|
أي صراع نخوض ؟
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4887 - 2015 / 8 / 4 - 20:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اي صراع نخوض ؟ منذ نداء ماركس الشهير " يا عمال العالم اتحدوا " ، والى الآن ، فان عمال العالم ، ورغم الازمة والأزمات المتنوعة ، لم يتحدوا . بل ظلوا مشتتين متفرقين ، بين النقابات والأحزاب التي توظفهم بما يقف حاجزا امام الوحدة العمالية ، وبما يعطي للنقابات والأحزاب ، سلطات السيطرة وبسط اليد على القطاع العمالي ، وحقل العمل الذي اضحى يخضع لاعتبارات تؤبد العبودية والاستغلال من جهة ، ومن جهة خدمة مصالح البورصيين ضمن خدمة مصالح الكمبرادور . ان نداء كارل ماركس الشهير الذي كان زفرة في ابّانها ضد الرأسمال ، فشل في تحقيق الوحدة العمالية الاوربية بسبب اندماج هذه الاخيرة في منظومة الانتاج الرأسمالي . ان الوحدة العمالية التي تحدث عنها ماركس اختزلت مرة في احزاب شيوعية اوربية سرعان ما تم اتهامها بالستالينية خاصة الحزب الشيوعي في عهد امينه العام جورج مارشي ، كما اختزلت في تنظيمات سياسية يسارية على يسارية تلك الاحزاب ، اتخذت تسمية اليسار الجديد . لكن لا هذه ( الآروشيوعية ) ولا تلك ( اليسار الماركسي اللينيني والماوي ) قد نجح في تحقيق الوحدة العمالية التي بقت متداولة كخطابات فقط بين المثقفين الثوريين ، وعلى مستوى الخطاب السياسي والإيديولوجي . فكان ان تم اختزال تلك التجربة ، وذاك النداء في نخبة ثورية مثقفة لا علاقة لها بالعمال من حيث مستوى العيش والتكوين ومعاويل الاشتغال . لكن المفاجئة التي لم يكن لا كارل ماركس ولا رفيقه فريديريك انجلز يدركانها ، أن الثورة العمالية التي بشّرا بها لم تحصل في اوربة الصناعية ، حيث المعامل والمصانع ، وقوة العمل والعمال ، بل ستحصل بروسيا الفلاحية ، وبالصين التي اعتمدت على الفلاحين في تحقيق ثورة 1949 ، وبعدها في اعادة التصحيح السياسي والإيديولوجي ، باسم الثورة الثقافية التي حصدت الآلاف من الضحايا ، باسم التغيير ، وباسم الثورية . فهل في هذا الصدد الطبقة الفلاحية اكثر ثورية من الطبقة العاملة ؟ وهل المجتمع الشرقي مُعدّ اكثر للثورة العمالية الفلاحية بدل اوربة التي فقدت فيها الطبقة العاملة حسها الثوري ، واندمجت بدون تأخير في منظومة الانتاج الاستهلاكي الرأسمالي ؟ . إن هذا التناقض والعجز المسطر في تحقيق الوحدة العمالية ، ونجاح الثورة في روسيا والصين الفلاحيتين ، وليس في اوربة الصناعة ، دفع بالعديد من المهتمين الماركسيين والاشتراكيين العرب المشتغلين بالشأن العام ، الى اعادة قراءة النصوص الماركسية ، بما يعطي تفسيرا مغايرا للواقع ، عمّا ساد القرنين التاسع عشر والقرن العشرين ، حيث بدأت تحليلات حديثة تستوعب الفشل الذي سقطت فيه المجموعة الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتيي السابق ، كما بدأت مراجعات عديدة بخصوص انتقال الصين الماوية ، من دولة شيوعية خالصة ، الى دولة امبريالية تتسابق في غزو العالم اقتصاديا وماليا ، فأصبحت تشكل امبريالية منافسة للامبريالية الغربية خاصة الامريكية منها . هكذا وبخلاف التفسير الماركسي للصراع الطبقي ، سنجد انفسنا في مغربنا امام ظاهرة لا علاقة لها بالصراع الطبقي بالمفهوم الماركسي التقليدي الذي فشل فشلا ذريعا ، وهي استبدال التعريف الماركسي للصراع ، ونشوء مختلف الطبقات المتصارعة بتنوع الادوار والوظائف الاجتماعية داخل المجتمع ، وبالتالي ، تعدد الجماعات وليس الطبقات المرافقة لذلك التنوع المجتمعي . إن الظاهرة هذه ، التي عوضت الطبقة بالجماعة ، لا شك تبدو شبيهة بما حصل في مجتمعات سبقتنا في سياق التطور الاجتماعي مثل فرنسا وكل الدول الاوربية التي خرجت قواها السياسية ، باسم الخصوصية عن المظلة السفياتية ، وأنا شخصيا ارى ، انه على الرغم من ان العديد من الكتابات التي نشرتها 23 مارس وفلولها المختلفة بعد التشتيت ، كما عالجتها المجموعات الماركسية التي تميزت كخط ، او خطوط منذ 1979 ، والى حين الحصول على وصل الترخيص لحزب النهج الديمقراطي ، قد جزمت بصورة فاصلة عند الكتابة في المراجعات الايديولوجية والتنظيمية ، بل سنجد ومع مرور الوقت وإلقاء الواقع بظلال قاتمة على المشهد السياسي والاجتماعي ، استمرار الغموض وعدم الوضوح ، الى اننا ربما لا نزال في حيرة من هذه الظاهرة التي عوضت الطبقة بالجماعة الوظيفية . واعتقد ان العوامل الايديولوجية بفعل التأثر بالتطورات المتسرعة والمتلاحقة تلام على بعض ما حصل . إن ظاهرة تنوع الجماعات الوظيفية الحديثة ، قد بدأت بصورة ملحوظة في البلدان المغاربية والعربية المنتشرة حول حوض البحر الابيض المتوسط بعد العقد الثاني من القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، على اثر انتشار التجارة الدولية ، وما احدثته من انفعالات خطيرة على تلك المجتمعات ، ومن اهم تلك الاثار ، تنشيط التجارة الداخلية الى درجة يمكن القول معها ان نقول بنشوء السوق الداخلية بشكل صريح لأول مرة في المجتمعات العربية الحديثة . ولهذه الظاهرة آثار متعددة ، وأود هنا ان اشير بعجالة الى اثنين منها ذوي علاقة بالنسبة الى تاريخ الدولة الوطنية والقومية : اولا ، حصل على اثر ظهور السوق الداخلية النشيطة اشتداد في الترابط الاقتصادي والسياسي على صعيد الدولة الوطنية والقطرية ، مثلا تونس ، مصر المغرب سورية .. لخ ، مما ساعد على ترسيخ قواعد الدولة القطرية الوطنية . وقد تلا ذلك عامل آخر كان له الاثر ذاته ، وهو اضعاف التجارة المتبادلة بين الاقطار العربية والمغاربية مع بعضها البعض ، وبدء الظاهرة التي قد بلغت اليوم حد التفاقم ، ألا وهي التجارة بين كل قطر عربي وحده والعالم الخارجي ، بخاصة البلدان الاوربية ، بسبب قوة الاقتصاد الاوربي التي دفعت بهذا الاتجاه ، وقد زاده قوة النفوذ السياسي والاستعماري الاوربي الجديد للدول العربية . الأثر الآخر لهذه المسألة ، هو ان الاقتصاد التجاري هذا ، سبب اخطر انشطار اجتماعي طبقي واجتماعي في المجتمعات العربية . فقد احدثت مؤسسة الملكية الخاصة للأراضي الزراعية ، وحُوّلت البادية الى طبقتين اساسيتين : مُلاك الاراضي والفلاحين . وهنا يجب التذكير ، بأنه فيما سبق ظاهرة الملكية الخاصة ، كانت العلاقة قائمة بين الدولة ( الملتزم ) والفلاحين . ان طبقة الملاك الزراعيين الكبار اذا حديثة العهد ، وما نعتها بالإقطاعية إلاّ من باب الذم . اما تاريخيا ، فلا بد من اثبات الوقائع على ما هي عليه ، والإشارة الى ان التطورات تلك ، احدثت شبه ثورة اقتصادية واجتماعية ذات اثر كبير على اوضاعنا المعاصرة . ثانيا ، نلاحظ ان التطورات الاقتصادية تلك ، بعثت ايضا الى الوجود بفئة وظيفية اقتصادية اخرى ، وهي تجار المحصول في الداخل ، كما وان تجار الخارج الذين كانوا يقتصرون على الاقليات الاجنبية المقيمة ، اتّسعتْ رقعتهم بعد حين لتشمل مواطنين اصليين . وهكذا تكون قد ظهرت طبقة من الذوات ، مؤلفة اساسا من الملاك الكبار والتجار . وقد كانت اللحمة بين فئتي المُلاك والتجار قوية ومتداخلة . ثالثا ، ضعفت فئة الحرفيين في المدن الكبرى ، وفئة التجار التقليديين الذين كانوا يعملون عبر القارات ، ومقابل ذلك ظهرت في المدينة طبقية جديدة هي : موظفو الحكومة ، والعاملون في الخدمات ، بخاصة في مدينة الرباط . وهؤلاء اصبحوا اجراء مداومين وأصحاب دخل نقدي . طبعا كانت هذه الظاهرة نتيجة العمل المتزايد في النقد ومركزية الدولة المستحدثة . نرى إذن ، إن التركيبة الاجتماعية تحولت بشكل جذري ، من تصنيف طبقي الى تصنيف وظيفي اجتماعي ، وهو ما يلاحظ بشكل واضح اليوم ، وإن كان المشتغلون بالفلسفة الماركسية يتجنبون هضم الحقيقة التي جعلت تنظيراتهم تصب في واد والواقع العنيد يصب في آخر . ان هذه العجالة في التطور الطبقي ، او بعبارة اخرى التنوع الوظيفي ، وتعدد الجماعات الوظيفية ، حديث العهد في بلدنا ، بما في ذلك فئة ملاك الاراضي والتجار . ثم ان هؤلاء الذوات في البادية والمدن ، أصبحوا بالمشاركة مع فئة اخرى حديثة مؤلفة من اصحاب المهن الحرة والمثقفين ، قادة الحركة القومية والوطنية ضد الاستعمار المباشر . ان تلك الفئات المستحدثة هي التي قادت حركة الاستقلال في البدء ، وورثت المستعمر في النهاية . ولما كانت تلك الجماعات حديثة التكوين وضعيفة البنية ، فإنها انحدرت بسرعة امام سلطة الجيش في بضع الدول ، وأمام جبروت المخزن في المغرب ، وأمام سلطة الجبهة كالجزائر . هل تحليل طبقي ام تحليل وظيفي اجتماعي : من خلال هذه العجالة يلاحظ ان تطور المجتمع العربي ومنه المغاربي قد وضع في سبعينات القرن الماضي في اطار التفسير الطبقي ، ورغم ذلك اود الآن ان احذر من امر واستمرار المبالغة والتمادي في التفسير الطبقي الايديولوجي للمجتمع العربي والمغاربي ، وللسياسة العربية ككل . ذلك لان اعتبار فكرة الطبقة كمدركة تصلح للتحليل النظري ، ليس بأمر مُسلم به ، ويحتاج الى معالجة . ان الاشكال النظري حول المسألة الطبقية ، يبدأ من كون التنوع الوظيفي في المجتمع له علاقة ملحوظة بالاتجاهات السياسية عند الجماعات ، وبالتنافس من اجل تحقيق مصالحها الاقتصادية . وهذا الامر هو احد الاسباب التي توجه انظار الباحثين ، للتعرض للجماعات الوظيفية ودراستها . هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، يظل امر ربط الاتجاهات السياسية والفكرية بالجماعات الوظيفية ، او كما يشاء بعض الباحثين ، الطبقات ، في مرحلة التكهن ، ينقصه الاثبات العلمي ويثقله العبء الايديولوجي . وتصبح هذه الملاحظة في الاتجاهات الاقتصادية والسلوك الفعلي ايضا . اضف الى ذلك ، أن الارث الماركسي الكبير في هذا الشأن ، قد اضفى على مفهوم الطبقة صفة الاطلاق ، مما يكبل ويعرقل مجرى التحري العلمي الاستقرائي . سعيا وراء الوضوح الفكري ، حول المسألة الطبقية ، سوف نقوم بعرض وتحليل بعض المحاولات النظرية ، لتفسير المجتمع العربي والمغربي تفسيرا طبقيا ، ونبدأ منها بما له جذور ماركسية او ينتمي الى الارث الماركسي بصراحة . قبل الدخول في المحاولات العربية والوطنية المغربية للتحليل الطبقي ، تجدر الاشارة بعجالة الى محتوى النظرية الطبقية ، وهي على مستويين . سوف نشير الى المستوى الاول بتعبير " التفصيلية القصوى " ، والمستوى الثاني ب " تفصيلية الحد الادنى " . فالتفصيلية القصوى كنظرية عامة ، تقوم على الاسس التالية : 1 ) افراد الطبقة الاجتماعية يعون بصراحة انتماءهم الطبقي الواحد ، فيشعرون بهويتهم الجماعية وتميزها عن سائر الطبقات . 2 ) يحتل اعضاء الطبقة الواحدة موقعا مشتركا تجاه وسائل الانتاج ، وبالتالي يشكلون وحدة اجتماعية متلاحمة ومتماسكة . 3 ) للطبقة ايديولوجيتها السياسية المميزة ، والتي تعبر عن موقع افرادها المشترك من وسائل الانتاج . وهذه المقولة مبنية على المبدأ الماركسي القائل : بان الامور الحضارية ، ليست سوى مظاهر فوقية للأوضاع المادية . 4 ) ان وجهات النظر والمصلحة لكل طبقة في المجتمع ، تتناقض مع وجهات النظر ومصلحة الطبقات الاخرى . 5 ) تستوجب هذه الاختلافات حدوث صراع طبقي في المجتمع بين سائر الطبقات ، الغرض منه السيطرة السياسية والاقتصادية . 6 ) تستغل الطبقة الثرية الطبقة او الطبقات الادنى منها . 7 ) ان الاطر الحاكمة ، اي الافراد المتسلمة مناصب في الدولة ، هم مجرد اداة ووسائل تعبر عن مصلحة وإرادة الطبقة السائدة و السيدة . أمّا تفصيلية الحد الادنى ، فهي عامة الى درجة كبيرة ، وتكاد تكون وصفية بحثه ، ومن اسسها ما يلي : 1 ) ان البُنى الاجتماعية ، تأخذ عموديا ، بحيث تكون هناك طبقة تعلو فوق الطبقات الاخرى بالجاه والثروة . 2 ) ان الطبقة لها صفات اجتماعية تتخطى الفروقات اللغوية والطائفية . 3 ) ان الطبقات العليا تتمتع بالامتيازات السياسية والاقتصادية ، وتستفيد على حساب الطبقات الدنيا . 4 ) تتشابه اتجاهات الرأي بين افراد الطبقة الواحدة ، والتشابه هذا احصائيا وليس مطلقا . 5 ) تعير تفصيلية الحد الادنى اهمية خاصة للفروقات المهنية وفئات الدخل . يمكن ان نقسم المجتمع المغربي على اساس شبه استقرائي بُنِي على معيار استقرائي وليس طبقي ، الى طبقات نحددها كما يلي : المخزن ويضم البرجوازية والبيروقراطية ، البرجوازية الصغيرة ، العمال البروليتاريون ، اشباه البروليتارية . ا – المخزن كنظام يستغل تناقضات هذه الفئات والمجموعات الوظيفية ليستعملها بعضها ضد بعض ، وكلما سنحت الظروف للّعب على التناقضات وتقوية نفوذه ومعسكره . كما ان المخزن وهو يتحالف مع هذه الجماعات بعضها ضد بعض ، فتعامله معها يبقى مرهونا بطبيعة الظروف السياسية التي يجتازها البلد . هكذا يمكن لجماعة وظيفية ان تكون اليوم في صف المخزن ، لكنها غدا قد تصبح ضده وهكذا . انها نفس الاستراتيجية اعتمدها الاستعمار عند احتلاله للمغرب وهي فرق تسد . لذا سنجد ان الدستور يحرم نظام الحزب الوحيد ، وينصص على التعددية من سياسية الى نقابية الى جمعوية وهكذا . تتكون الجماعات الوظيفية الداخلة في اللعبة المخزنية من : --- جنرالات الجيش والضباط الكبار من رتبة عقيد ركن ( كلونيل ماجور ) فما فوق . اما الضباط الذين هم اسفل هؤلاء من رتبة عقيد ( كلونيل ) الى ملازم ( ليوتنان ) وضباط الصف والجنود ، فرغم انتسابهم الى الجيش ، إلاّ ان انتمائهم الاجتماعي ( الطبقي ) يبقى هو الشعب ، لأنهم نسخة حية لطبيعة التناقضات الاجتماعية التي تنخر القاعدة التحتية للمجتمع . لذا يعول على هؤلاء الارتماء الى جانب الشعب عند حصول هزة ثورية شعبية حيث لا يمكن لهم تطبيق الاوامر بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين . --- كبار موظفي الدولة من ولاة ، وعمال ، ومدراء الادارات الاستراتيجية المختلفة ، ومدراء عامين ، وسفراء ، ورؤساء محاكم النقض ووكلاء الملك العامين بها ، رؤساء محاكم الاستئناف والوكلاء العامين بها ، رؤساء وعمداء الجامعات والكليات والمدارس العليا . --- كابر المهنيين من اطباء بدرجة بروفيسور ومحاسبين كبار ومحامين كبار ونقباء سابقين وصحافيين وفنانين يحرص الملك على توشيحكم بمناسبة عيد الجلوس على كرسي الحكم . --- التجار الكبار خاصة تجار الجملة المسيطرين على كل شيء . --- رجال الاعمال والمقاولون الكبار . --- مديرو الادارات الحكومية والكتاب العامون للوزارات . --- الاطر الخاصة في الحكومة مثل رؤساء المحاكم الابتدائية والوكلاء العامين بها وقضاتها من الدرجة الاولى . --- ولاة الامن والمراقبون العامون بالمديرية العامة للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني . --- ضباط ومدراء العاملين بالإدارة العامة للدراسات والمستندات . .. لخ . اما بالنسبة للبرجوازية الصغيرة فهنا يمكن ان نميز بين جزء من هذه البرجوازية يمكن اعتباره جزءا من نظام المخزن ، وجزء آخر يمكن اعتباره مرة مع المخزن ومرة ضده ، اي ان المواقف تتحدد من خلال المصالح المتضاربة والمختلفة وميزان القوة في الساحة . هكذا ، فبالنسبة للبرجوازية الداخلة ضمن كتلة المخزن ، سنجد ما يسمى بالبرجوازية الحديثة التي تتكون من : --- الفنيون والمهنيون الاداريون العاملون في قطاع الصناعة والخدمات . --- الموظفون في الادارات العمومية من كتاب عامين للعمالات والأقاليم ، الى باشوات ، الى رؤساء دوائر ، الى رؤساء اقسام ، فرؤساء مصالح ، فمُكلفون بالدراسات والأبحاث وهكذا . --- اساتذة الجامعات والكليات والمدارس العليا ، مدراء المستشفيات العمومية من مستوى رؤساء اقسام ، رؤساء المصالح الاستشفائية بالمستشفيات العمومية ، مدراء المصحات الخصوصية والأطباء رؤساء الشعب الطبية . --- مدراء الوحدات الانتاجية الكبرى والمشرفون ورؤساء العمال بها . اما البرجوازية الصغيرة التقليدية التي تتحدد مواقفها من نظام المخزن بتداخل المصالح وتضاربها فهي تتكون من : --- الشريحة الدنيا من ارباب المهن . --- صغار تجار التجزئة . --- الحرفيون الذين يعملون لحسابهم الخاص . --- الباعة ومساعدوهم . ب )اما عن الفئات التي من المفروض ان تكون ضد المخزن من حيث تركيبتها ووظيفتها فهي تتكون من : --- البروليتارية ، او ما يسمى بالطبقة العاملة التي تبيع عرق جبينها ، وهذه تتكون من : -- جميع عمال الانتاج بما في ذلك عمال المطارات والموانئ والسكك الحديدية . -- جميع العمال في الخدمة المدنية مثل عمال الأزبال ، وعمال الجماعات المحلية ، وعمال النظافة . --- و اشباه البروليتارية الذين يتكونون من : -- ماسحي الاحذية . -- بائعو المتلاشيات المختلفة بالجّوطيّات . -- عمال البناء العرضيون . -- عمال الصيانة والأمن الخاص ، وبما في ذلك بوابو العمارات والحراس . -- الحراس الليليون للمتاجر ومواقف السيارات . -- العمال القرويون الذين يبيعوا عرق جبينهم للإقطاعي الفيودالي . -- العاطلون عن العمل بالمدن الحضرية وبالقرى ، ويشمل هؤلاء اليوم حملة الشواهد الجامعية من مستوى ماستر ودكتوراه . -- الاشخاص الذين لا حرفة او مهنة مشروعة لهم . والى جانب هذا التصنيف الاستقرائي الذي يركز على الوظيفي لا الطبقي ، يمكن ان نقوم بتصنيف آخر للمجتمع مبني على اساس الدخل ، لنخلص الى تراتبية اخرى للمجتمع ، تتكون من الاغنياء والإقطاعيين الكبار ، البرجوازية البيروقراطية التي تسيطر على الحكومة والقطاع العام ، وهي تتكون من اطر ادارية ، وعسكرية ، وفنية ، نابعة من اصول برجوازية صغيرة ومتوسطة . ان افراد هذه الطبقة يتميزون بوجودهم في موقع متماثل من وسائل الانتاج ، وفي الاطار القانوني لملكية الدولة لتلك الوسائل ، حيث ان هذه الطبقة هي التي تحدد طريقة التصرف في الفائض الاقتصادي المتولد في قطاع الدولة ، اي انها هي التي تقوم بإعداد الخطة الاقتصادية الوطنية ، وهي التي في النهاية تتابع تنفيذها . ان اول ملاحظة عن هذه الطبقة ، انها فئة غير متجانسة ، لا في تركيبها الاجتماعي ، ولا في تكوينها المهني او الايديولوجي ، لكنها تمتلك القدرة كطبقة رأسمالية للدولة ، في تغيير موقفها الطبقي ، وموقع الطبقات الاخرى ايضا من وسائل الانتاج ، وتستطيع بواسطة السياسات التي تتبعها ، ان تُحوّل ذاتها الى طبقة رأسمالية صرفة ، او تعمل على خلق طبقة من ذلك النوع . ثم هناك الفئات المتوسطة والفئات الصغيرة والفقراء والمعدمين . يمكن إن اردنا ان نقوم كذلك بتقسيم المجتمع المغربي على اساس قبلي وعرقي ، خاصة منذ ان طرحت المسألة الاثنية كتناقض عرقي و اثني في ثمانيات وتسعينات القرن الماضي . وإذا كانت الحماية الفرنسية قد فشلت في تكريس هذه القنبلة حين اصدرت الظهير ( البربري ) فان نفخ الدولة الصهيونية والغرب المتصهين في هذا الآفة قد يجلب للبلد العديد من المصائب التي تهدد كيانات عربية اليوم مثل سورية والعراق . وهنا لا ننسى الاستعمال المرتقب لنزاع الصحراء في تفتيت المنطقة بما يسهل خلق كيانات قزمية ستؤثر على قوة الدولة الواحدية . إذا عدنا الى اصحاب نظرية الصراع الطبقي ، فإننا سنجد ان هؤلاء بسبب انبهارهم بما حدث من تغييرات ثورية راديكالية في العديد من الدول باسم الطبقة العاملة ، فان ضالتهم ، انهم حين حاولوا اسقاط منظومة ثورية لائيكية على مجتمع غارق في الطقوس الرجعية ومحكوم بالتقاليد المرعية . والسؤال المحير : إذا كانت جميع الثورات التي حصلت في التاريخ قد تمت باسم العمال ، فان هؤلاء ظلوا مبعدين عن مركز التقرير الذي كانت تحتكره جماعة المكتب السياسي البرجوازية بالأحزاب ( الشيوعية ) . فكيف لهذه الثورة العمالية ان تقع مثلا بالمغرب ، والحال ان هذه الفئة تجهل تمايزها الطبقي الذي يميزها عن باقي الفئات الاخرى ؟ ان ما يسمى بالطبقة العاملة بالمغرب وبالعديد من البلاد العربية ، تجهل وضعها الطبقي ، ولا تعتبر نفسها كطبقة ، بل انها تجهل وضعها حتى كفئة انتاجية من بين الفئات الانتاجية بالدولة . لذا فان تعطيل التفسير الماركسي للطبقة العاملة بالمغرب مرده ، ان هذه الفئة وليس الطبقة مسكونة منذ القدم بالتقليد والمحافظة ،حيث تتردد على المساجد لصلاة التراويح في رمضان ، وتجدها جماعات وزرافات تتسابق لأداء صلاة الجمعة ، وتزور الاضرحة والقبور والموتى ، وتتسابق لحضور المواسم السنوية ، بل انها تعادي القوى الثورية وتتخندق الى جانب الرجعية ، وهم الذين اجتهدوا في اخبار الدرك والأمن بالمناشير التي كانت توزعها منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية ليلا بأبواب المصانع والمعامل ، بل لم يترددوا في اخبار الدرك عن الطلبة الماركسيين الذين تطوعوا كعمال زراعيين في مواسم الحصاد بالبادية المغربية من اجل الاستقطاب والشحن وإعداد الثورة ( العمالية الفلاحية ) ، كما ان هؤلاء هم من تطوع مع الدرك والجيش والبوليس ، في اقتفاء اثر الضباط والسياسيين الذين فروا من المعتقل السري ( النقطة الثابتة رقم 1 ) في صيف 1975 . ان السؤال الموجه لدعاة الصراع الطبقي بالمغرب هو ، ماذا يجدي تفهيم عامل بروليتاري مسكون بالشعوذة ، وتتحكم فيه التقاليد المرعية المخزنية ، بان صاحب المعمل يستأثر بقسم من عمله وأتعابه ، إذا كان هذا العامل الأمي البليد يؤمن ، بان الاستغلال الذي يتعرض له ، هو من قضاء الله وقدره ، او انه امتحان في الحياة الدنيا ، او انه جزاء لما اجترمه من جرائم وآثام في الاجيال السابقة من حياته وغيرها ؟ . ان القول بالصراع الطبقي وبدكتاتورية الطبقة العاملة ، ليس له من معنى وتفسير غير تأجيج الصراع بين الطبقة العاملة غير الموجدة اصلا بالمفهوم الماركسي ، وبين باقي الطبقات التي يتكون منها المجتمع ، وهذا يعني استعمال كل اساليب القمع المادي والإيديولوجي ضد الطبقات المخالفة لتثبيت بناء دكتاتورية العمال . فهل يستقيم هذا التنظير الخارج عن الواقع المغربي المعاش مع ما ينشده الشعب من نظام ديمقراطي يقطع مع كل اشكال الديكتاتورية التي ستفرخ نظاما قمعيا لا يختلف في شيء عن النظام المخزني الفاشي ؟ . ان الدعوة الى نظرية الصراع الطبقي ( خلق صراع مع طبقات ثورية معادية للمخزنية والفيودالية القروسطوية ) ودكتاتورية الطبقة العمالية ( وهذه غير موجودة ماركسيا ) ، هي دعوة الى فرض الاستبدالية البرجوازية الصغيرة للعمال ، وباسم هؤلاء ، اي العمال ، لن تتردد البرجوازية الصغيرة المثقفة وما فوق الصغيرة المتوسطة من ممارسة القمع الطبقي البرجوازي الصغير على العمال وباقي الطبقات التي يتكون منها المجتمع . اي فرض دكتاتورية المثقف البرجوازي الصغير على الشعب ، وهنا سيتحول هذا البرجوازي الى عدو للعمال وللفلاحين ولباقي الطبقات او الفئات العاملة ومنها الشعب . ان مصالح من يشغل بالقلم والدواة ، ليست هي مصالح من يشغل بالمعول والمنجل والمطرقة . ان هذه الحقيقة التي يرفضها المنظرون الدغماتيكيون هي اساس تحلل الاتحاد السوفيتي ، وأساس سقوط انظمة حكمت باسم الشيوعية المفترى عليها بأوربة الشرقية ، وهي السبب في تحول الصين الى امبريالية شرسة غازية للقارات الخمس . الخلاصة : بعيدا عن المنهج الطبقي الذي يركز على طبقة غير موجودة ، او المنهج الاستقرائي الذي يعتمد الوظيفة وليس الطبقة ، او المنهج المبني على الدخل ، او المنهج الاستعماري العنصري ألاثني الذي يبني على الاثنية والقبيلة ، فان احسن منهج لتقييم الوضع الاجتماعي المغربي ، هو منهج الواقع الكشّاف الواضح . ان هذا المنهج يقسم المجتمع المغربي الى فئتين او طبقتين متضادتين ومتناقضتين ومتعارضتين ، وفي وجود احدهما يعني حذف الآخر . هناك المخزن الفاسد الذي يعيش على الاجرام والنهم والنهب ويمارس العنصرية والتمييز بين المغاربة ويحتقرهم ويذلهم ويهينهم ، وهناك الشعب المُستضعف والمُستلب والمُبلّد . ان هذا هو التقسيم الحقيقي للمجتمع . اما غيره من التقسيمات فلا تعدو ان تكون اجترارا وتقليدا لما حصل بدول لا تربطها روابط تاريخية او اجتماعية او ثقافية مع شعبنا . فإذا كان الفقهاء المجتهدون يدعون الى مراجعة القرآن فكيف لا نراجع جميع النظريات التي فشلت فشلا ذريعا ؟ . ان الاستمرار في هذا الخلط يطيل عمر النظام المخزني الذي يبني كل حساباته على التفرقة . " فرق تسد " . ان وحدة الشعب هي وحدها القادرة على اسقاط النظام المخزني كنظام خارج الزمن الحديث ، وينتمي الى الزمن الميت . ان الفرق بين نظام يكرس العبودية ويعيد انتاجها بشكل مقزز في مناسبات عدة ، وبين الشعب ، هو الفرق بين النظام المستبد الفيودالي ، وبين الدولة الديمقراطية التي تقيم كل شيء على الحساب . ان التناقض واضح وما عداه لن يكون غير تكالب مقصود على هذا الشعب الذي مخزنوه اكثر من المخزن .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حملة تضامن دولية مع الصحفي المغربي علي لمرابط المضرب عن الطع
...
-
رسالة مفتوحة الى : - جيش التحرير العربي الصحراوي -
-
نشوء الطبقات الاجتماعية
-
رسالة الى - الشعب الصحراوي - - الشعب العربي في الصحراء - - ا
...
-
العبت
-
طبخة طنجرة وزارة الداخلية والمسخ السياسوي الانتخابوي
-
هل لا يزال هناك امل بالوحدة العربية ؟
-
الثورة
-
شروط التغيير
-
على هامش - الاستحقاقات الجماعية - القادمة : المجالس - المنتخ
...
-
السيد محمد عبدالعزيز رئيس - الجمهورية العربية الصحراوية الدي
...
-
قراءة لقرار مجلس الامن 2218 حول نزاع الصحراء
-
- ملف حقوق المرأة في العالم العربي -
-
انصار واعداء الرسل : المجتمع الاشتراكي مجتمع الكفاية والعدل
-
رد على مقال الاستاذ سعيد الفطواكي . ملكية برلمانية ام جمهوري
...
-
هل تنفع المخزن سياسة الهروب الى الامام للإلتفاف على ازمته ال
...
-
قوى المعارضة السرية في الاسلام
-
السلف الصالح
-
بحلول 23 مارس 2015 تكون قد مرت خمسة واربعين سنة على تأسيس او
...
-
من افشل حركة 20 فبراير ؟
المزيد.....
-
سوريا.. لقطات من داخل فرع الأمن السياسي بمدينة حماة بعد دخول
...
-
المعارضة السورية المسلحة تعلن -تحرير- دمشق و-فرار- الأسد.. ف
...
-
أول تصريح من رئيس الوزراء السوري بعد إعلان فصائل المعارضة ال
...
-
بهدف تعزيز التعاون الأمني وتعميق الشراكات.. كير ستارمر يبدأ
...
-
بحال سقوط نظام الأسد.. قيادي بالمعارضة يطرح لـCNN خريطة طريق
...
-
-المسلخ البشري- في سوريا.. فصائل المعارضة تدّعي السيطرة سجن
...
-
مع دخول المعارضة المسلحة دمشق.. شاهد لحظة فرار جنود سوريين ا
...
-
المسلحون يعلنون السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون في دمشق
...
-
رئيس الوزراء السوري: اتمنى أن يسود عهد جديد وسأكون في مجلس ا
...
-
-رويترز-: قيادة الجيش السوري تبلغ الضباط بسقوط النظام
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|