|
ولادة مفهوم الزمن
إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 01:43
المحور:
الادب والفن
ولادة مفهوم الزمن
تعدُّ العلاقة بين الإنسان والزمن إحدى المعضلات الأكثر استعصاء، على الإطلاق، في عالم الفكر، والفلسفة، بل وهي أحد التحديات التي واجهها العلم، منذ أن شكل ملامحه الأولى، من خلال ارتقاء أسئلة الوعي، إلى المرحلة التي شهدت تدشين مشروع البحث العلمي، ووضع الحد بين ما أدرج في خانة" الفيزيائي" وما بعد"الفيزيائي"، وقراءة الظواهر، صغيرها، وكبيرها، بدءاً من الإلكترون والبروتون والنيترون- من أجزاء الذرة- وعالم الإنسان، والبر، والبحر، وليس انتهاء بالكواكب، والفلك، بل الكون كله، حيث راحت الأسئلة تترى، من خلال تحديد مفهوم الليل والنهار، وتتاليهما، وتشكل مفهوم الساعة، الدقيقة، الثانية، الأسبوع، والشهر، والسنة، ومن ثم العقد، والقرن، من قبل الحضارات البشرية المتوالية، عبر تفكيك معرفي، فلكي، للزمان، وعلى مراحل معروفة، كي تسجل أولى المقاربات من "الزمن"، بعد أن كان مجرد حالة هلامية، غير قابلة للتشريح، أو الإمساك بها، بل لغزاً من قبل إنسان ما قبل هذه الفتوحات المعرفية الأكثر أهمية. وإذا كان الإنسان، عبر رحلته مع الزمن، قد استطاع، أن يحقق هذا الإنجاز المعرفي الذي عد حجر الأساس، في طريق الحضارات-وإن كان هو نفسه من إنتاجها- فإنه ، وفي الوقت نفسه، قد أعطى الحضارة بعداً مهماً، لاستكشاف ملامحها، لأن أية حضارة، لا يتم فهم دور عامل الزمن فيها، هي ناقصة، ناهيك عن أن عدم فهم هذا الفضاء الذي هو جزء رئيس، في حركة"الزمكان"، ليعد معوقاً ليس أمام الكشوفات العلمية، وحدها، بل حتى أمام سيرورة الحياة، لأن معرفة مفردات الزمن، ومن بينها: الفصول، وسر علاقة هذه الفصول بالطبيعة، وغير ذلك أمر جد مهم، من أجل انطلاقة الحياة، على أسس راسخة، وهو ما نجد نتائجه الآن، حيث أن أية"نظرية علمية"، لا يمكن أن تضع مقدماتها، وفرضياتها، وخلاصاتها، بعيداً عن التفاعل مع أدوات قياس الزمن. وللزمان صلة وثيقة بالإنسان، والكون، وسيرورة الحياة، حيث أن استيقاظ هذا الإنسان، ونومه، يتمان في فضاء الزمن، وهكذا بالنسبة إلى عمله، ونهله من المعارف، والتجارب، ناهيك عن أن لحظة ولادته، ولحظة غيابه الفيزيولوجي، تتمان ضمن هذا الفضاء ذاته، بل أن كل زفرة أوشهقة، إنما هما مرتبطتان بحسابات دورة الزمن، وهكذا فإن أية نقلة على مستوى الحضارة، والمدينة، والدولة، بل والمجتمع، والأمة، لهما العلاقة الوثيقة وفق هذه الحسابات نفسها. والزمن فعل خارج إرداة الإنسان، فعل له قوانينه المستقلة، التي لا علاقة لها بأخلاقيات الفرد، أو المجتمع، بل ولا علاقة لها بالحلم والرغبة البشريين، وكما أنه يجري وفق نظامه الخاص، فهو لا يخضع لأية قوة، خارج إرادته العظمى، إذ أنه نتاج مشيئة لا تتقاطع بأهواء أحد منا، وإذا كان أحدنا يستشعر آلة روزنامته اليومية، بخططه، ومشاريعه، فإن لحظة انفصام حياة المرء عن دورته الحياتية، وتحوله إلى عالم الغياب، أمر منفصل عن الأهواء، ما يجعل صدمة الموت جد قاسية، علينا، بل إن عجزنا أمام فهم كنه الزمن، وأسراره، و دورته، ليجعل طبيعة فهمنا غير مستكملة، وهو الأمر الذي يسوِّغ مدى ظمئنا الأزلي، إلى المعرفة، كنتاج تفاعل العقل مع أبعاد عديدة، يعدُّ الزمن أحدها الأكثر حضوراً، بلا منازع. إبراهيم اليوسف
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موت النقد
-
إلى مكاني محاصراً بالغرباء..!
-
درس ميكافيلي
-
حريق لا يزال مشتعلاً*
-
مؤلف النص الإلكتروني في مرحلة -مابعد الموت-
-
خريطة المكتبة
-
المكتبة
-
الأبُ الديناميُّ
-
ما الأدب؟
-
مشعل التمو: بورترية أول
-
البُعد الرابع
-
لماذا التراث؟
-
عاصمة الياسمين
-
-استعادة طه حسين:
-
ثقافة الخلاص
-
استنساخ -سانشو-
-
مختبرات دهام حسن للتحليل النفسي
-
جحيم الثقافي فردوس السياسي
-
ملحمة النسر
-
سلالم النفس
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|