أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخبة - والمخزن















المزيد.....



على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخبة - والمخزن


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 4801 - 2015 / 5 / 9 - 23:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على هامش " الاستحقاقات " القادمة : المجالس " المنتخبة " والمخزن
توطئة : نهدف من هذه الدراسة التحليلية الى اعطاء صورة حقيقية عن الاصل المتحكم في جميع الاستحقاقات الانتخابية كما عرفها المغرب لأول مرة منذ 1960 . وللإشارة فان جميع العمليات الانتخابية كان متحكم فيها من قبل الدولة ، وقد فضلنا استعمال مصطلح الدولة عوض تدخل الجهاز الاداري كما يحلو للبعض ترديده ، او تدخل وزارة الداخلية كما يحلو للبعض الآخر ترديده كذلك . وقد فضلنا استعمال مصطلح الدولة الذي يحيل الى تدخل القصر في جميع الاستحقاقات بما كان يؤثث لمجالس منتخبة على المقاص . ان تدخل وزارة الداخلية في التأثير على جميع الاستحقاقات التي عرفها المغرب في الزمان والمكان لم يكن ليحصل بصفة انفرادية دون استشارة القصر الذي كان يقرر تبعا لما كانت تمده به الوزارة من معلومات ترجح هذه الجهة السياسة على اخرى ، او خلق مكونات سياسية في آخر لحظة مباشرة بعد الانتخابات ، او قبلها لخوض غمار معركة انتخابية كان متحكم فيها بالتزوير والتدخل المباشر .
ومما يجب فهمه ان القصر ومنه وزارة الداخلية كان يلعب دورا محوريا في خلق نخب واعيان جديدة من داخل المجالس المنتخبة ، فكانت تنوب عنه ، اضافة الى قدماء الاعيان في تجسيد البروتوكول والطقوس المخزنية ، بحيث تتحول القبائل والبادية الى صمام امان للمخزن من خطر الانتلجانسيا الثورية والحداثية ، التي كانت ترى في النظام المخزني تناقضا مع الديمقراطية ، كما كانت تعتبر هذا النوع من النظم التوتاليتارية متناقضا مع القيم والمفاهيم الديمقراطية التي تبني كل شيء على المحاسبة والشفافية ، واعتماد الاصل في العملية الديمقراطية ، اي صناديق الاقتراع من خلال صوت الناخب او الكتلة الناخبة .
لكن ما نلاحظه ، ان القصر الذي احتكر العملية السياسية برمتها سواء بالنسبة لجميع الاستحقاقات السياسية من مجالس وهيئات تشريعية مختلفة ، او من خلال دوره الاساسي في انشاء التنظيمات السياسية والمنظمات النقابية ، فبقدر ما كان ينجح في خلق طبقات وأحزاب الاعيان ، فانه كان يفشل في خلق احزاب النخب . وهذا يرجع اولا الى شيوع الامية السياسية بين طبقات الاعيان ، وثانيا يرجع الى ربط مصير الاعيان الذين يرجعون الى القبيلة ، مع مصير المخزن الذي يستعملهم ويوظفهم في الوقوف في وجه احزاب البرجوازية الصغيرة والمتوسطة وما فوق المتوسطة .
هكذا نحدد نجاح القصر في خلق حزب الاعيان قبل او بعد العملية الانتخابية بإعطاء بعض الامثلة :
حزب الحركة الشعبية الذي تم تأسيسه لمواجهة البرجوازية الميركانتيلية الفاسية بقيادة علال الفاسي ، ومواجهة البرجوازية الصغيرة الشعبوية بقيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية في مواجهة حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية .
حزب الاتحاد الدستوري لمواجهة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال .
حزب التجمع الوطني للأحرار لمواجهة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .
الحزب الوطني الديمقراطي الذي اسسه رسميا ادريس البصري بعد ان شعر ببدء تملص احمد عصمان من سيطرته .
اما احزاب النخب التي انشأها المخزن وفشل فيها :
الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي انفصل عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي .
جبهة القوى الديمقراطية التي انفصلت عن حزب التقدم والاشتراكية .
الحزب العمالي الذي خرج عن الاتحاد الاشتراكي .
حزب الخضر .
الحزب الاشتراكي ... لخ
وإذا كان القصر قد نجح في خلق احزاب الاعيان وفشل في خلق حزب النخب ، فان نفس الفشل حصده مستشار الملك فؤاد الهمة عندما اسس ومن موقعه كوزير منتدب في الداخلية حزب الاصالة والمعاصرة الذي حاول الجمع ، بين نخبة تتكون من قدماء اليساريين التائبين الذين باعوا تجربتهم بحفنة دراهم وسخة ، وبين الاعيان الذي استقدموا الى الحزب الجديد ، من احزاب الاعيان القديمة التي استنفدت دورها ، وحان موعد تحجيمها . وقد ادى التعارض بين جماعة الاعيان وجماعة النخب ، ان اصبح دور الحزب خلال عراك وحراك 20 فبراير قاب قوسين من الحل ، بعد ان نال من النقد والتقريع ما لم يسبق لحزب مخزني سابق ان ناله .
إذن من خلال هذه الدراسة سنحلل اصول الجهاز الاداري وسياسة الحكم المخزني في ميدان الادارة المحلية كلاعب اساسي في انتاج ( الاعيان ) و انتاج ( النخب ) ، عبر كل الاستحقاقات التي عرفها المغرب ، مبرزين على الخصوص استمرار نفس العقلية والممارسات الاستعمارية بعد استقلال ايكس ليبان . وهنا سنركز على اصل الداء الذي ترتبت عنه جميع الامراض ، اي اول انتخابات جماعية لسنة 1960 .
وإذا كنا قد اخترنا هذه الفترة بالضبط ، فلأنها تكشف الخلفيات التي تحكمت منذ ذلك الحين في بسط يد الحكم المطلق على مجموع البلاد ، وخاصة البوادي التي سلك فيها سياسة التجميد الطوعي للحياة المحلية ، برفض ادنى اصلاح بنيوي للهياكل الفلاحية . ذلك ان هذا الاصلاح كان يتطلب من الناحية السياسية القبول بمشاركة شعبية واسعة في اتخاذ القرارات وتسيير الجماعات ، وهو التوجه الذي دافع عنه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية آنذاك ، ودافع عنه الاتحاد الاشتراكي منذ المؤتمر الاستثنائي والى حدود المؤتمر الرابع ، لأن في المؤتمر الخامس شكل الحزب القطيعة حتى مع المشاريع الاصلاحية لمؤتمر 1975 ، حين تدخل ادريس البصري وعين شخصيا مجموعة من رؤساء الكتابات الاقليمية ، وضغط القصر بتعيين عملاءه في كل من فتح الله ولعلو وعبد الواحد الراضي كأعضاء بالمكتب السياسي .
ان الدراسة بإبرازها هذه الحقيقة التي تجهلها الاجيال الحالية ، خاصة اجيال " ستار اكاديمي " و " موازين " و " أراب آيدل " ووو . لخ ، فهي تؤكد بشكل مباشر على ضرورة الديمقراطية في تحرير الطاقات الاجتماعية من اجل التغيير الحقيقي ، وكاشفين الطابع الشكلي والهامشي للمجالس البلدية والقروية ، وفراغها من ادنى صلاحية تقريرية او سياسية ، وهي نفس الظاهرة التي تميز البرلمان على الصعيد الوطني . فالى الآن كل شيء شكلي و فقط لتزويق الواجهة مع اوربة والولايات المتحدة الامريكي خاصة مع طرح قضية الصحراء المغربية في المحافل الدولية .
مدخل : كم يندهش المرء عندما يرى في نهاية الحماية ، أن العالم القروي الذي كان يمثل عام 1962 ما يقارب ثمانين في المائة من مجموع سكان المغرب ، لا يسيره إلاّ بضعة مئات من الموظفين الفرنسيين ، مدنيين او عسكريين ، يساعدهم بعض الموظفين المغاربة ، ويحرسهم مخزنيون قلائل ، لا يملكون إلاّ سلاحا باليا وارتباطا بعيدا مع قوات التهدئة . والحال ان الادارة الفرنسية ، بدوائرها التقنية الكبرى وقياداتها المتمركزة في العاصمة الرباط ، كانت تعطي الانطباع بأنها تمثل نظاما بيروقراطيا ضخما ، من حيث عدد وفعاليات العاملين به .
مع ذلك ، ظل العالم القروي طوال عشرات السنين خاضعا للنظام المقيد الذي اقامته السلطة الادارية الفرنسية . ذلك ان حشدا من " الموظفين " المغاربة الذين كانت قيادتهم نسخة طبق الاصل عن النظام القبلي ، كانوا ينوبون عن عمل الضباط الاستعماريين والمفتشين المدنيين . فبدون دعم هؤلاء " الاعيان " كانت الآلة الادارية للاستعمار ستدور في فراغ .
وفضلا عن هذا ، لم يكن هؤلاء المساعدون يكلفون السلطة المركزية شيئا ، حيث كانت تتركهم يقتطعون نصيبهم من الضريبة القروية ، الى جانب اعمال الاغتصاب الاضافية ، فالقطاع الفلاحي التقليدي هو الذي كان إذنْ ، يتحمل كافة كلفة هذه الادارة التي نجد ممثلين عنها حاضرين في ادنى تجمع قبلي من اجل الاستخبارات والحفاظ على النظام ، وتنفيذ قرارات الادارة الفرنسية . ولم تكن الدولة تكتفي بعدم دفع اي رواتب للمساعدين ، بل انها لم تكن بحاجة لبناء ولا لصيانة مقرات ادارية ، بما ان منازلهم كانت تقوم مقامها .
يمكننا ان نقول باختصار ان الادارة الفرنسية امنت لنفسها التحكم في " المغرب النافع " بترك " الاعيان " يستغلون العالم القروي التقليدي ، فكانت تستمد مشروعية عملها هذا ، من الملك الذي كلفها ب " تحديث " البلاد بمقتضى معاهدة فاس . وكان نفس الامر ينطبق على الباشا ، و القياد ، والخلفان ( خليفة قايد ) ، والشيخ ، ولمقدم ، والجّاري ، وتوابعهم الذين لم يكونوا من الناحية القانونية سوى ممثلي السلطان في القبائل . مثلا في قبائل زعير كان هناك القياد المكي الذي بقي قايدا حتى مات عن سن يناهز مائة وعشرين سنة ببلدية الرماني .
والواقع ان اخضاع بلاد الثوار ( السيبة ) ، قد تم على ايدي القوات العسكرية الفرنسية ، حيث كانت ارتباطات العديد من قياد الريف او الجنوب مع العرش جد ضعيفة ، ولم تكن مراسيم البيعة المرفقة بالهدايا تروقهم كثيرا . والحالة ان الوضع السياسي شهد تدهورا خطيرا بعد 1945 ، حيث تحالف الملك مع البرجوازية الميركانتيلية للاحتجاج ضد الحماية ، فأصبح النظام الاداري غير صالح ، حيث سعى البرجوازيون الى توظيف غضب العالم القروي التقليدي الذي يتحمل الاعباء الباهظة لإدارة " الاعيان " ، ففكرت الحماية آنذاك ، في نوع آخر من التحالفات يضمن لها مشروعية جديدة . فبدل ان تأخذ سلطتها من تفويض السلطان ، ستساعد على اقامة نظام مجالس محلية منتخبة ، تكون مصدرا لمشروعية ديمقراطية مزعومة . إذ ان هذا النظام لا ينبغي ان يمثل خطرا بالنسبة للإدارة الفرنسية ، ويمكن ان يستعمل ضد القصر والبرجوازية الميركانتيلية إذا اقتضى الحال . لكن تسارع الازمة بين القصر والإقامة العامة ، منع من قطع اشواط بعيدة في تنفيذ هذا المخطط الذي كان يتطلب الوقت ويفترض ان تفكيك نظام الاعيان امر سهل .
والواقع ان العكس هو الذي حصل عام 1953 عندما قررت الاقامة ترحيل الملك محمد الخامس بتأييد من الباشوات والقياد . هكذا تجاوزت ارتباطات الادارة الفرنسية بالأعيان مستوى علاقات الخضوع فحسب ، لتظهر كتضامن من اجل التحكم في العالم القروي ضد القصر والبرجوازية الوطنية الذين يريدون انهيار النظام ، فالأعيان يستغلون العالم القروي ، وهم ايضا مُستغلون من طرف القصر الذي تشبه اساليبه اساليبهم ، كما انهم يخشون اطماع البرجوازيين الوطنيين ويثقون في صلابة الحماية فقط .
وإذا كان الاستقلال عند بيروقراطيو العاصمة لا يمثل إلاّ تمريرا للتعليمات لفائدة البرجوازية الوطنية ، فان الامور كانت اكثر تعقيدا في البادية المغربية . ذلك ان الحماية الفرنسية كانت تريد ان تجعل السلطان يزكي لدى عودته ، شبكة الباشوات والقياد والخلفان الذين طالبوا بترحيله . لكن بعد كثير من التردد رفض الملك ان يتورط مع الاعيان القدامى ، وكان يدرك في نفس الوقت ، أن الذي يقيم تحالفا جديدا مع العالم القروي هو الذي يسيطر على النظام السياسي المغربي في مجموعه . فإذا كان قد ترك سلطة الاعيان السياسية تتحطم ، فقد حد من كل ما من شأنه ان يمس وضعهم الاقتصادي ، او يظهر كبوادر لإصلاحات اكبر وأوسع . فعمل القصر إذن ، في المرحلة الاولى على عرقلة مجهودات حزب الاستقلال من اجل التحكم في العالم القروي بفضل شبكة يمكن ان تجمع بين الحزب والإدارة . ثم بمناسبة احياء المجالس المحلية التي اقيمت في نهاية الحماية ، وجد القصر الوسيلة لوضع نظام من النخب المحلية لفائدته .
وهكذا ، رغم التصريحات الرسمية ، افسح القصر المجال لإقامة اطار اداري يحافظ على التحالفات القبلية التي كان يقوم عليها النظام السابق ، وجاء الاقتراع ليضاف الى التقسيم الترابي ، و ليظهر الى الوجود طبقة من المنتخبين ليست على قطيعة مع الماضي الاستعماري .
1 ) اعادة دمج الاعيان المحليين في الشبكة الادارية :
لقد كان الملك يدرك ان الاقتراع العام سيخلق مشروعية جديدة إذا ما اراد حزب واحد ، او ذو اغلبية واسعة ان يستعمله ضد الملكية ، فسعى الى تجريد نتائج الانتخابات من طابعها السياسي ، والى حصر المنتخبين في الصعيد المحلي ، وتحويلهم الى ادوات للعمل الاداري . غير انه لم ينجح بشكل كامل ، ذلك ان مستشاري الجماعات ، وإن حرموا من سلطات التسيير ، فإنهم باتوا هم الممثلين الوحيدين الذين انتخبوا بالاقتراع العام في النظام السياسي ، وسينزعون الى رفض البقاء مسجونين في الاطار الضيق الذي حُضّر لهم ، والى المطالبة بصلاحيات عامة على الصعيد المحلي . وبسرعة ، ستحاول الاحزاب والإدارة ايضا ، الامساك بالمنتخبين باعتبارهم مجسدين للمشروعية الشعبية . وقد كان بإمكان تطور غير مراقب ان يصير خطرا على النظام السياسي . لذلك عملت الملكية على احتواء هذه النزاعات بطريقتين ، اولهما اعادة تكوين شبكة ادارية من الاعيان المحليين ، مكملة لشبكة المنتخبين ، وممولة بأساليب لا تختلف في الواقع عن اساليب الحماية .
وهكذا ، في الوقت الذي اخذ المنتخبون بالاقتراع العام اماكنهم ، كان نظام الشيوخ والمقدمين جاهزا ، مستمدا سلطته بتكليف اداري ، وضروريا للإدارة المحلية اكثر من عهد الحماية .
لكنه كان بإمكان القياد الجدد ، بفعل توفرهم على منتخبين منحدرين من نفس الفئة الاجتماعية ، تنظيم المنافسات والتخفيف من تبعيتهم لمأموريهم مما كانت عليه الادارة الفرنسية . وعلى العموم ، يمكن ان نعتبر ان القصر اعاد تشكيل نظام من التحالف مع الاعيان المحليين ، يحصنه ضد النخبة المثقفة والبرجوازية الحضرية والبروليتارية المدينية . وقد تمت اعادة تشكيل هذا التحالف ، عبر المنتخبين وعبر موظفي الادارة الصغار على حد سواء .
ان التحكم في العالم القروي هو إذن ، عامل استقرار سياسي بالغ الاهمية ، استعمله الملك الحسن الثاني لإضفاء شرعية جديدة على الملكية ، عبر الاقتراع العام ، وذلك عندما طرح الدستور للاستفتاء الشعبي في 7 ديسمبر 1962 . إلاّ انه لم يفلح ، بنفس الوسائل في تأمين اغلبية حكومية تستجيب لما كان ينتظره من بناء نظام توتاليتاري مسنود الى الدين ، والى الشعب الذي اختزله في الكتلة الناخبة من الاعيان المرتبطين بالقصر ، ومن مؤسسة الشيوخ والمقدمين والقياد والباشوات .
كما ان قلب نظام تحالفات الملكية سيقف هو كذلك ، حاجزا امام اية محاولة جدية لتحديث العالم القروي تمر عبر اصلاحات هيكلية . فالنخبة المحلية التي ينتمي اليها مجموع الموظفين الاداريين المحليين والمنتخبين ، جد حساسة لأية اجراءات تخص قانون الاراضي . فهم غالبا ما يكونون في حاجة الى مساعدة من بيروقراطية القصر لتوطيد املاكهم العقارية التي كانت لا تزال هشة بعد ، والتي سرعان ما تطعن القبائل بوسائل اخرى ، في امتلاكهم لها . كما ان محاولات الزراعة المكثفة التي تتطلب بالضرورة ، توزيعا جديدا للأراضي ، كانت تثير مخاوفهم .
وبالعكس ، فإنهم سوف يكونون لصالح عمليات تحديث تخلصهم من فائض السكان القرويين الذي اصبح يمثل خطرا ويستحيل الحفاظ عليه ، وذلك عبر التهجير نحو المدن او الى الخارج . والحال ان الحكم لا يتوفر على ما يكفي من الثقة بالنفس للقبول بمثل هذا التطور . فهو يفضل طرقا تشبه التشغيل المأجور ، مثل الانعاش الوطني ، تسمح له بالحفاظ على فائض السكان في القطاع القروي التقليدي لأطول مدة ممكنة .
وهذه السياسة تستند جزئيا ، على المساعدة الاجنبية التي تقوم في آن واحد بتمويل جزء من كلفة شبكة الادارة المحلية ، وبالحفاظ في البادية على جزء من فائض السكان . ولقد جعلت الملكية من المساعدة الخارجية ، وبخاصة الاوربية ، عنصرا هاما في استراتيجية الاعيان . وكانت البرجوازية الفلاحية العصرية اكثر الفئات اهتماما بآفاق اشراك المغرب مع السوق الاوربية الذي يسمح لها ببيع الحوامض والأرز والخمور التي تنتجها . لكن طموحات الملك بخصوص هذه النقطة ، لم تتحقق كلية . ان الاخفاقات النسبية في الميدان السياسي ابعدت ، في مرحلة اولى المساعدات من اجل تحديث النظام الفلاحي في المغرب ، فكان من شأن اخلال مساعدة خارجية هامة ، ان شكّل حاجزا امام محاولات تحديث النظام السياسي ، وهياكل العالم القروي ، الذي كانت الملكية مصممة على القيام به في البداية . وسرعان ما اثار تطور الوضع مخاوف لدى الملك بفقدان مساندة الاعيان المحليين قبل ان يكون قد نجح في جلب دعم فئات اجتماعية اخرى ، ربما كانت ستنخرط في اصلاحاته ، لكن دون ان تقبل بان ترى الملكية تستمر في لعب دور نشيط ، فجناح التحديث سوف يكون من شأنه الدفع بالملكية الى الحد من دورها ، وان لا تعود سوى رمزا للشرعية والوحدة . ولم يكن للحسن الثاني الانصياع لمثل هذا الوضع ، وعلاوة على ذلك ، فانه كان يخشى ان يرى الملكية تُعزل ، وتجرفها موجات الاصلاح الاولى ، لكونها كانت مشتركة ، ولمدة طويلة في مؤسسات الماضي .
لقد قوت هذه المخاوف الجوانب المحافظة والجمودية في سياسته ، خالقة على المدى المتوسط مخاطر انفجار اخرى ، ناجمة عن نزاعات اجتماعية لم يتم حلها ، ولكن ، مثلما كانت الحماية تلجأ الى الاعيان التقليديين في ساعة الازمات ، فان الحسن الثاني فضل الحفاظ على دعم الاعيان المحليين الذين يضمنون له هدوء العالم القروي ، بدل ان يواصل سياسة تحديثية قد تؤدي الى انسلاخ الاعيان عنه .
وفيما كانت النقاشات حول الانتخابات الجماعية والقروية تحتل الصدارة في الساحة السياسية ، مبلورة ومجسدة التنافس ما بين الاحزاب والقصر ، كان هذا الاخير يسجل نقاطا في الميدان بتشجيع شبكة ادارية من القاعدة ، تدمج مع الاعيان المحليين . فقد كان من الخطير ترك العالم القروي منزويا على نفسه وبدون تأطير اداري . ومن المعروف كيف ادى الشعور بالتخلي في بداية سنوات الاستقلال السياسي ، الى سخط سياسي عبر عن نفسه من خلال التمردات ( عدي اوبيهي ، الريف ، زيان بني وراين .. لخ ) . إلاّ انه لم يكن مطروحا البتة العودة الى نظام قياد الحماية على شكل آخر . لقد تأخر كثيرا انتخاب مجلس النواب ، مما ادى بالنظام الى اللجوء ومن جديد الى الساسة المنحدرين من نفس المجموعة الاجتماعية التي ينتمي لها قياد الحماية .
لقد كان القياد الجدد عبارة عن موظفين ، كانت هناك نية في تنظيمهم على النموذج النظري لهيئة الولاة الفرنسيين ، وحسب ممارسة المراقبة المدنية . لكن إذا كانت كلفة القياد الجدد لا تطرح مشاكل عويصة ( حوالي 400 قايد وخليفة قايد ) ، فانه لم يكن ممكنا تمويل الفين شيخ وعشرون الف مقدم ، ولو مقابل تعويضات متواضعة . لقد كان من شأن توظيف هؤلاء الوكلاء الاداريين ، ان يفوق الى حد بعيد ، مجموع ميزانية وزارة الداخلية . إلاّ انه لم يكن ممكنا ايضا الاستغناء عن هذه الروابط دون شل الادارة الترابية المحلية . فحزب واحد يتوفر على خلايا منظمة على مجموع التراب الوطني ، ويعيش في تلاحم مع الادارة ، هو وحده الذي كان بإمكانه تقديم حل بديل فعال . وهذا هو النموذج الذي كان يصبوا اليه استراتيجيو حزب الاستقلال ، وبخاصة المهدي بن بركة . فقد بدأ التوجه نحو هذا النموذج من الادارة في الاوقات الاولى من الاستقلال مع القياد المنحدرين من حزب الاستقلال وجيش التحرير . لكن الانتفاضات في البادية عامي 1957 و 1958 ، ادت الى ايقاف هذا المسار . والواقع ان الادارة المحلية الجديدة لم يكن بمقدورها ان تعيش بالاقتطاعات القروية ، ولا ان توظف بشكل كامل . غير ان حلا وسطا تبلور بالتدريج ما بين هذه الاتجاهات المتناقضة ، الشيء الذي سمح باللجوء من جديد الى الاعيان المحليين بتخصيص رواتب مالية لهم ، وبإخضاعهم لمراقبة شديدة من طرف سلم من الموظفين .
لقد كان مشكل الادارة المحلية احد اعوص المشاكل التي طرحت منذ الاشهر الاولى للاستقلال . فخلال الاجتماع الاول لعمال الاقاليم يوم 12 يناير 1956 برئاسة محمد الخامس ، ظهر ان السكان في اكثر من منطقة ، يرفضون القياد الجدد الذين عينهم الملك . كما ان وفود تازة ووجدة وتافيلالت ومناطق اخرى ، جاؤوا لتطويق القصر ووزارة الداخلية للمطالبة بتغيير قيادهم . ثم ان المقدمين والشيوخ كانوا قد فقدوا اعتبارهم مع افساد سمعة ادارة القياد ، وانجرفوا مع انهيار هذه الاخيرة . ومن هنا ، عندما كانت الحكومة تعين قيادا موظفين لمساعدة الاعيان الذين كانوا يعيشون رسميا بالاقتطاع من ضرائب قبائلهم ، لم يكن يخطر ببالها ان توظف على مستوى واحد الوكلاء المحليين الذين سيمثلون صلة الوصل بين القايد والسكان . لكن التخلي عن مساعدتهم كان ايضا امرا مستحيلا ، فاتجه الحل إذن ، نحو امداد القياد من جديد بالمعاونين الذين كانوا يحتاجون اليهم ، وذلك بوضع المؤسسة في انسجام مع الايديولوجية السائدة .
وبعد بضعة اشهر من العزلة ، المتفاوتة حسب المناطق ، اعاد القياد الجدد تدريجيا بناء شبكة من الشيوخ والمقدمين مطابقة تقريبا لشبكة الحماية . وإذا كان من الصعب تحديد دور هؤلاء ، فمن المؤكد انه يتجاوز بكثير تنفيذ المهام الصغيرة التي سيسندها لهم القايد . وعلى عكس الافتراض الذي وضع في بداية الاستقلال ، فان دور الشيوخ والمقدمين قد تضاعف لعدة اسباب ، اولها كون القياد الجدد لم يعودوا ينتمون الى المجموعة القبلية ، وليس لهم اتصال مباشر مع السكان ، على عكس الشيوخ والمقدمين . انهم وكلاء المخزن الذين ورثوا هذه السلطة البيروقراطية التي كان يملكها المراقبون المدنيون في عهد الادارة الاستعمارية . ومن جهة اخرى ، باعتبار ان الادارة المغربية الجديدة هي ذات طابع اكثر مركزية من الحماية . فقد ضاعفت من التحقيقات واللجان الادارية التي وضعت تحت مسؤولية القايد ، ولكنها من الناحية العملية كانت خاضعة للشيخ والمقدم .
وقد تقوت سيطرة النخبة المحلية على الادارة بشكل رسمي سنة 1960 لمحاربة تأثير الاحزاب الذي اعتبره الحكم ضارا ومخربا . وقد تأكد هذا التوجيه في دورية مكتوبة بتاريخ 17 سبتمبر 1960 ، تحمل تعليمات مباشرة حول تطهير جهاز السلطة من كل من يشتبه بعطفه على الاحزاب السياسية . وهكذا تمت ازاحة القياد المعروفين بتعاطفهم مع حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية او جيش التحرير .
2 ) تعايش الشبكة الادارية والمنتخبين :
على اثر انتخابات 29 مايو 1960 البلدية والقروية ، توفر للبلاد بين عشية وضحاها ، عشرة آلاف منتخب اعلنت الاحزاب السياسية انتماءهم اليها بالرغم من الطابع اللاّسياسي الذي اعطاه وزير الداخلية ادريس المحمدي للاقتراع . مواصلا اعطاء المصداقية لهذا الوهم ، لم يعلن خلفه امبارك البكاي لهبيل اية نتيجة سياسية للانتخابات . لكن من الممكن ان نعرف عن طريق تقارير عمال الاقاليم ان حزب الاستقلال حصل على ازيد من اربعين في المائة من المقاعد ، وعلى الاغلبية المطلقة لرؤساء المجالس ، في حين لم يحصل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الا على 23 في المائة من المقاعد ، وكان نجاحه بارزا على الخصوص في المدن الساحلية وبشكل ثانوي في بعض اقاليم الجنوب القروية التي كانت هجرتها تتجه نحو الدارالبيضاء . اما الحركة الشعبية فلم تكسب غير سبعة في المائة من المنتخبين في المناطق البربرية . لكن ، خارج تقسيم النفوذ هذا ، اجمع كل المراقبين الرسميين على الاقرار بان الاغلبية الساحقة من المنتخبين تتكون من فئة الاعيان المحليين . فقد كان من النادر جدا ان نجد من بينهم فلاحا بدون ارض او عاملا زراعيا . وتزيد الثروة بشكل عام عندما ننتقل من المستشارين الى رؤساء المجالس ، حيث استعاد عدد هام من القياد القدامى والشيوخ والمقدمين مكانتهم عبر انتخابات 1960 ، بعد ان كان قد ازيحوا عن السلطة المحلية عام 1956 . وفي غالب الاحيان ، كان الانتماء السياسي الفعلي او المفترض للمنتخبين اقل اهمية من النزاع بين وظائف الشيخ ووظائف رئيس المجلس البلدي او القروي . فهذا النزاع يخلق للسلطات الادارية مشاكل اكثر من الانتماءات الحزبية ، لكنه يسمح لها ايضا باستغلال هذه الانقسامات للمزيد من التحكم في الاعيان المحليين ، وبعدم الارتباط بشبكة واحدة في علاقة هذه السلطة بالسكان .
وإذا كان الفلاحون يصنفون عادة الشيوخ والمقدمين والمنتخبين ضمن ممثلي المخزن المحليين ، فان الصراع كان مع ذلك كبيرا بين هاتين الفئتين من الاعيان المحليين . فقد خلقت النصوص المنظمة للجماعات مجموعة من اسباب النزاع والصراع . والتنافس الحتمي بين الاعيان المحليين من اجل الموارد المحدودة للفلاحة التقليدية هو الذي كان يفسر الطابع العتيد لهذا الصراع ، اكثر مما قد تفسره الخلافات السياسية حول المشاكل والقضايا الوطنية . و السؤال : هل للإدارة المغربية مصلحة في اللعب على تلك الصراعات كما كانت تفعل الحماية ؟ .
ان الاطار القانوني ، والسلطات والصلاحيات والالتزامات .. كل هذا كان موضوعا بشكل ينزع من المجالس المنتخبة يوم 19 مايو 1960 كل مبادرة سياسية . صحيح ان ظهائر 1 سبتمبر 1959 ، و 23 يونيو 1960 ، تنص على ان المجالس البلدية والقروية تنتخب بالاقتراع العام ، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ، وأنها تنتخب بدورها رئيس المكتب ، وتملك صلاحية واسعة لتسيير شؤون الجماعة مع البقاء خاضعة لوصاية وزارة الداخلية الممثلة بالسلطة المحلية . لكن السير الحقيقي للمؤسسات كان مخالفا تماما ، فرئيس المجلس كان لا يملك سلطة الشرطة ولا السلطة التقريرية التي كانت تبقى محصورة بيد الباشا والقايد . بل اكثر من هذا ، ليس بوسع المجلس ان يراقب الادارة المحلية التي توجد تحت سلطة القايد ، ولا يمكنه ربط الاتصال بباقي مصالح الدولة الضرورية له مثل الاشغال العمومية ( التجهيز ) او المصالح المكلفة بالتجهيز القروي إلاّ عن طريق القايد . فهذا الاخير كان يملك إذن ، سلطة اوسع من سلطة رئيس المجلس ، فضلا عن ان الادارة المحلية كانت تكتفي في غالب الاحوال ، برجل يُعينه القايد لتأمين سكرتارية عدة جماعات ، زيادة على عمله الاداري العادي ، مقابل تعويض بسيط .
وكان غالبا ما يتم تسيير الاعتمادات المالية الجماعية ، ووضع الميزانية من طرف المسئول المالي للدائرة . وبهذا الشكل ، تبقى الادارة المحلية بيد وزارة الداخلية . وقد كان بإمكان موظفين آخرين ، وخاصة المعلمين ، ان يقوموا بمساعدة رؤساء المجالس ، لكن تم استبعاد كل حل من شأنه ان ينقص من سلطة القايد ممثل الجهاز المركزي ، بحيث تضاعفت سلطاته بممارسة مهام ضابط الحالة المدنية ، وضابط الشرطة القضائية داخل الجماعة الموجودة تحت قيادته . وهكذا تقلص دور المجلس البلدي والقروي الى دور مستشار استشاري مكلف بمساعدة القايد على وضع ميزانية الجماعة التي كانت ضئيلة جدا وغير ذات مفعول ولا مدلول . وكان لا يجتمع هذا المجلس إلاّ قليلا ، مرتين في السنة على الاكثر ، في مكتب من مكاتب القايد ، للمصادقة على اقتراحات السلطة الادارية المحلية لا اكثر ولا اقل .
وإذا كانت النصوص قد تركت املا في ان تتمتع الجماعات ببعض الاستقلالية ، فان التعليمات التي كانت توجه الى العمال بتاريخ 6 غشت 1960 ، قد برهنت بما لا يدع مجالا للشك ، عن نظرة غارقة في الوصاية والمركزية ، حيث وضعت الظهير المنظم للجماعات ضمن الارث التشريعي للحماية ، الذي اعتبرت نصوصه حول البلديات والمراكز المستقلة والجماعات القروية تطورا جاء نص 1960 ليتوجها .
فبالنسبة للجماعات القروية مثلا ، لم يأت القانون الجديد بتحولات عميقة ، فالقايد يحكم جماعتين او ثلاثة جماعات ، لا تملك اي جهاز اداري مستقل حيث ان العلاقة بين الرئيس والقايد ، كانت علاقة خضوع وعلاقة اذعان . والملاحظ ان التركة الاستعمارية لم تطبع بطابعها فقط الشكل القانوني للنصوص ، بل طبعت حتى روحها كما يظهر من خلال المقتطف التالي " ... ان السير الاداري السليم للمصلحة الادارية يستلزم وضع جمهور الموظفين المطيع تحت سلطة واحدة تتوفر على الكفاءة والدرجة المطلوبتين .. فلكي تكون الادارة فعالة ، يجب ان تبقى موحدة ومنضبطة " .
لقد كانت هذه الاعتبارات تستعمل من طرف الحماية من اجل رفض اشراك المغاربة في مسؤوليات الادارة الفرنسية . ومن هنا يتبين بكل جلاء ان الطبقة الحاكمة في المغرب قد تبنت لحسابها الخاص ، روح وممارسات مؤسسات الحماية في ميدان الادارة الترابية المحلية . لا غرابة إذن ، والحالة هذه ، ان نرى انبعاث نزاعات تشابه نزاعات المرحلة الاستعمارية . فمن المعروف كيف خاب امل الحماية في تحويل الوطنيين عن المطالب السياسية بإشراك ممثلي البرجوازية المدينية في القرارات الاقتصادية داخل الغرف التجارية والفلاحية ، وكدا في مجلس الحكومة . فبدل التعامل المنتظر بين الوطنيين والإدارة الفرنسية ، رأينا تصاعد النقد الشامل للنظام الاستعماري ، ذلك النقد الذي لم يتحمله الجنرال جوان .
من هنا يمكننا مقارنة موقف المنتخبين المحليين بعد 1960 ، مع موقف الوطنيين من مجلس الحماية . فقد كان ذلك الموقف ينبئ بانتقادات البرلمانيين خلال سنوات 1963 – 1965 ، رغم ان المنتخبين لم يطالبوا في كلتا الحالتين بتغيير النظام ، ولكن بإعادة توزيع الوظائف والصلاحيات . لقد كان من الصعب عام 1960 ، ان نتصور المنتخبين وهم يعارضون القياد الذين بدونهم ، لم يكن بمقدورهم تحقيق اي شيء لصالح منتخبيهم . فمشاركة الادارة في التجهيز القروي ، كان عليها ان تضمن انقياد المنتخبين ازاء المشاريع الرسمية ، وتُؤمّن في نفس الوقت ولاءهم السياسي .
غير ان حقيقة العلاقات التي كانت ، كانت مختلفة ، ذلك ان جل المجالس البلدية والقروية ، كانت تعتبر الاطار القانوني المقترح عليها غير مقبول . وقد عبرت هذه المجالس عن تصور شامل للسلطة المحلية ، تصور دفعها ليس فقط ، الى الاحتجاج ضد العراقيل الموضوعة امام تسيير الجماعات ، بل والى المطالبة بمراقبة مجموع جهاز الدولة المتدخل في دائرتها الانتخابية .
وإذا قمنا بقراءة لمحاضر عمال الاقاليم في ذلك الوقت ، سنلاحظ ان بعض المجالس كانت تسعى الى لعب دور قد يؤدي الى تغيير كبير في طبيعة النظام السياسي المغربي .
فقد لخصت احدى رسائل عامل الرباط بتاريخ 28 نوفمبر 1961 ، موقف المستشارين القرويين الذين كانوا يريدون اولا تأمين مراقبة كل موظفي وأجهزة الدولة المتدخلة على مستوى الجماعة ، مما دفعهم في المقام الاول ، الى المطالبة بحق تعيين ومراقبة الشيوخ والمقدمين ، وحق تسيير وتمثيل الاراضي الجماعية لدى السلطة المركزية ، وتسيير الاراضي المسترجعة من المعمرين ، ومراقبة مراكز الاشغال الزراعية ، وكل المصالح التقنية التابعة للدولة ، او العاملة في الدائرة الانتخابية المعنية ، وخاص اعوان الشرطة ووزارة العدل .
في هذه الظروف ، نفهم بشكل افضل الالحاح الذي اعلن عنه عامل اقليم بني ملال ، ان الصعوبة الرئيسية التي تعترض التعاون بين الادارة والمنتخبين تكمن في تعريف " المادة الجماعية ، بتحديد ميادين تدخل كل من الدولة والجماعة " ، وهو يعتبر ان تطبيق الميثاق الجماعي لا يستوجب توضيحات قانونية ، بقدر ما يستوجب تغيير عقلية المنتخبين ، وجهاز القياد الذي يسجل نواقصه في التكوين وانعدام تأهيله .
وإذا كان تدخل الاحزاب السياسية لم يظهر على الاطلاق في السير المحلي للمجالس الجماعية ، فقد تجلى بالمقابل ، في المراكز والمدن الهامة . غير انه حتى خارج المستشارين ، كان المنتخبون ، وخاصة رؤساء المجالس ، يشكلون زبائن سياسيين مطلوبين من طرف الاحزاب وممثلي الادارة على حد سواء . صحيح ان الاتجاهات كانت تختلف حسب الاقاليم ، وحسب كثافة الجو السياسي ، لكن على العموم ، لم يكن العمل السياسي المحلي يبدو مرتبطا بشكل مباشر مع العمل السياسي على الصعيد الوطني ، إذا ما استثنينا نشاط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، لا سيما بفضل المهدي بن بركة آنذاك .
ورغم الاعلانات الرسمية حول تسهيل التعاون بين الادارة المحلية والمنتخبين ، وإشراك الجماعات في التنمية وانجاز المخططات الاقتصادية ، فان المصالح المركزية لن تترك المجالس تتدخل حتى في مجالات التسيير البسيطة مثل الاراضي الجماعية او مراكز الاشغال ، ملتقية بذلك مع اهتمامات الحماية ازاء الجماعات الترابية . كما ان مراسيم التطبيق التي كانت ضرورية لتحديد صلاحيات الجماعية في الميدان الاقتصادي لم تر النور ابدا . وبالمقابل ، ستوافق ادارة الشؤون الادارية التابعة لوزارة الداخلية على بعض الاصلاحات تحت ضغط الرأي العام والوزراء الاستقلاليين في الائتلاف الحكومي آنذاك . لكن تلك الاصلاحات بقيت غامضة الى الميثاق الجماعي 1975 .
كما ان الوزارة كانت ترغب في تجديد مكتب المجلس كل سنة بشكل يسمح بالتخلص من الرؤساء النشيطين ، وفي نفس الوقت ، رفع مدة انتداب المستشارين من ثلاث سنوات الى ستة ، مع تجديد نصف المجلس ، ودفع تعويض للرؤساء الذين يخصصون لوظائفهم جزءا هاما من وقتهم . لكن بالرغم من هذه التدابير الرامية الى تعزيز السيطرة الحكومية على المجالس ، فان المنتخبين سرعان ما كسبوا وجودا سياسيا تنفيه النصوص ونوايا المشرع . فقد كانت البنود القانونية تمنع عليهم اي مداولات ذات طابع سياسي . لكن كل الاحزاب كانت تلجأ اليهم للمشاركة في مكاتبها المحلية ، ومؤتمراتها الوطنية . وعلى ألعكس ، خاب امل الادارة في التوفر على شبكة من الاعيان المحليين الطيّعين لشرح مبادرات الحكم للسكان ، والحصول على تأييدهم لهذه المبادرات .
ماذا كانت ستعطي ممارسة اكثر ليبرالية على الصعيد السياسي ؟
مزيدا من الاستقلالية والسلطات الفعلية . لكن رفض الحكام توسيع سلطات المجالس ، دفع بهم الى البحث عن الاتصال بالأحزاب ورجال السياسة ، وإدخالهم في اللعبة السياسية .
ان المكانة الاجتماعية للأعيان و "سلطتهم" الاستشارية اللاّتقريرية ، والاندماج الجزئي في نظام الزبائن على الصعيد الوطني ... كل هذا تمكن من تحويل هؤلاء الاعيان عن اشكال اخرى من العمل السياسي ، بالرغم من عدم الرضى الذي يجد مبرره في سياسة اصلاح العالم القروي . لكن الحكم سلك سياسة رفض كل المبادرات التي كان من شأنها تطوير البوادي عبر اصلاحات بنيوية .
ان مثل هذا النظام الغارق في المركزية ، المحافظ بكل معنى الكلمة ، لا يمكن ان يكون صالحا لانجاز التنمية التي تتطلب بالأساس اعتماد الديمقراطية ، وربط الممارسة والمسؤولية بالمحاسبة ، لا سيما مع عوامل النمو السكاني والتحولات في التعليم .. هذه العوامل التي حولت اوضاع البوادي من سيء الى اسوء ، وكانت سببا رئيسيا في الهجرة القروية نحو المدن الكبرى ، مع ما رافق ذلك من مشاكل اجتماعية خطيرة مثل دور الصفيح المحيطة بالمدن ، وما ترتب عن ذلك من استفحال الجريمة بكل اشكالها المختلفة .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد محمد عبدالعزيز رئيس - الجمهورية العربية الصحراوية الدي ...
- قراءة لقرار مجلس الامن 2218 حول نزاع الصحراء
- - ملف حقوق المرأة في العالم العربي -
- انصار واعداء الرسل : المجتمع الاشتراكي مجتمع الكفاية والعدل
- رد على مقال الاستاذ سعيد الفطواكي . ملكية برلمانية ام جمهوري ...
- هل تنفع المخزن سياسة الهروب الى الامام للإلتفاف على ازمته ال ...
- قوى المعارضة السرية في الاسلام
- السلف الصالح
- بحلول 23 مارس 2015 تكون قد مرت خمسة واربعين سنة على تأسيس او ...
- من افشل حركة 20 فبراير ؟
- بيان الى الرأي العام الحقوقي
- المكيافيلية والسكيزوفرانية الفرنسية : هل فرنسا مع الحكم الذا ...
- بلاد دنيال كالفان . بلاد الظلم والذل والعهر والعار . بلاد هك ...
- انزلاق المغرب من دولة علم ثالثية متخلفة الى دول ربع العالم ا ...
- حين تصبح الدواعيش التكفيرية اوصياء على الاسلام
- إلغاء ام تأجيل لوقفة الائتلاف من اجل التنديد بالدكتاتورية ام ...
- على هامش الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الائتلاف من اجل التندي ...
- الازمة العامة الحليف الاستراتيجي للمعارضة الحقيقية -- انتفاض ...
- البوليساريو يقبل بالحكم الذاتي بشروط
- هل يحيل الامير هشام العلوي نزاع الصحراء الى اتفاق الاطار؟


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخبة - والمخزن