أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - قلمي أمام سوطك














المزيد.....

قلمي أمام سوطك


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4714 - 2015 / 2 / 8 - 15:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ سنوات، وأنا جالسة بكاڤ-;-يتريا المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، جاءني كاتبٌ شابٌّ وطلب مني أن أقدّمه إلى المفكر المصري الكبير محمود أمين العالم الذي كان يجلس على مقربة. قال إن كل ما يرجوه هو أن يصافحه ويُعرب له عن حبه وفرحه بلقائه وجهًا لوجه. فقلتُ له اذهبْ وحدك، سوف يرحب بك فهو جميل وبسيط، والأمر لا يحتاج وساطة! أبدى خجله فذهبنا للعالم وقلتُ: هذا الشاب الطيب يودُّ مصافتحك، فما كان من الأستاذ إلا أن نهض ومدّ يده قائلا: “أنا اسمي محمود أمين العالم.” وابتسامة رائقة باشّة تكسو وجهه تليق بنبيّ. قلتُ: “يا أستاذ لا تعرّفْ نفسَك! فالمعروف لا يُعرّف، وتقديمك نفسَك إهانةٌ لنا كونك رمزًا من رموز مصر. أَبَعد كل ما قدّمت لنا وللوطن من فكر وعمر وجهد وكفاح مازلت محتاجًا أن تعرّف نفسك؟!”
والكلام عن هذا الرجل لا ينفد. سواءً في شِقّه الإنسانيّ، أو في شقّه الفكري والفلسفي والتنويريّ والسياسي. حدثني أنه أيام اعتقالات 59 كان السجّان يجلده بالسوط صباحًا، والعالِم يجلس في المساء إلى ذلك السجّان ذاته ليعلّمه ويمحو أميّته!! فهتفت مندهشة: كيف؟ قال: “الأمر بسيط. كلٌّ منا يؤدي عملَه! هو يجلدني لأن قادته أفهموه أنني عدوُّ الوطن والدين، وواجبه أن يعاقبَني، لأنه يحب الوطنَ ويحبُّ الدين. وأنا أقوم بدوري معه فأعلّمه. فواجبي نحو وطني أن أنوّر أبناءه ما وسعني ذلك. ذاك أنني أفهم جيدًّا أن محنة هذه الأمة تكمن في وعيها.” ودور كل مثقف أن يبني وعي الناس، قبل أن يحاسبهم على أخطائهم. يَقدرُ واحدٌ من نسيج رفيع الطراز وقامة عالية السموق مثل محمود أمين العالِم أن يغفر لسجّانه وجلاده. هو لم يكظم غيظه، ولم يعفُ عن الناس وحسب، كما تأمرنا الآية الكريمة، بل كان من المُحسنين كذلك، مع من آذوه وعذبوه. والحق أن العالم حين جلس إلى السجان وراح يعلمه الأبجدية والقراءة، فيما خطوط السياط تقطر دمًا من ظهره، ومن روحه، لم يكن نبيًّا ولا مسيحًا متسامحًا، بل كان حصيفًا يعرف أين يكمن عدوه. عدوه لم يكن ذلك الجاهل الذي يحمل سوطًا في يده، بل عدوه هو “الجهل” ذاته. ولذلك راح يحاربه. ثم يأخذه السجّان إلى حيث الصخور الضخمة ويقول له: كسّرْ يا مسجون! للصخرة سبعة أبواب، في واحد منها فقط تكمن نقطة الضعف. فيسمحُ العالمُ للسجان “الجاهل” أن يعلمه كيف يحدد مكمن الضعف في الصخرة!
الممتلئون دائمًا متواضعون. والعكس صحيح. لأن الأواني الفارغة فقط تصدرُ الصوت الأعلى كما يقول يقول المثلُ الإنجليزيّ: Empty Vessels Make the most Noise، إن قرعتَ بملعقة معدنية على جُدُر إناء معدني، لن تُحدثَ ضوضاءَ ولا إزعاجًا كثيفًا إلا إذا كان الإناءُ فارغًا. أما الإناءُ الممتلئ فسيحفظ هدوءه وصمته الرفيع. لأنه ممتلئ. والكلام إذ يصحُّ في المستوى الفيزيائي، يصحُّ في المستوى الفلسفيّ والفكري والإنسانيّ أيضًا. القاعدةُ تنطبق على البشر مثلما تنطبق على الأواني. تجد كاتبًا مبتدئًا ما يزال يخطُّ خواطرَ ساذجةً ويخطئ في الإملاء والنحو يتعامل مع الناس بوصفه “الأخيرَ زمانه الآتي بما لم تستطعه الأوائلُ”. بل ويظنُّ أن عدم إقبال الناس عليه مرّده أن كتابته أعلى من مستوى المتلقي! وفي المقابل تجد “الكِبار” يتواضعون ويتباسطون، حتى أمام الصغار. لأن المرء كلما ازداد علمًا أيقن أن ما يجهل أكثرُ جدًّا مما حصّل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثوبُ عُرسٍ لا يكتمل
- إن كنتَ إنسانًا، اندهشْ
- لحيةُ الشيخ
- في انتظار رد الأزهر الشريف
- دواءٌ اسمُه القراءة
- في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2015 | الجمهورُ هو البطل
- هل نتحدث إلى الله؟
- معرض الكتاب.... ومحاكمتي
- تنّورة ميم
- مصرُ تُقبّل جبينَ السعودية
- الملك عبد الله، مصرُ تُطوّبك
- النملة أنس
- قطراتٌ من محبرتي في -الثورة الأم-
- مطلوب ألف مارتن لوثر
- محاكمتي في قضية رأي تتزامن مع معرض الكتاب والرأي
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- رسالةُ حبٍّ ستخطئ طريقَها!
- فاتن حمامة، احملي هذه الرسالة
- يا معشر الثيران، متى يشبعُ الأسدُ؟!
- الدهشة


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - قلمي أمام سوطك