أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - ثلاث صفحات فارغة














المزيد.....

ثلاث صفحات فارغة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1179 - 2005 / 4 / 26 - 11:11
المحور: الادب والفن
    


النذر:
قالت واحدة:
"لإن كان ما في بطني يا رب ذكراً لأهبه إلى الشيخ, يعلمه و يربيه و يصير من أوليائك الصالحين"
و رد عليها الملاك في المنام
"حسناً فعلت و لكن اعلمي, يموت هو في مشهد بارع من مشاهد التاريخ. يموت لأجل الغلابة و باسم الحق. يهب عمره ليفتدي الإنسان. أي موت غير هذا يسعى له".

شكوى كاتب التاريخ من كون مهمته شديدة الإملال:
و تفصيل الأمر أن كاتب التاريخ, و هو الشخص الذي يكتب تاريخ العالم مذ خلق إلى يومه الأخير, قد أراد كتابة فصل درامي عن شخص يموت ميتة مهيبة, ذات مسحات قدسية, ميتة شهيد أو مخلص, و ذلك بعد أن لاحظ خلو الفصول الخيرة التي كتبها من هذا النموذج و بعد أن سأل مستنكراً (مابال العالم قد أصبح بارداً هكذا و سخيفاً). يندفع أهله نحو مصالحهم الشخصية و لا يعنيهم غيرها, و ربما لا تعنيهم هي ذاتها. أصبحت الحياة تسير بدون رغبة من أحد أن تسير. الحياة تسير هكذا, بقوة القصور الذاتي وحدها, لأن الإله اطلقها ذات يوم , و عجزت هي عن التوقف مع عدم رغبتها في المواصلة, و هو ما أثار ضيق كاتب التاريخ.
دفع كاتب التاريخ بطلبه هذا إلى الله في صلاته المسائية. دعا (يا رب هب لي بطلاً يحب الناس و يموت لأجلهم و يكون كاملاً و مستقيماً من الناحية الأخلاقية – حتى لايسبب لي حرجاً أمام القراء – كي أكتب عنه. يا رب الصفحات التي أكتبها صارت مملة و لا تطاق حقاً. يا رب زملائي يسخرون مما أكتبه). و اجاب الله بحسناً.

النذر مرة ثانية:
زار ملاك يوماً ما امراة ريفية. أخبرها بأنه على ابنها الذي سيولد من صلبها أن يموت. شرح لها فكرة موته و كونه موتاً ليس كأي موت. قال أنه هكذا فقط يحوز الإنسان الحياة الأبدية. اخذ الملاك يستبعد الاحتمالات الأكثر ابتذالاً من السيناريو الذي في رأسه (أن يموت مصلوباً فهي فكرة مستهلكة و كذلك أن يموت بالرشاشات. نريد موتاً جديداً له بهاء جديد و يحظى بقدسية جديدة "ما رأيك في الموت من التخمة مثلاً" الهم أن يموت في سبيل غاية مثلى) فكر الملاك بينه و بين نفسه و كأنه يقترح عليها (أعتقد لو مات طفلاً فسيكون أروع بكثير. سيكون المشهد مبتكراً فعلاً).
أنظروا إلى هذا الملاك. إنه ينقسم إلى اثنين و في نفس اللحظة التي كان يخاطب فيها المرأة كان يزور الجنين في بطنها و يحدثه بنفس الكلام. يحدثه عن الفداء و التضحية و حب الخير من قبل أن يبصر الجنين الحياة حتى. يستمع إليه الجنين و لا يقاطعه مطلقاً.

المنذور يهيء نفسه لموت رائع:
و ولد الطفل المنذور. كانت مهمته التي جيء به من أجلها إلى العالم تكمن في لاوعيه بصورة متفجرة و في أجزاء من وعيه كذلك. أطلق إذ بلغ الحلم لحيته النابتة و سعى في دروب الأرض يعلم الناس و يعطي المساكين و لا يبخل بحياته تحت أي ظرف. سارت وراءه جماعات و تقدم إليه اناس قائلين نحن أتباعك المخلصون و آمن به و برسالته الفقراء. قال مرة (هاقد دعوت للخير و أعطيت المساكين و بنيت مبان للبر في كل مكان فهل ينقصني إذن إلا أن أموت. هل تنقصني إلا لحظتي النهائية).
قال أكثر من واحد من أصدقائه أنه كم من مرة شوهد فيها يدافع عن أناس غرباء باستماتة. باستماتة كأنه انتحاري. و قال هو (لم يحالفني الحظ مرة, في كل مرة كنت أنجو, أريد أن أنجز المهمة بقى. زهقت). و كذلك كاتب التاريخ يريد أن ينهي الفصل الذي يعمل عليه و الذي لن ينتهي إلا بموت المنذور. كذلك هو قد سئم. هو كان قد كتب مسودات للفصل و لكن الصفحة النهائية لم يكتبها بعد. قال كاتب التاريخ (يستحسن عدم إضافة حتى الصفحات المكتوبة إلى كتاب التاريخ بشكل نهائي. حتى الآن أنا غير واثق من أي شيء سيجيء).

النهاية التي غيرت كل الحسابات:
و كان كاتب التاريخ على حق في عدم ثقته تلك فأبعد شيء عن البال هو الذي صار و هو كان شيئاً بسيطاً و لذلك غير متوقع فقد صدمت المنذور سيارة مسرعة في الشارع. ببساط قضى المنذور حتفه و بدون قضية. و هذا كان مريعاً.

السر في أن تاريخنا توجد به صفحات خاوية:
هنا بكا كاتب التاريخ
بحرقة
هاهو عمر كامل يروح أمام عينيه كأنه لم يكن
ترك كاتب التاريخ عدة أوراق بيضاء في كتاب التاريخ
هي صفحات كان مقرراً أن تدون فيها قصة المنذور
الطويلة و الرهيبة و الملحمية
و لكنها لم تدون
و هذا هو سبب كون التاريخ غير كامل
و إنما توجد به دوماً فراغات كثيرة
هذه الصفحات الثلاث التي لم يكتب فيها شيء
تتقمصها روح
و تروح و تجيء في دروب الزمن
بحرية عظمى
فنشعر دوماً بأن زماننا ناقص
أو أننا لا نحياه كله
و كأنه فارغ أو شيء كهذا



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد مجوسي الذاكرة و قال كلمات
- لحظات لا يستحب فيها الإسهاب
- عن الفيلم الإسرائيلي (صهيون.. الأراضي).. ترجمة و تقديم نائل ...
- الشعر كائن ضعيف الذاكرة في ديوان منتصر عبد الوجود الأول..
- عن الشعر الإسرائيلي الرافض للاحتلال, دافيد زونشايم, ترجمة و ...
- لون الدم
- محاورات في الترجمة
- حوار مع الكاتب المصري عزت القمحاوي
- في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلم ...
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب
- و المزيد من النظرات
- المزيد من العيون


المزيد.....




- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
- -محاذاة الغريم-... كتاب جديد في أدب الرحلات لعبد الرحمن الما ...
- -أصيلة 46- في دورة صيفية مخصصة للجداريات والورشات التكوينية ...
- -نَفَسُ الله-.. هشاشة الذات بين غواية النسيان واحتراق الذاكر ...
- جبل كورك في كردستان العراق.. من خطر الألغام إلى رفاهية المنت ...
- لماذا يفضل صناع السينما بناء مدن بدلا من التصوير في الشارع؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - ثلاث صفحات فارغة