أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - - مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتواءه و فشل إسرائيل في الرد على سؤال الهولوكست















المزيد.....


- مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتواءه و فشل إسرائيل في الرد على سؤال الهولوكست


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1219 - 2005 / 6 / 5 - 12:24
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدر مؤخراً في إسرائيل العدد الثاني من دورية ميتاعام اليسارية الراديكالية, هذه الدورية التي تعرف نفسها باعتبارها "دورية للأدب و للفكر الراديكالي" و التي يرأس تحريرها الشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور, كان العدد الأول قد حظى بنجاح كبير على الرغم من طبيعة المجلة التي تقوم على الجهد التطوعي و التي تطرح مواقف راديكالية لا يستوعبها العقل الجمعي الإسرائيلي, و لذا صدر العدد الثاني في موعده تماماً, على عكس الدوريات ذات الطبيعة المماثلة و التي يتأخر صدورها شهوراً و ربما سنوات. يتحرك العدد الذي بين أيدينا في أماكن و مواقف متعددة ينتقد منها الأيديولوجيا الصهيونية و يقوض البنى الأساسية للخطاب المعلن و غير المعلن للدولة الإسرائيلية, ليس فقط عبر كسر التابوهات في المجتمع الإسرائيلي و إنما عبر التحليل الواعي و المتبصر لكيفية تكون هذه التابوهات و البديهيات, و ما يحز في الانفس كون هذه البديهيات احياناً ما تتحول كذلك إلى بديهيات في العقل العربي الجمعي كذلك, غير المدين بالولاء بالطبع للفكر الصهيوني, و الذي يفترض ان يكون ناقداً راديكالياًَ لها, فهو يتقبلها كمسلمات غير مانح نفسه فكرة أن يدرسها و يتفحص مدى صدقيتها, خذ عندك مثلاً الارتباط الخفي او المعلن ببين اللغة و العبرية و الهوية اليهودية, هذا الارتباط الذي يفككه الباحث الإسرائيلي الشاب عوديد شيختر في هذا العدد, في دراسة يعرض فيها لكتاب رجل الدين اليهودي يوئيل تايتلبويم, وهو زعيم حسيدي من المعارضين للصهيونية, حاول عن طريق تحليل قصة برج بابل في العهد القديم قراءة شيء ما عن واقع بناء المستعمرات الذي ينتهي بالخراب. فلقد أراد البشر في سفر التكوين بناء برج لكي يصنعوا فيه اسماً لئلا يتبددوا من على وجه الأرض, فما كان من الرب إلا أن بلبل ألسنتهم فلم يستطيعوا إكمال البناء و انهدم برج بابل, و الذي سمي بابل "لبلبلة" الرب ألسنة الناس فيه, و من هنا نشأ تعدد اللغات في العالم, و مثلما هو برج بابل كذلك الحال فالقومية الجديدة, الخراب الحديث, مثلما يرى شيختر, بدئا بمحاولة للبناء, بناء استعماري لمدينة و برج في ارض إسرائيل. يفسر شيختر معارضة الحاخام يوئيل تايتلبويم للصهيونية الذي نبع من خوفه من ان يؤدي بناء المستعمرات إلى إيجاد رغبة في الدولة و الملك. صحيح أن المستعمرات أقيمت لكي تمكن من إطاعة أوامر الله, غير أنها, و بشكل استعادي, سوف تتضح أنها أسوأ من الآثام, هي طاعات – آثام تعجز اللغة عن التعبير عنها في تصنيفاتها المعتادة. هكذا يشير شيختر من طرف خفي إلى اللغة غير المعتادة للحاخام تايتلبويم في وصفه للصهيونية و للدولة الصهيونية "إذا أخذنا كل انتهاكات هذا الجيل و كل أثامه التي ترتكب في العالم و وضعناها في كفة ميزان, و وضعوا الدولة صهيونية في الكفة الأخرى لرجحت كفة الأخيرة". هنا يصنع تايتلبويم ارتباكين لغويين, أولهما هو كون الانتهكات و الآثام هما تصنيفان تلموديان مختلفان تماماً و لم يجتمعا أبداً في الديانة اليهودية, و ثانيهما هو هذه الدولة صهيونية, و ليس الدولة الصهيونية. هكذا "يبلبل" بناء برج بابل/ الدولة الصهيونية اللغة. يشرح الحدث اللغوي المتأخر فعل البناء , فعل إقامة المستعمرة, فمثلما تفسر بلبلة لغة البناة انهدام برج بابل هكذا تفسر بلبلة لغة تايتلبويم كنه الدولة الصهيونية, و التي لا يمكن وصف شرورها وفق لغة طبيعية و اعتيادية و وفق تقسيمات تلمودية متعارف عليها.
ينتقل شيختر بعد ذلك إلى السؤال الأهم في مقالته: بأي لغة تحدث الناس قبل برج بابل؟ و ما هي اللغة الواحدة التي كان يتحدثها الناس جميعاً قبل أن يبلبل الرب ألسنتهم. يجيب أوغسطينوس على هذا بأنهم كانوا يتحدثون العبرية و كان اسمها قبل برج بابل "لغة الإنسان او "اللغة الإنسانية" و عندما تبلبلت لغة الناس في برج بابل واصلت العبرية الوجود و لكن باعتبارها لغة واحدة من بين لغات كثيرة, و منح الرب هذه اللغة للجماعة التي اختارها, أي العبرانيين, و من هنا أصبح اسمها العبرية, أي أن اللغة التي سلبت من الخطاة, بناة برج بابل, قد منحت للجماعة التي أطاعت الرب و اختيرت من قبله. و علينا هنا ان نسأل أنفسنا عن كيفية تمايز جماعة العبرانيين عن الآخرين؟ و هل كان ممكناً وجود جماعات و اختلافات قومية حتى قبل تبلبل الألسنة, أي بينما يتحدث الجميع بلغة واحدة؟ لا يفلح منطق أوغسطينوس في التعامل مع هذه الأزمة. و هنا يأتي الحاخام تايتلبويم بفرضية أخرى تربط الاسم "عبري" ب"عبر النهر", أي اللغة التي جاءت من جانب الآخر من النهر, أي الأرامية. يعتقد تايتلبويم أن اللغة المقدسة التي كتبت بها أسفار العهد القديم قد نسيت, أو أنسيت, لأنها لم تكن أبداً لغة للحديث. فالتلمود الأورشليمي و البابلي قد كتبا بالأرامية و كان الناس يتحدثون في فترة الهيكل الثاني باليونانية و الأرامية. هكذا يصل شختر إلى النتيجة السياسية معتمداً على أوغسطينوس الذي يكتب عن حاجة الإمبراطوريات لإخضاع لغة الجماعة التي تحتلها, كي يسهل هذا من عملية السيطرة, و معتمداً على تايتلبويم الذي تشغل باله اللغة كوسيلة للاستعباد الشبيه بالتحرر واصفاً عبرية اليوم ب "اللغة التي اخترعوها لأجل توسيع حدود الصهيونية". أي العبرية الحديثة و هي خليط من لغات عدة لا تشبه بحال اللغة المقدسة التي كتبت بها أسفار العهد القديم. من هنا يمكن فهم كلام شيختر عن اللغة و الاشتباه الموجود فيها بطبيعتها حيث ثم مسافة في اللغة ما بين المقول و المقال له و القائل, و هو ما لم يحدث, حسب الوصف الديني, في اللغة المقدسة القديمة السابقة على برج بابل و التي يصفها التلمود بأنها "كلمات واحدة, كلمات موحدة". من هنا يسكن جوهر الاختلاف في اللغات البشرية التي جاءت بعد برج بابل و منها الأرامية المسماة بالعبرية. و من هنا يمكن لشيختر إيضاح عدم تطور اسم و مفهوم "عبري" تطوراً طبيعياً و كونه غير مرتبط بالطبيعة ب"اليهود" كما تريد أن تصوره التقاليد المسيحية و اليهودية الغربية, و إنما هو مرتبط بالسياسة, أي أنه تم فرضه بالقوة, لأجل توسيع حدود الصهيونية, كما يقول تايتلبويم و يوافقه شيختر, و من هنا يمكن لشيختر إدانة القومية اليهودية و التي اعتمت على اللغة العبرية التي غدت بشرية, أي مسكونة بالاختلاف و عدم القداسة, فيقول "القومية هي الكفر و الكفر كامن في اللغة. الحدث اللغوي الأول هو تبلبل الألسنة, و الحدث للغوي الثاني هو الحدث القومي – الصهيوني. لقد كان على الكفر العظيم الذي أتت به الصهيونية: أي القومية, أن يمر ببرج بابل أولاً".

الهولوكست
في نفس الوقت تختار نعاماه جيرشي إفراد مقال تتحدث فيه عن الكاتبة الإسرائيلية إيدا فينك, و التي تدور معظم قصصها حول الهولوكست. تحاول جيرشي تفكيك الصهيونية من زاوية الهولوكست, عبر تأملها لحالة إيدا فينك, و هي الكاتبة الإسرائيلية التي تكتب بالبولندية (لغتها الأم) و تنشر كتبها في بولندا (حالة أخرى من حالات فك التلازم ما بين الهوية اليهودية, بل و الإسرائيلية, و بين اللغة العبرية). كانت هذه زاوية ممتازة لنفد الصهيونية, فإسرئيل التي دأبت على استغلال الهولوكست لأغراض السياسة (سواء في المطالبات بالتعويض أو في تبرير الجرائم ضد العرب أو حتى في محاكمة اللاجئين البؤساء من الهولوكست, كما تبين ذلك عيديت زيرتال بحذق في كتابها "الأمة و الموت") إسرائيل هذه لم تكن لترضي إلا بأن تكون الصهيونية هي الرد الوحيد المقبول على السؤال الهولوكستي أو على معادة السامية في المجتمعات الأوروبية, و هو ما جاءت إيدا فينك, ولاحظته نعاماه فينك, لحله. تفكك جيرشي مفهوم "الضحوية اليهودية" أي كون اليهود ضحايا دائمين, سواء للنازيين قديماً أو للعرب حديثاً!! فعندما تتحدث إيدا فينك عن الزمن لدى المحبوسين في أوشفيتز أو دخاو, و كيف أن هذا الزمن لا يقاس لديهم بالساعات و لا بالشهور و إنما بالكلمة الصادرة من أفواه من يحكمونهم, بالحكم القاطع على حياتهم, تقيس جيرشي هذا الوضع بالوضع في إسرائيل اليوم, فهي, كإسرائيلية, زمنها هو زمن السادة , المنقسم لساعات الصيف و ساعات الشتاء, الزمن الذي يقسم بكلمته زمن المسودين, هؤلاء الذين يعيشون تحت سيطرتها, أي الفلسطينيين. هكذا يتحول اليهود من مسودين, من ضحايا, إلى سادة و جلادين, في إسرائيل اليوم. و تتبادل الشعوب فيما بينهما الإحساس بالزمن المقاس وفقاً لكلمات السادة لا لعقارب الساعة. و في سؤال أكثر جذرية تسائل إيدا فينك مفهوم "الشعب اليهودي" و تتساءل هي إن كان من الممكن التحدث عن اليهود كجماعة و تسأل: "ألم يكشف الهولوكست في نهاية الأمر عن انفصال و تجزؤ أعضاء هذه الجماعة؟" و "هل ثم بالفعل مصير مشترك بين اليهود, , بين شخص أُخذ في عملية نازية و بين آخر نجح في التهرب حتى المرة القادمة".
هكذا يكون المنجز الأساسي لفينك هو امتناعها عن التطرق الجمعي لليهود في الهولوكست, هذا الامتناع الذي يمكنها من طرح وجهة نظر غير قومية و لا تستند على الصهيونية كتفسير أساسي: يمَكنها حل خيوط الرواية القومية من إكمال عملية التغريب. إعادة الهولوكست "الخاص بالإسرائيليين", الواضح, المشروح و المكرر, إلى الكوكب الذي جاء منه, إلى الزمن الآخر, اللغة الأخرى, الأماكن المختلفة و الموتي الذين يواصلون الموت بدون أن يصبحوا عشرات الألاف من الناجين, القديسين الإسرائيليين, أو البرنامج الذي بنيت عليه دولة إسرائيل.
الحروب الأمريكية
تعد إسرائيل من أكثر البلدان في العالم التي تؤيد و بشكل مطلق كافة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط, و هذا ملحوظ سواء على مستوى الخطاب الرسمي أو العقل الجمعي الإسرائيلي, لذا فأي انتقاد لأمريكا ينظر له بشكل فوري على أنه دفاع عن "الإرهاب" و الذي يستهدف "الغرب و إسرائيل"! من هنا تجيء أهمية مقال المترجم لجوديت باتلر أستاذة الأدب المقارن بجامعة بيرلي بكاليفورنيا و المعنون (حياة معرضة للتلف). في هذا المقال تنتقد باتلر دور أمريكا في المنطقة عبر تحليلها للصورة الإعلامية منطلقة من نقدها لفكرة عمانوئيل لفيناس الذي يتحدث عن دور الوجه في الكشف عن هشاشة الآخر و عدم حصانته و هو ما يؤدي إلى شعورين متناقضين في الآن ذاته (الخوف من أن يقتلني الآخر و الخوف من أن أقتله انا). تختار باتلر مقاربة المفهوم الفلسفي من زاوية السياسة الأمريكية حينما تتحدث عن الصورة التي تعرض في الإعلام الغربي, فالعنف يمكن خلقه بطرق مختلفة, واحدة منها هي عرض صورة الوجه, وجه أسامة بن لادن و ياسر عرفات و صدام حسين. ما الذي يفعله الإعلام في هذه الأوجه؟ يجند هو البروفيل لخدمة الحرب كأنما وجه بن لادن هو وجه الإرهاب ذاته و كأنما وجه عرفات هو الوجه الماكر للاحتيال و كأنما وجه صدام حسين هو وجه الديكتاتورية المعاصرة. و حينما تتحدث باتلر عن وجوه الأفغانيات اللاتي رفعن النقاب من على أوجههن بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان فهي تدلي بملاحظة عن كون الفتيات قد كشفن عن أوجهن في دلالة على التحرر و العرفان بالجميل للولايات المتحدة.. و في نفس اللحظة انكشفت الأوجه أمام أعين الأميركيين, ملكوها, ليس فقط عن طريق القبض عليها بكاميرات السي إن إن, و إنما لأنهم فرضوا على هذه الوجوه أن تعبر عن النصر الأمريكي, و ان تبرر العنف و الاجتياح و قتل المدنيين.. هذه الوجوه المصورة كانت كأنها تبعد أو تخفي الوجوه التي يتحدث لفيناس عنها, لم يسمع الأمريكيون عبر هذه الوجوه أصوات الألم و المعاناة, لم يروا فيها اي دلالة على عدم منعة الحياة. هكذا تؤنسن الصورة المفاهيم مثل الإرهاب و الديكتاتوية غير انها لا تؤدي بها أبداً لأن تكون أكثر إنسانية, بل هي في واقع الأمر تمنع التعاطف معها, ففي حالة بن لادن أو صدام حسين نحن مطالبون بوضع ما هو إنساني خارج إطار الصورة. هي الوجوه الإنسانية في أقصى تشوهها, غير مدعوين نحن للتعاطف معها. ما الذي يفعله شحن هذه الوجوه – و بالأخص العينين – بهذا الشر المتطرف؟ إنه يغلق باب التعاطف في وجه المشاهد. هل هذا ما يشير إليه المخرج الفلسطيني إيليا سليمان في فيلمه الشهير "يد إلهية" عندما صنع مفارقة حادة بين صورة "الإرهابي" الفلسطيني المغطى وجهه ماعدا عينيه القاسيتين, و هي الصورة المثبتة على لافتة في إحدى الشوارع الإسرائيلية, و بين بطله مكشوف وجهه ماعدا عينيه المغطيتين بنظارة شمسية, و هو الوجه المتحرك و الحي, بينما تنتقل عين اليهودي المتدين بين الوجهين في دهشة متسائلاً ربما إن كان هذا الوجه الحي هو ذاك المثبت و الذي رسمته العقلية الصهيونية؟ تقول باتلر في حديثها عن الصور التي أشارت إليها أنها تخفي عدم منعة الحياة. فهي تعرض إما النصر الأمريكي أو الانتصارات العسكرية القادمة للولايات المتحدة. بالتحديد هنا يكون لتغطية الجندي الأمريكي وجه صدام حسين بالعلم الأمريكي دلالة وافرة, سلب الجندي عن الوجه "آخريته" و جعله منتمياً إلى الولايات المتحدة الأمريكية, مثلما على العراق بعد الغزو أن ينتمي للولايات المتحدة. هو إعلان النصر ممثلاً في احتكار الوجه و إخصائه.
تحيد دراسة باتلر عن الوجه لترتبط بالصورة بشكل عام حيث تلاحظ الكاتبة ملاحظة غاية في الأهمية عن الحكومة و الجيش الأمريكيين الذين قررا تسمية العمليات العسكرية في العراق باسم "الصدمة و الرعب", و بالتالي منحها بعداً مشهدياً كهذا يهدف إلى السيطرة على الحواس, ثم إبطال عمل التفكير, بل و أكثر من ذلك, فلم تهدف استراجيات الصدمة و الرعب فقط إلى إكساب الحرب بعداً جمالياً, بل سعت في نفس الوقت إلى استغلال الجماليات البصرية و جعلها في خدمة الحرب نفسها.. تزينت الصفحات الأولى من النويورك تايمز يوميا بصور رومانسية للقوات الأمريكية التي يتم تجهيزها في خلفية من الشمس الغاربة أو القصف المتوهج في سماء الليل, على شوارع و بيوت بغداد, التي, و بشكل متوقع, لم تجد طريقها إلى الصورة. فالصور لألعاب نارية في سماء الليل فقط, أما المعاناة و الألم, و هما موضوع القصف, كما في حالة وجوه الأفغانيات, فيتم إخفاؤهما تحت, في الظلمة الراقدة تحت أضواء القصف.
المسألة الشرقية
تعني المسألة الشرقية في إسرائيل تقسيم المجتمع الإسرائيلي إلى شرقيين جاءوا من البلدان العربية و الإسلامية (سفاراديم) و غربيين جاءوا من أوروبا (إشكنازيم).. يتوقع المرء لأول وهلة أن يكون الشرقيون هم الأكثر تعاطفاً مع العرب في إسرائيل نظراً لكونهم لم يتعرضوا في العالم العربي لهولوكست رهيب كالذي تعرض له اليهود الأوروبيون, غير أن الحقيقة مخالفة بعض الشيء, فالشرقيون يكرهون العرب أيضاً, و إن كان لأسباب تختلف عن كراهية الغربيين لهم. هذه الأسباب التي يحللها الشاعر يتسحاك لائور في مقاله عن الأديب الإسرائيلي الشهير شرقي الأصل أ. ب. يهوشواع و الذي يختاره نموذجاً لتحليل أسباب هذه الكراهية. يقوم هو بتحليل مقاطع من حوارات له و أراء كتبها و أدلى بها كما يقوم بتحليل روايتين له هما "العروس المطلقة" و مولخو". فيهوشواع يكره كونه شرقياً .. و يعبر عن هذه الكراهية بأشكال كثيرة: يتباهى بكونه لم يتحدث في بيت أبيه و أمه باللهجة والشرقية و إنما باللهجة الإسرائيلية العامة, التي هي إشكنازية بالطبع, يحاول الخلاص من كونه شرقياًَ و ذلك عبر طريق واحد هو الكراهية المفرطة للعرب, الكراهية التي يلزم على الشرقيين في إسرائيل أن يخلصوا لها أكثر من اليهود الغربيين, لسبب بسيط, انهم أحوج من الغربيين إلى تأكيد انتمائهم للدولة اليهودية "الغربية". هكذا تختلف الكراهية الشرقية للعرب عن الاحتقار الغربي لهم, و الذي يرتبط بالاحتقار الاستعماري لأهل البلاد الأصليين. من هنا يتحول البطل الشرقي في رواية أ. ب. يهوشواع "مولخو" إلى بطل غربي في روايته "العروس المطلقة", و هو بطل غربي لا يفهم لماذا يفجر العرب أنفسهم, و مثل يهوشواع نفسه, فهو يفرض وصايته على الفلسطينيين و يملي عليهم كيف يجب عليهم أن يتصرفوا. عرفات من وجهة نظر يهوشواع شخص كريه لأنه "لا يفكر في مصلحة الشعب الذي يعاني الأمرين في الضفة الغربية و قطاع غزة, و في إيجاد الحلول الفورية لمشاكله, و إنما يفكر في المشكلة الفلسطينية بمفهومها العام, و في طريقة إعادة اللاجئين". و يرد عليه يتسحاك لائور بسخرية مفرطة محاكياً خطاب النخبة الإسرائيلية: " ها هي وظيفة عرفات إذا أراد أن يكن زعيماً جيداً: أن يمر بالإدارة المدنية, أن يحل مشاكل المجاري في الضفة و القطاع و أن يرضي يهوشواع. أيها الفلسطينيون الأعزاء, دعونا نهتم بما سيحدث في تاريخكم, نحن اليهود الذين عدنا لتونا إلى التاريخ, مع الولايات المتحدة التي تكتبه, أو تمحوه, سوف نحل مشاكلكم, أما أنتم, فاعتنوا بالمجاري." ينتهز لائور فرصة هذا المقال لكي يحلل الهجرتين اليهوديتين, الشرقية و الغربية, إلى إسرائيل, فبينما كان على الغربيين أن يهاجروا بشكل قاس جدا إلى إسرائيل, أن يتحملوا إنكار تاريخهم السابق على قيادم دولة إسرائيل و هو ما يعرف باسم "إنكار المنفى", فلقد كان على اليهود الشرقيين الهجرة مرتين إلى إسرائيل, مرة عليهم أن يوصفوا ك"شرقيين" (فهم في البلدان العربية و الإسلامية كانوا جزءاً من المجتمع و لم يتم تعريفهم باعتبارهم شرقيين أبداً) و مرة عليهم, و في الاتجاه النقيض, أن يتنكروا لهويتهم الشرقية تماماً, لكي يثبتوا انتماءهم لإسرائيل و التي يجب ان تكون جزءاً من الغرب. هذا ما يدفع يهوشواع أن يتباهى بمعارف أبيه الغربيين, و أن يتملص بعنف من كونه قد تأثر بطائفته الشرقية, و ما يدفعه يشكو من كونه, على خلاف الغربيين, مطالب دوماً بالولاء لطائفته, بأن يظل يحكي عنها, و هو ما لا يحبه (يرفض هو فكرة أن لا يستطيع خيانة طائفته, كما يفعل الأديب الروسي الأصل يزهار سميلانسكي مثلاً و الذي لا يطالبونه بالحديث عن ماضيه الروسي). هكذا و كعادة كل من يتنكرون لهويتهم فيهوشواع يصل إلى المكان الصحيح, "اعتبار الشرق شذوذاً مثيراً للتساؤل في إسرائيل "الغربية", غير أنه ما أن يجد نفسه فيه حتى يهرب منه "يعلن عن أن هدفه من هذا هو التنكر لهويته الشرقية, خيانتها".
الجيش و الشعر
كذلك يحظى الجيش بقصيدتين في هذا العدد تهاجمان العسكرية الإسرائيلية التي دأبت على قتل الفلسطينيين و امتهانهم و تحويل حياتهم إلى جحيم, ففي قصيدة كتبها الشاعر الشاب شاي دوتان بعنوان "عن إيمان الهماس" يعرض صورة دامية و غاية في البشاعة يصف بها دموية الجيش الإسرائيلي و الذي قتل الطفلة إيمان الهماس (12 عاماً) عندما اقتربت من موقع إسرائيلي في غزة, فيقول مستوحيا سفر القضاة:
"لم يتخط العدل حدود الخط الأخضر/ لم يقم أية مستوطنة/ لم يحتل أية تلة مهجورة/ لا يملك العدل سقفاً أحمر, طريقاً جديداً, علماً يتباهى به/ و لذا مسموح لنا بتقطيع جثة/ إيمان إلى اثنتي عشر قطعة بالسكين/على عدد سنواتها, مسموح لنا بتوزيع أشلاء جسدها/ على مدن إسرائيل/ و التي ستتشاور و تتحدث عن فعلة البنت الحقيرة/ حتى شاعر ضال مثلي يعرف أن/ أي سبط لن يجتمع في أطراف أية تلة/ لن يأتي من يدين أبناء الكلب و يطردهم من بين اليهود, يفكك/ حجارة العمود المنتصب في حلق غزة/ سوف تلحس الكلاب أشلاء الجثة/ و التي سيلقونها بجوار سفوح القلب الذي تصلب". أما الشاعر الإسرائيلي الكبير أهارون شبتاي فيخاطب الطفلة تالي محولاً خطابه الإنساني تماماً إلى قصيدة هجاء سياسية للجيش يمكنه عن طريقها إظهار تعاطفه مع الفلسطينيين تحديداً, وهذا في قصيدته المعنونة "ترنيمة لتالي": "ستسافرين بقروش قليلة/ و تهبين ابتسامة/ لهؤلاء الذين يتم تفجير / الأسقف فوق رؤوسهم/ يتم تفكيك البلاط / من تحت ارجلهم/ لهؤلاء الذين يعيشون في ظل نظام الإعدام بدون محاكمة".
كذلك تضمن العدد نعي محمود درويش للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات و المنشور في دورية الكرمل و مقالين لفيتجنشتاين عن هيدجر و مقالة لعانات ميتير و جدعون فرويدنتل عن صعوبات الترجمة لفيتجنشتاين, و فصلاً من رواية "يالو" للكاتب اللبناني إلياس خوري و قصصاً لعوز شيلاح و تامار فايس و ليئاه إيني و آساف شور, و أشعاراً ليتسحاك لائور و ناتالي مون شفونت و أوجينو مونتالا.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوزان مبارك.. الجبلاوي وقصر البارون.. كيف احتفلوا بمرور مائة ...
- ثلاث صفحات فارغة
- عبد مجوسي الذاكرة و قال كلمات
- لحظات لا يستحب فيها الإسهاب
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - نائل الطوخي - - مجلة ميتاعام الإسرائيلية: الصهيونية كفر تعجز اللغة عن احتواءه و فشل إسرائيل في الرد على سؤال الهولوكست