أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - المزيد من العيون














المزيد.....

المزيد من العيون


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1095 - 2005 / 1 / 31 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


1
إشترى حسين عيناً من خان الخليلي. كانت عيناً فرعونية و قيل له أنها حرف في كتابة المصريين القدماء, و كانت على هيئة ميدالية.
خبأها حسين في محله و لم يرها لأحد
لحسين محل ترزي في باب اللوق

2
رسم حسين صورة للعين الفرعونية. أعجبته الصورة. علقها على جدار المحل و أخفى الأصل. سمى المحل "ترزي العيون"
فتن هو بالعين افتتاناً كبيراً
ثم رسم عيناً ثانية وثالثة و رابعة. علق كل صورة على جدار من جدران محله الأربعة. صارت لديه عين شمالية و عين جنوبية و عين شرقية و عين غربية
و صارت العيون تراقبه من كل اتجاه
و صار الله ينادي كل يوم "بعثروا العيون في طريق هذا الشاب".

3
رش حسين أمام محله بالماء يوماً. لم تعجبه طوبة ملقية أمام المحل, هكذا عرضاً. تأملها حسين و لم تعجبه أكثر. كان تحتها يلوح طرف ورقة مالية من فئة العشرين جنيه. قال حسين "أنا هو البشر و العشرين جنيه هي السعادة الكامنة و الطوبة هي الأقدار المعاكسة". و بهمة قذف بالطوبة بعيداً.
لم تبد بقية للعشرين جنيه. كان طرفها مقطوعاً و مثبتاً تحت الطوبة بشكل دقيق. و لم يكن طرفها يزيد عن الخمسة سنتيمترات.
تحت الطوبة كانت ثم عين. كانت عيناً بشرية و طازجة و تبدو كما لو كانت ما تزال حية.
حفظ حسين العين عنده في المحل. بشكل ما فنظريته الفلسفية عن السعادة الكامنة و الأقدار المعاكسة لم يتم تفنيدها بشكل كامل. فقط تم استبدال العشرين جنيه بعين بشرية
و مضى يدندن
و عندما أعطاه أحد الزبائن يوماً بنطلوناً ملفوفاً في كيس بلاستيكي لكي يقيفه له أخذ البنطلون و لم يستوعب الهدية المنتظرة إلا في اليوم التالي. لدى فرده للبنطلون تساقطت من الساق اليسرى خمس عيون. كانت العيون مخبأة في البنطلون بدقة بحيث لم تسقط أي واحدة في الكيس البلاستيكي, و كانت أول أرضية تلامسها العيون هي أرضية ترزي العيون.
سقطت العيون على الأرض و انحنى حسين ليلتقطها
عندما جاء الزبون ليأخذ البنطلون لم يحدثه حسين عن العيون. لم يبد أن الزبون كان يعرف أي شيء عنها أو أنه كان ملاك الله جبريل جاء لبعثرة العيون في طريق هذا الشاب
الشاب جمع الآن ثلاثين عيناً بشرية, تناثرت في طريقه بفعل الصدفة أو الإشارات الإلهية
الشاب سوف يضحّي قريباً جداً, في الفقرة التالية, بسبع عيون دفعة واحدة

4
حسين في الخامسة و العشرين و هو يحب بنتاً في الثانوية التجارية. يخرج معها كل خميس. عادة ما يذهبان إلى الكورنيش.
على الكورنيش كانت البنت ملقية برأسها على كتفه. قال لها كلاماً جميلاً و قالت له كلاماً جميلاً ثم سكتا. أخرج من جيبه عقداً و ألبسها إياه. كان قد سهر أسبوعاً كاملاً في إعداد هذا العقد. طوال أسبوع كان يمرر الإبرة في سبع عيون بشرية و يحيطها بخرز ملون من الجانبين.
نظرت البنت إلى العقد و لمست العيون, و كانت ما تزال بطزاجتها, و عرفت أنها عيون حية. سألته كيف فعلها فلم يرد و ابتسم. قبلته قبلة طويلة و غاص بوجهه في شعرها.
الآن حسين و فتاته, مرتدية عقداً ذا سبع عيون بشرية كأنما ترقبهما, يرقصان على الكورنيش
و هما جميلان جداً حين يرقصان
هكذا‍. في الشارع العمومي, أمام ألف عين حاقدة و سبع عيون على الصدر الجميل
يالهما من عاشقين
و لم تعد الناس و لا السيارات تمر في المدى الذي يرقصان فيه
كأنهما بالضبط ساحران

5
في الأعياد نكون أكثر سعادة. كان حسين يفلسف الدنيا هكذا. في هذا العيد شعر حسين بشيء ما أعمق من هذا.
شعر بأنه يجب عليه, هذا العيد تحديداً, أن يشارك في جعل الناس أكثر سعادة. و تفاقم هذا الشعور. تحول من شعور بالواجب إلى هاجس. لماذا هذا العيد بالذات لا أحد يدري.
طوال رمضان كان يحسبها في رأسه. كان قد جمع صندوقين ممتلئين حتى آخرهما بالعيون البشرية. كان على يقين من أنه أصبح هدفاً للعناية الإلهية, و أن العيون التي كانت تتناثر في طريقه بلا نظام (ما بين ملابسه و نقوده, في علبة سجائره, على الطريق الأسفلتية و تحت السيارات و في قلب فناجين القهوة) لم تكن إلا رسالة خفية من الله.
في جامع السلطان حسن و بينما الجميع يبتهلون ابتهالات العيد دخل حسين مرتدياً جلباباً أبيض و على كتفه صندوقان خشبيان. جلس حسين. أراح الصندوقين أمامه
و ابتهل مع الجميع
لدى انتهاء الصلاة و فراغ الجامع صعد حسين على السلالم الحلزونية الضيقة المؤدية إلى مأذنة الجامع
في عتمة بلا حدود تبزغ الفلسفة في ذهن حسين. تؤكد نفسها و تتجادل. تصبح راسخة هكذا و متينة.
و يمكننا ذات يوم, في عيد فطر ما, أن نصعد مأذنة جامع السلطان حسن و معنا صندوقان فيهما مئتا ألف عين بشرية طازجة, كأنما اقتلعت بالأمس. ننثر كل تلك العيون, من فوق المأذنة, بالتحديد في النقطة التي يشعر فيها المرؤ أنه إله, على أهل القاهرة
و تكون تلك هي عيديتنا الدائمة
لأنه حتى نجعل إنساناً أكثر سعادة
يمكننا إهداؤه المزيد من العيون, و المزيد و المزيد من العيون
حتى يتمكن من الرؤية كثيراً
أو تكون الرؤية طوفاناً غزيراً يلقى على الأشياء



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفخامة المدوية لأم كلثوم.. عبد الحليم الإله الشهيد
- دمشق
- الرحابنة يصدعون عالمنا
- ليس هناك شخص اسمه احمد زكي
- اللحم و الأفكار
- بوابات لمناقشة تلمودية بين الربي عقيفا و الربي يشماعئيل
- HAHY
- - مجموعة الكل .. تمرد سكندري مهم على السلطة المعنوية للقاهرة
- مونولوج
- أوان الورد, بحب السيما و وفاء قسطنطين.. خلايا الألم القبطي
- في الرواية الأولى لمنصورة عز الدين.. متاهة تعاني من الانفتاح ...
- وصولاً إلى اللا مكان.. عن الدين و الأدب و العاب الكمبيوتر
- حرصاً على الحقيقة
- يوم القيامة
- في ديوان جديد للشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور: الجيش و المجتم ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - المزيد من العيون