أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - وصولاً إلى اللا مكان.. عن الدين و الأدب و العاب الكمبيوتر














المزيد.....

وصولاً إلى اللا مكان.. عن الدين و الأدب و العاب الكمبيوتر


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1074 - 2005 / 1 / 10 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


عندما كتب لاجئ في بابل قبل الميلاد بسنوات طويلة "فلتنسني يميني إن نسيتك يا قدس", هل نظر النقاد إلى القدس يومها على انها حضور للمكان في النص الأدبي؟
لا أعتقد, ليس لأنه لم يكن هناك نقاد وقتها و إنما لأنه حتى غرناطة في ثلاثية الكاتبة رضوى عاشور (في زمن يزخر بنقاده) لم يتم النظر إليها باعتبارها حضوراً للمكان في العمل الأدبي. عندما يناقش المكان في العمل الأدبي (المثال الأبرز: حارة نجيب محفوظ), دوماً ما يتم الحديث عن المكان الحاضر الممسك بتلابيب أبطاله و كاتبه, و لا يشار إلى المكان النائي الذي يتم استدعاؤه. هذا التجاهل يخدم غاية أدبية أساسية (التركيز على الأدب الاجتماعي ذي الفضاء المحتشد بالتفاصيل, و هو ما يسمى بخفة بالمكان) أما المكان البعيد فينظر إليه باعتباره خطوة أخرى نحو تفسخ الأدب, و ربما هو كذلك بالفعل, و لكن بمنظور اكثر إيجابية, فالمكان البعيد المستدعى, و الذي غالباً ما يخدم غايات اجتماعية في المكان الحاضر (كمثال: صاحبنا المنفي في بابل كان يريد تذكرة شعبه بفلسطين لحثهم على التمرد على الفرس, أما رضوى عاشور فإنها تدرس كيف تنقرض الحضارة العربية في وطنها عن طريق الإشارة لحالة انقراض أخرى بعيدة و غائمة), هذا المكان البعيد هو خطوة نحو مكان متخيل كلياً, و هو مكان لا يخدم اي هدف اجتماعي و سياسي بخلاف التحرر من نير المكان الأصلي الجاثم و الثقيل (بلاد الواق واق في ألف ليلة و ليلة, الكواكب الأخرى في أفلام الخيال العالمي, و في مثال أكثر جرأة, جنة عدن في الكتب المقدسة).
ترى ما الذي عمل في ذهن الراوي العربي و هو يفكر في خلق مكان مختلف كلياً عن ذلك الذي يخضع له و يزخرفه بثلة من القواعد المنطقية المختلفة كذلك عن تلك التي يعرفها الناس؟ الأكيد أنه لم يتم التوغل في هذا المكان و إنما كانت الإشارة إليه بعيدة, كأن يحكي الراوي عن أناس قادمين من بلاد الواق واق أو ذاهبين إليها. يحدث شيء مثل هذا في أفلام الخيال العلمي, دوماً ما يكون الحديث عن غزو من كواكب أخرى أو بطل أرضي يسافر إلى كوكب آخر غير أن العدسة لا تكون بكاملها داخل المكان الآخر. غالبية العدسة تكون على الأرض و إنما جزء بسيط منها فقط هو الذي يكون مسلطاً على العالم المتخيل, بهدف خدش واقعية الواقع الأرضي (لا لأجل إعادة بنائه مثل أدب المكان النائي). يعمل في ذهن الفنان هنا شيء آخر: أن أي تسليط للعدسة على العالم الآخر سيحوله إلى أرض, و هي ما ينفر منها و يسعى إلى خدشها طول الوقت, أي أن العملية ستكون هدم سجن لبناء الآخر, و لذا فلقد سعى إلى هذا الحل الذي رآه عبقرياً ساعتها, خدش السجن الأول فقط عبر التلويح بوجود سجن ثان, بدون أن يسعى لبناء السجن الثاني أو حتى تخيله في الواقع. هذا ما لم تراعه الأديان, صورت الأديان جنة عدن بكل تفاصيلها (ليس كهدف في حد ذاته بالطبع و إنما من ناحية كجزء من عملية تربوية طويلة و من ناحية أخرى كمحاولة للخلاص التخيلي من واقع غير سار) و صورت ناسها و حيواناتها و أرضها عبر مفردات أرضية تماماً, و مع هذا لم تحول الأديان جنة عدن إلى أرض أخرى, كيف؟ لقد تركت الباب موارباً و قالت, في حكم مشكوك في مصداقيته, أن كل ما تفعله إنما هو تقريب للجنة الحقيقية, و لأن البشر ذوو تفكير و أفق محدودين فلن يمكن أبداً نقل الجنة الحقيقية إليهم عن طريق اللغة. هكذا احتفظت الأديان بهيبة العالم الآخر و تمكنت من مراوحة العالم الحالي و حشدت البشر لخدمة أهدافها في ذات الوقت.
هل كانت تلك خطوة نحو ثقافة اللا مكان و هي الأكثر ثورية من الأنواع الثلاثة السابقة؟ أم أن عناصر نفسية و اجتماعية هي التي وقفت وراء تواجد ثقافة اللا مكان, كما دأب النقاد أن يقولوا, مثل الشعور بالاغتراب و اللاانتماء و الضياع؟ ربما تكون تلك العوامل معاً هي ما أدت إلى ظهور ثقافة اللامكان. أشير هنا بالتحديد إلى ألعاب الكمبيوتر (أعتقد أن كافكا كمثال قد أصبح مثالاً شائعاً للغاية) إذ تختفي التفاصيل في فضاء الصورة (ربما لا يعود هذا إلى دافع ثوري و إنما إلى تكلفة زخرفة اللعبة بالتفاصيل المجانية غير أن المؤكد أن ثم شيئاً ما يمتاز بالنزق كان يدور في ذهن مصمم اللعبة إذ يتنازل عن التفاصيل التي لا تخدم اللعبة و يسطح عالمه). هذا الشعور بالاغتراب الذي ينتابنا فورما نلج في عمق لعبة الكمبيوتر هو الهدف الأساسي من كل تلك المسيرة الطويلة, فنحن في عالم غائم لا نعلم عنه إلا ما سوف يحقق لنا رصيداً أكبر. لا تلوح أي عناصر خارج المدار الذي تدور فيه سيارة السباق مثلاً و إذا ما حاول سائق السيارة الفضولي أن يخرج عن المدار ليرى ماذا يوجد في الخارج فسيجد نفسه مردوداً بعنف إلى عمق المدار, لا شيء يعلوه إلا أزرق يفترض أنه سماء و لا شيء بأسفل منه إلا أسود يفترض أنه أسفلت و بجواره سيارات أخرى و ربما حكم و ربما جمهور ضئيل نسبياً و لا شيء غير هذا, هو في اللا مكان الأصلي, و هذا هو مصدر رعبه و تعالي الضحكات الساخرة لمصمم اللعبة.
غير أنه للأسف لا يقدر لهذه المسيرة أن تمضي إلى نهايتها. مع الأيام تبدأ الألعاب في التكدس بتفاصيلها, في مسيرة ارتدادية مضحكة, و يبدأ اللاعب يتنفس الصعداء بعد أن بدأ يخرج تدريجياً من وطأة عالم مرعب إلى عالم معروف أكثر و مريح أكثر. تأخذ ألعاب الكمبيوتر في العودة خلفاً كل المسيرة الطويلة التي قطعها الأدب أماماً, و تأخذ في الاحتشاد بالشخصيات و القصص و المؤثرات الاجتماعية, و في نهاية الأمر, تدور منافسة حامية بين ألعاب الكمبيوتر و الأدب الكلاسيكي على هذه الساحة.



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرصاً على الحقيقة
- يوم القيامة
- في ديوان جديد للشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور: الجيش و المجتم ...


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - وصولاً إلى اللا مكان.. عن الدين و الأدب و العاب الكمبيوتر