من المواقف الدولية بما يؤكد ويدلل على مغربية الصحراء ويفنيد اطروحة الخصوم المتناقضة مع القانون الدولي ، وخاصة تلك التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية ، او انها في طريقها الى الاعتراف بها مثل السويد والنرويج وفنلندا وانجلترا واليونان والبرازيل وحتى الدول الافريقية برئاسة جنوب افريقيا .
ان اعتراف العديد من الدول ، خاصة الافريقية ( نيلسون مانديلا ) بالجمهورية الصحراوية ، وترشيح دول مثل السويد بالاعتراف بنفس الكيان ، سببه قروسطوية وفيودالية النظام المخزني القروسطوي المنتج لمجتمع العبودية بشكل مقزز في العشرية الثانية من الالفية الثالثة . ان انعدام الديمقراطية في اقطاعية الحق الالهي ، حيث سرق الملك القرآن والإسلام ، ووظفهم في خدمة مصالحة وعائلته والمحيطين به ، و لتثبيت نظام فريد ومرفوض في العالم ، حيث تنتفي فيه المواطنة لتحل محلها الرعية التعبير المخفف لوصف العبيد ، كل هذا جعل هذه الدول التي اعترفت او تفكر في الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، تعتقد انها وجهت ضربة لهذا النظام العشائري ، في حين ان الضربة كانت موجهة لوحدة الشعب ووحدة الارض . ان اي نظام اذا سقط لسبب من الاسباب ، سيأتي على اساسه نظام آخر . لكن إذا ذهبت الصحراء فلن تعود ابدا . والسؤال : هل استعاد النظام الصحراء الشرقية وموريتانية وسبتة ومليلية ؟
انه نفس التقييم الخطأ سقط فيه من عارض مغربية الصحراء ، فقط لاعتبار الصحراء بؤرة ثورية منها ستنطلق الثورة ضد المخزن ، اي ، ليس المغرب من سيحرر الصحراء ، بل الصحراء هي من ستحرر المغرب .
ان السؤال الذي يتوجب طرحه : كيف تم انشاء الجمهورية الصحراوية ؟ هل تم انشاؤها نتيجة استفتاء نظمته الامم المتحدة ، ام تم انشائها بقرار لمجلس الامن او قرار للجمعية العامة ، ام تم انشائها بناء على اتفاق مع المغرب الطرف الرئيسي في النزاع ؟
لا شيء من هذا حصل في تأسيس الجمهورية الصحراوية . ان الذي انشئها هي جزائر الهواري بومدين وطرابلس الغرب معمر القدافي . ان انشاء الجمهورية الصحراوية لم يكن بدافع حق الشعب الصحراوي في تأسيس جمهوريته ، بل كان قرارا سياسيا طائشا لفرض امر واقع بالمنطقة ، وللحيلولة دون تمكين المغرب من استرداد اراضية بعد اتفاقية مدريد الخيانية التي قسمت الصحراء بين المخزن وبين نواكشوط .
ومع هذا الشرود في انشاء الدول ، توالت الاعترافات بها من قبل العديد من الدول الافريقية ، ودول امريكا اللاتينية والجنوبية ، ليس اقتناعا بالجمهورية ، بل لموقف فرضته التخندقات الدولية اثناء الحرب الباردة . فهل الجمهورية الصحراوية التي تعترف بها العديد من الدول وتعزم دول اخرى الاعتراف بها تملك شروط ومقومات الدولة ؟ .
وهنا لنتساءل : ما هي شروط ومقومات الدولة ؟ :
بالرجوع الى القانون الدستوري والأنظمة السياسية ، سنجد ان ثلاث عناصر اساسية هي التي تكون الدولة ، وفي غياب احدها يعني غياب الدولة .
ان اول هذه الشروط او العناصر هي :
اولا – الارض : السؤال هنا . هل تم انشاء الجمهورية الصحراوية فوق الاراضي الصحراوية المتنازع عليها ، ام تم انشائها خارج هذه الاراضي وبالضبط في تندوف الجزائرية ؟
ثانيا – ان الشرط الثاني لاكتساب صفة الدولة هي السيادة . فهل للجمهورية الصحراوية سيادة تمارسها باستقلال عن الجزائر، ام ان السيادة هي سيادة العراب الذي انشا الجمهورية الوهمية ، الجزائر . وهنا هل تملك الجمهورية الصحراوية استقلالية القرار ، بحيث مثلا تستطيع الرجوع الى الحرب دون موافقة الجزائر ؟
ثالثا – اما الشرط الثالث لاكتساب صفة الدولة ، فهو الشعب . وهنا هل تمثل الجبهة الصحراوية كل الصحراويين ، ام انها تمثل فقط جزءا منهم ؟ وبالرجوع الى تقارير خبراء محكمة العدل الدولية في سنة 1975 ، سنجد اعترافا بينا بكون جزء من الصحراويين هم مع الاستقلال ، وجزء آخر هم مع الاندماج في المغرب . من هنا فان قرار محكمة العدل الدولية بخصوص نزاع الصحراء ، كان مرتبكا ، وكان يستجيب مرة للحجج المغربية حين اعترف بوجود علاقة بيعة مع سلاطين المغرب . وهنا فان الاشارة الى السلاطين ، هو اشارة ليس الى اشخاص من قبل المحكمة ، بل اشارة الى نوع الدولة الثيوقراطية المخزنية الحاكمة ، اي الدولة العلوية ، وهو ما يعد اعترافا من المحكمة بمغربية الصحراء . لكن ان تضيف المحكمة في قرارها التنصيص على مبدأ الاستفتاء ، رغم اعترافها بمغربية الصحراء ، فهذا يعني ان الحكم جاء سياسيا وليس قانونيا ، اي محابيا للأنظمة ، وليس للشعوب التي تزال تكتوي بلهيب هذا الصراع الذي عمر لأكثر من اربعين سنة . وهنا يمكن ان نفهم القرارات التي نصص عليها مجلس الامن في كل اجتماعاته ، وأشار اليها مؤخرا الاتحاد الاوربي : " حل سياسي متفاوض ومتفق عليه يؤدي الى تقرير المصير " ، وحتى يحصل ذاك التوافق الذي لن يحصل ابدا ، بسبب تعذر الشرط الواقف " موافقة الاطراف " ، يبقى موضوع الصحراء لعبة قوى كبرى تتحكم في ساحة الصراع ، وهي التي ستقرر متى وكيف سيحل .
ان اعتراف العديد من الدول بالجمهورية الصحراوية ، التي أنشأتها الجزائر ولم ينشئها الصحراويون ، ورغم افتقارها لشروط وعناصر الدولة ، هو اعتراف سياسي يناقض بالمطلق ، قرارات مجلس الامن ، والجمعية العامة اللذان يتحدثان فقط على الاستفتاء ، ولا يتحدثان عن الجمهورية الصحراوية ، بل ان الجبهة الشعبية في تحركاتها لا تطالب بالانفصال ، بل تطالب فقط بالاستفتاء وتقرير المصير ، وتؤكد انها ستلزم بنتائجه حتى ولو كانت الاندماج مع المغرب .
وهنا . الم يكن من الاجدر بالنسبة للدول التي اعترفت بالجمهورية ، والدول المرشحة للاعتراف بها مثل السويد ، التزام الحياد في نزاع لا يزال بيد مجلس الامن والمنتظم الدولي ؟ اي لا مع مغربية الصحراء ولا مع الجمهورية ، ما دام ان مجلس الامن لم يتوصل الى تحديد مسطرة الاستفتاء ؟ اي لماذا سبقت هذه الدول مجلس الامن والجمعية العامة في الاعتراف بدولة لا يزال مجلس الامن يبحث في كيفية تنظيم استفتاء بشأنها ؟
وبما ان الاستفتاء الذي تطالب به البوليساريو لم ينظم حتى نعرف قرار الصحراويين : هل يقررون الانفصال والاستقلال ، ام يقررون الاندماج التام مع المغرب ، ام يقررون الحكم الذاتي ، فان ( شرعية ) لا شرعية الدول الصحراوية تبقى على المحك .
ان القول بوجود جمهورية تندوف ، وخارج الاستفتاء المعطل بسبب الشرط الواقف ( قبول اطراف النزاع بالحل ) ، هو الغاء اتوماتيكي لمبدأ حق الاستفتاء . لأنه لا يعقل قانونيا تنظيم استفتاء لخلق دولة مع وجود نفس الدولة المعترف بها من قبل العديد من الدول خارج نظام الاستفتاء . ان وجود جمهورية تندوف او جمهورية المنفى يلغي تنظيم الاستفتاء .
اما إذا استمرت الجزائر ومعها جبهة البوليساريو من خلال القرارات التي ينصص عليها مجلس الامن كل 30 ابريل من كل سنة تتمسك وتطالب بالاستفتاء ، فهذا يعني الحل الاتوماتيكي لجمهورية تندوف المارقة الشاردة ، وانتظار تنظيم الاستفتاء الذي ينصص عليه مجلس الامن ، و حتى يمكن تحديد الوضع النهائي للإقليم : هل الانفصال ، ام الاندماج والدمج ام الحكم الذاتي .
فهل اضحت اليوم السويد التي ارادت سبق نتائج الاستفتاء بالاعتراف بجمهورية خارج السياق القانوني ، صحراوية اكثر من الصحراويين الذين لا يطالبون بالانفصال ، بل يطالبون فقط بالاستفتاء ؟
وهل تمسك الصحراويين بالاستفتاء لتحديد مصير الاقليم النهائي هو طعن مباشر في جمهورية تندوف المارقة الخارجة عن القانون ؟ .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تداعيات اعتراف مملكة السويد ب - الجمهورية الصحراوية -
- محاكمة البيضاء
- اسباب التطرف ودواعيه
- تحليل للنظام السياسي المغربي
- أي صراع نخوض ؟
- حملة تضامن دولية مع الصحفي المغربي علي لمرابط المضرب عن الطع ...
- رسالة مفتوحة الى : - جيش التحرير العربي الصحراوي -
- نشوء الطبقات الاجتماعية
- رسالة الى - الشعب الصحراوي - - الشعب العربي في الصحراء - - ا ...
- العبت
- طبخة طنجرة وزارة الداخلية والمسخ السياسوي الانتخابوي
- هل لا يزال هناك امل بالوحدة العربية ؟
- الثورة
- شروط التغيير
- على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخ ...
- السيد محمد عبدالعزيز رئيس - الجمهورية العربية الصحراوية الدي ...
- قراءة لقرار مجلس الامن 2218 حول نزاع الصحراء
- - ملف حقوق المرأة في العالم العربي -
- انصار واعداء الرسل : المجتمع الاشتراكي مجتمع الكفاية والعدل
- رد على مقال الاستاذ سعيد الفطواكي . ملكية برلمانية ام جمهوري ...


المزيد.....




- أمير الكويت يأمر بحل مجلس الأمة ووقف العمل بمواد دستورية لمد ...
- فرنسا.. الطلبة يرفضون القمع والمحاكمة
- البيت الأبيض: توقعنا هجوم القوات الروسية على خاركوف
- البيت الأبيض: نقص إمدادات الأسلحة تسبب في فقدان الجيش الأوكر ...
- تظاهرات بالأردن دعما للفلسطينيين
- تقرير إدارة بايدن يؤكد أن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لا ...
- بالنار والرصاص الحي: قرية دوما في الضفة الغربية.. مسرح اشت ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق العمل جزئيا بالدستور حتى أربع ...
- مجلس الأمن يؤكد على ضرورة وصول المحققين إلى المقابر الجماعية ...
- بالفيديو.. إغلاق مجلس الأمة الكويتي بعد قرار حله ووقف العمل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - إمّا جمهورية تندوف ، وإمّا الاستفتاء وتقرير المصير