أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نائل الطوخي - في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلما نزلنا أكثر















المزيد.....

في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلما نزلنا أكثر


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1132 - 2005 / 3 / 9 - 11:34
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تنزل نجوى على السلم المصنوع من الحجر الجيري. يتخيل أشرف الذي يراقبها بالأسفل أن السلم يتفتت تحت قدميها. يبرر لها هذا, يقول لها إن أوهن انواع الأحجار هو الحجر الجيري, و برغم أن السلم يتفتت تحت قدميها فهي تجد فرصة للصعود مرة أخرى, غير أنها تجد نفسها متورطة في دغل آخر غير قادرة على الخلوص منه إلى الأبد.
في روايته الأولى "رحلة سوسو" الصادرة عن الهيئة العامة لقصورالثقافة بالقاهرة يحرص الكاتب المصري الشاب أحمد شافعي على لغة باردة تماماً, لا تتسم بأي انفجارات أو اندلاعات خاصة. أيضاً تصبح تفاصيل عالم الرواية كأنها تفاصيل عالم افتراضي بارد. منذ بداية الرواية ندخل نحن هذا العالم. ندخل بلدة كل تفاصيلها الميادين الثلاثة.. ميدان الشاعر, ميدان النافورة, ميدان الملك الغائب, البحيرة و مبنى استراحة المحافظ, الكلية, طريق المدينة الجامعية, موقف الحناطير, البنك, المكتبة العامة, الشارع التجاري, السوق, متحف الجيولوجيا. كل شيء يبدو افتراضيا و هشاً في هذه البلدة. فقط يكتسي عالم الرواية بثقل واقعي عندما تبدأ نجوى في اختلاق عالم جديد ستقوم ببطولته. ربما هذه هي المفارقة الأساسية في الرواية. الاختلاق فقط هو ما يتمتع بثقل, أما الواقع فهو هش و لا يوثق به.
تصل نجوى إلى قرية صغيرة لتلتقي أختها نجلاء فتلتقي معها بأشرف, ذلك الذي يقنعها بأن تؤلف قصة تكون هي بطلتها تتمتع فيها بكونها تفعل كل ما أرادت فعله في حياتها الواقعية, و يتغير اسمها في القصة إلى سوسو. هنا يبدو مجاز السلم الذي يتفتت تحت قدميها مجاز ملائم, فكلما مضت هي خطوة في حكايتها المختلقة تلك استحالت عليها العودة اكثر. ثم مجازان كذلك يجاوران هذا المجاز. سفينة نوح التي وصلت إلى الأرض الجديدة و استحالت عليها العودة إلى ارضها القديمة. و مجاز الملك الغائب. يقول أشرف لنجوى: "كان الملك و جدود جدود أهله قد اغتصبوا العرش قديماًَ و قالوا للشعب إن الحاكم أنابهم على البلاد إلى أن يرجع من رحلته الطويلة التي بدأها بحثاً عن الحقيقة, كما ترين لا يمكن أن ترسو هنا سفينة أبداً, لسبب بسيط هو أن هذا الماء يخفي تحته صخوراً أبشع بكثير من هذه الصخور التي ترينها هنا." هنا ستستحيل العودة على الملك الغائب بسبب صلابة الصخور في الماء, كما ستستحيل العودة على نجوى (التي اصبحت سوسو) بسبب هشاشة الحجر الجرانيتي الذي تحطم تحت قدميها. أي: ثم عودة مستحيلة بسبب الصلابة و عودة أخرى مستحيلة بسبب الهشاشة, و في الحالتين نحن متورطون و ليس أمامنا إلا المضي قدماً. هكذا يغدو خالق الحكاية الهشة غير حر بالضرورة, فهو أسير حكايته أو مخلوقها. كذلك الحال بالنسبة لمن يعيش في الواقع الصلب, من لم يقابل أشرف و لم يستسلم لأكاذيبه. يقول أشرف لنجوى: "هذه حكاية لا مكان لك فيها, حكاية سرطانية. هي التي ستعيش فيك. هي التي ستستخدمك".
عندما تبدأ نجوى في التورط في حكايتها و تصير غير قادرة على الفكاك منها و من سوسو (هي نجوى في الحكاية) ينقطع السرد فجأة. نرى أشرف يذهب لضابط الشرطة ايمن و يعترف أمامه بأنه قتل سوسو.. و يشرع في سرد القصة التي اخترعتها نجوى عن نفسها.. عن كل ما ارادت ان تكونه.. هنا تتضاعف هشاشة العالم بشكل منطقي, فحكاية يحكيها شخص لشخص هي اكثر موثوقية من حكاية يحكيها شخص لشخص على لسان شخص آخر. و هكذا يزداد الاتكاء أكثر على السلم الهش و يتفتت أكثر. غير أنه هنا أيضاً بالتحديد ما يحتشد العالم الذي تحكي عنه نجوى بالتفاصيل كما قلنا.. تفاصيل عن سفرة لألمانيا و علاقة غرامية بين موظف في العمل ورئيسته, و واسطة تدخل لكي تمنع السفر عن بنت, بل و حديث عن تحرر الدول النامية و أشيائنا الصغيرة.. هل يتصل هذا بجملة وردت في الرواية عن قلعة بناها بريخت, قلعة قوية جداً غير أنه ما إن ينطق واحد فيها بكلمة حتى تنهار, أو هل يتصل هذا بجملة وردت قي ذهن نجوى عن كون الصمت هو الأمر الحقيقي الوحيد, و أن الكلام بطبيعته قائم على الخداع "و لو أن نجوى تعرف مفردة التواطؤ, لقالتها"؟
عندما يلاحظ أشرف التفاصيل الكثيرة في حكاية نجوى المختلقة و أن هذه التفاصيل ما هي إلا أداة تكبل عالمها المختلق أكثر يسألها "لم يا نجوى لا تجربين ان تريدي شيئاً جديداً, لم لا تنسين الشغل و عصام و ناجي و إنعام و نبيلة و المانيا". هنا, ولأول مرة, تلجأ الرواية إلى السيريالية: تحكي نجوى, كأنما اطلق أشرف إشارة البدء لديها, عن الفندق الذي سافرت إليه في فرنكفورت و أحرقت نار اندلعت فيه كل من تعرفهم (ما عدا سوسو طبعاً). سرت النار في ألمانيا كلها و في البحر الأبيض و في مصر و لم تحترق سوسو. هذا السيرياليزم الكاريكاتوري يمكن له أن يكون توطئة مناسبة للفصل الأخير من الرواية, الفصل الأخير الذي تأكد فيه أن الخداع صار يلتهم نجوى تدريجياً.. و انها صارت فريسة لكذبتها.. إلى درجة ان يبدأ هذا الفصل بالبنت التي تسير في الطريق و يدلها صوت في ذهنها على معالم الطريق, يشرح لها ما تراه, من تكون هذه البنت السائرة إذن غير سوسو؟ الفتاة المختلقة التي أرادت نجوى أن تكونها, و قد تصدرت الحياة الواقعية في الرواية و انسحبت نجوى إلى مرتبة خلفية ترشد فيها بطلتها فقط إلى الطريق (راجع مجاز الحكاية السرطانية التي لا مكان لكاتبتها فيها). هذه البنت التي لا يصرح الكاتب باسمها تبدأ في الرؤية بشكل مغاير, تتحول رؤيتها إلى السخرية الشديدة و يتحول جو الرواية كله إلى الكاريكاتير المقارب للسريالية. يصل هذا الكاريكاتير إلى ذروته حينما يُسرد فصل كامل عن رئيس مجلس الإدارة (رئيس نجوى أو سوسو) و كيف كان قصيراً عندما التحق بالعمل في الستينيات و لكن"أحبه رؤساؤه كثيراً و ظلوا يرفعونه فيرتفع, يرفعونه فيرتفع, إلى أن وصل إلى الطابق الأعلى من المبنى و أصبح رئيس مجلس الإدارة." هنا بالتحديد تصبح لغة الرواية اكثر سخونة واحتداماً و تنبع من صوت واحد بالمطلق, هو صوت نجوى تهمس لسوسو, تحرضها على ممارسة الكاريكاتير. قد يخدع هذا الصوت القارئ. يعتقده صوت أشرف, فكل الأجزاء السابقة من الرواية تؤكد ذلك (دوما ما يكون أشرف هو المعلم و نجوى هي من تتعلم). و برغم أن هذا ليس صحيحاً إلا أن المؤكد أن أشرف قد تم احتواءه في الصوت المتحدث (صوت نجوى).. و بالتالي في البنت المستمعة. أشرف - الذي وصف نفسه بينما يقشر القصب أنه سكر الكون و خبيئة الله مثلما أن السكر بقلب عود القصب هو سكر متماسك لم يمسسه أحد من قبل آكله - قد تحول إلى عصارة سكر في عقل البنت (نجوى ثم, في مرحلة تالية, سوسو) و صار يمدها بالقدرة على اختلاق الحكايات.. و على تصديقها و الغوص فيها, بالضبط كشخص تحطم من تحت قدميه السلم الهابط به إلى عمق البحر فصار يكافح للخلاص حيث لا مغيث .



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مبارك و دريدا و عمرو بن العاص.. ما الذي حدث في -حدث- تعديل ا ...
- التباس
- الضفة الأخرى.. الرقص على إيقاعات العزلة
- أغنية جديدة لعبد الوهاب. 2
- هيفاء وهبي.. حالة نموذجية بعيني مستشرق ما قبل هوليوودي
- أغنية جديدة لعبد الوهاب..1
- شوكولاتة
- ميلودراما انتهت بانتصار الضوء: ملك الفضائح و المسخرة
- موسم صيد الشيوعيين في معرض القاهرة للكتاب
- و المزيد من النظرات
- المزيد من العيون
- الفخامة المدوية لأم كلثوم.. عبد الحليم الإله الشهيد
- دمشق
- الرحابنة يصدعون عالمنا
- ليس هناك شخص اسمه احمد زكي
- اللحم و الأفكار
- بوابات لمناقشة تلمودية بين الربي عقيفا و الربي يشماعئيل
- HAHY
- - مجموعة الكل .. تمرد سكندري مهم على السلطة المعنوية للقاهرة
- مونولوج


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نائل الطوخي - في رواية احمد شافعي الأولى -رحلة سوسو- الحكاية سلم يتفتت كلما نزلنا أكثر