أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - حرصاً على الحقيقة















المزيد.....

حرصاً على الحقيقة


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 10:50
المحور: الادب والفن
    


الرئيس:
نقل التليفزيون هذا الخبر للرئيس: أنه بينما كان حكم الإعدام العلني ينفذ في خمسة من المتآمرين أصر البعض على التضامن مع المحكوم عليهم و إعلان هذا التضامن و أنه بينما كان كل من المحكوم عليهم يشبك يديه في يد الآخر و يرفعها عالياً, فوق الأسطح التي كانت تزداد سخونة من تحت مؤخراتهم و سيقانهم, كان البعض ممن جاءوا للمشاهدة يشبكون أيديهم أيضاً رافعينها عالياً (هتف الرئيس: السفلة) تعبيراً عن التضامن أو الاعتراض أو أية مصيبة أخرى.

جزء من خطاب الرئيس أمام رؤساء تحرير الصحف:
نصحني كثيرون بتبني الأسلوب الديمقراطي, غير أنني رفضت بشدة, و مازلت أرفض حتى الآن للحق, و أعتقد أن موقفي مبرر تماماً. فإذا ما تأملنا الموقف بشكل أكثر عمقاً و تخلينا عن إغراءات المصطلحات الجذابة فلسوف نجد أن الديمقراطية كمصطلح لها شقان, شق إيجابي و شق سلبي. و هذا واضح إذ أنني عندما أقول لمرء قل ما تريد فإما أن يقول ساعتها ما يرضيني و هذا إيجابي أو يقول ما يسوءني و هذا سلبي. بالنسبة لهتافات التأييد – هذا ما يرضيني, إذا ما ترجمنا الأمر إلى لغة أكثر عملية – فلا حساسية لديّ إزاءها مطلقاً صدقوني, أما بالنسبة للانتقادات فهنا تكمن المعضلة كلها.
أقول أن الديمقراطية وسيلة و ليست غاية, وسيلة لصلاح البشر طبقها البعض و حققت المرجو منها و هذا في بلدان أخرى ليس من الضروري أن ما يصلح عندها هو ما يصلح عندنا. و إذا ما افترضنا مبدئياً أن حكومتي تتخذ إجراءات لصالح المواطنين أفلا تكون الانتقادات حينئذ خنجراً مسموماً يصوب إليها في ظهرها. أقول لكم فليضع أي منكم نفسه مكاني, كيف يكون موقف أي منكم إذ, بينما هو يضع روحه كلها في عمله: يكد و يعرق و يكاد ينتحر عملاً, سمع ملاحظة عابرة عن مظهره غير اللائق الذي جاء به إلى عمله اليوم و ليكن ذقنه غير الحليقة مثلاً, أفلا يغتم مواطن كهذا و يكتئب و يقل مستوى أدائه كثيراً عن ما قبل الملاحظة. أليس القياس صالحاً لتطبيقه على الحكومة, و لنكن مباشرين, لتطبيقه عليَّ. ألا تكون كل الانتقادات عندئذ في غير محلها بل و تأتي لغير الصالح العام أصلاً. ينبغي التمييز, فأنا أقدر كل التقدير هذه الانتقادات من ناحية هدفها الأساسي إذ أوقن أنها تصدر عن شرفاء, غير أنهم شرفاء لدرجة أنهم فرشوا جحيماً كبيراً بمزيد من النوايا الحسنة, بل و الرائعة.
بخصوص القضية اياها الخاصة بالمتآمرين الخمسة فأنا أوقن أنهم شرفاء بل و قد بكيت إذ مات آخرهم. بكيت لأنه ليس من العدل مطلقاً أن يموت مواطن شريف هدف إلى خير بلده. غير أنهم قد فعلوا ما جئت اليوم لإدانته. لقد انتقدوا بأشد اللهجات جرأة و مباشرة أداء الحكومة في الفترة الأخيرة و أعلن واحد منهم, و هذا ثابت لدينا, أنه مازالت بعض الأشياء تحتاج إلى الصلاح في بلدنا. و بغض النظر عن صحة كلامه أو مغلوطيته, و أنا واثق أنه مغلوط, فليس الأمر هكذا يا رفاق. و لتكن نصيحتي الأخيرة لكم في جلستنا هذه: من رأى, و الأفضل ارتأى, منكم شيئاً يعتقده فساداً أو غير صالح فلا يبوح به. لأن البوح يكون مهلكاً في هذه اللحظة, مهلكاً لبلد في طور ولادته مازال. و إذا ما صادف الأمر و وُجد مثل هذا الشخص فليكن الموت نصيبه, لأنه خير أن يهلك عضو واحد من أن يهلك الجسد بأكمله.

عضو الحزب:
قال واحد (لم يقض على الفساد بالكامل) و هتف آخر (غير أنه لا يسعنا إلا أن نؤيد سياساته المجملة) ثم ران صمت تعبيراً عن التوافق مع هذه الجملة الأخيرة. كان الزملاء قد أنهكهم السهر غير أن الحديث عن الرئيس كان لما يستنفد بعد. كنا قد شاهدنا لقاءه بالصحفيين في التليفزيون و خصصنا هذه الجلسة لمناقشته و كنا قد منينا أنفسنا بحديث أكبر يخصصه لزملائنا الذين أعدموا في الميدان الرئيسي بأمر منه. ساد هذه الجلسة صمت من نوع ما. ربما يكون صمت الندم. و بخلاف هاتين الجملتين فلم يصدر صوت آخر, حتى هذه النقطة من السرد, بخلاف أصوات غير لغوية بالمرة, كسعال أو نحنحة. كانت الكلمات تدوي في رؤوسنا برنين يبدو أسطورياً. قالت واحدة (لا يسعكم إلا التصديق على كلامه). و رد عليها واحد (عال, يقتل زملائنا و نصدق على كلامه). ردت عليه بحدة (حتى نحن نلجأ أحياناً إلى القتل لأجل الصالح العام, لا تكن ديماجوجياً). كانت هذه الجملة هي الجملة الأخيرة التي تم النطق بها, حتى آخر الجلسة هذه المرة. و بينما أنا أعود إلى منزلي في الليل كنت أتذكر زملائي الذي ماتوا بحرقة و أخضع الأمر لمنطق الرئيس. كنت أسأل: إذا كانت أراء زملائنا تعبيراً دقيقاً عن موقفهم الشخصي و موقف الحزب و إذا كانت أراؤنا, نحن الذين مازلنا أحياء, هي كذلك أيضاً, فلماذا يقتل هؤلاء و نبقى نحن. شعرت بأننا ارتكبنا خيانة ما, خيانة لزملائنا وخيانة للرئيس في الوقت ذاته. قبل أن أصل إلى بيتي خطر لي أن أذهب إلى مقبرة أحدهم, أقرب واحد منهم لي, كنا وعدنا بعضنا البعض ألأ يموت واحد منا بدون الآخر, و يا لهول الخيانة, و أستجديه العون. بكيت كثيراً أمام القبر متذكراً جميع لحظاتنا الحلوة. كانت لحظة مقتله بشعة و مازالت تثير حتى الآن في رعباً كابوسياً. غير أنه ما كان أمامي إلا بأن أقول بصوت خافت أمام القبر: أنت كنت تستحق القتل. هذا ما عرفناه الآن. كان لابد من قتلك حتى تنهض البلد. هكذا علَّمنا الرئيس. الرئيس الذي آمنت بكلماته طوال حياتك. لم أتمالك نفسي. سقطت عند القبر مغشياً علي من هول الاعتراف و بشاعة الحقيقة.
في اليوم التالي عندما اجتمعنا في مقر الحزب كان بادياً على كل منا أنه لم ينم أية لحظة في الليلة الماضية. و لم نتحدث أيضاً. نظرنا إلى بعضنا البعض نظرات حائرة. هل يعقل هذا. كل ما حاربنا باسمه كان خاطئاً. خطأ يليه خطأ. لا, لم يقض الرئيس على الفساد بالكامل. و لكن أليس بمجرد التفوه بهذا يزداد الفساد. يصيب الشلل اليد القادرة على مواجهة الفساد و تصير البلد أكثر تأخراً عن ذي قبل. هتف واحد بصوت خفيض (أنا سأنتحر). نظروا نحوه بعيون متسائلة. أكمل (قال الرئيس: إذا وجد مثل هذا الشخص, و هو يعنينا بالذات, فيجب أن يموت, و أنا عقبة في سبيل تقدم البلد). كل ما قلناه سابقاً. كل الحماس "الصادق" الذي تملكنا و نحن نعدد مساوئ الحكومة لا يزيد عن كونه تاريخاً أسود, ينبغي التخلص منه قبل أن يظهر للنور, قبل أن يدري به الحاكم فيكون في ذلك هلاكه قبل هلاكنا. أردف (الشجاع من يتحمل نتيجة تفكيره). قلت (و أنا كذلك سأنتحر). نظروا نحوي كذلك بدهشة. تأبطت ذراع زميلي المنتحر و خرجنا سوياً من مقر الحزب. في الطريق لم نتبادل إلا جملا معدودة. لم تواتنا الشجاعة لمناقشة ما انتوينا عليه منذ لحظات. بعدها بيومين فقط اتصل بي زميلي و أكد لي على نيته في الانتحار. أكدت له أنا كذلك. أتفقنا على عدم تحديد موعد لانتحارنا. إتفقنا على السعي أولاً لإقناع زملائنا بالانتحار معنا.
سيقتضى ذلك منا مناظرات عديدة سوف نفوز في أغلبها و لأننا سوف نتحدث من مواقع عقائدية بالأساس و ليس من مواقع براجماتية كتلك التي سوف يتخذها زملاؤنا فلسوف يؤيد المنطق البسيط فكرتنا. سيحتاج الأمر فقط إلى بعض الشجاعة, و هو ما سأكون موقناً أنه لا ينقص زملائنا, و بعض المرونة في التفكير, و سوف يمكننا التغلب على هذا النقص كذلك. بعد أسبوع واحد سنكون قد قررنا جميعاً الانتحار, تضامنا مع زملائنا المقتولين و تكفيراً عن خيانتنا للرئيس و تطبيقاً عملياً لقراره و, و هو الأكثر أهمية, حرصاً على مصلحة البلد, كما عرضها لنا الرئيس بأسلوب رزين و مقنع.
أعدم زملاؤنا بالأسطح الساخنة. أسطح معدنية يجلسون فوقها و تظل حرارتها تزداد شيئاً فشيئاً حتى يحترقون, حتى يعتبر كذلك الشعب الغافل. سوف نموت نحن كذلك بنفس الوسيلة في مكان بعيد عن أعين الرئيس الذي قد تدفعه الغفلة إلى إصدار الأمر بإنقاذنا و العفو عنا و لن نسمح بشيء كهذا, لأنه سيكون عبثياً تماماً في الواقع.
و في يوم من الأيام سنعلم أن هذا لم يكن تفكيرنا وحدنا و أنه في تلك اللحظة التي راود فيها الندم كلاًَ منا كان الندم يراود كذلك أناساً آخرين, أناس من الشعب, بسطاء بلا مواقف فكرية و لا معرفة إلا بحياتهم الخاصة. سنعرف أن الندم كان يفتك بالناس في تلك اللحظات و أن كلاً منهم كان يود لو أعدم مع الخمسة الذين أعدموا و أنهم كلهم قد تمنوا لو رفعوا أيديهم معنا حين إعدام زملائنا.

الرئيس:
و في يوم من الأيام كذلك سيجد الرئيس نفسه وحيداً. بدون حاشية و لا مرافقين و لا وزراء و لا شعب. و ستكون بوادر هذا قد ظهرت منذ أسابيع إذ أعلن له سكرتيره الخاص أن البعض ينتحرون لأسباب غامضة و منذ أيام عندما قال له أن معدلات الانتحار قد بلغت حداً خطيراً و منذ ساعات عندما استنشق رائحة الشواء الانتحاري في غرفة سكرتيره الخاص.
الرئيس الآن يفكر. لم يخبره التاريخ حتى الآن, مع سعة اطلاعه, بكيفية تصرف رئيس بلا شعب. فوق هذا كان ثم شعور بالإهانة يعاني منه. كان قد أدرك بذكائه الذي لا ينبغي التشكيك فيه علاقة ما بين الانتحار الجماعي للشعب و بين إعدام المتآمرين الخمسة منذ سبعة و عشرين يوماً, هل يكفي دليلاً على هذا أن جميع حالات الانتحار قد تمت بالأسطح الساخنة. يصل الرئيس بهذا الربط إلى استنتاجات خطيرة, ترتبط كلها بالمساس بكرامته كرئيس قادر على توقيع أي من العقوبات على كل من يريده من الشعب.
الرئيس الآن يتمشى في الشوارع ناظراً إلى الجثث المتراصة. عال. شعبي يلوي ذراعي. يعترض من حيث لا يمكنني عقابه. هذا الشعب الجاحد بالنعمة. ينظر الرئيس إلى مداخن المصانع التي ارتفعت في هذا العام علامة على بدء التصنيع و يضرب كفاً بكف. يرسل إليَّ الشعب رسالة دالة على عجزنا, على عجزي.
يحاول الرئيس دفن بعض الجثث المتفحمة
يفكر الرئيس في التبرير الذي سيقدمه للصحافة الأجنبية إذا ما سألته عن خواء البلد في هذه الساعة التي يفترض أن تكون ساعة ذروة



#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم القيامة
- في ديوان جديد للشاعر الإسرائيلي يتسحاك لائور: الجيش و المجتم ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نائل الطوخي - حرصاً على الحقيقة